اي
بابا نريد
د.خليل
حسين
استاذ
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت:
21/2/2013
في الثامن والعشرين من شباط الماضي يكون مركز
البابا قد شغر عمليا بفعل استقالة البابا بنديكت السادس عشر،وتأتي عملية انتخاب
خلف له في ظروف روحية وزمنية حساسة، ما
يضفي على عملية الاختيار والانتخاب ابعادا ذات دلالات خاصة بالدور الذي
يمكن ان تلعبه الكنيسة الكاثوليكية بين رعاياها وغيرهم من الملل والنحل في غير
مكان من العالم، علاوة على المواقف ذات البعد الاجتماعي والأخلاقي والسياسي التي
باتت من الخطورة والأهمية بمكان،ان تولى الاهتمام الكافي من مركز يفترض به ان يكون
مؤثرا في رسم السياسات ذات الأبعاد العالمية.
فالبابوية بحد ذاتها ظلت رقما لا يستهان به في
العصور القديمة والوسطى كما الحديثة، وأضيف عليها بُعد آخر بعهده الفاتيكاني،اي
مرحلة نشوئها كحاضرة فاتيكانية لها كيانها المادي والمعنوي ليس في اوروبا والغرب
فقط،بل تجاوزته ليشمل مختلف بقاع العالم بسياساته ونظمه ودياناته وحضاراته
وثقافاته. ما جعل للبابا ثقلا معنويا وماديا يسهم بشكل أو بآخر في عملية اختياره
وانتخابه.
وبصرف النظر عن سياسات الحاضرة
الفاتيكانية الزمنية في غير زمان ومكان، إلا اننا في الشرق العربي والإسلامي
اصبحنا معنيون بالخلف أكثر من اي وقت مضى ، لما نمر به من ظروف فارقة تستوجب البحث
بين القريب والبعيد عما يُسند قضايانا ، ويُسهم في حل مشكلاتنا التي باتت من
الكثرة والصعوبة بمكان،اننا اصبحنا غير قادرين على حلها بمفردنا.
العناوين السياسية والاجتماعية الابرز
التي ظهرت مؤخرا وتحديدا في العام 2010، "السينودوس من اجل الشرق"، وهو
بمثابة رسائل بابوية لما يعنيهم الأمر بكيفية تطوير وسائل حل القضايا والمسائل ذات
البعد الاجتماعي والحضاري والثقافي والسياسي التي تعاني منها المنطقة. وبصرف النظر
عن اولوية هذه القضايا ،تبقى بعض المسائل التي تستوجب التدقيق ومن بينها الحوار
الاسلامي – المسيحي في المنطقة من بين المسائل ذات الطابع الديني، والصراع العربي
الاسرائيلي من المسائل ذات الطابع السياسي ، الذي له بُعد ديني أيضا لما ترتبط به
قضية الاحتلال الاسرائيلي للقدس مع الديانة اليهودية وبعض مزاعهما في الاراضي
الفلسطينية المحتلة.
ثمة ضرورة ملحة بمن سيخلف البابا بنديكت
السادس عشر، ان يكون يقظا لما يخطط في منطقتنا العربية تحت ذرائع الحراك الشعبي من
محاولات ابراز النزاع الاجتماعي القائم بين الانظمة وشعوبعها على انه نزاع أو حتى
صراع بين اديان وطوائف ومذاهب، فيما النزاع القائم هو بحت اجتماعي سياسي، وان ظهر
من بعض تياراته الاسلامية التي وصلت إلى السلطة ما يعزز ذلك ويعمقه. وبالتالي ثمة
واجب ديني وأخلاقي على الحاضرة الفاتيكانية ان تعي ابعاد هذه المسألة وتحاول حلها
بالحث على الحوار والانفتاح والتواصل لفهم افضل للقضايا الكثيرة المشتركة اصلا بين
المسيحيين والمسلمين. فعلى سبيل المثال لا الحصر ليس ثمة اغلبية مسلمة حاكمة
ومتحكمة في بعض الفئات غير المسلمة ومنها المسيحية في معظم الانظمة العربية،بل
هناك فئة حاكمة ومتحكمة بالأكثرية الاسلامية بستار الدين ومهيمنة على الفئات
الدينية اسلامية كانت ام مسيحية.
جانب سياسي ينبغي تعزيز المواقف منه
ومتابعته بأكثر فاعلية وتأثير، وهي قضية القدس ، فهي الهم الاسلامي - المسيحي
المشترك.ففيها كنيسة المهد والقيامة واليها عرج نبينا محمد (ص)،وهي قبلة المسيحيين
والمسلمين على السواء.القدس باتت اليوم بخطر شديد،معالمها تُغير، وتهويدها جار على
قدم وساق، فيما نحن المسلمين والمسيحيين نتلهى أو نُلهى بجنس الملائكة، وبطبيعة
السلام المزعوم،وفيما المسيحيون والمسلمون
الفلسطينيون والعرب في فلسطين يُجزّر بهم من اسرائيل.فحتى الأمس القريب كانت القدس
عروس عروبتنا مسلمين ومسيحيين على حد قول شاعرنا بدر شاكر السياب، فأين القدس
اليوم من قدراتنا وطاقاتنا وحتى معتقداتنا؟!
اليوم ربما الحاجة أكثر الحاحا من أي وقت
مضى ، لأن يكون البابا أبا للمسلمين قبل المسيحيين في مشاركته لقضاياهم ومعاناتهم
،بخاصة ان هذا الشرق الذي تزاحمت وعجت به مهبط الرسالات السماوية، بات بحاجة
لعناية روحية فائقة،بعدما أذلته العنايات الزمنية. وثمة من يذهب إلى أبعد من ذلك
ويطالب ببابا من الشرق، علها تكون سابقة بين الباباوت التي اتت جميعها من الغرب.
ربما تكون أمنية عند مسيحيي الشرق وبخاصة العرب منهم، وثمة من يهمس في خلده بذلك
الحلم، فهل يُنتخب بطريرك الموارنة حبرا أعظم،ثمة من يصلي في لبنان ليصبح
الكاردينال بشارة الراعي، بشرى لرعايا الكنيسة الكاثوليكية في لبنان والعالم.