هل ستفعلها إسرائيل؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 18/2/2012
في 5 حزيران 1982 ،أطلقت إسرائيل عملية سلامة الجليل ضد لبنان انتقاما لما أسمته آنذاك، لمحاولة اغتيال سفيرها في لندن شلومو آرغوف، فغزت لبنان واحتلت بيروت ثاني عاصمة عربية بعد القدس. اليوم ثمة أصوات إسرائيلية ترتفع لاستعادة الأجواء نفسها،بعد تفجيري الهند وجورجيا ضد سفارتيها،فهل سيكون رد الفعل الإسرائيلي مماثلا لما جرى في العام 1982،أم سيكون الأمر مختلفا؟
في الوقائع أولا،ربطت إسرائيل الهجومين بأعمال أخرى في أذربيجان وتايلاند متهمة حزب الله بتدبير العمليتين، هذه المرة ربطت الهجومين والذي سبقهما أيضا بإيران،وأرفقت بردود أفعالها الأولية مواقف تحمِّل المسؤولية لكل من طهران وحزب الله متوعدة بالرد في المكان والزمان المناسبين.طبعا ثمة سيناريوهات متعددة لتنفيذ إسرائيل لتهديداتها،يأتي على رأسها تنفيذ ضربة نوعية لإيران،أو تنفيذ عملية غزو للبنان يكون حزب الله هدفها الأول.فأين المكان وأين الزمان في الأجندة الإسرائيلية؟
في المبدأ،في العادة لا تنتظر إسرائيل أي مبرر لتنفيذ اعتداءاتها على أي كان، رغم إصرارها بالظهور في وضعية الحمل الوديع. ففي العام 1982 نفذت عدوانها على لبنان بذريعة آرغوف،وتبيّن بعد عقد من الزمن ان فصائل المقاومة الفلسطينية لم يكن لها يد في ذلك،بل أكثر من ذلك ان الموساد الإسرائيلي هو من كان مدبر العملية لتنفيذ العدوان. وبصرف النظر عمن دبر ونفذ عمليتي نيودلهي وتبليسي،ثمة أجواء محلية وإقليمية ودولية متشابهة لما كان سائدا العام 1982. مع فروق بسيطة في الأدوات والوسائل.
استعرت الحرب الباردة بين موسكو السوفيتية وواشنطن العام 1982 على منطقة الشرق الأوسط، غزت إسرائيل لبنان وأنزلت فيه قوات متعددة الجنسيات قوامها الأساسي أميركي - فرنسي، ما لبثت ان أخرجت بعمليتين كبيرتين ضد المارينز وقوات المظليين الفرنسيين حصدت المئات من القتلى، اتهمت إيران وحزب الله بالعمليتين.اليوم ثمة تنافس روسي أميركي في المنطقة عبر البوابة السورية وأزمتها،في وقت يشتد الضغط على مثلث طهران – دمشق – بيروت،في الوقت الذي تتجمع به عناصر التفجير، كل له حسابات ووسائل وأدوات ما فيها.
في المقلب الإسرائيلي، ثمة رعب متواصل من البرنامج النووي الذي تعتبره تهديدا كيانيا لها،الأمر الذي يستوجب في الإستراتيجية الإسرائيلية أي عمل استباقي بصرف النظر عن مبرر العمليتين، يساعدها في ذلك انشغال العالم بأزمات الأنظمة العربية والحراك القائم فيها،علاوة على تعثر المسارات الدبلوماسية للبرنامج النووي الإيراني. فهل تشن إسرائيل عمليتها وسط انشغال دمشق بأزمتها، وتهيأ كل من موسكو وباريس وواشنطن الانغماس في انتخاباتها الرئاسية القادمة؟ وهل ستعيد أجواء ضرب مفاعل تموز العراقي في طهران بمعزل عن التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ أم ستختار السقف الأدنى بمحاولة ضرب حزب الله في لبنان عبر استنساخ تجربة 2006؟ في كلا الحالتين ثمة حسابات من الصعب تحديد أولوياتها لارتباط الخيارين ببعضهما البعض في حال البدء في أي منهما.
في المقلب الإيراني، تعلمت طهران من تجاربها السابقة في حربها مع العراق، كما الكيفية التي ينبغي التعامل مع أي أزمة تمسُّ إستراتيجياتها الإقليمية كنموذج احتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003 والعدوان على لبنان 2006 وغزة 2008، في جميع تلك الحالات حققت مكاسب وازنة دون دفع أثمان كبيرة.اليوم طهران كما يبدو ليست مستعدة لفتح معارك غير واضحة المعالم وبخاصة مع إسرائيل أو الغرب،في وقت يشهد أحد حلفائها الاستراتيجيين أزمة داخلية غير معروفة النتائج بالتحديد.وإذا كانت طهران وفقا لهذه البيئة ستحاول عدم الإنجرار،فهل ستسمح إسرائيل بتفويت أي فرصة سانحة لها؟ علمتنا التجارب الإسرائيلية باستغلالها أي ظرف لتنفيذ ما تود فعله،فماذا سيكون الموقف المقابل؟ من البديهي ان طهران ستعتمد على اذرع السياسة الخارجية ومنها الواقع اللبناني، كما من الممكن ان يشمل أيضا سوريا التي يمكن أن ترى هذا الخيار مخرجا من الأزمة الداخلية.
في المقلب الإقليمي والدولي الآخر، ثمة انسداد في الأفق السياسي لمجمل أزمات المنطقة،ما يعزز خيارات اللجوء للخيارات العسكرية لحسم بعض القضايا التي يصعب حلها بدون كسر موازين القوى القائمة حاليا.وعلى الرغم من بروز هذه الخيارات أكثر من أي وقت آخر،ثمة رعب وخوف متبادل،باعتبار ان اشتعال فتيل أي حرب ولو كانت إقليمية صغيرة، من الممكن ان تتحول إلى إقليمية كبيرة أو دولية،وبذلك من الصعب التحكّم بمساراتها ونتائجها وتداعياتها. وبخاصة ان تلك الحرب ستعيد رسم موازين قوى إقليمية جديدة ستسهم بشكل مباشر في إعادة رسم صورة النظام العالمي في الفترة القادمة.
ان الظروف والوقائع التي تتجمع في المنطقة، تنذر بظهور سلوك سياسي جديد ، يعيد أجواء التنافس الدولي بداية ثمانينيات القرن الماضي الذي أسس لنظام عالمي جديد بداية التسعينيات،فهل التاريخ يعيد نفسه بأدوات ووسائل أخرى؟.الصورة تكاد تكون متطابقة إلى حد بعيد، مع اختلاف في الأحجام والأوزان وحتى التداعيات المحتملة.فهل ستتحمل المنطقة حربا إقليمية عظمى تقول بعض التقارير الاستخبارية سيصل عدد ضحاياها إلى أكثر من مليون ونصف المليون ضحية؟ أم لغة العقل والتعقل ستأخذ مكانها؟ عندما يتعلق الأمر بمسائل تغيير موازين القوى وإعادة ترتيبات جديدة،لن تتورع أية قوة في فعل أي شيء للحفاظ على مكانتها ودورها وما امتلكت من وسائل قوة،وهذا ما ينطبق بالتحديد على كل من إسرائيل وإيران.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 18/2/2012
في 5 حزيران 1982 ،أطلقت إسرائيل عملية سلامة الجليل ضد لبنان انتقاما لما أسمته آنذاك، لمحاولة اغتيال سفيرها في لندن شلومو آرغوف، فغزت لبنان واحتلت بيروت ثاني عاصمة عربية بعد القدس. اليوم ثمة أصوات إسرائيلية ترتفع لاستعادة الأجواء نفسها،بعد تفجيري الهند وجورجيا ضد سفارتيها،فهل سيكون رد الفعل الإسرائيلي مماثلا لما جرى في العام 1982،أم سيكون الأمر مختلفا؟
في الوقائع أولا،ربطت إسرائيل الهجومين بأعمال أخرى في أذربيجان وتايلاند متهمة حزب الله بتدبير العمليتين، هذه المرة ربطت الهجومين والذي سبقهما أيضا بإيران،وأرفقت بردود أفعالها الأولية مواقف تحمِّل المسؤولية لكل من طهران وحزب الله متوعدة بالرد في المكان والزمان المناسبين.طبعا ثمة سيناريوهات متعددة لتنفيذ إسرائيل لتهديداتها،يأتي على رأسها تنفيذ ضربة نوعية لإيران،أو تنفيذ عملية غزو للبنان يكون حزب الله هدفها الأول.فأين المكان وأين الزمان في الأجندة الإسرائيلية؟
في المبدأ،في العادة لا تنتظر إسرائيل أي مبرر لتنفيذ اعتداءاتها على أي كان، رغم إصرارها بالظهور في وضعية الحمل الوديع. ففي العام 1982 نفذت عدوانها على لبنان بذريعة آرغوف،وتبيّن بعد عقد من الزمن ان فصائل المقاومة الفلسطينية لم يكن لها يد في ذلك،بل أكثر من ذلك ان الموساد الإسرائيلي هو من كان مدبر العملية لتنفيذ العدوان. وبصرف النظر عمن دبر ونفذ عمليتي نيودلهي وتبليسي،ثمة أجواء محلية وإقليمية ودولية متشابهة لما كان سائدا العام 1982. مع فروق بسيطة في الأدوات والوسائل.
استعرت الحرب الباردة بين موسكو السوفيتية وواشنطن العام 1982 على منطقة الشرق الأوسط، غزت إسرائيل لبنان وأنزلت فيه قوات متعددة الجنسيات قوامها الأساسي أميركي - فرنسي، ما لبثت ان أخرجت بعمليتين كبيرتين ضد المارينز وقوات المظليين الفرنسيين حصدت المئات من القتلى، اتهمت إيران وحزب الله بالعمليتين.اليوم ثمة تنافس روسي أميركي في المنطقة عبر البوابة السورية وأزمتها،في وقت يشتد الضغط على مثلث طهران – دمشق – بيروت،في الوقت الذي تتجمع به عناصر التفجير، كل له حسابات ووسائل وأدوات ما فيها.
في المقلب الإسرائيلي، ثمة رعب متواصل من البرنامج النووي الذي تعتبره تهديدا كيانيا لها،الأمر الذي يستوجب في الإستراتيجية الإسرائيلية أي عمل استباقي بصرف النظر عن مبرر العمليتين، يساعدها في ذلك انشغال العالم بأزمات الأنظمة العربية والحراك القائم فيها،علاوة على تعثر المسارات الدبلوماسية للبرنامج النووي الإيراني. فهل تشن إسرائيل عمليتها وسط انشغال دمشق بأزمتها، وتهيأ كل من موسكو وباريس وواشنطن الانغماس في انتخاباتها الرئاسية القادمة؟ وهل ستعيد أجواء ضرب مفاعل تموز العراقي في طهران بمعزل عن التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ أم ستختار السقف الأدنى بمحاولة ضرب حزب الله في لبنان عبر استنساخ تجربة 2006؟ في كلا الحالتين ثمة حسابات من الصعب تحديد أولوياتها لارتباط الخيارين ببعضهما البعض في حال البدء في أي منهما.
في المقلب الإيراني، تعلمت طهران من تجاربها السابقة في حربها مع العراق، كما الكيفية التي ينبغي التعامل مع أي أزمة تمسُّ إستراتيجياتها الإقليمية كنموذج احتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003 والعدوان على لبنان 2006 وغزة 2008، في جميع تلك الحالات حققت مكاسب وازنة دون دفع أثمان كبيرة.اليوم طهران كما يبدو ليست مستعدة لفتح معارك غير واضحة المعالم وبخاصة مع إسرائيل أو الغرب،في وقت يشهد أحد حلفائها الاستراتيجيين أزمة داخلية غير معروفة النتائج بالتحديد.وإذا كانت طهران وفقا لهذه البيئة ستحاول عدم الإنجرار،فهل ستسمح إسرائيل بتفويت أي فرصة سانحة لها؟ علمتنا التجارب الإسرائيلية باستغلالها أي ظرف لتنفيذ ما تود فعله،فماذا سيكون الموقف المقابل؟ من البديهي ان طهران ستعتمد على اذرع السياسة الخارجية ومنها الواقع اللبناني، كما من الممكن ان يشمل أيضا سوريا التي يمكن أن ترى هذا الخيار مخرجا من الأزمة الداخلية.
في المقلب الإقليمي والدولي الآخر، ثمة انسداد في الأفق السياسي لمجمل أزمات المنطقة،ما يعزز خيارات اللجوء للخيارات العسكرية لحسم بعض القضايا التي يصعب حلها بدون كسر موازين القوى القائمة حاليا.وعلى الرغم من بروز هذه الخيارات أكثر من أي وقت آخر،ثمة رعب وخوف متبادل،باعتبار ان اشتعال فتيل أي حرب ولو كانت إقليمية صغيرة، من الممكن ان تتحول إلى إقليمية كبيرة أو دولية،وبذلك من الصعب التحكّم بمساراتها ونتائجها وتداعياتها. وبخاصة ان تلك الحرب ستعيد رسم موازين قوى إقليمية جديدة ستسهم بشكل مباشر في إعادة رسم صورة النظام العالمي في الفترة القادمة.
ان الظروف والوقائع التي تتجمع في المنطقة، تنذر بظهور سلوك سياسي جديد ، يعيد أجواء التنافس الدولي بداية ثمانينيات القرن الماضي الذي أسس لنظام عالمي جديد بداية التسعينيات،فهل التاريخ يعيد نفسه بأدوات ووسائل أخرى؟.الصورة تكاد تكون متطابقة إلى حد بعيد، مع اختلاف في الأحجام والأوزان وحتى التداعيات المحتملة.فهل ستتحمل المنطقة حربا إقليمية عظمى تقول بعض التقارير الاستخبارية سيصل عدد ضحاياها إلى أكثر من مليون ونصف المليون ضحية؟ أم لغة العقل والتعقل ستأخذ مكانها؟ عندما يتعلق الأمر بمسائل تغيير موازين القوى وإعادة ترتيبات جديدة،لن تتورع أية قوة في فعل أي شيء للحفاظ على مكانتها ودورها وما امتلكت من وسائل قوة،وهذا ما ينطبق بالتحديد على كل من إسرائيل وإيران.