كل ثورة وانتم بخير
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الأوسط بتاريخ 1/1/2012
قبل عام من الزمن،انطلقت ثورات،كانت بمثابة أحلام اليقظة بالنسبة لشعوبها،فمعظم المجتمعات العربية رزحت تحت ظلم أنظمتها وعانت ما عانت.صمم بعضها على الخلاص فانطلق ولحق بها بعضها الآخر. بداية كانت ثورة تونس التي عبّرت برمزيتها عن قهر السلطة لبائع خضار لولاه لما سقط النظام. لم ينتظر الشباب المصري طويلا فأسقط نظاما عمره أربعون سنة. استجاب الشعب الليبي لحراك جارتيه وخاض حربا للتخلص من عميد الرؤساء العرب.لم تسلم لا الجزائر ولا المغرب من الحراك ولو بوتيرة هادئة. الأمر نفسه انسحب على المشرق العربي فامتد من لبنان بشعارات إلغاء الطائفية السياسية،وانتشر الأمر عينه إلى الأردن، وما لبثت ان اشتعلت في سوريا.
ثمة الكثير ما يجمع ثورات المجتمع العربي ضد أنظمتها، التهميش الاجتماعي والاقتصادي لمختلف الطبقات الاجتماعية. الاستبداد والقهر الممارس عنوة على الأقليات وحتى الأكثريات في بعض المجتمعات. غياب تداول السلطة وتمسك حفنة من المتسلطين على السلطة،فسادت ظاهرة التوريث السياسي، كما ظاهرة ملكية الأنظمة الجمهورية. تحجج بالأعداء الخارجيين لقمع الشعوب وسيادة لغة القمع وكم الأفواه. جملة من الممارسات التي سوغت الأنظمة لنفسها ممارستها دون وازع أو رادع.
باختصار عام مضى،انتقلت به وفيه مجتمعات عربية من ضفة إلى أخرى،لكن التدقيق في الأمور يستلزم قراءات مختلفة،تعكس مخاوف لا تقل أهمية عن مسببات ما جرى ،وتداعيات ما حصل.ثمة ثورات أسقطت أنظمة عمرها عقود ،لكن في المقابل لم تصل إلى ما تريد. بعضها يعتبر ان ثوراتها تتعرض للسرقة والاحتواء والتحويل.وبعضها الآخر تعتبر ثورتها متآمر عليها، وينبغي ان تدفع مزيدا من الدم لتثبت قدرتها على التحول والتغيير.
ثمة من يشكك بقدرة الشعوب على التغيير، ويتباهى بأن عسكر الأنظمة هو من انقلب عليها بثورات بيضاء،ذلك خوفا من تغييرات حقيقية تزيل السياسات والأنظمة معا.ربما التدقيق في هذه الطروحات تعزز تلك الأفكار، لكن في المقابل ثمة من يقول أنها عملية تسطيح وتبسيط لمظاهر الثورات والتغيير.
في تونس ومصر ربما لعب الجيش دورا في قولبة الثورة،وترك بصمات واضحة في إدارتها. فيما الثورة الليبية شهدت حربا ضد ميلشيا ومرتزقة وقف وراءها النظام. أما في سوريا فالوضع مختلف،حيث الجيش طرفا في المواجهة. فيما اليمن يشهد انقساما واضحا قي صفوف العسكر وقي مجمل الأحوال هو طرفا فيها أيضا بمواجهة شعبه.
اليوم تقف الشعوب وحدها بمواجهة أنظمة لا زالت تكابر وتعاند منطق الأمور،وعلى قواعد وأسس ومبررات يصعب الدفاع عنها.مزيد من الدم ومزيد من محاولات الاحتواء والالتفاف على شعاراتها.فأين الحراك العربي في عيده الأول؟وهل سيكون العام القادم عام التغيير؟
في المبدأ،واقع المجتمعات العربية وما يحيط بها من ظروف ذاتية وموضوعية، وصلت إلى نقطة يصعب الرجوع معها إلى الوراء.سالت دماء كثيرة في غير مكان وزمان، وتخطت شعاراتها إصلاح الأنظمة إلى شعارات الإسقاط والمحاكمة. بل باتت مطالب المجتمعات العربية تتخطى برامج وشعارات أحزابها.وباتت أحزابها الالكترونية هي الفاعلة في تنظيم وتحريك مطالبها، وباتت تنظيماتها وأحزابها التقليدية ان كانت في الحكم أم المعارضة تتخبط في شعارات عفا عليها الزمن ولم تعد تتماشى وواقع الأمور المستجدة.
تقف المجتمعات العربية اليوم على مفترق طرق،إما ان تتابع تحركها وتصل إلى ما تصبو إليه،وإما ان تخضع لمحاولات الاحتواء والتحويل. في الخيار الأول يتطلب الأمر المزيد من الوعي والواقعية في سبر أغوار تحركاتها.وفي الخيار الثاني احتساب كلفة الدم الذي دفعته، وانتظار فرص أخرى يمكن ان لا تتكرر في عقود قادمة.
عام من الحراك الذي انقلب إلى ثورات وتغييرات دراماتيكية، ربما غير متوقعة في زمانها ومكانها.لكن الملفت فيها سرعة تنقلها وتداعياتها ونتائجها، وكأن القدر ابتسم لهذه المجتمعات التي غابت بسَمَاتها عن معظم ناسها طوال نصف قرن من الزمن.
ربما سيكون العام القادم، عام الحسم للكثير من المجتمعات العربية وأنظمتها، بعض الثورات تخطت مراحل الخطر وانطلقت إلى مراحل أخرى.وبعضها الآخر لا يزال يكابد ضغوط أنظمتها التي زالت تراهن على متغيرات خارجية من بينها مناسبات انتخابية علها تشتري بعض الوقت.
أيام قليلة وننتقل إلى عام آخر، اعتدنا على معايدة بعضنا بالخير، اليوم ربما نتحول إلى مصطلحات وتعبيرات أخرى،من بينها كل ثورة وانتم بخير، علنا نحيا لنشهد في العام القادم متغيرات تعكس تطلعات مجتمعات اعتادت على تكرار نفسها واجترار تمنياتها،علَّ وعسى ان يكون الخير صنو الثورات،بعد حملٍ استمر عام كامل من الزمن.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الأوسط بتاريخ 1/1/2012
قبل عام من الزمن،انطلقت ثورات،كانت بمثابة أحلام اليقظة بالنسبة لشعوبها،فمعظم المجتمعات العربية رزحت تحت ظلم أنظمتها وعانت ما عانت.صمم بعضها على الخلاص فانطلق ولحق بها بعضها الآخر. بداية كانت ثورة تونس التي عبّرت برمزيتها عن قهر السلطة لبائع خضار لولاه لما سقط النظام. لم ينتظر الشباب المصري طويلا فأسقط نظاما عمره أربعون سنة. استجاب الشعب الليبي لحراك جارتيه وخاض حربا للتخلص من عميد الرؤساء العرب.لم تسلم لا الجزائر ولا المغرب من الحراك ولو بوتيرة هادئة. الأمر نفسه انسحب على المشرق العربي فامتد من لبنان بشعارات إلغاء الطائفية السياسية،وانتشر الأمر عينه إلى الأردن، وما لبثت ان اشتعلت في سوريا.
ثمة الكثير ما يجمع ثورات المجتمع العربي ضد أنظمتها، التهميش الاجتماعي والاقتصادي لمختلف الطبقات الاجتماعية. الاستبداد والقهر الممارس عنوة على الأقليات وحتى الأكثريات في بعض المجتمعات. غياب تداول السلطة وتمسك حفنة من المتسلطين على السلطة،فسادت ظاهرة التوريث السياسي، كما ظاهرة ملكية الأنظمة الجمهورية. تحجج بالأعداء الخارجيين لقمع الشعوب وسيادة لغة القمع وكم الأفواه. جملة من الممارسات التي سوغت الأنظمة لنفسها ممارستها دون وازع أو رادع.
باختصار عام مضى،انتقلت به وفيه مجتمعات عربية من ضفة إلى أخرى،لكن التدقيق في الأمور يستلزم قراءات مختلفة،تعكس مخاوف لا تقل أهمية عن مسببات ما جرى ،وتداعيات ما حصل.ثمة ثورات أسقطت أنظمة عمرها عقود ،لكن في المقابل لم تصل إلى ما تريد. بعضها يعتبر ان ثوراتها تتعرض للسرقة والاحتواء والتحويل.وبعضها الآخر تعتبر ثورتها متآمر عليها، وينبغي ان تدفع مزيدا من الدم لتثبت قدرتها على التحول والتغيير.
ثمة من يشكك بقدرة الشعوب على التغيير، ويتباهى بأن عسكر الأنظمة هو من انقلب عليها بثورات بيضاء،ذلك خوفا من تغييرات حقيقية تزيل السياسات والأنظمة معا.ربما التدقيق في هذه الطروحات تعزز تلك الأفكار، لكن في المقابل ثمة من يقول أنها عملية تسطيح وتبسيط لمظاهر الثورات والتغيير.
في تونس ومصر ربما لعب الجيش دورا في قولبة الثورة،وترك بصمات واضحة في إدارتها. فيما الثورة الليبية شهدت حربا ضد ميلشيا ومرتزقة وقف وراءها النظام. أما في سوريا فالوضع مختلف،حيث الجيش طرفا في المواجهة. فيما اليمن يشهد انقساما واضحا قي صفوف العسكر وقي مجمل الأحوال هو طرفا فيها أيضا بمواجهة شعبه.
اليوم تقف الشعوب وحدها بمواجهة أنظمة لا زالت تكابر وتعاند منطق الأمور،وعلى قواعد وأسس ومبررات يصعب الدفاع عنها.مزيد من الدم ومزيد من محاولات الاحتواء والالتفاف على شعاراتها.فأين الحراك العربي في عيده الأول؟وهل سيكون العام القادم عام التغيير؟
في المبدأ،واقع المجتمعات العربية وما يحيط بها من ظروف ذاتية وموضوعية، وصلت إلى نقطة يصعب الرجوع معها إلى الوراء.سالت دماء كثيرة في غير مكان وزمان، وتخطت شعاراتها إصلاح الأنظمة إلى شعارات الإسقاط والمحاكمة. بل باتت مطالب المجتمعات العربية تتخطى برامج وشعارات أحزابها.وباتت أحزابها الالكترونية هي الفاعلة في تنظيم وتحريك مطالبها، وباتت تنظيماتها وأحزابها التقليدية ان كانت في الحكم أم المعارضة تتخبط في شعارات عفا عليها الزمن ولم تعد تتماشى وواقع الأمور المستجدة.
تقف المجتمعات العربية اليوم على مفترق طرق،إما ان تتابع تحركها وتصل إلى ما تصبو إليه،وإما ان تخضع لمحاولات الاحتواء والتحويل. في الخيار الأول يتطلب الأمر المزيد من الوعي والواقعية في سبر أغوار تحركاتها.وفي الخيار الثاني احتساب كلفة الدم الذي دفعته، وانتظار فرص أخرى يمكن ان لا تتكرر في عقود قادمة.
عام من الحراك الذي انقلب إلى ثورات وتغييرات دراماتيكية، ربما غير متوقعة في زمانها ومكانها.لكن الملفت فيها سرعة تنقلها وتداعياتها ونتائجها، وكأن القدر ابتسم لهذه المجتمعات التي غابت بسَمَاتها عن معظم ناسها طوال نصف قرن من الزمن.
ربما سيكون العام القادم، عام الحسم للكثير من المجتمعات العربية وأنظمتها، بعض الثورات تخطت مراحل الخطر وانطلقت إلى مراحل أخرى.وبعضها الآخر لا يزال يكابد ضغوط أنظمتها التي زالت تراهن على متغيرات خارجية من بينها مناسبات انتخابية علها تشتري بعض الوقت.
أيام قليلة وننتقل إلى عام آخر، اعتدنا على معايدة بعضنا بالخير، اليوم ربما نتحول إلى مصطلحات وتعبيرات أخرى،من بينها كل ثورة وانتم بخير، علنا نحيا لنشهد في العام القادم متغيرات تعكس تطلعات مجتمعات اعتادت على تكرار نفسها واجترار تمنياتها،علَّ وعسى ان يكون الخير صنو الثورات،بعد حملٍ استمر عام كامل من الزمن.