تحديات قمة بغداد العربية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 27/3/2012
ربما قدر بغداد استضافتها الدائمة لقمم عربية استثنائية بموضوعاتها وظروفها،وكما كان الأمر في المرتين السابقتين، تعقد القمة العربية الدورية في ظروف هي الأشد استثنائية في النظام الإقليمي العربي لجهة مكوناته الذاتية والموضوعية.فما هي تحدياتها ومآلاتها؟ وهل ستتمكن من إعادة العرب إلى الجغرافيا والتاريخ الذي أخرجوا منهما؟أم ستبقى قمة كغيرها من القمم ؟
في العام 1978 استضافت بغداد ما أسمته آنذاك "قمة التصدي والصمود" لمواجهة زيارة أنور السادات لتل أبيب وما تبعها من توقيع لاتفاقية كامب ديفيد،كانت النتيجة اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان واحتلال قسم كبير منه.فلا الصمود أثمر،ولا التصدي منع. تبعتها سلسلة من الانقسامات العربية حول أبرز القضايا وسبل حلها ومنها الصراع العربي - الإسرائيلي.
في القمة الثانية عام 1990، اجتمع العرب في بغداد كالتفاتة للعراق على حربه مع إيران، أضاع فرصتها آنذاك صدام حسين،ورد على مقرراتها باجتياح الكويت بعد شهرين،فكانت الطامة الكبرى حيث عاد العرب وانقسموا مجددا،فكانت النتيجة أيضا لمصلحة إسرائيل، فجروا إلى مؤتمر مدريد للسلام،حيث تفرقوا أيضا وعقدت اتفاقيات سلام منفردة مع إسرائيل كل على ليلاه.
القمة الحالية تعقد وسط تحديات من نوع آخر،وان كان لها صلة ما بالقمتين السابقتين موضوعيا، لكن ثمة إضافات ومن نوع آخر، فإسرائيل ليست وحدها التي تشكل خطرا، ثمة هواجس موضوعية متعلقة بارتفاع منسوب التأثير غير العربي في القضايا العربية وبشكل غير مسبوق.إضافة إلى الحراك العربي في غير مكان والذي يؤرق الكثير من مكونات الواقع العربي الراهن وبخاصة الأنظمة التي عاشت واستمرت بحجة الصراع مع إسرائيل،فماذا ستكون عليه مقررات القمة ومواقفها تجاه العديد من التحديات المطروحة؟.
أولا في مؤسسة القمم العربية التي تبدو ظاهريا أنها فاعلة عبر حراك جامعة الدول العربية في غير أزمة عربية،أو غير عربية،ماذا ستقدم لنظامها الإقليمي الذي بات متلاشيا وليس له أي أثر يذكر فيما يجري فيه وعليه؟أهل هي قادرة على إنتاج نفسها وإعادة تعويم دورها المفترض عبر آليات عمل جديدة تراعي ظروفها الاستثنائية وظروف دولها غير الطبيعية؟ وأين أصبحت مشاريعها الإصلاحية وبرامجها المرحّلة من دورة إلى دورة؟ وهل ستتمكن من انجاز شيء ما في هذه الظروف الاستثنائية بعدما عجزت عن فعله في ظروف طبيعية؟
ماذا يمكن ان تقدم القمة العربية لدفع المخاطر التي تحيط بالعرب من كل جانب؟ ثمة صفيح ساخن في المنطقة تغلي تحته أزمات أكبر من إقليمية،وهي من النوع القابل للانفجار في أي لحظة. فماذا سيكون موقف العرب من اندلاع حرب إسرائيلية - إيرانية محتملة على خلفية البرنامج النووي؟ هل أعدت العدة لمواجهة تداعياتها التي ستكون مباشرة على العرب قبل غيرهم؟
ما هي قراءة القمة العربية لمجمل الفواعل الإقليمية في المنطقة ومنها تركيا وإيران اللتان باتتا اللاعبان الأكبران في مجمل أزماتنا الداخلية والخارجية.هل تكفي سياسة النأي بالنفس وإدارة الأزمات بالأزمات علَّ وعسى تتغير الظروف؟
ما هو مصير المبادرة العربية للسلام التي أطلقت إسرائيل عليها رصاصة الرحمة منذ انطلاقتها في قمة بيروت 2002، وماذا سيقدم للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل؟ وماذا عن القدس التي ابتلعت وهوِّدت ؟
ثمة انقسام عربي غير مسبوق حول قضايا محورية ومركزية في حياة امتنا العربية، فهل ستتمكن بغداد من إعادة لمِّ الشمل العربي؟ أم ستكون القمة مناسبة للمزيد من التباعد والانقسام؟ وما هو دور العراق الذي سيترأس القمة في هذه القضايا المحورية،هل سيكون قادرا على وصل ما انقطع؟ وما هي تصوراته في مناقشة أكبر التحديات وأخطرها في القمة وهي كيفية مقاربة حل الأزمة السورية؟ أو بالأحرى كيف سيوفق بين مواقفه المعلنة والمعروفة في علاقته مع كل من سوريا وإيران وبين باقي المواقف العربية؟
أسئلة تطول بطول أزماتنا التي لا نهاية لها، اذا لم ندرك الحاجة الحقيقية للتغيّر.اليوم نحن العرب بأمس الحاجة إلى إقناع أنفسنا ان المضي في نفس عدة الشغل السابقة لن توصلنا إلى أي مكان. نحن بحاجة إلى فهم متطلبات شعوبنا وحاجاتها، ومن هنا تأتي ضرورة الاستجابة للمتغيرات الحاصلة في غير مكان وزمان على قاعدة الحاجة والتدقيق فيها لئلا يكون التغيير في غير مكانه الصحيح.
اليوم بات العرب محاطون بفواعل إقليمية عرفت كيف تمزق ما تبقى من وحدتهم، بل عرفت كيف تتغلغل إلى عمق قضاياهم وأزماتهم وباتت تديرها بشكل متقن، بحيث يصعب التفلّت من آثارها وتداعياتها،فهل سنكون على مستوى التحديات القائمة؟
قمة بغداد اليوم مطالبة بأن لا تكون على صور القمم السابقة، ثمة حسم مطلوب للتحديات الداخلية التي نمر بها.كما ثمة ضرورة ملحة لدفع المخاطر الخارجية عنا. بالأمس البعيد ضاعت فلسطين، وبعدها احتلت بيروت وبغداد. قُسم السودان، والصومال ينتظر دوره،فيما باتت الفدرلة موضة سياسية رائجة في الأدبيات السياسية للثورات.ربما المطلوب اليوم أكبر من قدرة القمة على فعله أو تحقيقه،لكن ينبغي ان يظل الحلم العربي الذي أطلق نشيدا يوما ما ، ماثلا في أذهاننا علَّ وعسى نستيقظ من كبوتنا التي طالت كثيرا!
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 27/3/2012
ربما قدر بغداد استضافتها الدائمة لقمم عربية استثنائية بموضوعاتها وظروفها،وكما كان الأمر في المرتين السابقتين، تعقد القمة العربية الدورية في ظروف هي الأشد استثنائية في النظام الإقليمي العربي لجهة مكوناته الذاتية والموضوعية.فما هي تحدياتها ومآلاتها؟ وهل ستتمكن من إعادة العرب إلى الجغرافيا والتاريخ الذي أخرجوا منهما؟أم ستبقى قمة كغيرها من القمم ؟
في العام 1978 استضافت بغداد ما أسمته آنذاك "قمة التصدي والصمود" لمواجهة زيارة أنور السادات لتل أبيب وما تبعها من توقيع لاتفاقية كامب ديفيد،كانت النتيجة اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان واحتلال قسم كبير منه.فلا الصمود أثمر،ولا التصدي منع. تبعتها سلسلة من الانقسامات العربية حول أبرز القضايا وسبل حلها ومنها الصراع العربي - الإسرائيلي.
في القمة الثانية عام 1990، اجتمع العرب في بغداد كالتفاتة للعراق على حربه مع إيران، أضاع فرصتها آنذاك صدام حسين،ورد على مقرراتها باجتياح الكويت بعد شهرين،فكانت الطامة الكبرى حيث عاد العرب وانقسموا مجددا،فكانت النتيجة أيضا لمصلحة إسرائيل، فجروا إلى مؤتمر مدريد للسلام،حيث تفرقوا أيضا وعقدت اتفاقيات سلام منفردة مع إسرائيل كل على ليلاه.
القمة الحالية تعقد وسط تحديات من نوع آخر،وان كان لها صلة ما بالقمتين السابقتين موضوعيا، لكن ثمة إضافات ومن نوع آخر، فإسرائيل ليست وحدها التي تشكل خطرا، ثمة هواجس موضوعية متعلقة بارتفاع منسوب التأثير غير العربي في القضايا العربية وبشكل غير مسبوق.إضافة إلى الحراك العربي في غير مكان والذي يؤرق الكثير من مكونات الواقع العربي الراهن وبخاصة الأنظمة التي عاشت واستمرت بحجة الصراع مع إسرائيل،فماذا ستكون عليه مقررات القمة ومواقفها تجاه العديد من التحديات المطروحة؟.
أولا في مؤسسة القمم العربية التي تبدو ظاهريا أنها فاعلة عبر حراك جامعة الدول العربية في غير أزمة عربية،أو غير عربية،ماذا ستقدم لنظامها الإقليمي الذي بات متلاشيا وليس له أي أثر يذكر فيما يجري فيه وعليه؟أهل هي قادرة على إنتاج نفسها وإعادة تعويم دورها المفترض عبر آليات عمل جديدة تراعي ظروفها الاستثنائية وظروف دولها غير الطبيعية؟ وأين أصبحت مشاريعها الإصلاحية وبرامجها المرحّلة من دورة إلى دورة؟ وهل ستتمكن من انجاز شيء ما في هذه الظروف الاستثنائية بعدما عجزت عن فعله في ظروف طبيعية؟
ماذا يمكن ان تقدم القمة العربية لدفع المخاطر التي تحيط بالعرب من كل جانب؟ ثمة صفيح ساخن في المنطقة تغلي تحته أزمات أكبر من إقليمية،وهي من النوع القابل للانفجار في أي لحظة. فماذا سيكون موقف العرب من اندلاع حرب إسرائيلية - إيرانية محتملة على خلفية البرنامج النووي؟ هل أعدت العدة لمواجهة تداعياتها التي ستكون مباشرة على العرب قبل غيرهم؟
ما هي قراءة القمة العربية لمجمل الفواعل الإقليمية في المنطقة ومنها تركيا وإيران اللتان باتتا اللاعبان الأكبران في مجمل أزماتنا الداخلية والخارجية.هل تكفي سياسة النأي بالنفس وإدارة الأزمات بالأزمات علَّ وعسى تتغير الظروف؟
ما هو مصير المبادرة العربية للسلام التي أطلقت إسرائيل عليها رصاصة الرحمة منذ انطلاقتها في قمة بيروت 2002، وماذا سيقدم للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل؟ وماذا عن القدس التي ابتلعت وهوِّدت ؟
ثمة انقسام عربي غير مسبوق حول قضايا محورية ومركزية في حياة امتنا العربية، فهل ستتمكن بغداد من إعادة لمِّ الشمل العربي؟ أم ستكون القمة مناسبة للمزيد من التباعد والانقسام؟ وما هو دور العراق الذي سيترأس القمة في هذه القضايا المحورية،هل سيكون قادرا على وصل ما انقطع؟ وما هي تصوراته في مناقشة أكبر التحديات وأخطرها في القمة وهي كيفية مقاربة حل الأزمة السورية؟ أو بالأحرى كيف سيوفق بين مواقفه المعلنة والمعروفة في علاقته مع كل من سوريا وإيران وبين باقي المواقف العربية؟
أسئلة تطول بطول أزماتنا التي لا نهاية لها، اذا لم ندرك الحاجة الحقيقية للتغيّر.اليوم نحن العرب بأمس الحاجة إلى إقناع أنفسنا ان المضي في نفس عدة الشغل السابقة لن توصلنا إلى أي مكان. نحن بحاجة إلى فهم متطلبات شعوبنا وحاجاتها، ومن هنا تأتي ضرورة الاستجابة للمتغيرات الحاصلة في غير مكان وزمان على قاعدة الحاجة والتدقيق فيها لئلا يكون التغيير في غير مكانه الصحيح.
اليوم بات العرب محاطون بفواعل إقليمية عرفت كيف تمزق ما تبقى من وحدتهم، بل عرفت كيف تتغلغل إلى عمق قضاياهم وأزماتهم وباتت تديرها بشكل متقن، بحيث يصعب التفلّت من آثارها وتداعياتها،فهل سنكون على مستوى التحديات القائمة؟
قمة بغداد اليوم مطالبة بأن لا تكون على صور القمم السابقة، ثمة حسم مطلوب للتحديات الداخلية التي نمر بها.كما ثمة ضرورة ملحة لدفع المخاطر الخارجية عنا. بالأمس البعيد ضاعت فلسطين، وبعدها احتلت بيروت وبغداد. قُسم السودان، والصومال ينتظر دوره،فيما باتت الفدرلة موضة سياسية رائجة في الأدبيات السياسية للثورات.ربما المطلوب اليوم أكبر من قدرة القمة على فعله أو تحقيقه،لكن ينبغي ان يظل الحلم العربي الذي أطلق نشيدا يوما ما ، ماثلا في أذهاننا علَّ وعسى نستيقظ من كبوتنا التي طالت كثيرا!