قراءة في مشروع قانون تنظيم الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الديار بتاريخ 3/4/2006
شهدت الجامعة اللبنانية تطورات هامة خلال الخمسين سنة من حياتها، فتعددت كلياتها ومعاهدها واختصاصاتها وفروعها وتوسّعت هيئاتها التعليمية والإدارية وبات طلابها يشكلون 71 ألف من إجمالي طلاب التعليم الجامعي اي ما نسبته 60% في لبنان. وترافق التوسع الكمي مع تطور نوعي في اكثر من مجال أكاديمي عزز موقع الجامعة اللبنانية في نطاق التعليم الجامعي في لبنان. غير ان التوسع الكمي الهائل في حجم الجامعة والذي تمّ في ظروف استثنائية كالحرب وما بعدها، انتجت مجموعة من الإختلالات البنيوية والاكاديمية التي شوّهت الى حد بعيد الاوجه الايجابية في حياة الجامعة اللبنانية.
ان موقع الجامعة اللبنانية ودورها وحجمها في الحياة العامة يفرض معالجة الإختلالات بهدف تمكينها من ممارسة دورها بشفافية وفعالية. وهذه الإختلالات متعددة الأوجه بعضها قانوني وتنظيمي وبعضها مالي وبعضها أكاديمي وبعضها اجتماعي وسياسي؛ فالمشكلات والتحديات التي تواجهها معروفة وجرى تشخيصها وبحثها في العديد من المؤتمرات والأبحاث. وبالرغم من وعي الدور المركزي للجامعة في المجتمع ومن الدعوات العديدة لتعزيزها وتفعيل دورها والصادرة عن كل المراجع الرسمية والأهلية المعنية، فإن الجامعة ما زالت بحاجة الى رعاية وعناية كبيرتين لا سيما في المجالات المالية والإدارية والأكاديمية. كما وتتطلب معالجة قضاياها عبر تصور عام لدورها الأكاديمي والوطني وإطار عام شامل للإصلاحات المطلوبة في المجالات الاكاديمية والإدارية والمالية واوضاع الهيئات التعليمية والإدارية وشؤون الطلبة والبيئة التعليمية من أبنية وتجهيزات وتسهيلات على ان المعالجات الجزئية لن تجدي نفعا لقضية وطنية بحجم قضية الجامعة اللبنانية. فهل أتى مشروع تنظيم الجامعة اللبنانية لبسهم في حل تلك المشكلات ام لا؟
ان قراءة موضوعية تلقي الضوء على العديد من النقاط الواردة فيه. ومهما يكن من امر لا بد من تسجيل بعض الامور ومن بينها:
- ان اهمية المشروع يأتي من كونه وريثا للقانون الذي ما زال معتمدا في الجامعة منذ 39 عاما اي القانون رقم 75/67.
- يفتح المشروع النقاش واسعا حول إزالة المعوقات في وجه مؤسسة تحتضن حوالى 60 بالمئة من طلاب التعليم العالي وتملك 17 وحدة ما بين معهد وكلية، إضافة الى 55 فرعا منتشراً على الاراضي اللبنانية كافة بدءا من الجنوب وصولا الى الشمال.
- ينبغي الملاحظة ان المشروع ليس هو الاول من نوعه. اذ من المهم التذكير ان عدة مشاريع وضعت ودفنت قبل ان ترى النور، اما بفعل القرار السياسي او بفعل الخلافات التي اثيرت بين اهل الجامعة والمعنيين بشؤونها من مسؤولين وغيرهم.
- يأتي المشروع للبناء على الأمر الواقع القائم، خلافا للقانون السابق. أي ان الجامعة اللبنانية خلال مسيرتها منذ حوالى ستين عاما، وصولا الى الاربعين عاما التي عاشتها في ظل النص، باتت تملك تجربتها الخاصة الايجابية منها والسلبية، وهي بطبيعة الأمر رصيد يمكن البناء عليه والاستفادة منه.
وفيما يختص بوجهات النظر حول المشروع من قبل المعنيين به من اساتذة وقوى سياسية داعمة لهم، فيمكن ملاحظة التالي:
- وجهة نظر ترفض من الناحية المبدئية الدخول في نقاش المشروع قبل صدور مشروع قانون المجالس التمثيلية العالق في مجلس النواب منذ أربعة أعوام.
- وجهة ثانية تعتبر المشروع واسعا ومتشعبا ويقود الى مزيد من الروتين الاداري ويفاقم الوضع الراهن، علما ان روحية المشروع لافتة وتستند الى مبدأ انتخابي ويتخوف اصحاب هذه الوجهة من تعقيدات اضافية متعلقة بالروتين الاداري وغيرها.
- وجهة ثالثة تعتبر ان الاشكالية الاساسية في المشروع في انها تزيد من حدة المستويات في اتخاذ القرار الاكاديمي، علما انه في غالبية جامعات العالم ذات الشأن تعتمد على ثلاثة مستويات هي: مجالس الجامعة، الكلية والقسم. بينما المشروع يقترح خمسة مستويات. كما يؤخذ على المشروع إقامة خمس وحدات تحت عنوان التقارب او التجاور ما يؤدي الى ارباكات كبرى.
- وجهة رابعة تصف المشروع بالمعقد الذي يتطلب الكثير من المراسيم للشرح، ما يؤدي الى ضياع المسائل وتعذر تبيان الحدود والصلاحيات. هذه الوجهة تتخوف من عواقب المركزة المطلوبة، وهذه تؤثر سلبا كما هو واقع الحال، فيما ستصبح مستقبلا اشد تأثيرا على تسيير العمل. إذ ان كل معاملة تحتاج الى مراقبة مما يؤدي الى تأخرها وعدم حصولها على الوقت الكافي لدراستها.
إن القراءة الدقيقة والموضوعية في نصوص المشروع المقترح تقودنا الى تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:
- أتى في المادتين (6) و (7) في مقدمة المشروع حول دور الجامعة «مواكبة أهم المشكلات والخيارات المتداولة لمواجهتها في الاقليمين» الحضاري والجغرافي اللذين ينتمي اليهما لبنان والمشاركة في ترشيد التعامل معها بالبحث وباقتراح الخطط والحلول». و«تتبع الظواهر العامة والخيارات الاستراتيجية المتصلة بمصير الحضارة والبيئة البشريتين وبمسائل الحرب والسلام». ثمة لبس وغموض في المفاهيم، أية حضارة المقصود بها هل هي العربية او غيرها؟ وما هي علاقتها مثلا بالتعددية او التعايش او حوار الحضارات او صدامها؟ وما هو المقصود بالجغرافي هنا؟ أهو المحيط العربي ام الشرق اوسطي سيما اذا تم ربطه بالخيارات الاستراتيجية التي على الجامعة تتبعها لجهة خيارات الحرب والسلام؟ كما اتى في المشروع.
- حول إدارة الجامعة يلاحظ استحداث نواب للرئيس ورؤساء وحدات وعميد بحث ونائب عميد، فالمهام تكاد تكون متشابهة بشكل لافت الا من الناحية التراتبية والصلاحيات. كما يلاحظ في المادة (32) توسيع صلاحيات مجلس الجامعة لجهة التقرير على حساب صلاحيات الرئيس، ما يؤدي الى صعوبة اتخاذ القرارات كما يلاحظ في المواد (43) و(58) و(81) و(64) تشابها وتكرارا في الصلاحيات بين رئيس الوحدة والعميد ونائبه. وكذلك في مهام مجالسهم دون التقرير او الفصل بينها.
- في مهام سلطة الوصاية يلاحظ في المواد (10) و (11) و (12) و (13) التي ترتبط بالتعيينات في عدة مستويات كالرئيس ورئيس الوحدة والملاك وعميد البحث، وبتوقيع وزير الوصاية ايضا، العمداء، اختيار الباحثين، الافادات والشهادات المادتين (42) و (54). وكذلك في الرقابة على مالية الجامعة. أن مبدأ الاستقلالية والرقابة الذاتية لجهة الشفافية والاكاديمية ما زالت غير واضحة المعالم، وهي تعيق تطوير الاداء الجامعي وتجعله اكثر ارتباطا بالسياسة والمحاصة.
- في المواد (38) و(41) و(42) لا توجد خيارات او ترشيحات لتعيين مدير البحث بل يعتمد على اقتراح عميد البحث، وهذا يعطيه سلطة انتقائية واستنسابية. وينطبق الامر نفسه على اختيار الباحثين ايضا.
- في الهيئة التعليمية ثمة عدة ملاحظات منها، الفقرة الخامسة من المادة (76) «تقتصر مهام المتعاقدين بالساعة على التعليم والمهام المرتبطة به على ان لا تتجاوز الانصبة المخصصة لهم نسبة تحدد في نظام كل كلية» فما المقصود بتحديد الانصبة في كل كلية وماذا اذا تقرر حدا اقصى لا يساوي النصاب القانوني لامكانية التفرغ؟ وفي المادة (78) تم تقسيم رتب الاساتدة الى فئتين في رتبة الاستاذ المشارك والاستاذ وربطها بسنوات التدريس والابحاث، وهو امر جيد ومطلوب لما شاب هذه العملية من شوائب في الفترات الماضية، والعبرة تكمن في الجهة المخولة لهذا التقويم وصلاحياتها ونزاهتها ومكانتها العلمية.
- ان الفقرة (2) من المادة (79) «يخضع التعاقد بالتفرغ لشرط استيفاء مواصفات الاستاذ المساعد ويتم ذلك من خلال مباراة مفتوحة على اساس الالقاب». ان خضوع الاستاذ الجامعي لشرط المباراة للدخول الى الملاك تجعل منه موظفا كسائر الموظفين وتنفي عنه صفة الاكاديمي.
- تعطي المادة (84) حقا للاساتذة في الملاك او المتفرغين «كأعضاء غير متفرغين في مجالس ادارة المؤسسات العامة والمصالح المستقلة او اللجان المتخصصة التي تشكل في الادارات العامة». وهاتان الفئتان من الاساتذة التي يجاز لها ينبغي توافر رتبة معينة فماذا لو كان في الملاك او التفرغ في الفترة الانتقالية وهو معين في احدى هذه المؤسسات؟ وهل ادارة المجالس توجب الرتبة الاكاديمية الاعلى؟ وماذا لو لم تكن موجودة في بعضها؟
- ثمة علامات استفهام حول الفقرة الثالثة من المادة (11) «فتح دورات دراسية خارج نطاق العام الدراسي، على ان لا تدخل في احتساب الارصدة والمقررات المحددة» وبما انها دورات غير محددة لجهة عدد الاختصاصات او غايتها فمن الممكن استغلالها بهدف التعاقد المفتوح حسب رغبة اهل الحل والربط في الجامعة.
- كما تثار ملاحظات لافتة على المادة (79) التي تشير الى «الاستعانة بأفراد الهيئة التعليمية للقيام بأعمال ادارية او فنية» لجهة امكانية استخدامها من اصحاب القرار في الجامعة عبر تكليف اساتذة بمهام ادارية لا اكاديمية ربما تصل الى اعمال الاستكتاب او الصيانة مثلا وما الذي يمنع ذلك في بلد كلبنان؟
- في مجلس الجامعة كما ورد في المادتين (95) و(96) «يمارس مجلس الامناء دورا استشاريا ومعنويا داعما للجامعة ولمتطلبات تطورها» فما هي حدود الدور الاستشاري والمعنوي، وهل هي مقدمة لوضع سلطة فوق مجلس الجامعة؟
ثمة العديد من الملاحظات الصغيرة المتعلقة بالرقابة وغيرها لم نسردها في هذه العجالة، الا اننا وبهدف الاسهام في تقويم الوضع نقترح التالي :
- الغاء وظيفة نواب الرئيس وربطها فقط بالشؤون الادارية على ان يبقى نائب واحد.
- تعزيز صلاحيات مجلس الجامعة باعتباره اعلى سلطة في الجامعة.
- ربط التعاقد بمجلس الكلية والتفرغ بمجلس الجامعة والملاك بمجلس الوزراء.
- اعادة النظر في تقسيم الكليات والمعاهد ضمن الاختصاصات المتشابهة.
- انشاء مراكز او معاهد متخصصة للدراسات العليا.
- انشاء مجمعات جامعية في المناطق.