إدارة الأزمات بالروح الرياضية الدموية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
ثمة ما يُعرف بنظريات إدارة الأزمات الداخلية للدول، ومن بينها الإدارة بالأزمات،ومفادها افتعال أزمات إضافية، للتغطية أو لإدارة أزمات أكثر حساسية أخرى لم تتمكن السلطة الخروج منها. وفي الواقع برعت أنظمتنا العربية بهذا النوع من الهروب إلى الأمام عبر هذه الوسائل.
وفي الواقع أيضا ، أجادت أنظمتنا وتفننت في ابتكار وحتى اختراع وتسخير ما لا يخطر على البال في سبيل تغطية فشلها في حل العديد من قضايانا وأزماتنا ، التي كانت هي في الأساس أول من تسبَّب بها. والمفارقة المضحكة المبكية في هذا المجال استغلال الألعاب الرياضية وسيلة لإلهاء الشعوب عن مشاغلها الحقيقية.وثمة حالات كثيرة شائعة في مجتمعاتنا العربية غرقت في هذا النوع من الإلهاء وساعدت طبعا بغير قصد، هذه الأنظمة على التفلت من مسؤولياتها.
فما حدث في مصر على سبيل المثال ليس بسابقة لا في مصر ولا بغيرها من الدول العربية والغربية،لكن المفارقة فيها، مجموع أعداد الضحايا بين قتلى وجرحى،إذ سجلت أعدادا مفزعة عند مقارنتها ومقاربتها،بأرقام الضحايا الذين سقطوا إبان الثورة على نظام الرئيس حسني مبارك.
فمن المفجع ان يسقط في عِراك رياضي ربع الإعداد التي أدت إلى إسقاط النظام، كما يماثل هذا الرقم وهذه النسبة أيضا أعداد الجرحى. فبحسب الإحصاءات الرسمية لم يتجاوز عدد الضحايا في الثورة الـ 400،والجرحى 6500؛فيما سقط في بور سعيد بحسب الإحصاءات الأولية 75 قتيلا وأكثر من 300 جريح. فماذا يعني ذلك،هل هي من نوع الروح الرياضية والشهامة التي يتباهى بها العرب؟ أم ثمة خلفيات أخرى لهذا الوضع يمكن الاستفادة منه عمليا؟
في الواقع ثمة سلوك اجتماعي أنتجته أنظمتنا عند كل مطب وقعت فيه،ومن بين هذه الوسائل إنتاج صراعات اجتماعية على خلفيات رياضية. فماذا حدث في مصر بعد العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في العام 1967،ألم تنطلق الفرق الرياضية العربية في غير بلد عربي ومنها مصر للتغطية على مأساة ما حصل، وتوجيه السلوك السياسي والاجتماعي للمواطنين باتجاهات مغايرة، ومثال ذلك انقسام الشارع المصري بين الأهلي والزمالك. وماذا حدث في لبنان كذلك بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ببساطة انتشرت الجمعيات والفرق الرياضية في القرى والبلدات اللبنانية كالنار في الهشيم،وسجل إعطاء تراخيص بشكل وبحجم لم يسبقه مثيل في تاريخ إنشاء الجمعيات الرياضية في لبنان. وقس على تلك النماذج الكثير من الحالات في مختلف بلداننا العربية.
اليوم ما جرى في مصر ، هي حالة ينبغي النظر إليها بدقة، لجهة تداعياتها وأبعادها ودلالاتها. فهي تؤسس لشرخ اجتماعي مناطقي ومن الممكن ان يُجيّر طائفيا ومذهبيا، بحسب انتماءات الشرائح الاجتماعية،وعندها لن يعتبر الموضوع مجرد أزمة ناجمة عن تشجيع رياضي لهذا الفريق أو ذاك.علاوة على ذلك ان ما جرى يشير إلى سلوك اجتماعي ضاغط ومتفلت يصعب السيطرة عليه،وان كانت الحالة الشعبية المصرية تشهد حراكا تغييرا بمواجهة من يصفونهم بآكلي ثورتهم.
ان الوضع العام المصري ،يشهد حاليا تحوّلا على قاعدة مواجهة محاولات احتواء الثورة، وهي حالة تنم عن سخط شعبي لما آلت إليه الثورة، وفي المقابل ثمة من ينفخ في شق وتأجيج الشرائح الاجتماعية المصرية للتخفيف من حجم ضغوطها وآثار تحركاتها،في وقت يبدو ان ظروف الاختراق متوافرة وقابلة للتمدد في غير اتجاه.
من الطبيعي ان تكون المناسبات الرياضية موقعا وموضعا للتنافس الرياضي، وليست مرتعا لإشعال الفوضى والانقسامات، في بلد هو بأمس الحاجة لوسائل تعزّز وحدته الوطنية السياسية كما الرياضية. كما انه من غير الطبيعي أيضا ان تنساب الروح الرياضية الدموية بين فئات وشرائح اجتماعية من المفترض اعتبارها خزانا للقضايا الإستراتيجية الوطنية.
إحدى الشعارات الأولى التي انطلقت في غير مكان وموقع مصري ،" كلنا إيد واحدة"،اليوم تُفرّق أقدام الكرة،ما جمع المصريين في ثورة ينبغي ان تكون نبراسا لباقي المجتمعات العربية الباحثة عن حريتها بروح ثورية، لا بوسائل رياضية دموية.