لتداعيات الكردية للانتخابات التركية
الخليج الاماراتية 16-6-2915
د. خليل حسين
ربما ستقف تركيا مرة جديدة على مفترق طرق، بفعل ما آلت إليه الانتخابات، وما يمكن أن تؤول إليه التحالفات في التركيبة الجديدة، خاصة أن حزب العدالة والتنمية علق آمالاً كبيرة على فوز ساحق يتيح لرئيسه حكم تركيا بنظام رئاسي، وبصورة سلطان يعيد عثمانية ليبرالية تعمّم على منطقة شرق أوسطية، تشهد غلياناً وفراغاً في الأنظمة والمجتمعات، وتنتظر ما يفصّل لها من لبوس لأنظمة سياسية فشلت في كثير من الدول العربية كنموذج مصر مثلاً.
في المحصلة، سقط مشروع رجب طيب أردوغان، وبات عليه إما التحالف مع خصوم ليس من السهل معهم تمرير سياساته المعهودة خلال ثلاثة عشر عاماً، التي انطلقت من «صفر مشاكل»، وانتهت بعداءات لا تُعدّ ولا تحصى، وإما استعمال حقه الدستوري لاحقاً، إذا ما فشل حزبه في تشكيل حكومة ائتلافية، بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، وفي كلتا الحالتين ثمة صفعة قوية لسياسات حزب العدالة والتنمية أولاً، وضربة قاضية لمستقبل أردوغان السياسي، بعدما رسم في عقله الباطني إمبراطورية افتراضية سعى إلى تظهيرها ولو على حساب شرائح واسعة في المجتمع التركي، وعلى حسابات دقيقة رُسمت سابقاً في السياسات الخارجية منذ عهد الجمهورية الأولى في عام 1923.
إلا أن المفارقة الأبرز في هذه الانتخابات، فوز الأكراد بنسبة أتاحت لهم ليس دخول البرلمان فحسب، وإنما إمكانية التأثير القوي في أي ائتلاف حكومي مفترض، وهي سابقة مدوية في الحياة السياسية التركية، لما لها من تداعيات داخلية وخارجية، وبخاصة الدول التي تتقاسم وإياها القضية الكردية، كالعراق وسوريا وإيران، وهي معضلة لم تتمكن يوماً الحكومات التركية المتعاقبة من إيجاد مقاربة موضوعية للمشكلة، سواء في الداخل أو في الخارج، فضلاً عن أن التدقيق في نتائج الفوز الكردي في بعض المناطق الانتخابية، يظهر دلالات جدية على تغير السلوك السياسي الكردي في تعاطيه مع قضاياهم في تركيا أو خارجها، بخاصة أن قسماً كبيراً من المقترعين، كانوا سابقاً في سلة حزب العدالة والتنمية تحديداً، الأمر الذي يؤشر على مزاج مختلف، ومن نوع تصاعدي في مقاربة الأمور مع أي حكومة مقبلة.
فحزب الشعوب الديمقراطي، الذي شكل تحدياً حقيقياً لسياسات أردوغان منذ عام 2012، والذي عُدّ الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، انطلق من برامج خاصة إلى برامج عامة تهمّ شرائح متنوعة في المجتمع التركي، وتظهر مزاجاً عاماً في السياسات الخارجية، وبخاصة تجاه القضية الكردية في الداخل التركي وخارجه، فمن المؤكد انه سيعيد رسم سياسات مغايرة على الصعيد الخارجي، لا سيّما أن ما شهدته منطقة «عين العرب» (كوباني) في شمال سوريا، وما وصلت إليه مكونات الدولة في كردستان العراق، ستسهم بشكل آو بآخر في اتجاهين أساسيين، الأول يتعلق بوضع الأكراد في الداخل التركي؛ فإمّا الاندماج السياسي وهو أمر مستبعد نتيجة التجارب السابقة بين الأكراد والسياسات الحكومية التي اتبعت، وإمّا التأثير في مزيد من الدعم نحو كل من كوردستان باتجاه إعلان الدولة المفترضة، وكذلك حثّ أكراد كوباني، على تشكيل نواة دولة والتمثل بسابقة كوردستان في العراق. وفي مطلق الأحوال، إن هذين الاحتمالين يشكلان منطلقاً واقعياً من وجهة النظر الكردية للسباق الجاري في الشرق الأوسط، على إعادة رسم الجغرافيا السياسية للكثير من المكونات العرقية القومية، والطائفية والمذهبية، وهي صور باتت أقرب إلى القبول بها واقعياً إن لم تكن قانونياً.
في المحصلة، ثمّة وصف دقيق يمكن إطلاقه على الانتخابات البرلمانية التركية، وهو الانتخابات الكردية التركية وتأثيراتها الجيوسياسية في المنطقة، وبصرف النظر عن النجاحات المحتملة لتلك المسارات، فثمّة سوابق تعزز فرضية إعادة تعويم القضية الكردية، وسط انهيارات متسارعة للنظم الموجودة فيها، وهي فرصة انتظرها الأكراد طويلاً، وباتت الكثير من العوامل تتقاطع لتعزيز حلم الدولة الكردية.
صحيح أن سقوط برامج حزب العدالة والتنمية، أنهى عملياً حلم السلطنة العثمانية، وأعاد رسم خرائط سياسية جديدة في الداخل التركي لمصلحة التعددية السياسية،لكنّه من جهة أخرى، سيعيد تظهير صور جديدة في السياسة الخارجية، من بينها ابتعاد تركيا التدريجي من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، وبخاصة المتعلقة بالقضايا العربية، خاصة أن ملفات الصراع القائمة، باتت ذات أبعاد دولية أكثر منها إقليمية، وبالتالي إن الدور التركي لم يعد بإمكانه التأثير فيها بالقدر الذي أتيح له سابقاً، إبان الحرب الباردة، أو في المرحلة الانتقالية من تشكل النظام الإقليمي الشرق الأوسطي خلال العقدين الماضيين.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/d2555165-9114-43cc-9f1b-f8a4a9c35407#sthash.wQD449HP.dpuf