إسرائيل وحروبها الاستباقية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحبفة الخليج الإماراتية بتاريخ 13/3/2012
الجدل الإسرائيلي - الأمريكي الدائر هذه الأيام حول الضربة الاستباقية لمفاعلات إيران النووية،هي جزء من عقيدة عسكرية إسرائيلية متبعة منذ نشأة الكيان.وبصرف النظر من المستهدف بها،تبقى وسيلة تستعملها إسرائيل في حالات تصل الأمور فيها إلى حد التهديد الكياني أولا، ووسيلة ابتزاز باتجاهات شتى ثانيا.
هذه الخيارات الإسرائيلية ليست بسابقة ولن تكون الأخيرة.فهي فعلتها وجربتها في ظروف وأماكن محددة،وتمكنت من خلالها إعادة الاعتبار والرهبة في آن معا ولو كانت غير مفقودة لديها.
في العام 1967 أطلقت هجومها على العرب دون هوادة،فاحتلت ودمرت وقتلت وشردت،بذريعة ان العرب يتحضرون لرميها في البحر،كانت النتيجة زيادة النقمة عليها،وإغلاق طرق التسويات، وتهيئة البيئة لحروب قادمة،نفذها العرب في العام 1973.أعادت الكرة هذه المرة مع العراق حين دمرت مفاعل تموز في العام 1981،وتبيّن فيما بعد ان خطوتها لم تكن انفرادية،بل شاركها القرار الولايات المتحدة الأمريكية.
في الأعوام 1993 و1996 و2006، كررت الأمر عينه مع لبنان بذريعة خطر صواريخ المقاومة عليها،فأعادت مرة أخرى بيئات ضاغطة عليها دون التمكن من تحقيق هدف محدد من ضرباتها الاستباقية.
اليوم تستشعر الخطر الإيراني وتقوم بجهود مكثفة وغير مسبوقة لتسديد ضربات استباقية لبرامج إيران النووية. وهي محاولة يبدو ان إسرائيل لن تتخلى عنها،بل هي مصرّة عليها بصرف النظر عن الموافقة الأمريكية ،فما هي إمكانات المضي في هذه الخيارات؟ وما هي فاعليتها؟ وهل ستقضي على الخوف والتوجّس؟
في المبدأ، ان حديث نتنياهو في واشنطن مع الرئيس الأمريكي اوباما،يؤكد الإصرار الإسرائيلي على المضي في هذا الاتجاه، فهو فضَّل مشاهدة آلاف الصواريخ تتهاوى على إسرائيل،من ان تمتلك طهران القنابل النووية،وهي إشارة رمزية للعقيدة العسكرية الإسرائيلية التي ترفض مجرد التفكير بالسماح لغيرها بامتلاك القدرات النووية.
اليوم تقف أميركا تكتيا بمواجهة إسرائيل لعدم تنفيذ تهديداتها،لكن من يضمن ان إسرائيل لن تقوم بفعلتها بعيدا عن موافقة واشنطن ، لكن المشكلة لا تكمن في التنفيذ بقدر ما تكمن في النتائج الأولية ومتابعاتها،فهل سيقتصر الأمر على الطرفين الإسرائيلي والإيراني؟أم سيشمل التصعيد أطرافا أخرى؟
في المبدأ أيضا، تمتلك إيران قدرة استيعاب الضربة الأولى، وهي تمتلك أيضا أذرعا خارجية من بينها المقاومة في لبنان،ما يعني ان هذه القوة لن تقف محايدة،بل ستكون في صلب المواجهة،فماذا ستكون ردود الفعل لقوى إقليمية أخرى؟
لا شك ان إسرائيل ستجر المنطقة إلى حرب مفتوحة ، من السهل ان تتحول إلى حرب أوسع من إقليمية، لجهة المشاركين المباشرين أو غير المباشرين،وبالتالي سيكون حجم تداعياتها أكبر من أن تتحمله دول المنطقة وبخاصة العربية، التي تعتبر نفسها في أسوأ الأحوال غير معنية بها.
إسرائيل تتحضر اليوم للمواجهة الكبرى القادمة، وإيران تتحسب لتلك الضربة الاستباقية، ونحن العرب لا زلنا نسمع ونحصي المواقف وردود الأفعال،ونضرب كفا بكف ونحاول ان نحصي خسائرنا التي ستجرى على أرضنا!.
ثمة من يقول ان هذه المعركة اذا ما حصلت ، ستغيّر موازين القوى لعقود قادمة في المنطقة، وهي من النوع الاستراتيجي الذي سيؤسس لنظام عالمي آخر،لا يشبه نظام الانفراد الأمريكي لقيادة العالم.طبعا ذلك طموح،لكن هل يمكن تأكيد نتائجه؟
من السهل إطلاق الحروب،لكن من الصعب السيطرة على إدارتها وإنهاء ذيولها وتداعياتها،خاصة ان الضربة الاستباقية الإسرائيلية هذه المرة، تبدو ثقيلة النتائج على مجمل من سيدخلها،وبخاصة العرب.
إسرائيل تمكنت من تأمين الدعم اللوجستي لخطتها،ورغم أنها مشروطة بتوقيتها وقرارها الذي ينبغي ان يكونا أمريكيا ككل مرة، فهي لن تنتظر كثيرا،بخاصة ان الإشارات الأمريكية واضحة،ومفادها ان التنفيذ لن يكون قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستبدأ في تشرين الأول القادم،فهل ستتمكن إيران من الوصول إلى مرحلة اللا الرجوع في برنامجها؟ وهل ستصبر إسرائيل لما بعد إعادة انتخاب اوباما أو أحدا غيره؟
إسرائيل اليوم قلقة ومتوجسة وخائفة، وفي هذه الحالات قلما يكون للعقل والتعقل دور بارز في اتخاذ القرار. أما إيران فتلعب في الوقت الضائع وتقضم الوقت. فيما نحن العرب مقيّدون بفواعل إقليمية إيرانية وتركية وإسرائيلية،مهمشون وغير قادرين حتى على حماية أنفسنا!. أين سيكون موقعنا؟ لن نكون بموقع الذي يعد العصي،بل ربما سنكون أكثر آكليها!
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحبفة الخليج الإماراتية بتاريخ 13/3/2012
الجدل الإسرائيلي - الأمريكي الدائر هذه الأيام حول الضربة الاستباقية لمفاعلات إيران النووية،هي جزء من عقيدة عسكرية إسرائيلية متبعة منذ نشأة الكيان.وبصرف النظر من المستهدف بها،تبقى وسيلة تستعملها إسرائيل في حالات تصل الأمور فيها إلى حد التهديد الكياني أولا، ووسيلة ابتزاز باتجاهات شتى ثانيا.
هذه الخيارات الإسرائيلية ليست بسابقة ولن تكون الأخيرة.فهي فعلتها وجربتها في ظروف وأماكن محددة،وتمكنت من خلالها إعادة الاعتبار والرهبة في آن معا ولو كانت غير مفقودة لديها.
في العام 1967 أطلقت هجومها على العرب دون هوادة،فاحتلت ودمرت وقتلت وشردت،بذريعة ان العرب يتحضرون لرميها في البحر،كانت النتيجة زيادة النقمة عليها،وإغلاق طرق التسويات، وتهيئة البيئة لحروب قادمة،نفذها العرب في العام 1973.أعادت الكرة هذه المرة مع العراق حين دمرت مفاعل تموز في العام 1981،وتبيّن فيما بعد ان خطوتها لم تكن انفرادية،بل شاركها القرار الولايات المتحدة الأمريكية.
في الأعوام 1993 و1996 و2006، كررت الأمر عينه مع لبنان بذريعة خطر صواريخ المقاومة عليها،فأعادت مرة أخرى بيئات ضاغطة عليها دون التمكن من تحقيق هدف محدد من ضرباتها الاستباقية.
اليوم تستشعر الخطر الإيراني وتقوم بجهود مكثفة وغير مسبوقة لتسديد ضربات استباقية لبرامج إيران النووية. وهي محاولة يبدو ان إسرائيل لن تتخلى عنها،بل هي مصرّة عليها بصرف النظر عن الموافقة الأمريكية ،فما هي إمكانات المضي في هذه الخيارات؟ وما هي فاعليتها؟ وهل ستقضي على الخوف والتوجّس؟
في المبدأ، ان حديث نتنياهو في واشنطن مع الرئيس الأمريكي اوباما،يؤكد الإصرار الإسرائيلي على المضي في هذا الاتجاه، فهو فضَّل مشاهدة آلاف الصواريخ تتهاوى على إسرائيل،من ان تمتلك طهران القنابل النووية،وهي إشارة رمزية للعقيدة العسكرية الإسرائيلية التي ترفض مجرد التفكير بالسماح لغيرها بامتلاك القدرات النووية.
اليوم تقف أميركا تكتيا بمواجهة إسرائيل لعدم تنفيذ تهديداتها،لكن من يضمن ان إسرائيل لن تقوم بفعلتها بعيدا عن موافقة واشنطن ، لكن المشكلة لا تكمن في التنفيذ بقدر ما تكمن في النتائج الأولية ومتابعاتها،فهل سيقتصر الأمر على الطرفين الإسرائيلي والإيراني؟أم سيشمل التصعيد أطرافا أخرى؟
في المبدأ أيضا، تمتلك إيران قدرة استيعاب الضربة الأولى، وهي تمتلك أيضا أذرعا خارجية من بينها المقاومة في لبنان،ما يعني ان هذه القوة لن تقف محايدة،بل ستكون في صلب المواجهة،فماذا ستكون ردود الفعل لقوى إقليمية أخرى؟
لا شك ان إسرائيل ستجر المنطقة إلى حرب مفتوحة ، من السهل ان تتحول إلى حرب أوسع من إقليمية، لجهة المشاركين المباشرين أو غير المباشرين،وبالتالي سيكون حجم تداعياتها أكبر من أن تتحمله دول المنطقة وبخاصة العربية، التي تعتبر نفسها في أسوأ الأحوال غير معنية بها.
إسرائيل تتحضر اليوم للمواجهة الكبرى القادمة، وإيران تتحسب لتلك الضربة الاستباقية، ونحن العرب لا زلنا نسمع ونحصي المواقف وردود الأفعال،ونضرب كفا بكف ونحاول ان نحصي خسائرنا التي ستجرى على أرضنا!.
ثمة من يقول ان هذه المعركة اذا ما حصلت ، ستغيّر موازين القوى لعقود قادمة في المنطقة، وهي من النوع الاستراتيجي الذي سيؤسس لنظام عالمي آخر،لا يشبه نظام الانفراد الأمريكي لقيادة العالم.طبعا ذلك طموح،لكن هل يمكن تأكيد نتائجه؟
من السهل إطلاق الحروب،لكن من الصعب السيطرة على إدارتها وإنهاء ذيولها وتداعياتها،خاصة ان الضربة الاستباقية الإسرائيلية هذه المرة، تبدو ثقيلة النتائج على مجمل من سيدخلها،وبخاصة العرب.
إسرائيل تمكنت من تأمين الدعم اللوجستي لخطتها،ورغم أنها مشروطة بتوقيتها وقرارها الذي ينبغي ان يكونا أمريكيا ككل مرة، فهي لن تنتظر كثيرا،بخاصة ان الإشارات الأمريكية واضحة،ومفادها ان التنفيذ لن يكون قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستبدأ في تشرين الأول القادم،فهل ستتمكن إيران من الوصول إلى مرحلة اللا الرجوع في برنامجها؟ وهل ستصبر إسرائيل لما بعد إعادة انتخاب اوباما أو أحدا غيره؟
إسرائيل اليوم قلقة ومتوجسة وخائفة، وفي هذه الحالات قلما يكون للعقل والتعقل دور بارز في اتخاذ القرار. أما إيران فتلعب في الوقت الضائع وتقضم الوقت. فيما نحن العرب مقيّدون بفواعل إقليمية إيرانية وتركية وإسرائيلية،مهمشون وغير قادرين حتى على حماية أنفسنا!. أين سيكون موقعنا؟ لن نكون بموقع الذي يعد العصي،بل ربما سنكون أكثر آكليها!