خليل حسين
نشرت في صحيفة الخليج الامراراتية بتاريخ 17/1/2012
ينقسم اللبنانيون حول التجديد لولاية المحكمة الخاصة، بعد المشارفة على انتهاء ولايتها الأولى بموجب القرار الدولي 1757 الموقع بين الحكومة اللبنانية ومجلس الأمن في العام 2009 । ويستند في هذه الحيثية القانونية على الفقرة الثانية من المادة 21 للاتفاق التي تنص على: “إذا لم تكتمل أنشطة المحكمة في نهاية فترة السنوات الثلاث، يُمدّد الاتفاق للسماح للمحكمة بإنجاز عملها، وذلك لمدّة (أو مدد) إضافية يحدّدها الأمين العام بالتشاور مع الحكومة ومجلس الأمن” .
وفي واقع الأمر لم تتمكن المحكمة من إنجاز المطلوب منها خلال السنوات الثلاث الماضية ما يستوجب تمديد عملها بدءاً من الأول من مارس/آذار القادم .
وينطلق الخلاف القائم على خلفية دور الحكومة اللبنانية في هذا التمديد، هل هو دور استشاري غير ملزم للأمم المتحدة وأمينها العام؟ أو أنه واجب التطبيق والسلوك فيه؟ علاوة على إمكانية تعديل بعض مواد الاتفاق وفقاً لما يطالب به البعض .
في الواقع يستند المؤيدون لدور الحكومة الفعلي في آلية التمديد إلى عدة عناصر وسوابق قانونية، من بينها مثلاً، أن الأمين العام للأمم المتحدة ليس باستطاعته تعيين القضاة غير الدوليين وهم لبنانيون من دون سلوك الآلية اللبنانية، أي ترشيح الحكومة اللبنانية ممن ترغب في تعيينهم في تلك المحكمة، وهذا ما حصل فعلاً عند إنشاء المحكمة .
إضافة إلى ذلك، لقد وضع الاتفاق الحكومة اللبنانية على قدم المساواة مع مجلس الأمن، باعتبارهما طرفين متساويين، لا ميزة لأحد على الآخر، إذ إن أي عملية للتمديد ينبغي ان تنطلق من مبدأين أساسيين، الأول يتعلق بعملية تقييم عمل المحكمة في الفترة السابقة، والثانية تحديد المدة الزمنية التي تحتاجها مستقبلاً لإكمال عملها وفقاً للقرارات الدولية التي جاءت بناءً على طلب الحكومة اللبنانية . علاوة على ذلك فإن وضع الاتفاق موضع التنفيذ ينشئ حالة قانونية أخرى متعلقة بتفسير نصوص الاتفاق بالاستناد إلى اللغات الثلاث، العربية والانكليزية والفرنسية التي جاءت متطابقة ولا لبس فيها لجهة النص على التشاور مع الحكومة اللبنانية في عمل المحكمة واتفاقاتها، ما يؤكد عدم هامشية الدور اللبناني في آلية التقييم والتمديد .
إشكالية أخرى تُثار بين اللبنانيين على قاعدة الفترة الزمنية التي ينبغي تمديدها، هل هي متتالية إلى ما لا نهاية، أو ان ظروفاً معينة يمكن ان تلغيها؟ واقعاً، وبالاستناد إلى قانون المعاهدات الدولية، فإن كل معاهدة هي قابلة للتعديل أو الإلغاء وفقا لرغبة أطرافها أولاً، وثانياً إمكانية انقضائها في حال تغيّرت الظروف المنشأة لها . وهاتان الحالتان غير متوفرتين حتى الآن . فعلى الأقل يعتبر مجلس الأمن ان عمل المحكمة قائم إلى ان يتم الكشف عن حقيقة قتلة الرئيس رفيق الحريري، والثاني لم تنقض الاتفاقية المنشئة للمحكمة باعتذار أن المهمة التي أوكلت لها لم تنجز بعد .
ثمة من يقول بين اللبنانيين إن استمرار عمل المحكمة يمكن ان يؤدي إلى حرب أهلية، ما يستدعي النظر بمجمل عملها وصولاً إلى إلغائها . في الواقع وبالاستناد إلى قواعد القانون الدولي أيضاً، لا تعد هذه الحيثية واقعة قانونية يمكن الاستناد إليها لإلغاء عمل المحكمة، وإلا اعتبر أي فريق متضرر من أي اتفاق كان قد أبرمه سبباً لتنصله من الاتفاق، ما يخلق فوضى دولية عارمة من المستحيل السيطرة عليها، وبالتالي لا محل لهذه الفرضية من التطبيق على الاتفاقية اللبنانية الدولية . والأمر نفسه ينسحب أيضاً على الجانب المتعلق بالتحجج بعدم دستورية التوقيع على الاتفاق بين الحكومة اللبنانية السابقة والأمم المتحدة، على قاعدة الاستناد إلى مبدأ “الحيلولة” أو ما يسمى بمبدأ “إستوبل” في القانون الدولي الذي يمنع أيّ طرف من التذرّع بدستوره الداخلي، أو بقانونه الداخلي، بهدف التنصل من توقيعه السابق أو التهرّب من تنفيذ التزامات كان قد وقّع عليها .
إن مبدأ الحيلولة المطبق بحزم في إطار التزامات القانون الدولي، يستند إلى مبدأ حسن النية في التنفيذ، وان التذرع بعدم دستورية التوقيع أو تغيّر الظروف الموجبة، سيعني بشكل أو بآخر التحللّ من الالتزامات المبرمة سابقًا ،وهو أمر غير قانوني لا يمكن الاستناد إليه . إلا أن تغيّر بعض الظروف يتيح المطالبة بتعديل نصوص الاتفاق وهو أمر ينطبق على الاتفاقية اللبنانية الدولية بشأن المحكمة، لكن الأمر مرتبط بالضرورة بموافقة واستجابة الطرف الآخر وهو مجلس الأمن بالتحديد .
إن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون الأخيرة إلى لبنان، ارتبطت بمجمل القرارات المتعلقة بالوضع اللبناني، ومنها تحديداً القرار 1757 ومندرجاته المتعلقة بالمحكمة واستحقاقاتها الداهمة، ما يعني أن ثمة متابعة حثيثة لهذا الأمر، إضافة إلى أمور أخرى يمكن أن تستغل في هذا الملف، ما يعني أنه من الصعب على لبنان عدم التجاوب مع متطلبات الاستحقاق القادم، وإن أمكن القول إن ثمة رأياً للحكومة اللبنانية في هذا المجال ما يعطيها هامشاً معيناً لقول ما تريد أو تحاول تعديل ما ترغب فيه، بخاصة الجوانب التي يرى فريق من اللبنانيين ضرورة إجرائها .
* أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ينقسم اللبنانيون حول التجديد لولاية المحكمة الخاصة، بعد المشارفة على انتهاء ولايتها الأولى بموجب القرار الدولي 1757 الموقع بين الحكومة اللبنانية ومجلس الأمن في العام 2009 । ويستند في هذه الحيثية القانونية على الفقرة الثانية من المادة 21 للاتفاق التي تنص على: “إذا لم تكتمل أنشطة المحكمة في نهاية فترة السنوات الثلاث، يُمدّد الاتفاق للسماح للمحكمة بإنجاز عملها، وذلك لمدّة (أو مدد) إضافية يحدّدها الأمين العام بالتشاور مع الحكومة ومجلس الأمن” .
وفي واقع الأمر لم تتمكن المحكمة من إنجاز المطلوب منها خلال السنوات الثلاث الماضية ما يستوجب تمديد عملها بدءاً من الأول من مارس/آذار القادم .
وينطلق الخلاف القائم على خلفية دور الحكومة اللبنانية في هذا التمديد، هل هو دور استشاري غير ملزم للأمم المتحدة وأمينها العام؟ أو أنه واجب التطبيق والسلوك فيه؟ علاوة على إمكانية تعديل بعض مواد الاتفاق وفقاً لما يطالب به البعض .
في الواقع يستند المؤيدون لدور الحكومة الفعلي في آلية التمديد إلى عدة عناصر وسوابق قانونية، من بينها مثلاً، أن الأمين العام للأمم المتحدة ليس باستطاعته تعيين القضاة غير الدوليين وهم لبنانيون من دون سلوك الآلية اللبنانية، أي ترشيح الحكومة اللبنانية ممن ترغب في تعيينهم في تلك المحكمة، وهذا ما حصل فعلاً عند إنشاء المحكمة .
إضافة إلى ذلك، لقد وضع الاتفاق الحكومة اللبنانية على قدم المساواة مع مجلس الأمن، باعتبارهما طرفين متساويين، لا ميزة لأحد على الآخر، إذ إن أي عملية للتمديد ينبغي ان تنطلق من مبدأين أساسيين، الأول يتعلق بعملية تقييم عمل المحكمة في الفترة السابقة، والثانية تحديد المدة الزمنية التي تحتاجها مستقبلاً لإكمال عملها وفقاً للقرارات الدولية التي جاءت بناءً على طلب الحكومة اللبنانية . علاوة على ذلك فإن وضع الاتفاق موضع التنفيذ ينشئ حالة قانونية أخرى متعلقة بتفسير نصوص الاتفاق بالاستناد إلى اللغات الثلاث، العربية والانكليزية والفرنسية التي جاءت متطابقة ولا لبس فيها لجهة النص على التشاور مع الحكومة اللبنانية في عمل المحكمة واتفاقاتها، ما يؤكد عدم هامشية الدور اللبناني في آلية التقييم والتمديد .
إشكالية أخرى تُثار بين اللبنانيين على قاعدة الفترة الزمنية التي ينبغي تمديدها، هل هي متتالية إلى ما لا نهاية، أو ان ظروفاً معينة يمكن ان تلغيها؟ واقعاً، وبالاستناد إلى قانون المعاهدات الدولية، فإن كل معاهدة هي قابلة للتعديل أو الإلغاء وفقا لرغبة أطرافها أولاً، وثانياً إمكانية انقضائها في حال تغيّرت الظروف المنشأة لها . وهاتان الحالتان غير متوفرتين حتى الآن . فعلى الأقل يعتبر مجلس الأمن ان عمل المحكمة قائم إلى ان يتم الكشف عن حقيقة قتلة الرئيس رفيق الحريري، والثاني لم تنقض الاتفاقية المنشئة للمحكمة باعتذار أن المهمة التي أوكلت لها لم تنجز بعد .
ثمة من يقول بين اللبنانيين إن استمرار عمل المحكمة يمكن ان يؤدي إلى حرب أهلية، ما يستدعي النظر بمجمل عملها وصولاً إلى إلغائها . في الواقع وبالاستناد إلى قواعد القانون الدولي أيضاً، لا تعد هذه الحيثية واقعة قانونية يمكن الاستناد إليها لإلغاء عمل المحكمة، وإلا اعتبر أي فريق متضرر من أي اتفاق كان قد أبرمه سبباً لتنصله من الاتفاق، ما يخلق فوضى دولية عارمة من المستحيل السيطرة عليها، وبالتالي لا محل لهذه الفرضية من التطبيق على الاتفاقية اللبنانية الدولية . والأمر نفسه ينسحب أيضاً على الجانب المتعلق بالتحجج بعدم دستورية التوقيع على الاتفاق بين الحكومة اللبنانية السابقة والأمم المتحدة، على قاعدة الاستناد إلى مبدأ “الحيلولة” أو ما يسمى بمبدأ “إستوبل” في القانون الدولي الذي يمنع أيّ طرف من التذرّع بدستوره الداخلي، أو بقانونه الداخلي، بهدف التنصل من توقيعه السابق أو التهرّب من تنفيذ التزامات كان قد وقّع عليها .
إن مبدأ الحيلولة المطبق بحزم في إطار التزامات القانون الدولي، يستند إلى مبدأ حسن النية في التنفيذ، وان التذرع بعدم دستورية التوقيع أو تغيّر الظروف الموجبة، سيعني بشكل أو بآخر التحللّ من الالتزامات المبرمة سابقًا ،وهو أمر غير قانوني لا يمكن الاستناد إليه . إلا أن تغيّر بعض الظروف يتيح المطالبة بتعديل نصوص الاتفاق وهو أمر ينطبق على الاتفاقية اللبنانية الدولية بشأن المحكمة، لكن الأمر مرتبط بالضرورة بموافقة واستجابة الطرف الآخر وهو مجلس الأمن بالتحديد .
إن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون الأخيرة إلى لبنان، ارتبطت بمجمل القرارات المتعلقة بالوضع اللبناني، ومنها تحديداً القرار 1757 ومندرجاته المتعلقة بالمحكمة واستحقاقاتها الداهمة، ما يعني أن ثمة متابعة حثيثة لهذا الأمر، إضافة إلى أمور أخرى يمكن أن تستغل في هذا الملف، ما يعني أنه من الصعب على لبنان عدم التجاوب مع متطلبات الاستحقاق القادم، وإن أمكن القول إن ثمة رأياً للحكومة اللبنانية في هذا المجال ما يعطيها هامشاً معيناً لقول ما تريد أو تحاول تعديل ما ترغب فيه، بخاصة الجوانب التي يرى فريق من اللبنانيين ضرورة إجرائها .
* أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية