حقوق الإنسان في العهدين الدوليين
لعام 1966
د.خليل حسين
جاء تعريف الاتفاقية
الدولية في موسوعة الأمم المتحدة، بأنها "مصطلح دولي يعبر عن اتفاق دولي
ثنائي أو متعدد الأطراف يمكن أن يكون مفتوحاً أو مغلقاً للدول الأخرى التي لم تسهم
في إعداده" وتمتاز الاتفاقيات عن الإعلانات والمبادئ والقواعد أو
المعاهدات النموذجية، بأنها تلزم الدول المنضمة إليها كما سيرد ذلك عند حديثنا عن
الآثار القانونية المترتبة عن الاتفاقيات الدولية.
تعود الجذور القانونية
للاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان إلى المبادئ أو الإعلانات الدولية
الصادرة قبل اعتماد الاتفاقية. إذ أن الاتفاقية الدولية تأتي تجسيداً وتفصيلاً
وتطبيقاً لنصوص وثيقة كانت صادرة بصيغة إعلان أو مبادئ. وتقوم بنقل هذه الوثيقة من
القانون العرفي غير الملزم للدول إلى القانون التعاهدي الملزم للدول التي تنضم للاتفاقية،
والذي يؤكد ذلك من استعراض الاتفاقيات الدولية أن معظم الاتفاقيات الدولية لحقوق
الإنسان لم تصدر من دون أن تكون مسبوقة بإعلانٍ عالمي أو مجموعة مبادئ.
ومن أهم هذه
الاتفاقيات الدولية التي استوعبت جميع أحكام حقوق الإنسان بشكل عام، واعتبر انضمام
الدول إليها معياراً إيجابياً في موقفها من حقوق الإنسان وتطبيقها، والتي تشكل مع
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حسبما سماه فقه القانون الدولي بالشرعة الدولية ،هما
العهدان الدوليان لعام 1966.
إذا كان الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان قد صدر استجابةً لاهتمام العالم بهذه الحقوق، إذ كانت القناعة
بأن ما ورد في ميثاق الأمم لم يكن كافياً، فصدر الإعلان تلافياً لنقص الميثاق إلا
أنه لم يكن ملبياً لحاجات وتطلعات البشرية ،حيث كان بمثابة الأساس وليس كل البناء
ولم يكن منذ صدوره وحتى عام 1966 سوى نص ذو بعد فلسفي – أخلاقي أكثر منه قانوني رغم اتصافه بالعموم
والدوام ،باعتباره يفتقد إلى آلية عقابية يطال الأطراف التي تنتهك الحقوق والحريات
المعلنة فيه.
ولإضفاء
قوة قانونية على المبادئ التي جاء بها اتجهت جهود الأمم المتحدة إلى مهمة أخرى وهي
إصدار شرعة جديدة لحقوق الإنسان ، ذلك عندما طلبت الجمعية العامة من لجنة حقوق
الإنسان بأن يعقب هذا الإعلان إعداد مشروع ميثاق أو معاهدات دولية تتضمن أحكاماً
لتعزيز حماية حقوق الإنسان ، ويحدد بصورة مفصلة وملزمة الحدود التي يجب على الدول
أن تتقيد بها في مجال تطبيق الحقوق والحريات، كذلك ان تتضمن نوعاً من الإشراف
والرقابة الدولية على تطبيق الاتفاقيات والتي أطلق عليها تسمية العهود.
وبناءً على ذلك شرعت
لجنة حقوق الإنسان بإعداد عهد دولي خاص بحقوق الإنسان متضمناً لكافة مجلال وانواع
الحقوق، سواءً الحقوق المدنية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو
الثقافية، والتي واصلت جهودها على مدى ست سنوات لإعداد هذا المشروع حيث أنتهت منه
سنة 1954.
ونظراً لاختلاف طبيعة
هذه الحقوق تقرر صياغة عهدين، الأول يعالج الحقوق المدنية والسياسية، والثاني
يعالج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبروتوكول الاختياري. وفرغت لجنة
حقوق الإنسان من إعداد مشروعي العهدين في دورتيها التاسعة والعاشرة المعقودتين في
1966.
وهكذا عقدت الدّول
العهدين الخاصين بحقوق الإنسان، الأول العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية (International Covenant on Civil and Political Rights)، والثاني العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية (International Covenant on
Economic, Social and Cultural Rights). وعلى الرغم من إطلاق كلمة Covenant إلا أن ذلك لا يغير
من حقيقة كونهما معاهدتين دوليتين، طبقاً لاتفاقية قانون المعاهدات. وأطلق عليه
بالعهد الدولي International(، ولم يطلق
عليه بالعهد العالمي Universal، إسوةً بالإعلان العالمي، لكونه موجهاً للدول بضرورة الالتزام به.
وبإقرار هذين العهدين
فقد تحوّلت الحقوق والحريات التي ورد النص عليها في الإعلان العالمي إلى التزامات
قانونية مصدرها القانوني الدولي الاتفاقي. وبذلك انتهى الجدل حول القيمة القانونية
لهذه الحقوق والحريات.
فالعهدان عبارة عن
معاهدتين دوليتين ملزمتين ترتبان التزامات قانونية على عاتق الدول الأطراف فيهما،
كما إن هاتين الاتفاقيتين أنشأنا نظاماً دولياً للرقابة لضمان تطبيق الحقوق
والحريات الواردة فيهما، وهما يهدفان إلى توفير مختلف الضمانات لحماية الحقوق
والحريات.
وبحكم ما يستهان به من
طابع عالمي وملزم فإنهما يُعتبران خطوة هامة على الطريق لحماية حقوق الإنسان على
الصعيد العالمي، وقد بلغ عدد الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لغاية الأول من كانون الثاني 1998 مائة وسبع
وثلاثون دولة، في حين بلغ عدد الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق
السياسية والمدنية لغاية ذات التاريخ مائة وأربعون دولة، والدول العربية الأطراف
في العهدين هي: الأردن، وتونس، وليبيا، وسوريا، والعراق، ولبنان، والمغرب، ومصر، والسودان،
واليمن، والصومال والجزائر.
وقد ارتكز العهدان على الأسس التالية:
1. تحرير الشعوب
من هيمنة واستبداد الاستعمار القديم والجديد بالنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها
والتصرف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعية ضمن إطار نظام اقتصادي عادل.
2. تحرير الإنسان
من قهر وظلم الإنسان بتحريم التمييز العنصري والاسترقاق والمتاجرة بالرقيق.
3. تحرير الإنسان
من قهر وظلم الحكومات والسلطات الدكتاتورية المستبدة لأصحاب الأعمال وذلك بتقرير
وتعزيز الحريات العامة والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
4. تحرير الفئات
الضعيفة من أسباب ضعفهم عن طريق تقرير حماية خاصة لتلك الفئات كالأطفال والنساء
والعجزة.
تلك هي الأسس الأربعة
التي قام عليها العهدان الدوليان. ولم يكن من الممكن اعتماد هذه الأسس مجتمعةً
بتفصيلاتها وأحكامها عند نشأة الأمم المتحدة عام 1945، أو حتى عند إصدار الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان عام 1948، بل وحتى بالنسبة للعهدين لم يكن ممكناً اعتمادها خلال
الخمسينيات من هذا القرن.
يشلر إلى ان عدة أسباب
أسهمت في إنجاح العملية التوفيقية لدى صياغة وإقرار العهدين ومنها: ازدياد خبرة
الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ووجود نماذج ناجحة على مستوى الوكالات الدولية
المتخصصة كمنظمة العمل الدولية وأخرى إقليمية كمجلس أوروبا، ويرجع العامل الرئيسي
في إنجاح هذه العمليات إلى توافر المناخ الدولي الملائم، وخير دليل أن العهدين لم
يتم إقرارهما إلا في عام 1966، عندما توافر هذا المناخ، كما ان ملائمة هذا المناخ
كانت في شقين أولهما: انفراج العلاقات بين
الدولتين العظمتين وما يتبعه من تاير في العلاقات بين دول المعسكرين الغربي
والشرقي، وثانيهما الدور الآخذ في الازدياد لدول العالم الثالث في الأمم المتحدة،
إذ لم ينعكس هذا الدور المتزايد في الأغلبية العددية فقط وإنما أيضاً في قدرة وفود
دول العالم الثالث في الأمم المتحدة على ابتداع الحلول التوفيقية التي لا تأخذ في
الاعتبار وجهات نظر الغرب والشرق فحسب بل أيضاً مصلحة دول العالم الثالث.
إن رغبة المجتمع
الدولي في تحويل المبادئ التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى مواد
لمعاهدات تقر الالتزامات القانونية على المجتمع الدولي ، كان الدافع الأساسي
لإعداد هاتين الاتفاقيتين لذلك يمكن القول أنه بالرغم من أن طبيعة
التزام الدول بالاتفاقيتين هو التزام إرادي، إلا أنه في حالة خرقها لنصوص
المعاهدتين تتعرض الدولة للمساءلة القانونية لدى المجتمع الدولي.
وهكذا فقد اكتمل ثالوث
حقوق الإنسان أو الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بصدور كلا العهدين، إذ أن لهما قوة
المعاهدات التشريعية بالنسبة لكافة الحكومات التي صادقت عليها، لذا يمكن اعتبارهما
اتفاقيتين عامتين تتضمنان قواعد قانونية، تفصيلية لحقوق الشعوب وحقوق الإنسان
وحرياته الأساسية.
وسوف نستعرض مضمون كل
من العهدين وبشكل مفصل على النحو التالي:
المطلب الاول
العهد الدولي الخاص بالحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
International Conventional on Economic,
Social and Cultural Rights
هذا العهد أو الميثاق
هو أحد اتفاقيتين دوليتين كبيرتين التي حولتا الحقوق الواردة في الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان إلى قواعد قانونية ملزمة، والذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة
للأمم المتحدة رقم (2200) (د-21) المؤرخ في 16/12/1966 ، ودخل حيز التنفيذ في
3/1/1976 طبقاً للمادة (27) منه ، ذلك بعد مصادقة (35) دولة وإيداع وثيقة التصديق
لدى الامانة العامة وقد أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 105 أصوات
وبدون معارضة.
أولاً: المضمون
يتألف هذا العهد من
ديباجة وإحدى وثلاثين مادة موزعة على خمسة أجزاء وجاء في ديباجته تحديد دوافع الدول الأطراف
لإبرام هذه الاتفاقية بالقول : "ان
الدول الأطراف في هذا العهد ، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية
من كرامة أصلية فيهم، وفي حقوق متساوية وثابتة، يشكل وفقاً للمبادئ المعلنة في
ميثاق الأمم المتحدة أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وإذ تقرّ بأن هذه
الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان. وإذ تدرك أنه السبيل الوحيد لتحقيق المثل العليا
وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
تشير الديباجة كما هو
واضح إلى التزام الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة إلى تعزيز حقوق الإنسان
واحترامها، والذي يعني أن الحقوق المدرجة في العهد ليست حقوقا محلية وإنما حقوقا
دولية تخرج عن الاختصاص الداخلي للدولة.
أما القسم الأول من العهد الذي نص في مادته الأولى على معالجة
حقوق الجماعة، وهي حقوق مميزة عن حقوق الأفراد، حيث قررت في فقرتيها الأولى
والثانية:
1. حق الشعوب
بتقرير مصيرها والمساواة وعدم التمييز بينها.
2. حق الشعوب
بالتصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية.
ومن هاتين
الفقرتين يمكننا ملاحظة ما يلي:
1. إن هذه النصوص
تعكس لنا أهمية الدول النامية، التي لم يكن لها أي تأثير في العام 1948 عندما تمت الموافقة على الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان، ولكن أصبح لها صوت مسموع في منظمة الأمم المتحدة في عام 1966.
2. إن إصرار
العهدين على هذا الحق لم يكن إلا انعكاساً للظروف التاريخية الذي كان يمر بها
العالم ، فقد كان هنالك أقاليم كثيرة لم تتحرّر من سيطرة الاستعمار، وكذلك كانت
انعكاساً لقرار الجمعية العامة رقم (1514) في دورتها (15) في عام 1960 الخاص بمنح
الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة باعتبار أن إخضاع أي شعب لحكم أجنبي هو إنكار
لحقوق الإنسان الأساسية ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، وبالتالي فهو يعيق تنفيذ
الإعلانات والمعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان
أما القسم الثاني فشمل (المواد
2 إلى 5) ويتناول مدى التزام الدول باحترام وتأمين الحقوق المقررة بالاتفاقية،
ووسائل حمايتها، وعدم جواز تقييد أي حق من حقوق الإنسان المقررة أو القائمة
والتحلل منها بحجة عدم إقرار الاتفاقية.
اما القسم الثالث فشمل (المواد
من 6 إلى 15) ويتضمن:
1. الحق في العمل
والتدريب والتوجيه.
2. الحق بالتمتع
بشروط عمل عادية ومرضية، والحق في تشكيل النقابات والانضمام إليها، والحق في
الإضراب.
3. الحق بالضمان
الاجتماعي والأمن الغذائي والصحي.
4. حق الأسرة
والأمهات والأطفال والمراهقين في أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة، والحق في
مستوى معيشي كافٍ، والحق في الصحة البدنية والعقلية.
5. حق كل فرد في
الثقافة والحياة الثقافية، وحق التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً بالمجان
للجميع، وتيسير التعليم الثانوي والمهني والفني والتعليم العالي.
اما القسم الرابع (المواد من
16 إلى 25) فيتضمن تنظيم الإشراف الدولي على تطبيق الميثاق.
اما القسم الخامس (المواد من
26 إلى 31) وتناول إجراءات التصديق والتنفيذ.
يشار إلى ان هذه
الاتفاقية تلزم الدول الأطراف على إصدار التشريعات اللازمة لوضع الحقوق المنصوص
عليها في هذه الاتفاقية موضع التطبيق .
كما وتتعهد الدول
الأعضاء بالالتزام بتأمين وضمان ممارسة الأفراد لجميع الحقوق الواردة في هذه
الاتفاقية دون أي تمييز سواء أكان بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو
الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو بسبب الملكية أو صفة
الولادة أو غيرها
وقد كان الاهتمام
بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قليلاً حتى عهد ليس ببعيد، ذلك أنه إلى
وقت قريب كانت بؤرة اهتمامات الناس والدول منصبة على الحقوق المدنية والسياسية وما
كان مجيء العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ألا ليؤكد أهمية هذا
النوع من الحقوق يهدف التمتع الفعلي بكافة حقوق الإنسان
إن تزايد عدد دول الأعضاء في الأمم المتحدة أدى
إلى شمولية الحقوق الواردة في هذه الاتفاقية، كما أن الدول الحديثة الاستقلال
غالباً ما تركز اهتمامها على الحقوق التي تنطوي على طموحات اقتصادية
ورغم كل ذلك لا ينبغي
اغفال الإشارة إلى بعض الثغرات البارزة التي أحاطت بمضمون هذا العهد والتي يمكن
تلخيصها ببعض النقاط التالية:
1.
على الرغم من أن العهد
يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا أنه تناول بعض الحقوق
السياسية العامة، ومن أهمها حق تقرير المصير الذي يعتبر من الحقوق العامة، وكذلك
منح العهد حق الإضراب شريطة ممارسته وفقاً لقوانين البلد المعني . وأجاز لأفراد القوات
المسلحة أو رجال الشرطة أو موظفي الإدارات الحكومية ممارسة هذا الحق وتحت نفس
الظروف. إلا إن تعليق هذا الحق وفقاً لقوانين البلد يعني أنه منع التظاهر والإضراب.
فغالبية الدول تمنح هذا الحق لمواطنيها من أفراد القوات المسلحة والشرطة ولكنها
تقيدها بشروط تقضي عليها. فكان من المفروض أن يكون حق التظاهر السلمي بدون قيود
ودون تحديد أهداف الإضراب ومدته.
2.
إن العهد الدولي
للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أقر بالحقوق الاقتصادية الخاصة للإنسان
كفرد ومجتمع. إلا أنّه لم يضع الآلية لحماية الإنسان من الاضطهاد الاقتصادي الذي
تمارسه الدول والشركات الكبيرة ، فلا يزال الإنسان يضطهد اقتصادياً وتستنفذ قوته
من أجل الشركات الكبرى. وخير ما يؤكد أن اقتصاد البشرية مرهون برحمة الدول الكبرى
هو عندما يشهد العالم كيف أدى انهيار الشركات الكبرى إلى انهيار اقتصاديات الدول
الصغيرة والفقيرة، واتساع الفقر والأمراض في العديد من قارات العالم.
3.
من الحقوق الأخرى التي
جاء بها العهد هو حق العمل الذي نص على أن يتمتع كل شخص بهذا الحق وأن يختار العمل
الذي يلائمه. وعلى الدولة أن تصون هذا الحق، ولكنه لم يضع التزاماً على الدولة بأن
توفر العمل للشخص في حين أن
الدول الاشتراكية وبعض الدول الغربية، تلتزم بتوفير العمل للشخص. كذلك بالنسبة
للضمان الاجتماعي، فإنه حق يتمتع به الشخص، ولكنه ليس واجباً على الدولة. وفي حال
تعارض حقوق الإنسان مع الأمن القومي والديمقراطية، تغلب حماية الأمن القومي وصيانة
النظام الديمقراطي على الحقوق الواردة في العهد وبذلك يمكن للدولة أن تنتهك كل الحقوق التي
يتمتع بها الفرد، بذريعة مساس الأمن القومي والنظام الديمقراطي.
4. لقد ألزم العهد اتخاذ تدابير حماية ومساعدة خاصة
لصالح جميع الأطفال والمراهقين، دون أي تمييز بسبب النسب أو غيره من الظروف. ورغم
اتساع هذه الحقوق للطفل، إلا أن العهد لم يوجب على حق الطفل التمتع بنسب. فكثير من
الأطفال في الغرب يرفض الآباء الاعتراف بهم بسبب أن العلاقة بين الرجل مع أمه غير
شرعية، وهذا ما خلق مشاكل للأطفال غير الشرعيين في الدول الغربية إذ إن أغلبيتهم
بدون نسب .
وبما أن الهدف الأساسي
لهذا العهد هو حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية آخذاً بعين الاعتبار
عدم إمكانية البلدان النامية في تطبيقها، ولهذا لم يسع هذا العهد من الناحية
العملية إلى معاقبة الانتهاكات المحتملة لهذه الحقوق، لذا فإنه عهد براغماتي ينظم ببساطة مساعدة
تقنية دولية بهدف مساعدة الدول على تحقيق هذه الحقوق تدريجياً. وإن هذا الخيار من
تقديم المساعدة بدلاً من اعتماد العقاب ، هو
الذي يدفع بالدول النامية إلى تصديق العهد والانضمام إليه . وأخيراً لا يسعنا
إلا القول بأن بؤرة اهتمامات الناس والدول كانت منصبة على الحقوق المدنية
والسياسية إلى وقت قريب، وإن الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
ليس ببعيد وإنه جاء ليؤكد أهمية هذا النوع من الحقوق من أجل التمتع الفعلي والتام
بكافة الحقوق.
ثانياً:
طبيعة الالتزامات القانونية الناتجة عن العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية
The Nature of the Legal Obligations
Resulting from the Covenant on Economic Social Cultural Rights.
إن الالتزامات الواقعة
على كاهل الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية توصف بأنها التزامات تدريجية أو برنامجية أو التزامات ببذل عناية لا
بتحقيق غاية، وهذا صحيح لأن العهد في الأساس يرتب التزامات من هذا النوع، أي
الإعمال التدريجي للحقوق المعترف بها في هذا العهد بالنظر للموارد المتاحة للدول،
وقد بدت هذه الفكرة واضحة وبارزة للعيان في نص المادة (2 ف 1) من العهد والتي تنص
على أنه: "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد بأن تتخذ بمفردها وعن طريق
المساعدة والتعاون الدوليين، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني، وبأقصى ما
تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق
المعترف بها في هذا العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة، وخصوصاً سبيل
اعتماد تدابير تشريعية".
وهكذا نجد أن هذه
المادة تنص صراحةً على الإعمال التدريجي للحقوق الواردة في العهد بالنظر للموارد
المتاحة للدول، وأن التزامات الدول الأطراف في العهد بموجب هذه المادة هي بالأساس
لا تخلق التزامات قانونية يتطلب تنفيذها حالاً من قبل الدول الأطراف بل يكتفي بوضع
أهداف أو برامج من المقبول أن تسعى الدول الأطراف لبلوغها تدريجياً ومع ذلك فإن هذا القول لا ينطبق على أحكام العهد
كلها بصورة مطلقة. فالعهد يرتب التزامات من نوع آخر ذات أثر فوري أو التزامات بتحقيق
غاية أيضاً. ومثال على ذلك المادة (2 ف 2) التي تنص على أن التزام الدول الأطراف
في العهد بتمكين الأفراد من التمتع بهذه الحقوق دون تمييز. وكذلك التزام الدول
الأطراف باحترام الحقوق المتعلقة بالحريات النقابية المنصوص عليها في (م 8 ف 1/
أ)، فكل هذه الحقوق لا يتطلب إعمالها توفير موارد اقتصادية من جانب الدول، وهي
ترتب على عاتق الدول التزامات في الحماية أساسها عدم التدخل لعرقلة ممارسة الأفراد
لحقوقهم النقابية.
كذلك يعتبر من ضمن
الالتزام بتحقيق غاية الحكم الواردة في المادة (13 ف 3) من العهد المتعلق بحرية
الآباء في اختيار مدارس أبنائهم من غير تلك المؤسسة من قبل الدولة. فالدول ملزمة
هنا بالامتناع عن وضع العوائق المؤدية إلى حرمان أو منع الآباء من ممارسة هذا الحق .
ثالثاً: الإشراف والرقابة الدولية
على تنفيذ العهد وتقييمها:
Supervision and International Monitoring of
the Implementation
of the Covenant and Evaluated:
لم تنص الاتفاقية
الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على تشكيل لجنة خاصة على غرار
اللجنة التابعة للاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية ، بل فوّضت المجلس
الاقتصادي والاجتماعي حول الرقابة على تنفيذ الاتفاقية ، ونتيجةً لذلك شكَّل
المجلس مجموعة من (15) دولة للنظر في هذه التقارير إلا أن الصعوبات التي واجهتها
المجموعة في أداء مهامها أدى بالمجلس إلى تحويلها إلى لجنة بشأن الاتفاقية الدولية
للحقوق الاقتصادية عام 1985 وبنفس شروط اللجنة التابعة للعهد الدولي للحقوق
المدنية والسياسية
وبالنسبة لهذه الاتفاقية
فإن الإشراف والرقابة الدولية على تنفيذها يأخذ بنظام التقارير فقط حيث تلتزم
الدول الأطراف فيها بتقديم تقارير عن الإجراءات التي اتخذتها وعن مدى التقدم الذي
أحرزته في مراعاة الحقوق والالتزامات المقررة في الاتفاقية إلى الأمين العام للأمم
المتحدة، والذي بدوره يحيلها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولجنة حقوق الإنسان
لبحثها ودراستها، إضافةً إلى ما يكمل هذه التقارير من المعلومات التي تقدمها منظمة
العمل الدولية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الغذاء والزراعة كل بحسب مجال
اختصاصه، وبعد دراسة هذه التقارير والمعلومات من جانب المجلس الاقتصادي والاجتماعي
ولجنة حقوق الإنسان، واطلاع الجمعية العامة على النتائج يتضح لدى المنظمة موقف
الدول من العهد
وهكذا يتبين لنا أن الرقابة على هذا العهد ليست
رقابة قضائية أو شبه قضائية دولية، وإنما تنحصر الرقابة في المسؤولية السياسية
للدولة أمام الأجهزة الدولية المذكورة . وعلى الرغم من أن
ضعف الرقابة الدولية في هذا المجال وافتقارها إلى الفاعلية التي تنحصر في
المسؤولية السياسية للدولة أمام الأجهزة الدولية فقط ، إلا أنها مع ذلك في الكثير
من الأحوال تجعل حكومات الدول تتأنّى وتعيد حساباتها عند محاولتها الإخلال
بالالتزامات التي تقع على عاتقها بمقتضى هذا العهد، مبتعدة عن الإساءة إلى سمعتها
في المجتمع الدولي واستنكار الرأي العام العالمي لها .
المطلب الثاني
العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية
(International
Conventional on Civil and Political Rights)
اتخذت الخطوات
التمهيدية لصياغة مشروع هذا العهد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر لجنة
حقوق الإنسان التابعة للمنظمة الدولية، في دورتها التاسعة عام 1954، ولكنه لم
يعتمد حتى كانون الأول 1966 أي بعد مرور أكثر من عشر سنوات تم خلالها حصول العديد من المستعمرات على
استقلالها ودخولها أعضاءً في الأمم المتحدة. بقرارها رقم 2200 المؤرخ في
16/12/1966 وقد أقرّته الجمعية بأغلبية 106 أصوات وبدون معارضة، وقد اعتبر بدء
نفاذه في 23/3/1976 طبقاً للمادة 49 من العهد وهذا الميثاق هو الاتفاقية الدولية الثانية التي
صاغت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في صورة قواعد دولية اشتملت على كافة الحقوق
المدنية والسياسية التقليدية المنصوص عليها في الإعلان وألزمت كل طرف باحترام
وتأمين الحقوق المنصوص عليها.
وقد أجاز العهد الدولي
للحقوق المدنية والسياسية للدول الأطراف إمكانية وضع بعض القيود على الحقوق التي
ينظمها متى كان ذلك ضرورياً لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة
أو الأخلاق أو حقوق الآخرين وحرّياتهم. إضافة إلى أن العهد أجاز إمكانية التحلّل
من بعض الالتزامات الواردة فيه في بعض الحالات الاستثنائية كحالات الطوارئ مثل
قيام حالة حرب أو وجود خطر عام يهدد حياة الأمة. غير أن ثمة عدداً من الحقوق لم
يجز العهد الخروج عليها وأوجب الالتزام بها في جميع الأحوال وفي كل زمان ومكان.
ومن هذه الحقوق: الحق في الحياة، الحق في عدم الخضوع للتعذيب أو المعاملة غير
الإنسانية أو المهنية، وحظر الرق وعدم جواز تطبيق قوانين العقوبات بأثر رجعي
إن التجدد الهام الذي
أتى به هذا العهد هو إنشائه للجنة تسمى بـ "لجنة حقوق الإنسان" ، مقرها في جنيف والتي
دخلت حيز التنفيذ في الأوّل من كانون الثاني 1977، وتمارس هذه اللجنة الوظيفة
الرقابية بشكل رئيسي عبر التقارير أو تقديم الشكاوي .
أولاً: المضمون:
يتألف الميثاق من
مقدمة وثلاث وخمسين مادة موزعة على ستة أجزاء ،كررت المقدمة والجزئين الأول
والثاني من هذا الميثاق ما ورد حرفياً في الميثاق الأول أما بقية الأجزاء، من
الثالث إلى السادس، فعالجت بالتفصيل حقوق الإنسان المدنية والسياسية.
الجزء الثالث أي (المواد
من 6 - 27)، هو في الواقع حقوق معترف بها ومصونة بموجب الدساتير والقوانين في
أرجاء العالم المتمدن وهو أهم جزء في الميثاق، ويحدد حقوق الإنسان المدنية
والسياسية : مثل الحق في الحياة
وعلى القانون أن يحميه ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفياً، ولا يجوز الحكم
بعقوبة الإعدام إلا في أشد الجرائم، كما لا يجوز الحكم به على من هم دون الثامنة
عشرة من العمر، ولا تنفذ بالحوامل، وعدم الخضوع للتعذيب، وعدم توقيف أحد واعتقاله
تعسفاً، وحرية التنقل واختيار مكان الإقامة، والحق في عدم إبعاد الأجنبي بشكل
تعسفي والحق في المساواة أمام القانون دون أي تمييز ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا
بنص في القانون، وحق كل إنسان في أن يعترف به كشخص أمام القانون، وحرمة الحياة
الخاصة، وحرية الفكر والضمير والدين، وحرية التعبير، والحق في التجمع السلمي وفي
إنشاء الجمعيات والنقابات والانضمام إليها. كما يؤكد الميثاق على خطورة الرق وحرم
الاسترقاق وتجارة الرقيق والاستعباد والعمل الإجباري، وعدم جواز حبس أي إنسان
لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي، كما تتضمن الاتفاقية طائفة من الحقوق
السياسية: مثل حق المواطنين المشاركة في الترشيح والانتخاب وتولي الوظائف العامة،
واهتمت بمبدأ الحق في المساواة أمام القانون والمساواة بين المواطنين، والمساواة
بين الجنسين، وعدم جواز التمييز بين الأفراد بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو
اللغة أو الفكر السياسي، وعدم رجعية القوانين الجزائية، وإلزام الدول الأعضاء في
العهد بأن تحظر قانوناً أية دعاية للحرب أو أية دعاية للكراهية القومية أو
العنصرية أو الدينية، أو تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف.
أما الجزء الرابع من العهد
المواد (28-45)، فقد وضع الآليات التي تضمن التزام الدول الأطراف في هذا العهد،
حيث نصت المواد على إنشاء لجنة تسمى لجنة حقوق الإنسان، كما بيّن كيفية تشكيلها
ووظائفها وطريقة عملها، والأهداف التي تقوم من أجلها.
أما الجزء الخامس من العهد المواد (46
و47)، فقد حظرت تفسير أي حكم أو نص من نصوص الاتفاقية الحالية بشكل يعطل نصوص
ميثاق الأمم المتحدة ودساتير الوكالات المتخصصة فيها التي تحدد المسؤوليات الخاصة
لأجهزة الأمم المتحدة المختلفة، والوكالات المتخصصة فيما يتعلق بالأمور التي
يعالجها العهد، أو ما يمكن تفسيره بأنه تعطيل للحق المتأصل لجميع الشعوب، والمتمثل
في حق تقرير مصيرها والتمتع بثرواتها ومواردها الطبيعية، والانتفاع بها كلها
وبحرية.
أما الجزء السادس المواد من
(48 إلى 53)، فيتضمن كيفية الانضمام إلى العهد والتصديق عليه، وتنفيذه وسريانه.
من الملاحظ أن هذا
العهد، وبعكس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لم يتضمن بعض الحقوق التي ورد النص
عليها في الإعلان كحق اللجوء لكل فرد إذا تعرض للاضطهاد أن يهرب إلى بلدٍ آخر. (م
14 إعلان) ، والحق في
الملكية (م 17 إعلان) . ورغم ذلك فقد اشتمل
على قائمة من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي والتي جاءت أكثر دقة ووضوحاً، بل نص
على حقوق جديدة لم يرد النص عليها في الإعلان وهي :
1. حق الشعوب في
تقرير مصيرها، والتصرف بحرية في ثرواتها الطبيعية وهذا الحق أساساً ضد اغتصاب
ثروات الدول الضعيفة وهذه المادة تمثل المُثل العليا ، لنصها على الكثير من حقوق
الإنسان الذي لم ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة ولا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،
(م 12).
2. تحريم حرمان
الأقليات الإثنية، والدينية، واللغوية من حقوقها الواضحة كحق التمتع بثقافتها،
والمجاهرة بدينها، وإقامة شعائرها، واستعمال لغتها بالاشتراك مع أبناء جماعتها
الآخرين، (م 27).
3. عدم سجن أي
إنسان عاجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي (م 11).
4. حق الأشخاص
الذين يحرمون من حرياتهم بأن يعاملوا معاملة إنسانية وبما يتفق مع كرامتهم
الإنسانية (م 10).
5. حق كل طفل في
أن تكون له جنسية ،وحقه على أسرته والمجتمع والدول باتخاذ تدابير الحماية التي
يتطلبها كونه قاصراً (م 24).
6. عدم جواز
إبعاد الأجنبي إلا وفقاً للقانون (م 13).
7- إلزام
الدول الأعضاء في العهد بأن تحظر قانوناً أية دعاية للحرب أو أية دعاية للكراهية
القومية أو العنصرية أو الدينية، أو تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو
العنف،
(م 20).
(م 20).
وأخيراً لا بد من
الإشارة إلى أن الحقوق الواردة في هذا العهد هي حقوق تقليدية قديمة، وهي حقوق
سلبية يتطلب إعمالها أساساً عدم التدخل من قبل الدولة، ويمكن تطبيقها في الحال
بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي أو المادي للدولة.
إضافةً الى ذلك يمكن الاشارة
إلى بعض الملاحظات التي تؤخذ على هذه الاتفاقية
1.
أشارت بعض النصوص بالقول يتمتع الإنسان بالحقوق
والحريات المعترف بها، بينما نصوص أخرى أوردتها بالحقوق والحريات الأساسية. في حين
لم يوضح ما هو الفرق بين الحقوق والحريات المعترف بها عن الحقوق والحريات الأساسية
إن كان هناك فرقاً.
2. اعتبر ما ورد فيه من الحقوق والحريات الأساسية
الحد الأدنى الذي يتمتع بها الإنسان . وهذا يعني أن للدول
أن تمنح من الحقوق والحريات ما يزيد على ما ورد بالعهد، ولكن ليس لها التقليل
منها.
3.
أجازت هذه الاتفاقية
للدول الأعضاء وبحجة الحالات الاستثنائية كحالات الطوارئ التي يعلن فيها بشكل رسمي
إلى اتخاذ بعض الإجراءات وإن كانت تتعارض مع التزاماتها وفقاً للاتفاقية الدولية،
وقامت بانتهاك حقوق الإنسان من خلالها.
4.
رغم أن الاتفاقية حرمت
الدول الأعضاء من المساس ببعض الحقوق واعتبرتها من الحقوق الجوهرية التي لا يبيح
تعطيلها أو الخروج عليها، إلا أن ذلك لم يمنع أعضاء بعض الأنظمة التسلطية ولا سيما
في دول العالم الثالث وتحت اعتبارات أمنية إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعية
لحرمان مواطنيها من التمتع بالحقوق وممارسة الحريات.
5. إن عدم وجود آلية لتنفيذ أحكام هذا الميثاق،
وغياب العقوبات والطبيعة غير التنفيذية لأحكامها، وقابلية معظمها للتعليق أثناء
حالة الطوارئ، أدت كلها إلى الحد من فعالية أحكام الميثاق على الرغم من أنه يشكل
أداة قانونية ملزمة للدول الأطراف .
خلاصة القول أن الحقوق
المدنية والسياسية التي نص عليها العهدان كانت كلاسيكية وقديمة، إلا أنها أصبحت تتمتع
بخصائص وبطبيعة مختلفة عن تلك المستقرة في الكتابات التقليدية سواءً أكانت فلسفية
أم قانونية، وهو تطور يتسق بالضرورة مع تطور المفاهيم الفلسفية والقانونية ومع
التغيرات التي لحقت بالحياة الاجتماعية والإنسانية عموماً
ورغم أهمية هذه الحقوق
وضرورتها والتي دفعت بالأمم المتحدة إلى عقد هاتين الاتفاقيتين بهدف وضع المبادئ
المعلنة في وثيقة الإعلان العالمي موضع التطبيق العملي . إلا أن هذا الهدف لا
زال يراوح مكانه، بل يمكن القول أن التطبيق العملي جاء متناقضاً مع ما ورد ،
وبالأخص بعد انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991، مما مكن الولايات المتحدة
الأميركية الهيمنة على العالم، وقيامها بانتهاك مبادئ حقوق الإنسان في العديد من
دول العالم وزجها لآلاف الأبرياء في السجون وقيامها بتعذيبهم بشكل وحشي يندى له
الجبين الإنساني، وخاصةً في كلٍّ من أبو غريب في العراق وغوانتنامو في خليج كوبا
ثانياً:
طبيعة الالتزامات القانونية الناتجة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية
تعتبر الحقوق المدنية
والسياسية حقوقاً سلبية يتطلب إعمالها أساساً امتناع الدول عن التدخل أو الاعتراض على
تمتع الأفراد بها وممارستهم لها. لذا فإن الالتزامات الناشئة عن العهد هي التزامات
بتحقيق غاية بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي أو المادي أو الاجتماعي للدولة
وهذا ما يبدو واضحاً
للعيان في نص المادة (2 ف 2) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص
على أنه: "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو
غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن
تتخذ، طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضرورياً لهذا الإعمال
من تدابير تشريعية أو غير تشريعية".
ومن الواضح أن هذا
النص بخلاف نص المادة (2 ف 1) من العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية ، يرتب التزامات فورية على عاتق الدول الأطراف. وهي التزامات سلبية
تتحقق باحترام الحقوق المحمية بموجب هذا العهد وبالامتناع عن التدخل في التمتع بها
، وذلك بتأمين احترام وكفالة هذه الحقوق في الحال من جانب الدول الأطراف ومن جانب
الغير واتخاذ التدابير الضرورية لبلوغ هذه النتيجة
سواءً بالامتناع عن التدخل أم بالقيام بعمل متى كان ذلك ضرورياً لبلوغها. ومن
الواضح أنه لم يرد في العهد ما يفيد وجوب إعمال الحقوق المقررة فيه "خلال وقت
معقول" كما ذهبت إلى ذلك بعض الدول
ولكن هذه الصورة
لالتزام الدول الأطراف في هذا العهد ليست مطلقة. لذا لم يستبعد فكرة الالتزامات
التدريجية أو البرنامجية نهائياً. فكما الخط الفاصل بين الحقوق المدنية والسياسية
من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى ليس صارماً تماماً.
فهناك أحكام مشتركة بينهما ومساحة تختلط بها هذه الحقوق، كذلك يكون الحال بين
التطبيق الحالي أو الفوري للحقوق المدنية والسياسية والتطبيق التدريجي أو
البرنامجي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإنها ليست أمراً صارماً ولا
يتوجب أن ينظر إليها بمنظار جامد.
لا بد من الإشارة إلى
أن هنالك حقوقا مدنية وسياسية من الصعب إعمالها في الحال بسب الوضع الاقتصادي
للدولة، ومن أمثلة ذلك حق كل طفل في إجراءات الحماية التي يستوجبها مركزه كقاصر (م
24 ف أ)، ومعاملة السجناء معاملة تستهدف إصلاحهم وتأهيلهم (م 10 ف 3).
كما أنه في المقابل
هناك العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن تطبيقها في
الحال ولا تحتاج إلى الاعتماد على الوضع الاقتصادي للدولة، مثال ذلك الحق في تكوين
النقابات والانضمام إليها (م 8 ف 1/أ)، والحق في الإضراب (م 8 ف 1/د)، وحظر تشغيل
الأطفال في أعمال مؤذية (م 10/ف 3)، واحترام حرية الآباء في اختيار مدارس لأبنائهم
خلاف مدارس الدولة (م 13/ ف 3)، واحترام حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي
والفكري (م 15/ ف 3)
ثالثاً: الإشراف والرقابة الدولية
على تنفيذ العهد وتقييمه:
نصت المواد (28-45) من
العهد على كيفية الإشراف والرقابة على تنفيذ العهد. فقد جاءت في نص المادة (28) من
(الجزء الرابع) على إنشاء لجنة دولية تسمى بـ (لجنة حقوق الإنسان) مؤلفة من ثمانية
عشر عضواً من مواطني الدول الأطراف في العهد
وتقوم هذه اللجنة
بممارسة اختصاصاتها من تلقي تقارير الدول الأطراف في هذه الاتفاقية ومناقشتها.
وبحث شكاوي الدول الأطراف في الاتفاقية واتخاذ ما يلزم بخصوصها . وأخيراً النظر في
شكاوي الأفراد الذين يدعون أن حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية قد انتهت وذلك عن
طريق ثلاثة وسائل وهي ):
1. وسيلة رقابة الأجهزة الدولية:
وتتم هذه الرقابة عن
طريق التقارير والقرارات التي تقدمها الأجهزة الدولية المتمثلة بـ(لجنة حقوق
الإنسان، والأمانة العامة للأمم المتحدة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والجمعية
العامة للأمم المتحدة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والوكالات المتخصصة والتقارير التي تقدمها
الدول الأطراف في العهد ،كما نصت على ذلك المادة (40) من العهد بأنه على الدول
الأطراف أن تتعهد بوضع تقارير عن الإجراءات التي اتخذتها لتأمين الحقوق المقررة في
العهد وإلى أي مدى تتم تطبيق هذه الحقوق لديها، وأية بيانات عن التقدم الذي تم في
مجال احترام حقوق الإنسان أو أية معلومات أخرى يمكن إدراجها في التقرير.
تقدم التقارير إلى
الأمين العام للأمم المتحدة والذي بدوره يحيلها إلى اللجنة (لجنة حقوق الإنسان)
للوقوف على الصعوبات التي تؤثر في تطبيق العهد، إن وجدت. ويجب أن تقدم خلال سنة من تاريخ نفاذ العهد، وفي
أي وقت تطلبها لجنة حقوق الإنسان. كما يجوز أن يحيل الأمين العام بعد تشاوره مع
اللجنة إلى الوكالات المتخصصة نسخاً من أجزاء تلك التقارير التي تقع ضمن اختصاصها.
وبعد دراسة هذه التقارير من قبل اللجنة تقوم بإحالة تقاريرها وما تراه مناسباً من
التعليقات العامة إلى الدول الأطراف، كما ولها أن تحيل تلك التعليقات والتقارير
إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولتلك الدول أن ترد إلى اللجنة بملاحظاتها على
تلك التعليقات.
ان أسلوب التقارير
المتبع في هذا النوع من الرقابة هو أسلوب فعّال لحماية حقوق الإنسان بشرط أن تلتزم
الدول بها بصورة جدية ، وبالتالي لا تكون هناك حاجة إلى وسيلة أخرى لفرض هذا
الاحترام والالتزام ، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك لأنه كما ذكرنا أن الدول الأطراف هي التي ترفع
هذه التقارير إلى اللجنة المختصة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية ما يعني أنها ستكون حرة
في تنظيم التقارير بما يلائم مصالحها ، ويعكس انطباعاً جيداً عن التزامها باحترام
حقوق الإنسان، إذ من غير المعقول أن تدرج الدولة في هذه التقارير أن هناك انتهاكات
لحقوق الإنسان على أراضيه
أن تشكيل هذه اللجان
التي تتولى تلقي التقارير من الدول الأطراف يكون من قبل خبراء هذه الدول الذين
يمارسون مهامهم في هذه اللجان كأعضاء بصفتهم الشخصية وليس كمندوبين عن دولهم، ومن
حيث المبدأ يشكل ذلك ضمانة لعدم خضوع هذه اللجان للضغوط السياسية للدول. ولكن
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل أن هذه اللجان لا تتأثر بضغوط الدولة فعلاً؟ وهل أن
هذه اللجان سوف لا تحابي دولة معينة وتستر على انتهاكها لحقوق الإنسان أو عدم
الالتزام بما ورد في نصوص الاتفاقية الدولية؟ كما أن ولاء العضو في اللجنة هل
سيكون للجنة أم للدولة التي ينتمي لها بالجنسية؟ كل تلك الأمور لها دور كبير في
تقليل فاعلية هذه اللجان
كما أن هذه اللجان لا
تصدر أي قرارات ضد الدولة غير الملتزمة باحترام حقوق الإنسان وإنما فقط تكتفي
بإصدار مجموعة ملاحظات وتوصيات تُبلغ إلى الدولة وتضمنها تقريرها السنوي الذي يرفع
إلى كل من الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي كما إن هذه التوصيات
تعاني بدورها من غياب إجراءات المتابعة مما يضعف من فاعلية نظام الرقابة ما يعني خلو النظام الرقابي من أي جزاء في حالة
انتهاك حقوق الإنسان سوى ضغوط الرأي العام العالمي المتمثل في الجمعية العمومية
للأمم المتحدة ووسائل الإعلام العالمية
2. وسيلة
نظام التبليغات (الشكاوي)
تتم هذه الرقابة عن
طريق تقديم الشكوى من دولة طرف في العهد ضد دولة أخرى طرفاً في العهد أيضاً ، لخرقها
لبعض الأحكام الواردة في العهد إلى لجنة حقوق الإنسان. وذلك بعد فشلها في
المحاولات التي قامت بها مع تلك الدولة.
وكما جاء في نص المادة
(41) من العهد ، بأنه لا يمكن أن تقبل هذه الشكوى المقدمة من قبل دولة طرف في
العهد ضد دولة أخرى طرف في العهد ، لعدم تقيدها بالالتزامات المنصوص عليها من قبل
اللجنة (لجنة حقوق الإنسان) إلا إذا كانت هاتان الدولتان قد سبق أن أعلنتا قبولهما
المسبق باختصاص اللجنة للنظر في هذا الادعاء ، مما يعني تعليق اختصاص اللجنة هنا على إرادة
الدول
كما وضحت المادة (41) من
العهد أنه يجوز للدولة المدعية ضد دولة أخرى طرفاً في العهد ، أن تقوم بلفت نظر
الطرف الآخر غير الملتزم بتنفيذ نصوص الاتفاقية عن طريق تبليغ خطي، وعلى الدولة
التي تتسلم التبليغ أن تقدم للدولة التي بعثت به تفسيراً أو بياناً خطياً خلال
ثلاثة أشهر من تاريخ استلامها مبينة فيها الإجراءات التي اتخذتها بهذا الشأن. فإذا
لم يتم تسوية الأمر بما يرضي الطرفين في خلال ستة شهور. كان لأي من الدولتين الحق
في أن تحيل الأمر إلى لجنة حقوق الإنسان، وتبحث اللجنة في حقائق المسألة بعد أن
تتأكد من استيفاء الحلول المحلية، ومن ثم تقدم مساعيها الحميدة بغرض الوصول إلى حل
ودي على أساس احترام حقوق الإنسان المنصوص عليها في العهد.
أما إذا لم تتوصل إلى
حل، فإن تقريرها يقتصر على بيان موجز للوقائع ترفق به المذكرات الخطية وسجلاً
بالمذكرات الشفوية المقدمة من الدول الأطراف ويبلغ التقرير إلى الدول المعنية. لذا
فإن هذه اللجنة لا تعتبر هيئة قضائية أو سلطة عليا إذ تقتصر وظيفتها على التوسط
دون الحكم
3. وسيلة
نظام التظلمات الفردية:
على الرغم من أن
الأفراد هم أساساً محلاً لهذه الاتفاقية لحماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية، إلا أنه
لم يرد نص في الاتفاقية بخصوص شكاوى الأفراد ضد الانتهاكات التي تتعرض إليها
حقوقهم وحرياتهم. وهذا ما دفع بالجمعية العامة إلى الموافقة على بروتوكول اختياري
ملحق بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي أقرت فيه الدول المصدقة
عليه باختصاص لجنة حقوق الإنسان النظر في التظلمات الفردية المقدمة من قبل الأفراد
ضحايا الأنظمة التي تنتهك حقوقهم ما يعني أن هذه
الوسيلة تطبق فقط على الدول التي صادقت على البروتوكول الاختياري الملحق، وبالتالي
فإنه لا يقبل تظلمات الأفراد ضد دولهم أمام لجنة حقوق الإنسان المشكلة بموجب
العهد، حتى إذا كانت حقوقهم منتهكة إلا إذا كانت الدولة قد قبلت بصلاحية اللجنة
بمثل هذا الأمر وصدقت على البروتوكول الملحق بالعهد ، وهذا البرتوكول لا يصبح نافذاً إلا بعد
ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع وثائق التصديق من قبل عشر دول. على الأقل. وقد استوفى
ذلك الشرط وأصبح نافذ المفعول. وبناءً عليه فقد لقيت لجنة حقوق الإنسان المشار
إليها أعلاه العديد من تظلمات الأفراد ضد دولهم والادعاء بخرق نصوص العهد وانتهاك
حقوقهم بعد أن استنفذوا كل الحلول المحلية المتاحة وفقاً للمادة (2) من
البروتوكول.
ولعدم إساءة استعمال
هذا الحق من قبل الأفراد فقد وضعت اللجنة
بعض القواعد الإجرائية لتقديم التظلم ، ومن هذه الإجراءات عدم قبول التظلم إذا رأت
فيه اللجنة إساءة استعمال الحق أو إنه لا يتماشى مع نصوص العهد وفقاً للمادة (3)
من البروتوكول. وتقوم اللجنة بإبلاغ التظلم إلى الدولة المتظلم منها والتي عليها
أن تجيب خلال شهرين عن طريق تقديم بيانات كتابية توضح فيها الأمر وعلى اللجنة أن
تعقد اجتماعات مغلقة أثناء بحث التظلم وتبعث بوجهات نظرها إلى الدولة المتظلم منها
وإلى الشخص المعني وفقاً للمادة (5) من البروتوكول.
وعلى لجنة حقوق
الإنسان أن تقدم تقريراً سنوياً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تضمنه نشاطاتها
بموجب هذا البروتوكول وكيفية معالجتها وتصرفاتها بشأن تظلمات الأفراد الذين يدعون
بأنهم ضحايا انتهاك الدول لحقوقهم وذلك عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي
وهكذا نرى وفي ضوء
صكوك حقوق الإنسان المعتمدة دولياً، وفي الأوضاع الاعتيادية، لا تتجاوز آليات
التطبيق الدولي لحقوق الإنسان وحمايتها المعتمدة من قبل الأمم المتحدة والمنظمات
التابعة لها عن تقديم التقارير وفحصها وإبداء الملاحظات عليها، وتقديم الشكاوى من
دولة ضد دولة، والتوفيق، وتقديم الشكاوى من الفرد ضد دولته، وعرض النزاع على محكمة
العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية
إضافةً إلى ما ذكرناه
من أسباب ضعف هذه الوسائل والتي حدّت من فاعلية الرقابة الدولية على تطبيق
الاتفاقية. فهناك أسباب أخرى تظهر لنا من خلال التمعن في بعض نصوص هذه الاتفاقية،مثال
ما جاء في نص المادة (2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من التزام
الدول الأطراف بأن تكفل لكل شخص خاضع لولايتها حق اللجوء إلى القضاء الوطني أو إلى
جهة إدارية أو أي جهة أخرى حسب تشريع الدولة. وذلك لإنصافه من أي اعتداء على الحقوق
والحريات المقررة له في القانون أو الاتفاقية المعنية سواءً كان الاعتداء صادرا من
أشخاص عاديين أم أشخاص يعملون بصفة رسمية. ما يعني إعطاء الحق لجهات غير قضائية
(إدارية أو سياسية) النظر في الطعون التي تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة
داخل الدولة أي إعطاء هذا الاختصاص لجهات سياسية والتي هي
جهات لا يتوافر فيها الاستقلال والموضوعية وعدم التحيّز وبهذا يكون (الخصم والحكم
معاً) ذلك لكونها الجهة التي ينسب إليها عادةً الإخلال بحقوق الإنسان وانتهاكها ، وخير
ما يوضح ذلك ويعطي دلالته هو فشل المقترحات المقدمة بإدراج نص يتحدث عن محكمة
(وطنية مستقلة) في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يتولى اختصاص النظر في
انتهاكات حقوق الإنسان
ومما يقلل من دور
وفعالية الاتفاقيات الدولية في حماية حقوق الإنسان بدرجة كبيرة (التحفظات التي
تبديها الدول الموقعة عليها وقد أشارت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المدنية
والسياسية إلى تأثير التحفظات على الاتفاقية في التعليق العام لها. وإن تزايد عدد
هذه التحفظات قد يؤدي إلى إضعاف تنفيذ العهد تنفيذاً فعالا
إن الإشكالية لا تنشأ
من خلال الجانب الكمي أو العددي بل تنشأ مما قد تحدثه تلك التحفظات من آثار (فهي
قد تعمل على تقطيع أوصال المعاهدة بصورة كبيرة مما يؤدي بالنتيجة إلى إفراغ
الحماية الدولية لحقوق الإنسان من مضمونها)
ومن
الملاحظ هنا أنه إلى جانب تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الطابع العالمي
العام والتي تناولت في مضمونها تنظيم قضايا حقوق الإنسان بصيغةٍ عامة، كان للأمم
المتحدة من خلال الجمعية العامة مباشرةً أو من خلال بعض الأجهزة الفرعية التابعة
لها دور بارز في إيجاد تنظيم قانوني لمسائل ذات صلة بحقوق الإنسان.
ولضيق
المجال لا يسعنا التطرق إلى هذه الاتفاقيات بالتفصيل، وسوف نكتفي بذكر عناوين أهم
هذه الاتفاقيات:
أ. اتفاقية منع
ومعاقبة جريمة إبادة الجنس الصادرة في 9/12/1948 والسارية المفعول بتاريخ
12/1/1951.
ب. اتفاقية منع
الإتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير الصادرة في 5/12/1949 والسارية المفعول
بتاريخ 25/7/1951.
ج. اتفاقية أوضاع
اللاجئين الصادرة في 28/7/1951 والسارية المفعول بتاريخ 22/4/1954.
د. اتفاقية
الحقوق السياسية للمرأة الصادرة بتاريخ 25/12/1952 والسارية المفعول بتاريخ
7/7/1954.
ه. البروتوكول
المعدل لاتفاقية منع الاستعباد المبرم في
23/10/1953 والساري المفعول في 30/4/1957.
و. الاتفاقية
الخاصة بأوضاع عديمي الجنسية الصادرة في 28/9/1954 والسارية المفعول بتاريخ
6/6/1960.
ز. اتفاقية جنسية
المرأة المتزوجة الصادرة في 29/1/1957 والسارية المفعول بتاريخ 11/8/1958.
ح. اتفاقية تحريم
عمل السخرة الصادرة في 25/6/1957 والسارية المفعول بتاريخ 17/1/1959.
ط. اتفاقية إزالة
التفرقة في ميدان الاستخدام والمهنة الصادرة في 25/6/1958 والسارية المفعول بتاريخ
15/6/1960.
ي. اتفاقية
مناهضة العنصرية في ميدان التعليم الصادرة في 14/12/1960 والسارية المفعول بتاريخ
22/5/1962.
ك. الاتفاقية
الدولية لإزالة جميع أشكال التمييز العنصري الصادرة في 21/12/1965 والسارية
المفعول بتاريخ 4/1/1969.
ل. الاتفاقية
المتعلقة بمندوبي العمال الصادرة بتاريخ 23/6/1971 والسارية المفعول بتاريخ
30/6/1973.
م. الاتفاقية
الدولية لإزالة ومعاقبة جريمة الفصل العنصري الصادرة بتاريخ 30/11/1973 والسارية
المفعول بتاريخ 18/7/1976.
ن. اتفاقية
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من الجمعية العامة في
18/12/1979 والنافذة المفعول في 3/9/1981.
س. اتفاقية
مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو
المهنية المعتمدة من الجمعية العامة في 10/12/1984 والنافذة في 26/6/1987.
ع. اتفاقية حقوق
الطفل المعتمدة من الجمعية العامة في 20/11/1989 والنافذة المفعول في 2/9/1990.
ف. البروتوكول
الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمد من
الجمعية العامة بتاريخ 6/10/1999.
ص. البروتوكول
الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل حول إشراك الأطفال بالنزاعات المسلحة
المعتمد من الجمعية العامة بتاريخ 25/5/2000.
ق. البروتوكول
الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال واستغلال دعارة
الأطفال والصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 25/5/2000.
اخيرا ومن خلال عرضنا
لأهم تفاصيل وجزئيات هذه الشرعة الدولية ومن اطلاعنا على الجهود الدولية
والإقليمية في مجال حقوق الإنسان ، يتبين لنا بأن حقوق الإنسان لها شأن هام في
العلاقات الدولة باعتبارها عاملاً هاماً في الاستقرار والذي بسببه عمل المجتمع
الدولي على تخصيص حقوق الإنسان بإعلان عالمي ، ومن ثم تفعيل مبادئه ونقله إلى
الواقع العملي من خلال إصدار العهدين الدوليين، ولكن الواقع العملي يجعلنا نقف عند
بعض المسائل والموضوعات التي تستوجب التأني والتأمل وأبرزها:
- إن التحفظات
والاستثناءات التي أبدتها الدول الأطراف في العهدين وما نتج عنها من آثار سلبية لجهة
إضعاف تنفيذ العهد تنفيذاً فعالاً ، دفعت بالمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد
في فيينا عام 1993 إلى التشديد على جميع الدول التجنب قدر الإمكان اللجوء إلى
إبداء التحفظات
- هنالك عدد
غير قليل من الدول التي تخشى أن تعلن مسؤوليتها عن انتهاكات الحقوق المقررة في
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لذا فإنها لحد الآن لم تقم
بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الأول للعهد (كما هو حال معظم الدول العربية).
- أظهرت
الممارسات الفعلية للمحاكم الدولية على تمسك الدول في أغلب الحالات والنزاعات
المعروضة أمام هذه المحاكم بالمبادئ والأحكام الواردة في الشرعة الدولية لحقوق
الإنسان. إضافةً إلى أن أغلب القضاة في معظم دول العالم يطبقون الحقوق المعلنة في
الشرعة الدولية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال تطبيق التشريعات الوطنية
المتضمنة للحقوق المقررة دولياً بمقتضى الشرعة الدولية(
- لقد أجاز
العهدين الدوليين على عقد العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعزز مبادئ حقوق
الإنسان في الموضوعات التي تناولها العهد وبناءً على ذلك عقدت العديد من
الاتفاقيات الدولية في ظل الأمم المتحدة تناولت الموضوعات التي تناولها العهد ، ومنها
منع التمييز العنصري بمختلف أشكاله ومعاقبة جرائم الحرب ، ومكافحة التعذيب
الجسدي ، وإلغاء عقوبة
الإعدام،( ، وحماية
الطفولة والمرأة ، وحماية اللاجئين
وعديمي الجنسية( . إضافةً إلى
الاتفاقيات الإقليمية الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان (الاتفاقية الأوروبية لحقوق
الإنسان والحريات الأساسية لعام 1950، واتفاقية الدول الأميركية لحقوق الإنسان
لعام 1961، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981 والميثاق العربي
لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1994)، حيث أن جميعها أشارت في المقدمة إلى الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان، كما جاءت بنودها على نحو يعزز ويؤكد المبادئ والأحكام التي
وردت في الإعلان أو في العهدين أو حتى في القانون الدولي لحقوق الإنسان على وجه
العموم. كما أكدت هذه الصكوك على تكامل هذه الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة. فحماية
الحقوق المدنية والسياسية ترتبط بالضرورة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية لحقوق الإنسان. فالتمتع الفعال والكامل بأي جانب من هذه الجوانب من
الحقوق يتطلب التمتع بجانبه الآخر