العلاقات التركية الايرانية والاستفتاء
الكردي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة
اللبنانية
بيروت: 6/10/2017
على الرغم من مظاهر التقاطع والتباين في
العلاقات البينية التركية الايرانية، ورغم التقارب الحاصل مؤخرا على قاعدة التصدي
لتداعيات الاستفتاء الكردي، برزت أسئلة كثيرة حول حجم ونوعية التقارب الحاصل، اهو
تقارب تكتي أملته ظروف محددة؟ أم هو خطوة نحو تحالف استراتيجي اشمل ، يعيد رسم
سياسات وتحالفات جديدة في المنطقة؟.
في
الواقع لم تكن العلاقات بين البلدين يوما خارجة عن إطار التنافس الحاد، الذي وصل
في بعض مراحله إلى الاحتراب غير المباشر عبر الأزمة السورية، وغريب المفارقات
فيها، أن هذه الأزمة وما أفرزت من تداعيات وآثار إقليمية ، كانت أيضا السبب الرئيس
في إعادة خلط أوراق العلاقات، على قاعدة الحراك الكردي ومستوى تداخله وتفاعله في
الأزمة السورية، وما نتج عنه في الجانب الآخر ، وبالتحديد في اقليم كردستان
العراق، الذي أطلق الخطوة الأولى باتجاه تحقيق حلم الدولة الكردية عبر الاستفتاء.
شكل
هذا الأخير مناسبة هامة لكل من أنقرة وطهران، للحراك باتجاه خطوات تنفيذية، فقبله
تمت زيارة رئيس الأركان الإيراني إلى تركيا في آب/ أغسطس الماضي، تبعها الزيارة
الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان
إلى إيران بعد الاستفتاء، ما يؤكد الاهتمام المشترك لوضع آليات المواجهة
بعد اشتراك الطرفين في إغلاق المنافذ الحدودية البرية وإغلاق الأجواء بوجه اقليم
كردستان، علاوة على المناورات العسكرية على الحدود المشتركة مع اقليم كردستان من
الجانبين التركي والإيراني، وبالتنسيق التام مع الحكومة المركزية العراقية في هذا
الشأن.
ثمة توافق
وتطابق في بعض القضايا بينها، رفض الجانبين الاستفتاء في إقليم كردستان العراق، باعتباره
يهدد استقرار المنطقة، كما الاتفاق على
التنسيق والتعاون العسكري والأمني ضد حزب العمال الكردستاني بشقيه التركي
والإيراني حزب بيجاك وهو الفرع الإيراني لحزب العمال. ويأتي هذا الاتفاق بعد سنوات
من اتهامات أنقرة لإيران بدعم حزب العمال الكردستاني وحليفه السوري حزب الاتحاد
الديموقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب،و تكثيف
التعاون في شأن مناطق خفض التوتر في سورية وتحديداً في الشمال.
إلا أن
تقاطع المصالح الايرانية التركية – الإيرانية ، لا يعني بالضرورة تطابق وجهات
النظر التي تسمح بالوصول إلى إقامة تحالفات إستراتيجية ، فلكل منهما إستراتيجيات
متباينة، يعززها إرث من الصراعات والتنافس على مناطق المشرق العربي والخليج وآسيا
الوسطى، ورغم التقارب الحاصل ضمن إطار الاتفاق ضد التهديد الكردي، يطغى على العلاقة
عناصر وعوامل يتداخل فيها المذهبي والطائفي بالمصالح التجارية والاقتصادية والدور
السياسي والنفوذ الإقليمي وخلفياته التاريخية عبر الصدام على الجغرافية السياسية والقومية،
منذ أن ركزت معركة تشالديران في سنة 1514 الحدود الجغرافية للبلدين.
وانطلاقًا من ذلك الإرث الثقيل، تعتبر طهران ،
أن رغبة تركيا في الانفتاح هو تنازل عن سياسات سابقة كالتراجع عن شعار إسقاط
النظام في سوريا، فيما تعتبر أنقرة أن لا تبدل جوهريا في سياستها، وإنما مقاربة
جديدة لكيفية حل أزمات المنطقة. إضافة إلى ذلك، ثمة تباينات كبيرة لجهة مقاربة
الملف الكردي، فرفض إيران المطلق لاستقلال إقليم كردستان وتحالفه مع الولايات
المتحدة ، يقابل بمقاربة تركية مغايرة، انطلاقاً من حسابات أنقرة المتعلقة بالإقليم
وكيفية مواجهة حزب العمال الكردستاني.
في
المحصلة، إن أي توافق إيراني - تركي بخصوص الملفات السورية والعراقية ربطا بالأزمة
الكردية الناشئة ، سيظهر حالة من الاصطفافات
الإقليمية الجديدة في المنطقة، من بينها مراجعة للعلاقات الخليجية التركية بعد مظاهر
التحسن مؤخرا على قاعدة المواقف المشتركة من الأزمتين السورية واليمنية ، وبالتالي
يعتبر ذلك عاملا مؤثرا في إمكانية كبح التقارب الجاري بين أنقرة وطهران ، بخاصة
إذا ما أعادت كل من موسكو وواشنطن قراءاتها الجديدة لهذا التقارب. أخيرا، وبصرف
النظر عن الخطر الكياني الذي تشكله القضية الكردية على البلدين، يبقى العامل
الناظم لهذا التقارب ليس بمتناول كل من انقره وطهران، بل يتشارك معهما فواعل إقليمية
ودولية، تبقي هذا التقارب بمستوى تكتي لا تحالف استراتيجي.