د .خليل حسين / النازحون السوريون في لبنان ومؤتمر برلين / الخليج الاماراتية 6-11-2014
لا يكفي لبنان من الأزمات القاتلة ليزداد عليها ملف يمس كيانه إن لم يكن وجوده، وهذا تقريباً ما بات يجمع عليه اللبنانيون على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية . فلبنان الذي احتضن وعبر سياسة "النأي بالنفس" عن الأزمة السورية، ما يقارب نصف عدد سكانه من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ما بات يهدد فعلاً التركيبة الديموغرافية للبنانيين التي تعاني أصلاً خللاً واهتزازاً اجتماعياً أدى في غير مناسبة، إلى إشعال أزمات وطنية حادة تطورت غالباً إلى صراعات مستترة أحياناً، ومكشوفة أحياناً أخرى .
ولبنان الذي يعاني أساساً أزمات اقتصادية واجتماعية يضاف إليها الأمنية، بات عاجزاً عن الاستيعاب القسري لموجات النازحين، وهو في الواقع غير قادر لأكثر من سبب على تطبيق ما يتخذه من قرارات حتى تلك المتعلقة بوقف استقبال النازحين، وهو الملف الذي حمله رئيس الوزراء، تمام سلام، إلى مؤتمر برلين، لعل وعسى أن يجد مخرجاً للوضع المأساوي القائم . جل ما كان متاحاً هو السماع لأفكار ومقترحات مرتبطة أولاً وأخيراً بمواقف الدول الوازنة في هذا الشأن، من بينها إنشاء مخيمات في مناطق آمنة على الحدود اللبنانية السورية لإيواء وتنظيم اللاجئين في مقدمة للعودة إلى مناطقهم الأساسية في سوريا، وهو أمر اعتبره المؤتمر، مرتبطاً بالحل السياسي للأزمة السورية، ما يعني أن الموضوع بآليته التنفيذية أمر مؤجل من الصعب التكهن بتوقيته ولا حتى بداياته أو نهاياته المحتملة .
وبصرف النظر عن هذه الحيثية أو تلك التي سادت المؤتمر، تمكن لبنان عملياً من عدم الوقوع في فخ التوقيع على اتفاقية 1951 للاجئين، والتي تجعل من لبنان بلداً مستقبلاً ومستوعباً للنازحين واللاجئين، وبما يترتب عليه من واجبات ومسؤوليات دولية لو وقع عليها، وهو أمر من الصعب على لبنان تحمل نتائجه الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في ظل ظروفه الحالية وحتى المستقبلية .
فاللاجئون وفقاً لهذه الاتفاقية تمنح لهم حقوق تصل إلى حد التوطين والاندماج الاجتماعي، ما يعني أن اللبنانيين في لبنان سيصبحون جالية لبنانية في بلدهم، كبقية الجاليات الموجودة فيه، الأمر الذي سيشكل تهديداً لكيانه ووجوده الذي أنشئ في عام 1920 وفق تركيبة جيو طائفية ومذهبية دقيقة، راعت الكثير من التوازنات الطائفية والمذهبية، فكيف بالإمكان إضافة ما يوازي نصف سكانه إلى هذا الخليط الهجيني التركيب الذي لم يعرف طعم اللحمة الوطنية الحقيقية منذ تأسيسه .
في عام 1969 شُرع الوجود المسلح الفلسطيني وما رافقه من نزوح بعد معركة أيلول الأسود في الأردن، عبر اتفاق القاهرة، الذي يعتبره بعض اللبنانيين السبب الأساسي لانطلاق الحرب الأهلية، اليوم يتوجس اللبنانيون خوفاً مما ينصب لهم من محاولات لتشريع وتنظيم الوجود السوري في لبنان، باعتباره سيصبح واقعاً مؤثراً في المستقبل كما حدث مع الفلسطينيين بدءاً من العام 1948 في لبنان، وتحولوا من لاجئين إلى فئة اجتماعية يصعب تصنيفها القانوني أو وضعها العملي .
لم يكن مؤتمر برلين سوى محطة من محطات أزمة اللاجئين السوريين وغيرهم في لبنان، ولم يتمكن لبنان من إقناع المشاركين وهم أربعون دولة واثنتا عشرة منظمة بوجهة نظره، وجل ما تمكن من تحقيقه وعد مالي بثمانية ملايين دولار، وهولا يسمن ولا يغني من جوع، في بلد وصلت نسبة العجز فيه إلى مستويات مرعبة، وازدياد نسبة مواطنيه الذين يعيشون فيه إلى ما دون خط الفقر، إضافة إلى الضغط الأمني والاجتماعي والنفسي المرعب .
وُعد لبنان بمتابعة المؤتمر في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لكن من يعرف ماذا سيحدث في لبنان إلى ذلك الحين، ثمة تطورات أمنية وعسكرية متسارعة، فكيف سيكون عليه حال هذا الملف؟ وهل المجتمع الدولي جاد في تسوية مثل هذه الملفات؟ أم أن الأمر لا يعدو بحثاً عن مجموعة من الملفات تزيد الأمر تعقيداً في لبنان لتسهيل انفجاره من الداخل حين يراد له ذلك، يبدو أن الأمر كذلك .
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/07a3e942-6d71-4d0a-9a3f-846378f7954b#sthash.daFUyVdv.dpuf