تداعيات التطبيق الاستنسابي لقواعد عمل اليونيفيل في لبنان
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
ثمة الكثير من الجهد الدولي الذي صُرف في العام 2006 لتعزيز قوة اليونيفيل في جنوب لبنان بهدف اكمال دورها المفترض، الذي تأسس في اعقاب الاجتياح الاسرائيلي الأول للبنان في العام 1978 عبر القرار 425. وعلى الرغم من مضي اكثر من 32 عاما على وجودها في جنوب لبنان لم تقدم شيئا يذكر فيما يخص جوهر دورها وصلاحياتها لجهة المساعدة على اجبار اسرائيل الانسحاب الكامل من جنوب لبنان ومنع اعتداءاتها عليه. وبصرف النظر عن الكثير من الملاحظات التي تساق لجهة آليات وأسلوب تعاملها مع االكثير من المسائل على ارض الواقع،ثمة تحولات جديدة طرأت في الآونة الأخيرة تعزز الاعتقاد بأنها ستصبح طرفا في الصراع بين المقاومة واسرائيل بفعل الخروج المستمر عن قواعد الاشتباك التي تنظم طبيعة عملها وتحركها في الجنوب اللبناني.
ففي الفترة الأخيرة تكررت عمليات الاشتباك بينها وبين الأهالي بفعل تحركاتها غير المنسقة مع الجيش اللبناني اولا،وعبر عمليات استفزازية للأهالي الذين ضاقوا ذرعا ببعض التصرفات التي تخرج كليا عن نطاق الصلاحيات الممنوحة لها ثانيا. بل تعدى الامر الى حالات اشتباك وتجريد سلاح وهي بطبيعة الأمر تعبر عن احتقان سياسي ناجم عن تجاوزات يصعب غض النظر عنها ،وفي طليعتها تحول عملها الى آلية آمنية استخبارية لجمع المعلومات غير المرتبطة بصلب عملها وايصالها بطريقة أو اخرى الى اسرائيل،الأمر الذي يصيب مباشرة عصب الثقة المهتزة اصلا بينها وبين المحيط الذي تتواجد فيه.
ان التدقيق في بعض الحوادث وان تبدو شكلا معزولة ومفصولة عن بعضها،فثمة من الأبعاد ما توحي الى امكانية استغلال اطراف كُثر اقليميا ودوليا الى استعمال قوة اليونيفل المعززة في جنوب لبنان، كعدة شغل وضغط سياسي وامني يمكن استثمارهما في العديد من القضايا والملفات القابلة للربط والوصل في اي ادارة ازمة لملف متفرع في المنطقة كملف العقوبات على ايران على سبيل المثال كما تدعي بعض القوى اللبنانية. وبصرف النظر عن هذا الربط في النزاع لجهة دقته او صحته،فإن التجارب اللبنانية والاقليمية والدولية هي كثيرة ومتنوعة ويمكن للخيال الخصب ان ينسج من السيناريوهات ما يمكن تصديقه والبناء عليه بصرف النظر ايضا عن حدود الاستثمار وحجم النجاحات التي يمكن ان يصل اليها.
وفي واقع الامر، ان العودة الى الخلفيات والابعاد والمؤثرات التي تحيط بالقرار 1701، تشير بشكل او بآخر قدرة الكثير من الاطراف الاقليميين على سهولة الاستثمار في تحريك قوة اليونيفل ووضعها في حالة عداء مع البيئة التي تتواجد فيها،وهو امر يتناقض شكلا ومضمونا ليس فقط لجهة مهامها وصلاحياتها بل يتجاوز الأمر الى طبيعة العمل المفترض ان تتقيد بقواعده وأصوله.
فقواعد الاشتباك مثلا والتي تعتبر عصب تحرك القوة الددولية والاطر الناظمة لأساليب عملها تعرضت للكثير من الأخذ والرد في السابق ،حيث جرت محاولات كثيرة لتغييرها وتعديلها عبر اساليب القضم وكسب الوقت وغيره من الطرق التي اثارت حفيظة فريق واسع من اللبنانيين والذي اعتبر آنذاك بمثابة محاولة الانقلاب على القرار 1701 ومحاولة نسفه والتخلص منه.
طبعا،ربما يعتبر الكثيرون ان قوة اليونيفل المعززة لم تختلف عن سابقتها بل وتعتبرها نسخة منقحة ومزيدة لجهة الصلاحيات التي مُنحت لها بعد العام 2006،لكن اليونيفل بطبعتها الجديدة لم تقدم ما يضاف الى طبيعة عملها السابق وهو تعداد الخروقات البرية والبحرية والجوية التي تقوم بها اسرائيل يوميا ضد لبنان.
ثمة ضرورة لترميم فجوات الثقة التي تسبب بها الخروج المستمر لبعض كتائب القوة عن القواعد الناظمة لعملها،وفي طليعتها التنسيق المستمر مع الجيش اللبناني لئلا الامور تفلت من عقالها وحينها لا ينفع الندم. فكثبر من الاطراف الاقليميين والدوليين يقفون متأهبين لاطلاق رصاصة الرحمة على عمل هذه القوات التي استهلكت ثلث قرن من الزمن دون التمكّن من تحقيق شيء يذكر.
ثمة متغيرات كثيرة طرأت على الفهم القانوني والعملي لقوى الأمم المتحدة المنتشرة في غير مكان من العالم،اذ باتت هذه القوى تشكل سندا للمواطنين الذين تتواجد بينهم،بل انتقل كنه ومضمون عملها الى امور وقضايا لم تكن في السابق من طبيعة مهامها، اذ ازداد العمل الانمائي والاجتماعي الذي اسند اليها،بل بتنا نرى تنظيما لعمليات انتخابية باشرافها،بإختصار بات لقوات الطوارئ مهاما ينبغي الاضطلاع بها وتطويرها بما يتناسب مع متغيرات الألفية الثالثة.
اربع سنوات مرّت على تعزيزها،وسط موازين اقليمية ودولية ومحلية دقيقة،فهل يخطئ من يحاول تأجيج الخلافات معها عبر اشغالها بطلبات وعمليات خارجة عن سلطانها؟ ثمة ميزان قوى دقيق قائم في المنطقة،ومن الطبيعي ان تظهر اسرائيل حاليا بمظهر المنكفئ والتي ستحاول بشتى الوسائل اللعب مجددا لتغيير ميزان القوى القائم،وهو امر يمكن ان يؤدي الى حالة يصعب ضبطها او احصاء نتائجها ربحا وخسارة. ومن هنا ينبغي ان تسود لغة العقل في تسيير امر وامور قوة اليونيفل في الجنوب اللبناني قبل ان يأتي الوقت الذي لا ينفع الندم فيه!