الفصل الثامن عشر
البنك الدولي
د.خليل حسين
من كتاب السياسات العامة
دار المنهل اللبناني بيروت 2006
بدأ البنك الدولي أعماله بالمساعدة في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وهي الفكرة التي تبلورت خلال الحرب في بريتون وودز بولاية نيو هابشير الأميريكية. وكان قرض البنك الأول من نصيب فرنسا بقيمة تبلغ 250 مليون دولار في عام 1947 وقد خصص القرض لجهود إعادة إعمار فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. واستمرت جهود الإعمار موضع تركيز هام لعمل البنك وذلك في ظل الكوارث الطبيعية والطوارئ الإنسانية واحتياجات إعادة التأهيل في ما بعد للنزاعات والتي دائما ما تؤثر على اقتصاديات البلدان النامية والتي تمر بمرحلة تحول.
يتمركز عمل البنك حاليا حول تخفيف حدة الفقر كهدف عام يشمل جميع أعماله. وقد سبق للبنك أن كان له طاقم متجانس من المهندسين والمحللين الماليين يعمل من خلال مكتب البنك في واشنطن العاصمة. أما اليوم فلديه طواقم متنوعة ومتعددة التخصصات تشمل خبراء اقتصاديين وخبراء في السياسات العامة ومختلف القطاعات وعلماء اجتماع. ويعمل 40% من هذه المجموعات حاليا في المكاتب القطرية التابعة للبنك في البلدان الأعضاء.وقد أصبح البنك الدولي أكبر وأوسع وأكثر تعقيداً بمرور الوقت. حيث يتألف اليوم من خمس مؤسسات إنمائية مرتبطة فيما بينها ارتباطاً وثيقاً وهي: البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، و المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.
خلال فترة الثمانينات، اتخذ البنك مناهج عديدة للعمل: في بداية العقد، تعامل البنك مع قضايا الاقتصاد الكلي وإعادة جدولة الديون. وفي وقت لاحق من نفس العقد، احتلت القضايا الاجتماعية والبيئية مكان الصدارة. في الوقت الذي تزايد تعبير المجتمعات المدنية، واتهمت بعض هذه الجمعيات البنك بأنه لا يتقيد بسياساته في بعض المشاريع البارزة.ولمواجهة القلق حول نوعية عمليات البنك، تم إصدار تقرير وبنهانز الذي اتخذت بعده خطوات تجاه الإصلاح تضمنت إنشاء لجنة تفتيش مستقلة لتقصي الادعاءات ضد البنك. إلا أن الانتقادات تزايدت وبلغت ذروتها عام 1994 في الاجتماعات السنوية التي عقدت في مدريد بأسبانيا.
منذ ذلك الوقت، تقدمت مجموعة البنك تقدماً كبيراً. وأصبحت المؤسسات الخمس تعمل –بصورة منفصلة وبالتعاون فيما بينها - لتحسين الكفاءة الداخلية والفعالية الخارجية. وعبرت البلدان التي يتعامل عن ارتياح كبير إزاء التغيرات التي يرونها في مستويات خدمات مجموعة البنك وفي التزاماها وتقيدها وكذلك ارتفاع جودتها
ويقوم البنك أكثر من أي وقت مضى بدور هام على صعيد رسم السياسات العالمية. فقد اشترك البنك الدولي وبفعالية مع الشركاء المعنيين والبلدان المتعامل معها في حالات الطوارئ المعقدة كالعمل في البوسنة في مرحلة ما بعد النزاع كذلك تقديم المساعدات في مرحلة ما بعد الأزمة لبلدان شرق آسيا والمساعدة في أعمال التنظيف بعد الإعصار في أمريكا الوسطى ودعم تركيا في أعقاب الزلزال والعمل في كوسوفو و تيمور الشرقية. وعلى الرغم من هذا التقدم الكبير، إلا أن برنامج عمل مجموعة البنك لم يكتمل بعد، ولا يمكن أن يكتمل أبدا، في الوقت الذي تستمر فيه تحديات التنمية في النمو.كما يساعد البنك الدولي حكومات البلدان النامية في خفض أعداد الفقراء من خلال توفير الأموال والخبرة الفنية اللازمة لنطاق واسع من المشروعات – المتمثلة في بناء المدارس والطرق وحفر آبار المياه - وإصلاح الخدمات الحكومية الأخرى.
أولا : ما هو الفرق بين البنك الدولي ومجموعة البنك الدولي؟
" البنك الدولي" هو فقط البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية. أما "مجموعة البنك الدولي" فتضم بالإضافة إلى هاتين المؤسستين ثلاث وكالات أخرى هي: مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الإستثمار والمركز الدولي لتسوية النزاعات المتعلقة بالإستثمار، وكل منها يختص بجانب من جوانب التنمية المختلفة، لكنها جميعاً تستخدم مزاياها النسبية في التعاون المشترك نحو تحقيق الهدف الرئيسي وهو تخفيض أعداد الفقراء في العالم.
ثانيا : ما هو دور الوكالات الخمس التابعة لمجموعة البنك الدولي؟
يقدم البنك الدولي للإنشاء والتعمير قروضاً ومشورة تتعلق بالسياسات ودعماً فنياً لحكومات البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل الأهل للإقراض. ويتقاضى البنك رسوم فوائد أقل بكثير من البنوك التجارية المقرضة. وتقدم المؤسسة الدولية للتنمية منحا وقروضا معفاة الفائدة إلى أشد بلدان العالم فقراً لتمويل عدد من النشاطات المتعلقة بتخفيض أعداد الفقراء تتضمن إجراءات لتشجيع حسن الإدارة العامة الخاضعة للمساءلة، وتحسين مناخ الاستثمار الخاص ودعم خدمات الصحة والتعليم المتاحة للفقراء. وتستثمر مؤسسة التمويل الدولية في مشروعات القطاع الخاص القابلة للاستمرار في البلدان التي يكون فيها إمكانية الحصول على رأسمال محدود. وتساعد الوكالة الدولية لضمان الاستثمار على تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية عن طريق توفير ضمانات للمستثمرين الأجانب ضد الخسائر الناجمة عن مخاطر غير تجارية مثل الحروب والإضطرابات الأهلية وعدم قابلية تحويل عملة البلد المحلية. ويساعد المركز الدولي لتسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمار على تشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال إتاحة منبر للتحكيم والمصالحة في النزاعات الدولية المتعلقة بالاستثمار بين الحكومات والمستثمرين الأجانب من القطاع الخاص.
ثالثا : كم عدد البلدان الأعضاء في مجموعة البنك الدولي؟
يبلغ عدد البلدان الأعضاء الذين يملكون أسهم البنك 184.
رابعا : ما هي شروط عضوية مجموعة البنك الدولي؟
بموجب اتفاق إنشاء البنك الدولي للإنشاء والتعمير يتعين على البلد الذي يود أن يصبح عضواً في البنك الانضمام أولا إلى صندوق النقد الدولي. وتشترط إجراءات عضوية المؤسسة الدولية للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار الانضمام أولا إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
خامسا : من الذين يديرون شؤون البنك؟ وكيف يتم انتخابهم؟
ينتخب كل بلد عضو في مجموعة البنك الدولي ممثلاً وممثلا مناوبا في مجلس محافظي البنك وغالبا ما يكون هذا التمثيل على المستوى الوزاري للحكومات. يستمر الممثل والممثل المناوب في العمل في المجلس لفترة تمتد لخمس سنوات. يجتمع هذا المجلس مرة واحدة كل عام في الاجتماعات السنوية للبنك. يرسم أعضاء مجلس المحافظين السياسات العامة للمؤسسة ويقوموا باستعراض عضوية البلدان والمهام الأخرى غير المتهلقة بمجلس المديرين التنفيذيين. ويباشر مجلس المديرين التنفيذيين الأعمال اليومية للبنك بشكل يومي. يجتمع المجلس مرتين في الأسبوع في مقر البنك الرئيسي في واشنطن، العاصمة الأمريكية، من أجل إقرار القروض الجديدة واستعراض عمليات البنك وسياساته. يمثل معظم المديرين دائرة تمثل عدد من البلدان. تنتخب الحكومات المديرين التنفيذيين مرة كل سنتين. وينص اتفاق إنشاء البنك أن خمس من المديرين يقومون بتمثيل البلدان الأعضاء التي تمتلك أكبر حصص لأسهم البنك. هذه البلدان هي: فرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. ويمثل التسعة عشر مديرا من إجمالي 24 دوائر. وينتخب كل دائرة إما بلد من البلدان الأعضاء أو مجموعة من البلدان كل سنتين. وقد جرت العادة أن تكفل قواعد الانتخاب توازنا جغرافيا في المجلس. ويتحمل المديرون التنفيذيون ورئيس البنك الذي يرأس مجلس المديرين مسئولية سلوك البنك في تنفيذ جميع العمليات العامة ومستوى أداء البنك لواجباته من خلال السلطات المخولة لكل من مجلس المديرين التنفيذيين ورئيس البنك من قبل مجلس محافظي البنك.
سادسا : كيف يتم انتخاب رئيس البنك الدولي؟
يرأس رئيس البنك مجلس المديرين التنفيذيين والمنظمات الخمس التابعة لمجموعة البنك الدولي. ويقوم مجلس المدراء التنفيذيين باختيار الرئيس. ولا يحدد اتفاق الإنشاء جنسية الرئيس، لكن العادة جرت أن يقوم المدير التنفيذي الممثل للولايات المتحدة بترشيح شخصية رئيس البنك . وهناك إتفاق غير رسمي منذ أمد طويل على أن يكون رئيس البنك مواطنا أمريكيا، وأن يكون مدير صندوق النقد الدولي أوروبياً. ويعيّن رئيس البنك لفترة أولى مدتها خمس سنوات وإذا عُيّن لفترة ثانية تكون مدتها خمس سنوات أو أقل.
سابعا : ما المقصود بهيئة تفتيش البنك الدولي؟
إنها هيئة مستقلة أُسست في سبتمبر عام 1993 لكفالة تقيد عمليات البنك بالسياسات والإجراءات التشغيلية. وتسمح الهيئة لهؤلاء الذين يعتبرون أن أحد مشروعات البنك أثّرعليهم سلباً بطلب إجراء تحقيق (يطلق عليه طلب للتفتيش).
ثامنا : كم عدد العاملين بالبنك الدولي؟ وما هي جنسيات العاملون فيه؟
يعمل لدى البنك الدولي 9300 موظفا في المقر الرئيسي للبنك وفي المكاتب القطرية البالغ عددها أكثر من 100 مكتب. ويأتي أكثر من نصف عدد الموظفين من الأميركتين (من أمريكا الشمالية والجنوبية ووسط أمريكا)، جاء باقي موظفي البنك من كافة أنحاء العالم
تاسعا : ما هي مصادر أموال البنك الدولي؟
يمنح كل من البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتمويل قروضاً للبلدان النامية وللشركات الخاصة على التوالي. ويصدر البنك والمؤسسة سندات لتمويل هذه القروض. ويشتري هذه السندات طيف عريض من المستثمرين الأفراد والمؤسسات في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا. ويحصل البنك الدولي للإنشاء والتعمير (المعروف في أسواق رأس المال بالبنك الدولي) على أمواله كلها تقريباً من أسواق رأس المال العالمية بإصدار سندات (19 بليون دولار في السنة المالية 2003). وبما أن هذه السندات تحصل على أرفع تصنيف للسندات، أي التصنيف AAA، يستطيع البنك الدولي للإنشاء والتعمير الحصول على هذه الأموال بشروط مواتية تمكنه من تمرير معدلات الفائدة المنخفضة إلى البلدان المقترضة. ويتعين على البنك الدولي الحفاظ نظام مالي حازم ليحتفظ بتصنيفه AAA وسنداته ليستمر في توفير الموارد المالية للبلدان النامية. كذلك فإن دعم حملة أسهم البنك الدولي للإنشاء والتعمير أمر هام جداً. وينعكس ذلك على دعم رأس المال الذي حصل عليه البنك في الوفاء بإلتزامات خدمات الديون. كما أن لدى البنك 178 بليون دولار أمريكي يُعرف بـاسم"رأس المال القابل للاستدعاء" الذي يمكن سحبه من المساهمين كدعم إذا ما دعت إلى ذلك حاجات الوفاء بإلتزامات البنك تجاه ما يقترضه من أموال (السندات) أو ضمانات. غير أن البنك لم يضطر إلى سحب أموال من هذا المصدر حتى اليوم.
عاشرا : هل يحقق البنك أرباحا؟ وكيف يتصرف البنك في أرباحه؟
كثيرا ما يحقق البنك الدولي فائضاً بحلول نهاية السنة المالية والذي يتحقق من معدلات فائدة بعض القروض ومقابل الخدمات التي يقدمها البنك. يمنح البنك جزء من هذا الفائض إلى المؤسسة الدولية للتنمية وهو الجزء الذي يقدمه البنك في شكل منح وقروض معفاة الفائدة لأشد بلدان العالم فقرا. يستخدم البنك الباقي من الفائض في جهود تخفيف أعباء الديون وللمخصصات المالية وكذلك للمساعدة في الاستجابة للأزمات المفاجئة التي تستدعى تقديم مساعدات إنسانية.
حادي عشر : لماذا لا يزال الفقر يشكل مشكلة قائمة بعد 60 عاما من عمل البنك الدولي؟
يعتقد البنك أنه تحقق تقدما ولكن ليس كافيا. يبذل البنك الدولي كل ما في وسعه للتشارك في مشروعات ناجحة وأساليب متطورة على مستوى قاعدة عريضة لضمان تحقيق أثر أكبر بالنسبة لجهود الحد من الفقر. في نفس الوقت، تعلم البنك الكثير من أخطاء الماضي. في الوقت الذي لا يزال فيه يحوم شبح الفقر من حولنا تحقق الكثير من التقدم في جهود مكافحة الفقر. على سبيل المثال:
- على مدى الأربعين سنة الماضية أرتفع متوسط العمر المتوقع في البلدان النامية بحوالي 20 عاما وهو كل ما تحقق في عمر تاريخ البشر ما قبل منتصف القرن العشرين.
- على مدى الثلاثين سنة الماضية انخفض معدل الأمية في بلدان العالم الثالث إلى النصف ليصل إلى 25%.
- على مدى العشرين سنة بدأ عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من دولار في اليوم ولأول مرة في الانخفاض بالرغم من الزيادة في عدد السكان التي بلغت 1.6 مليار نسمة.
- على مدى العشر سنوات الماضية تخطت معدلات النمو الاقتصادي في البلدان النامية معدلات النمو في البلدان المتقدمة. ساعد هذا النمو في توفير فرص للعمل وحفز إيرادات الحكومات التي تحتاجها لتوفير الخدمات الأساسية .
ثاني عشر : ما سبب الانتقاد المستمر لعمل البنك الدولي؟ وما سر المظاهرات ضد البنك؟
دائما ما ينظر لدور البنك في مجال التنمية وفي عولمة اقتصاد العالم بسوء فهم. وقد يرجع ذلك أن البنك لم يبذل كل ما في وسعه لتوضيح رسالته وعمله. في الوقت نفسه، حاول المنتقدون للبنك إلقاء اللوم على البنك في التسبب في عدد من المشكلات المرتبطة بالعولمة.