اسم المؤلف: رائد الشباني
اسم الكتاب: أثر تجاوز المبعوث الدبلوماسي لمهامه المنصوص عليها في اتفاقية فيينا
الناشر : منشورات الحلبي الحقوقية
بيروت: 2013
قدم له
الدكتور خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية
كلية الحقوق والعلوم السياسية - الجامعة اللبنانية
يعتبر التنظيم الدبلوماسي ، من أرقى العلوم بالنظر لارتباطه بالعديد من التفاعلات والمؤثرات.فهو إلى جانب كونه منظم لعلاقات الدول بعضها ببعضها الآخر، فهو يضع أيضا ، الأطر والآليات الناظمة لعمل السلك الدبلوماسي ومهامه وواجباته. وان كانت هذه الأطر والآليات واضحة في العديد من الاتفاقيات والبروتوكلات المعقودة بين الدول وفي مقدمتها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ثمة حالات لا تعد ولا تحصى من التجاوزات التي يقوم بها المبعوثون الدبلوماسيون في الدول المضيفة، إما عغوا ،أو عن قصد.وفي كلتا الحالتين ثمة تداعيات لا تحمد عقباها في بعض الحالات،والتي من الممكن ان تصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وهي من أسوأ النتائج التي تترتب على تجاوز المبعوث الدبلوماسي لمهامه.
وصديقنا الاستاذ رائد الشباني، الذي أبى إلا ان يكون رائدا في البحث العلمي ومن بابه العريض،عبر الخوض في القضايا الدبلوماسية التي تعتبر من أصعب العلوم تعقيدا وتشعبا. فهو اختار موضوعا متميزا يتعلق بالآثار الناجمة عن تجاوز المبعوث الدبلوماسي لمهامه وفقا لاتفاقية فيينا، فقد نقّب وبحث وجمع وحلل في العديد من الوثائق وأمهات المصادر والكتب،حتى أتت رسالته الاكاديمية على أكمل وجه في نوعها واختصاصها.
فمهام المبعوث الدبلوماسي هي من الأهمية بمكان، ما تجعلها تتمازج وتتماهي مع العديد من المسائل المتعلقة بالحنكة والدهاء في جمع المعلومات،مرورا بدماثة الخلق واللياقة والأدب الرفيع في أدائه لعمله،وصولا إلى انجاز واجباته بأرفع ما يكون من الدقة، وكلها تتطلب جهودا استثنائية يضطر معها المبعوث الدبلوماسي لتجاوز القوانين المرعية الإجراء ما يؤثر سلبا على علاقته وعلاقة دولته بالدولة المضيفة ، وهذا ما حاول صديقنا القيام به والتركيز عليه.
فالبعثة الدبلوماسية تعتبر أداة الاتصال بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة، وتتلخص المهام التي تضطلع فيها بما يلي:
1. تمثيل الدولة الموفدة للبعثة في الدولة المضيفة ،ويتولى هذه المهمة التمثيلية رئيس البعثة ذاته أو من يقوم مقامه في حال غيابه أو خلو منصبه. ومظهر هذه المهمة حضور الحفلات والاستقبالات الرسمية التي تدعى إليها هيئات التمثيل الدبلوماسي الأجنبي، والقيام بزيارات المجاملة التي جرى العرف على القيام بها في مختلف المناسبات.
2. التفاوض مع حكومة الدولة المضيفة في كل ما يهم الدولة الموفدة، والعمل على تقريب وجهتي نظر الدولتين في المسائل المشتركة. ويتم هذا التفاوض عادة بين رئيس البعثة ووزير خارجية الدولة المعتمد لديها أو من يقوم مقامه.
3. تتبع الحوادث في الدولة الموفد لديها وإبلاغ الدولة الموفدة بكل ما يهمها أن تكون على علم به من هذه الحوادث. ويستعين رئيس البعثة في استطلاع الشؤون المختلفة بمن يكون تحت سلطته من ملحقين سياسيين وتجاريين وعسكريين وغيرهم، إنما عليه ألا يلجأ للحصول على ما يريد من معلومات إلى غير الطرق الشريفة، فيمتنع عليه أن يلجأ للتجسس أو رشوة موظفي الدولة ، أو بخلاف ذلك من الطرق غير المشروعة.
4. مراقبة تنفيذ الدولة الموفد لديها لالتزاماتها تجاه الدولة الموفدة، والتدخل لدى وزير خارجية الدولة الأولى كلما حصل إخلال لهذه الالتزامات. لكن ليس لرئيس البعثة الدبلوماسية أو لأي من أعضائها أن يتدخل أمام السلطات المحلية مباشرة، وتقتصر طرق المراجعات عبر وزارة الخارجية.
5. حماية رعايا الدولة الموفدة للبعثة إذا وقع اعتداء عليهم أو على أموالهم، إنما لا يجوز لرئيس البعثة أن يتدخل لدى حكومة الدولة إلا إذا ثبت أن من يدعي منهم ضرراً أصابه ، وقد استنفد جميع الطرق العادية التي تسمح بها قوانين الدولة دون أن يفلح في الحصول على حقه.
6. العمل على تدعيم حسن الصلات وإرساء وتوطيد العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة الموفدة والدولة الموفد إليها.
7. تقوم البعثة الدبلوماسية إلى جانب ما تقدم بما تكلفها به القوانين واللوائح الداخلية لدولتها من أعمال إدارية خاصة برعاياها في الدولة الموفدة إليها كتسجيل المواليد والوفيات وعمل عقود الزواج والتأشير على جوازات السفر وما شابه ذلك. والمتبع أن يعهد بهذه الأعمال للقناصل تحت إشراف رئيس البعثة الدبلوماسية، أو يتولاها القناصل ابتداء بصفة أصلية.
كما على أعضاء البعثة الدبلوماسية واجبات يجب عليهم التقيّد بها أمام الدولة المضيفة مراعاة لكرامتها من ناحية والتزاماً للحدود المشروعة لمهمتهم من ناحية أخرى. فعلى المبعوث الدبلوماسي أولاً احترام دستور الدولة المضيفة ونظام الحكم فيها ، والامتناع عن القيام بأي فعل فيه امتهان للحكومة أو للنظم السائدة فيها ، وعدم التدخل إطلاقا في الشؤون الخاصة للدولة أو لأي من سلطاتها. وعلى المبعوث الدبلوماسي ثانياً ألا يقدم إطلاقا على إثارة اضطرابات أو قلاقل لأي غرض كان، وعدم المشاركة في أي حركة ثورية أو تشجيع انقلاب أو حملة سياسة ضد تصرفات الحكومة القائمة ، أو انتقاد هذه التصرفات من جانب أو مناصرة حزب من الأحزاب ضد غيره، وبشكل عام عليه أن يتجنب كل تدخل في الخلافات السياسية الداخلية.
كما على المبعوث الدبلوماسي ألا يتصرف على وجه يمكن أن يصدم أو يجرح شعور الشعب أو عقائده، وأن يحترم التقاليد والأديان المتبعة حتى ما قد يبدو منها غريباً بالقياس على تقاليد وعقائد الشعب الذي ينتمي إليه. وعليه لذلك ألا يتخلف بقدر الإمكان عن حضور الحفلات العامة التي تقام لمناسبات قومية أو وطنية ويدعى إليها ، فقد يكون في تخلفه أحياناً معنى الامتهان إذا لم يكن له مبرر.
وفي مجال المجاملات يجب على المبعوث الدبلوماسي أن يكون حريصاً كل الحرص على القيام بها، فيساهم في الأحداث السعيدة كميلاد أو زواج أو ما شابه ذلك، ويواسي في الملمات سواءً منها ما يصيب رئيس الدولة أو أسرته أو أحد رجال الحكم ، أو ما يصيب الشعب من كوارث كزلزال أو حريق أو فيضان أو غير ذلك.
وحتى خلال الأزمات التي قد تطرأ على العلاقات بين دولة المبعوث والدولة المضيفة، ينبغي على المبعوث ألا يتأثر في مسلكه الشخصي بجو تلك الأزمات، فلا يقلل من احترامه لرئيس الدولة ، ولا ينحرف عن إتباع قواعد السلوك والمجاملة التي تفرضها عليه واجبات مهمته التمثيلية.وكل تصرف يصدر عن المبعوث الدبلوماسي إخلالا بواجباته المتقدمة يبيح للدولة المبعوث لديها أن تعتبر صاحبه شخصاً غير مرغوب فيه persona non grata وأن تطلب إلى دولته استدعاءه أو أن تطلب منه مباشرة عند الاقتضاء بمغادرة إقليمها.
لقد اهتمت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بالإشارة إلى واجبات أعضاء البعثات الدبلوماسية تجاه الدولة الموفدين لديها، فنصّت في المادة 41 على أنه "دون إخلال بالمزايا والحصانات المقررة لهم، على الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الامتيازات والحصانات واجب احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، كما أن عليهم واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة. وينبغي أن تكون معالجة كافة المسائل الرسمية التي تكلف بها البعثة من قبل حكومة الدولة الموفدة مع وزارة خارجية الدولة المضيفة أو عن طريقها. أو مع وزارة أخرى متفق عليها. ولا يجوز استعمال مقر البعثة على وجه يتنافى مع مهام البعثة كما بيَّنتها نصوص هذه الاتفاقية أو غيرها من القواعد العامة للقانون الدولي أو الاتفاقات الخاصة المعمول بها بين الدولة الموفدة والدولة المستقبلة".
ثمة آلاف حالات التجاوز التي ظهرت عبر ممارسة الدبلوماسيين لمهامهم، ما رتب آثارا غير سوية في البيئة الدبلوماسية الثنائية والمتعددة،وهو أمر في غاية الخطورة والدقة، ويستلزم المزيد من البحث والتدقيق في الوقائع والأحداث للوصول الى العبر والاستفادة منها،وهذا ما قام به وتوصل اليه صديقنا الاستاذ رائد الشباني في دراسته، وبخاصة النتائج والتوصيات التي لمع فيها وأعطاها أبعادا قانونية وسياسية جديرة بالاهتمام ، والبناء عليها مستقبلا في عالم الدبلوماسية وشؤونها وشجونها.
قبل سنوات التقيت بصديقنا الاستاذ رائد الشباني كطالب متميز لامع ومواظب بين كوكبة من أقرانه، فكان مثالا للباحث الجاد، واللامع في طرحه للإشكاليات الدبلوماسية، والرائد في مناقشتها والتنقيب عن حلول لها، ما جعله بنظر محيطيه دبلوماسي رفيع الدماثة والخلق ،وصاحب كياسة ولباقة في السلوك والتصرف، فوق ذلك كله اختار ان يكون متميزا ولامعا في استشراف العلم الدبلوماسي الذي هرب منه كثيرون نظرا لصعوبة مسالكه وتشعبه.التقدير كل التقدير لصديقنا الرائد في مجاله،والذي اتوقع ان يكون يوما عميدا لسلك دبلوماسي سيضيف له الكثير من بنات افكاره.
بيروت: 22/11/2012