امن
لبنان من التراضي إلى التراخي
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 13/3/2013
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 13/3/2013
ابرز مظاهر سيادة الدولة واستمرارها هو
الامن،فبدونه لا سيادة ولا مظاهر دولة،وهذا ما يحدث في لبنان.وهذه الظاهرة ليست
بجديدة انما ترافقت في معظم تاريخه الاستقلالي. واطلق عليها في بعض المحطات الامن
بالتراضي، على قاعدة مسايرة بعض قوى الامر الواقع هنا أو هناك، وتدبير وتصريف امور
الدولة ومواطنيها بأقل الخسائر الممكنة.
وفي علم الاجتماع السياسي تشكل هذه الظاهرة
، اي اقتسام مهام الامن أو تخلي الدولة عن بعض مهامها، نذير شؤم على الدولة
وكيانها،كما مجتمعها ومؤسساتها. والأخطر من ذلك ان هذه الظاهرة تجري في لبنان بعلم
اركان مسؤوليها ،وثمة من يعتقد ان هؤلاء المسؤولين هم من يشاركون بذلك لسبب أو
لآخر، حيث المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة.
وبصرف النظر عن هذا التوصيف النظري،ثمة
ابعاد سياسية لم تعد تُخفى على أحد، فالوضع في لبنان حاليا هو انعكاس لتصادم
اقليمي ودولي، وفيه تُجرى عمليات شد وجذب واسعه، وهو بمثابة بالون اختبار لما يمكن
ان يُحاك للمنطقة بتفاصيلها حتى المملة احيانا. فالوضع اللبناني شئنا ام ابينا بات
جزءا من المشهد السوري، من الصعب فصله أو تطبيق سياسة النأي بالنفس كما يُروّج بين
سياسييه،كما من الصعب معالجة أزماته الداخلية وذيولها الخارجية بمعزل عن واقع
المنطقة المتفجر ومنها الأزمة السورية.
وغريب المفارقات في لبنان ما تتفتأ به عبقرية مسؤوليه من ابتداع
الأفكار بهدف التخلص من مشكلة بينما واقعا يغرقوه في مشكلة أكبر،ومنها قضايا
الامن،مما يثير اسئلة ليست خبيثة بقدر ما هي تنم عن واقع مبيت لا يجرؤ احد البوح
به أو تفسيره. فهل حالة الأمن المتفلتة وصولا إلى التراخي هي مقدمة للتلاشي؟
وبالتالي ادخال لبنان في نفق صراعات ظاهرها سياسي على خلفية مواقف من ازمات متعددة
ومتنوعة، وباطنها مذهبي طائفي؟
ان ما يحدث الآن في لبنان باعتقاد
الكثيرين انه حالة ستؤدي عاجلا ام آجلا إلى انفجار كبير لن تنحصر ذيوله وتداعياته في
لبنان وحده،بل ان القراءة الموضوعية لظروف المنطقة تشير إلى ان امتدادها سيشمل
اطرافا اقليمية ستتسبب باندلاع حروب اقليمية باهظة الثمن.
فالبعودة إلى العام 1958 ادى انقسام
اللبنانيون حول السياسات الخارجية بين مؤيد ومعارض للوحدة المصرية - السورية ،إلى
نزول قوات البحرية الامريكية المارينز إلى بيروت.وفي العام 1973 ادت خلافات
اللبنانيين حول القضية الفلسطينية إلى سياسة الامن بالتراضي وضمور دور الدولة
ودخول لبنان في حرب استمرت سبع عشرة سنة. واليوم يدخل لبنان في دوامة انفلات الوضع
الأمني وصولا إلى تلاشيه الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الصور القاسية التي مر بها
سابقا.
علاوة على ذلك،ان الأوضاع الاجتماعية
الاقتصادية التي تمر بها معظم شرائح المجتمع اللبناني هي سيئة،فبدأت الحركات
المطلبية من هنا وهناك وصولا إلى شلِّ مؤسسات الدولة عبر اضرابات مفتوحة على قاعدة
المطالبة بتحسين الظروف،في وقت تدير الحكومة إذنها الصماء لهذه المطالب،فهل يضاف
هذا السبب الى عشرات الأسباب التي ستسهم في افلات الامور من عقالها.
عندما بدأ الحراك العربي في غير مكان،كانت
جميع هذه المظاهر تعتبر صورا نمطية مشتركة في جميع الدول التي شهدت ساحاتها حركات
احتجاجية،و سرعان ما انفجرت وأدت إلى ما ادت اليه. وفي لبنان أيضا تتلبد الصور وتتهيأ
الأوضاع للحظة الصفر، التي لن يكون اللبنانيون بمالكين لمفاتيح كبحها أو اطلاقها؟
علاوة على ذلك، لقد اختلف اللبنانيون على
جنس الملائكة في قانونهم الانتخابي،وهي مناسبة اخرى للانفصام والخلاف السياسي،ومن
السهل أيضا في لبنان جريا على العادة ان يتحول اي خلاف سياسي إلى خلاف طائفي
ومذهبي ،الأمر الذي يترجم حراكا امنيا على الارض، فهل تكون الانتخابات النيابية
عنصرا مضافا على الكم الهائل من التناقضات اللبنانية؟
عندما تستقيل الدولة من مهامها المفترضة وفي
طليعتها المهام الأمنية،تكون بذلك قد اطلقت رصاصة الرحمة على نفسها وعلى غيرها ممن
ترعى شؤونهم، فهل ذهبت الدولة اللبنانية بأمها وأبيها إلى هذا المنزلق، يبدو ان
الأمر كذلك.
المجرمون في السجون اللبنانية يحتجزون
حراسهم ويفاوضون الدولة على مطالب لهم وفي بعض الأحيان لاطلاق بعضهم.وفي لبنان
أيضا تنقسم القوى الامنية والعسكرية بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، فتغض الطرف عن
البعض فيما تشدد على البعض الآخر.وفي لبنان أيضا ثمة من يلعب لعبة القطة والفار في
سياق المطاردة ومحاولة توقيف المطلوبين. وفي لبنان أيضا ثمة من يقطع طريق ولو لسبب
خاص ليس له علاقة بمطلب عام. انه لبنان حيث الامن بالتراضي وصل إلى حد التراخي
والتلاشي، فهل دقت ساعة الصفر؟ ثمة من يقول انها مسألة وقت ولن تطول حكما!