د . خليل حسين /أسباب تصاعد الحركات الأصولية/ صحيفة الخليج الاماراتية 15-11-2014
ثمَّة العديد من الأسباب الذاتية والموضوعية التي ساعدت في تصاعد الأحزاب والحركات الأصولية في المنطقة العربية . فوصول الجمهوريون وبالتحديد فئة "المحافظون الجدد" إلى السلطة في الولايات المتحدة، شكَّل تحوّلاً دراماتيكياً في السياسات الخارجية الأمريكية وبخاصة تجاه الشرق الأوسط، والذي أدّى إلى تشكيل بيئة مواجهة وصلت إلى حدود استعمال القوة العسكرية في مواجهتها . فاجتياح "إسرائيل" على سبيل المثال للبنان في العام 1982 وعدوان تموز ،2006 والعدوان على غزة 2008 و2010 و2014 وبدعم أمريكي واضح، نقل منطقة الشرق الأوسط من ضفة إلى أخرى، تميّزت بمواجهات دامية وأسست لبيئات سياسية واجتماعية متطرِّفة نظرت إلى الولايات المتحدة نظرة عداء كونها تشكل الداعم الاستراتيجي ل "إسرائيل" في المنطقة . وسرعان ما ترسخ هذا الاتجاه في عقد الثمانينات من القرن الماضي وما تلاه .
كما ساعد الوضع السالف الذكر، بشكل مباشر على إحياء إيديولوجيات ذات طابع أمني عسكري، ومرد تلك الاحتلالات التي ظهرت في غير منطقة في الشرق الأوسط، بدءاً من لبنان وصولاً إلى أفغانستان والعراق، الأمر الذي أوجد غطاءً شرعياً اجتماعياً حاضناً للأحزاب والحركات التي واجهت الوضع القائم آنذاك .
كما أن فشل الأحزاب القومية العربية والشيوعية في تحقيق الآمال التي وعدت بها شعوبها، أدى إلى واقع اجتماعي سياسي تعبوي مختلف، سرعان ما تحولت الجماهير العربية والإسلامية عن أحزابها ومضت باتجاه الأحزاب الراديكالية التصورات، والتي تمثلت بالأحزاب ذات التوجه الديني وحتى المذهبي .
وتشكل قدرة هذه الأحزاب التعبوية الهائلة بحكم الأدوات والوسائل التي تستعملها وبخاصة الدينية منها، جعلها بحراً كبيراً لاستيعاب جماهيرها في الوقت الذي تميّزت بحسن تقديماتها وحل مشاكل جماهيرها، الأمر الذي رسّخ فكرة نجاحها في الذاكرة الجماعية لمناصريها، وبالتالي تأييدها والاندماج في صفوفها بصرف النظر عن دقة وصوابية طروحاتها تجاه الأزمات التي ينبغي اتخاذ مواقف فيها .
إن فشل الأنظمة الحاكمة في تقديم أي أمر وعدت به، أدّى إلى تهميش دورها ورعايتها المفترضة لناسها ومواطنيها، ما سهّل للأحزاب البديلة الحلول مكانها وقيادتها للسياسات الداخلية والخارجية للدولة، حتى باتت سلطات الأنظمة هيكلاً فارغاً من دون مضمون، الأمر الذي سهل عملياً تآكلها من الداخل تمهيداً لانهيارها .
كما أن فشل مشاريع السلام المقترحة أمريكياً أدّى بشكل أو آخر إلى تقوية مواقف الأحزاب الدينية، التي توصف عادة بالراديكالية أو بالأصولية، ما عقَّد الأوضاع القائمة من دون ظهور محاولات جديدة قابلة للحياة .
إن الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه معظم الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، باتت قاب قوسين أو أدنى لتغيير العديد من أنظمتها التي استهلكتها عبر عقود طويلة . بل إن مجمل الثورات العربية القائمة حالياً تعبّر عن انعكاس موضوعي لواقع الحال التي وصلت إليها هذه الأنظمة وعدم قدرتها على تقديم أي بديل للأمر الواقع التي تعيش فيها جماهيرها .
صحيح أن عمليات التغيير يمكن أن تؤدي إلى استقرار سياسي واجتماعي، لكنه ليس بالضرورة قادر على إنتاج وقائع وأوضاع يمكن أن يبنى عليها لبيئة سلمية في الشرق الأوسط . ومرد ذلك أن هذه الثورات في الأعم الأغلب، سوف تتجه بعكس ما كان عليه الأمر مع الأنظمة السابقة، وبالتالي عودة التشدد إلى الحياة السياسية العربية في ظل إعادة تموضع الأحزاب المتشددة بين الثورات القائمة وشرائح الشباب المحرك لها .
من هنا يثار السؤال الأهم، ما العمل؟ هل ثمة حاجة ملحة وضرورية لإعادة صياغة فكر قومي عربي يتلاءم والمتغيرات الحاصلة في مجتمعاتنا وأنظمتنا العربية، أم أن أخطاء وخطايا ممارسات الأحزاب والحركات القومية في وطننا العربي، باتت راسخة في الوعي والعقل الجماعي العربي، ما يبعد هذا الاحتمال الحل، وبالتالي بقاء الحركات والتنظيمات المنافسة لها هي البديل رغم صورها السوداء في عقول معظم المجتمعات العربية، خاصة بعد ظهور "داعش"، وما حاولت ترسيخه من صور نمطية مظلمة .
يبدو أننا نحن العرب نمر بأزمات خطرة وحرجة، من الصعب احتوائها وتقديم بدائل سريعة قابلة للحياة . ويبدو أننا ما نمر به اليوم هو تكرار إلى حد كبير للذي مرت به المجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى، ويبدو مرة أخرى أننا بحاجة نحن العرب لقراءة دقيقة لما مرَّ به غيرنا من شعوب وأمم، وبالتالي محاولة فهم دقيق للاستفادة من هذه التجارب، لكن معروف عنا أننا أمة لا تقرأ، وإذا قرأت وفهمت لا تعرف كيف تستفيد من أخطاء غيرها، إنها حقاً مصيبة!
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a2015e22-cade-4395-bb2b-e8233c7f23f4#sthash.oQddqAMV.dpuf