حكومات
الامر الواقع في لبنان
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية بتاريخ 2/1/2014
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية بتاريخ 2/1/2014
من مفارقات تشكيل الحكومات في لبنان ،
خضوعها لمعايير دستورية في الشكل ، ولمواصفات طائفية ومذهبية في المضمون ، وتبدو
حساسية هذه المسألة اكثر وضوحا بعد اتفاق الطائف (1989) ، وأكثر دقة وخطورة بعد
اتفاق الدوحة (2008). وفي كلتا الحالتين يبدو ان النظام السياسي في لبنان وكذلك
شعبه ، دفع أثمانا باهظة من رصيد وحدته الوطنية التي تكاد تتلاشى مع احتمالات
تشكيل حكومة امر واقع كما ما يطلق عليها ، كمصطلح استفزازي في الحياة السياسية
اللبنانية.
ففي 23 ايلول 1988 وقبل نهاية ولاية الرئيس
امين الجميل بربع ساعة فقط ،اصدر مراسيم حكومة ترأسها قائد الجيش العماد ميشال عون
آنذاك، ما لبث ان استقال الورزاء المسلمون منها بعد ساعة واحدة .واجهتها حكومة
الرئيس سليم الحص التي كانت في السلطة اساسا ، فُحكم البلد بحكومتين تنازعتا
السلطة في ظل احتراب لبناني قلَّ نظيره في مسلسل الاقتتال الداخلي، وانتهى
"عهد الحكومتين" باتفاق الطائف الذي اعاد رسم صورة تشبيهية اذا جاز
التعبير لمستقبل النزاعات اللبنانية بمختلف تلاوينها الدستورية والطائفية وحتى
المذهبية.
وبعيدا عن الجدل الدستوري الذي يحكم عمل
مؤسسة مجلس الوزراء الذي اناط بها السلطة التنفيذية بعدما كانت مناطة برئيس
الجمهورية، تمكنت التوليفة اللبنانية المعتادة من تقطيع الوقت السياسي مع الحكومات
المتعاقبة، التي استمرت حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لتفتح صفحة جديدة قديمة
في دهاليز التوليفات الحكومية ، التي توجت لاحقا بمعايير ومواصفات جديدة ، من
بينها الثلث الضامن أو المعطل ، واختراع صفة الوزير الملك، والاتفاق قبلا على
السياسات والبيانات الحكومية قبل تشكيلها، والاشتراط قبلا كذبك على عدم استقالتها
أو اقالتها ؛ وصولا إلى وضع مصطلحات تقنية وسياسية تبدو في نظر البعض ، استفزازا
ولدى البعض الآخر اجراءً طبيعيا ، بهدف الخروج من مأزق الحكم والحكومة في آن معا ،
كمصطلح "حكومة الأمر الواقع".
في علم فلسفة اللغة والسياسية ، يبدو
مصطلح الامر الواقع تعبيرا عن موازين قوى تحكم علاقات معينة ، إلا انها في الحياة
السياسية اللبنانية تبدو أكثر من مسألة افتعال أزمة أو مشروع اقتتال آخر ،
والتدقيق في التاريخ السياسي للحكومات اللبنانية ، يبدو هذا الاجراء تعبيرا عن الرغبة
في تحولات جذرية للنظام بعد سلسلة من النزاعات التي تودي بتفاهمات سياسية ودستورية
سابقة ، مثال ما حدث مع حكومة فؤاد السنيورة التي انهى مفاعيلها اتفاق الدوحة،
والذي انبثق بعدها مصطلح الثلث الضامن أو المعطل في تشكيل الحكومات.
والمفارقة الأغرب في سياق عمليات تشكيل
الحكومات ما ابتدع على تسميته مثلا مصطلح "الوسطية" في صنف بعض وزراء
الحكومات اللبنانية مؤخرا ، وكأن في المجتمع اللبناني مكان لهذا التوصيف، والمعروف
في هذا المجال عدم وجود اطراف مستقلين حقيقيين أو لنقل وسطيين أو معتدلين... ،
باعتبار ان ميزة الواقع السياسي السلبي في لبنان، السرعة الفائقة التي ينقسم
اللبنانيون حولها ولو على أصغر وأتفه القضايا التي تواجههم في حياتهم اليومية وحتى
غير السياسية منها.
اليوم يشاع في الكواليس السياسية اللبنانية
عن اطلاق حكومة امر واقع خلال ايام قليلة ، على قاعدة شروط وشروط مضادة ، لكنها في
المحصلة اذا ما اعلنت ، ستكون من لون سياسي واحد وان طعمت بألوان طائفية ومذهبية
في الشكل لا المضمون السياسي الذي سيحكم برامجها. وهنا تكمن المشكلة الكبرى!
لبنان اليوم ، منقسم انقساما عموديا خطيرا
، ليس في السياسة فقط ، وإنما سهولة ترجمة الاختلاف السياسي إلى تناحر مذهبي ، لا
ينقصه سوى الاعتراف به أو الاعلان عنه صراحة ، والذي يسمى على الطريقة اللبنانية
"ايقاظ الفتنة " ، اي بتعبير اوضح هي موجودة ونائمة ، وتبدو واقعيا في
لحظات نومها الأخير
ليس ربما
، بل الأكيد ان لبنان اليوم بحاجة إلى لغة العقل والتعقل ، وبالتالي عدم
الاقدام على اية خطوة غير محسوبة التداعيات والنتائج ، ففي مثل تلك الحالات وضع
لبنان أكثر من مرة في تاريخه السياسي المعاصر على النار الحامية للعبة الأمم ، وفي
كل مرة كان الثمن باهظا ، لينتهي بتسويات مؤقتة لا يزيد عمرها عن العقد والنصف.فهل
الأيام القادمة تحمل عناصر التفكيك الأخير للنظام ؟ وهل ادخل في لعبة الفوضى ؟
والسؤال الأهم هنا ، هل ان ثمة في لبنان من لا يدرك ان الكيان هذه المرة هو في
خطر؟ في الماضي القريب ، كانت الفواعل الاقليمية وان تقاتلت واحتربت بأطراف
لبنانيين ظلت تحتفظ بخطوط التواصل لإيجاد تسويات معينة ، لكن هذه المرة تكاد
الخيوط تنقطع وعندها لن يجد اللبنانيون من يصيغ أو يصنع لهم التسويات! فهل نحن على
مشارف الانفجار وصولا إلى جنيف لبناني كما السوري والإيراني؟