29‏/07‏/2015

أوروبا ويسار اليونان

أوروبا ويسار اليونان د.خليل حسين أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الشرق الاوسط 2-7-2015 ثمة من يقول أن اليونان ترسم حاليا مستقبل أوروبا ، بالاتحاد أو التشجيع على فرط عقده، وبصرف النظر عن تلك الحجج والمبررات ، ثمة ما هو معلن ومضمر في الأزمة اليونانية تخفي ورائها سياسات اقتصادية بخلفيات إيديولوجية ، وهي بالمناسبة ليست أزمة جديدة بحد ذاتها، بل أزمة مالية خاصة ، كنتاج لسياسات مالية دولية ، فاليونان رزحت تحت ضغط هائل منذ سنوات طويلة ، أعيد هيكلة وضعها المالي أوروبيا عبر صندوق النقد الدولي وبشروط اعتبرتها أثينا مجحفة. وبصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء اليوناني ، فسيشكل علامة فارقة للرأي العام الأوروبي تحديدا ، حول مستقبل السياسات المالية والاقتصادية المتبعة في دول الاتحاد وعلاقاته البينية والدولية. فآباء الديموقراطية احتاروا بين اللا للتقشف الذي تقوده المؤسسات المالية الدولية وبدعم من الدول الأوروبية القوية اقتصاديا والضعيفة سياسيا ، وفي طليعتها ألمانيا وبلجيكا وغيرهما التي ارتجفت من تجربة وصول اليسار إلى الحكم في اليونان، والنعم التي ستبقيهم في جنة اليورو المفترضة ، والتي أبقتهم في حلقة الاستدانة المفرغة، والتي قادتهم إلى عجز سداد الديون وآخرها المليار وستماية مليون دولار. هذه الحيرة اليونانية ليست وحيدة عمليا، فمعظم دول العالم هي دول مدينة للصناديق الدولية ، وتعاني ما تعانيه أثينا، إلا أن الفارق في هذه الحالة ، خصوصية الوضع الأوروبي ومزاجه السياسي من السياسات المتبعة في غير دولة ، والتي تشير إلى حالات تبرّم وتذمّر ، من الممكن أن تسهم في تغيير سياسات والعودة باليسار إلى الحكم في بعض دول أوروبا، وما يعنيه ذلك من تحولات وتداعيات اجتماعية واقتصادية على المستويين الأوروبي والعالمي. فالتحولات الهائلة التي جرت منذ مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، أعطت فرصة ذهبية للنيو ليبرالية لإثبات مقولاتها الاقتصادية والسياسية في معظم إرجاء العالم وبخاصة في أوروبا، في ظل غياب الشيوعية، لكن النتائج كانت مختلفة تماما ، لم تدم نعمة غياب الشيوعية كثيرا حتى أطلت الأحزاب اليسارية في غير بلد لتطرح نفسها بديلا بعد سلسلة العثرات والأزمات الاقتصادية الدولية، ومنها اليونان التي غردت خارج السرب الأوروبي ، وشكلت حالة مرعبة لأنظمة كثيرة. ولنكن منصفين وموضوعيين هنا، فمن الصعب إلقاء اللوم كليا على السياسات التي إلزمت فيها اليونان، وترجمت وكأنها فشل للسياسات الليبرالية، فاليونان عمليا لا تتمتع باقتصاد استثماري كبير قادر على منافسة الآخرين، وهو غارق بمشاكل بنيوية من الصعب حلها ببرامج أطلقها اليسار في ظل أزمات متلاحقة عمرها عقود ، كما أن تجربة اليسار ليست بجديدة في المجتمع اليوناني ولا تعتبر سابقة، فقد أخذت فرصتها ،رغم ما يشاع عن تدخلات خارجية ساهمت في إسقاطها سابقا. العالم بمعظم دوله وحكوماته يتخبط في أزمات مالية واقتصادية لا حصر ولا حدود لها، صحيح أن ثمة انتقادات جوهرية توجه لسياسات صندوق النقد الدولي وشروطه القاسية تجاه الدول لجهة إجبارها على السياسات التقشفية التي تطال الشرائح الاجتماعية المتواضعة الدخل، إلا انه في المقابل ثمة مسؤولية على الدول لإتباع سياسات مالية واقتصادية موضوعية تراعي حجم إنتاجها القومي، بشكل لا تتبع سياسات شد الأحزمة وليس بالضرورة سياسات الإفراط في الرفاه على حساب قطاعات استثمارية حيوية ، وهي مشكلة جميع الدول والأنظمة التي تُغرق شعوبها بوعود ليست قادرة على تنفيذها. في أي حال من الأحوال ، اليونان كمن يجلس في منتصف الطريق، فجميع خياراتها المستقبلية مرتبطة بسياسات إصلاحية وإعادة هيكلة مالية اقتصادية، وهي بالمناسبة ليست سهلة، بل تتطلب جهودا من بينها ما يطلبه صندوق النقد الدولي، وبصرف النظر إن خرجت من اليورو ام لا ، فالأزمة ربما ستظل قائمة لوقت طويل، علما أن الخروج من اليورو لا يعني بالضرورة الخروج من الاتحاد ، فدستور الاتحاد وأنظمته لا يربط بين الحالتين، من هنا إن وضع اليونان المالي والاقتصادي من الممكن ن يرخي بظلال كثيفة على المزاج والرأي العام الأوروبيين لجهة إعادة هيكلة السياسات والحكومات وان اختلفت الأسباب والأهداف.