ارقام دولية مرعبة
الخليج الاماراتية 25-6-2015
د.خليل حسين
لو تمكنا من جمع اللاجئين والنازحين وطالبي اللجوء في مختلف دول العالم في منطقة واحدة، لشكلوا دولة تصنف من الدول الإقليمية الكبرى لجهة التعداد والإمكانات المتوفرة في هذه الأعداد. وغريب المفارقات في هذه القضية الدولية، أنها مرتبطة بأزمات أخرى يصعب السيطرة عليها أو التحكم بها، وبالتالي ثمة تضخم متسارع في الأعداد، يقابله شح متزايد في الإمكانات للاستيعاب، بموازاة مراكمة الأخطاء في توصيف وتصنيف الحلول، إن كان من الدول الجاذبة أو الطاردة لتلك الجماعات.
ففي التقرير الأخير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، نجد أرقاماً مرعبة، حيث وصل تعداد هذه الجماعات في مختلف الدول نهاية العام 2014 إلى ستين مليوناً، وهو رقم يرخي بظلال كثيفة على العديد من التداعيات الحالية والمستقبلية. خاصة أن الزيادات بلغت أرقاماً قياسية مقارنة بالأعوام السابقة، ففي العام 2013 بلغ المجموع 51,2 مليون، فيما وصل قبل عشر سنوات إلى 37,5. ما يعني أن ثمة أزمة حقيقية لم تتمكن المؤسسات المعنية من حلها.
يشار إلى أن هذا الارتفاع سُجل منذ العام 2011، والذي ترافق مع نشوب الأزمة السورية التي تسببت في أضخم عملية تهجير ونزوح للسكان في العالم. وهي حصيلة مباشرة لأزمات إقليمية عدة، حيث أحصت المفوضية العليا للاجئين في السنوات الخمس الأخيرة نشوب أو تجدد 14 نزاعاً على الأقل، وهي ثلاث أزمات في منطقة الشرق الأوسط (سوريا والعراق واليمن) وثماني أزمات في إفريقيا ( ليبيا ومالي وجنوب السودان وشمال نيجيريا وساحل العاج وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى بوروندي في العام 2015)، وأزمة واحدة في أوروبا (أوكرانيا)، وثلاث أزمات في آسيا ( قرغيزستان وعدد من مناطق بورما وباكستان). ولعلَّ التدقيق في هذه الأرقام، يشير إلى عدم القدرة على استيعاب آثار المشكلة، ففي العام 2014 وحده، تمكّن 126,800 لاجئ فقط من العودة إلى مناطقهم بصرف النظر إن كانت هذه العودة طوعية أم نتيجة تقطع السبل بهم، وهو بالمناسبة يعتبر أدنى عدد سُجل خلال 31 عاماً، والملفت أيضاً أن الأطفال يشكلون أكثر من نصف اللاجئين.
وعلى ضخامة المشكلة، ليس في المدى البعيد أي مؤشر إيجابي لاستيعاب ذيول هذه الأعداد، رسيما وأن أسبابها ما زالت في اطراد مستمر، نتيجة تجدد النزاعات والتصعيد الحاصل في السياسات الدولية وعودة أجواء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على الهجرات التي أخذت طابعاً شبه جماعي من مناطق محددة تتسم بالتخلف والفقر والعوز، إلى مناطق جاذبة تتسم بالغنى والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
وعلى الرغم من أن ثمة اتفاقيات دولية ناظمة للهجرات واللجوء بكافة أشكاله السياسية وحتى الاجتماعية، فلم تعد هذه الظاهرة مرتبطة بشكل محدد بأطر واضحة، إذ يمتزج فيها، اللجوء هرباً من النزاعات المسلحة، إضافة إلى الهرب من التطهير العرقي والديني والمذهبي، مضافاً إليها الهرب من الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الدول والمناطق التي يتواجدون فيها.
فمنذ بداية العام الحالي 2015، لجأت أعداد غير مسبوقة عبر الشمال الإفريقي إلى أوروبا، وغرقت أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط، في ظل معالجات خجولة اقتصرت على الجوانب الأمنية، بدلاً من الاهتمام بأصل المشكلة ومعالجتها في بيئتها الأساسية، أي في الدول التي ينطلقون منها.
لقد شكلت الهجرات غير الشرعية واللجوء من بلاد الجنوب إلى دول الشمال، معضلة كبرى لطرفي المشكلة، فبالنسبة للدول الطاردة هي عملية تهديم إضافي للشرائح الاجتماعية والهرمية السكانية، في مقابل استفادة نسبية للدول الجاذبة عبر استغلال هذه الموارد البشرية الجديدة، إن تضمنت فئات شبابية نوعية، كما حالة اللاجئين السوريين في السويد أو غيرها، إلا أنه غالباً ما يتم استغلال هذه الجماعات في حال إعادة توطينهم في أعمال متواضعة اجتماعياً واقتصادياً.
في أي حال من الأحوال، ثمة مشكلة حقيقية من الصعب السيطرة عليها وحلها بالطرق التقليدية التي تتم فيها، بل باتت تتطلب أساليب أخرى ولو كانت مكلفة سياسياً للدول التي تتحكم بسياسات العالم وبالنظام الدولي. أي بمعنى آخر تهدئة النزاعات الإقليمية التي تعتبر المسبب الأول لهذه المشكلة، ومن ثم العمل على إعادة توطين ما أمكن من هذه الجماعات في بيئتها ودولها الأساسية، إضافة إلى برامج اجتماعية اقتصادية إنمائية لهذه الدول، بهدف أن يصمد أبناؤها فيها، وألا تظل الدول الغنية حلم يراود هذه الجماعات للهجرة إليها.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/e96d7b44-3c0c-4ff3-83c7-2357605608b5#sthash.2tBxBghP.dpuf