هل
دخل العراق في العراك؟
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية بتاريخ 15/1/2013
ثمة واقع جديد ترسّخت مرتكزاته إبان السنوات الماضية، قوامه فرز حاد في التركيبة الاجتماعية التي تفرّع عنها مكوِّنات ظاهرها سياسي وباطنها مذهبي – قومي، يصل مداها وتداعياتها إلى العرقي.ومما عزز هذا الفرز مجموعة من العوامل والأسباب الداخلية والخارجية المحيطة بالمجتمع العراقي ومكوناته ومعتقداته؛ ويأتي في طليعتها عدم قدرة السياسيين الذين حكموا العراق بما يسمى الإدارة بالأزمات القدرة على التحكم بمجمل المشاكل التي واجهتهم إبان الاحتلال ويبدو أنهم مستمرون به حاليا. هذا الواقع الحاد بملامحه الانقسامية، جاء كنتاج لتموضع مذهبي في اطر ائتلافية ،جمعت متناقضات في السياسة وتقاطع في المصالح، وصل إلى حد التطابق في استغلال السلطة وتوزيع الغنائم كما الاسترسال في المفاسد.
ثمة أزمة ثقة قائمة بين أطراف المكِّون السياسي العراقي،فالكل لا يثق بالكل، والجميع يدير أزمت النظام بافتعال أزمات موازية للمفاوضة والمقايضة،ما يوسّع فجوة الخلاف ويبعد المسافات ويؤجج النزاعات والصراعات، فمنذ العام 2003 حتى وقتنا الراهن،لا يخرج النظام من أزمة حكم إلا ويكون قد تهيأ للدخول في الثانية. نظام برلماني اتحادي فدرالي قائم على مثلث قومي عربي كردي ومذهبي سني شيعي، اعتبره البعض حلا على الأقل في مرحلة انتقالية خلال فترة الاحتلال،سرعان ما حولته الكتل نفسها إلى وسيلة إما للقهر والاستئثار،وإما وسيلة للانفصال،فيما عامة المجتمع العراقي من كل الطوائف والمذاهب والقوميات عانت وتعاني من أشكل التهميش الاجتماعي والاقتصادي.
لا تقتصر الأزمة الحالية على هذا الجانب،بل يتعداه الأمر إلى أسباب وخلفيات أخرى لا تقل شأنا أو خطرا على مستقبل العراق ومكوناته الاجتماعية والسياسية. فثمة أزمة في تركيبة السلطة وتوزيعها،التي استأثر بها تحالف دولة القانون، ما أدى إلى ظهور شعارات اللامركزية التي لامست الجانب السياسي عبر المطالبة بتحويل بعض المحافظات إلى أقاليم،وبالتالي تحوّل بعض مظاهر الأزمة السياسية إلى مظاهر أزمات ذات بُعد كياني مآلاته التفتيت والتقسيم والتجزئة كما ينظر إليها بعض العراقيين.
وما يراكم الخوف والقلق من تلك الأزمات الكيانية، الأبعاد الخارجية للأزمة الحالية، وهي متعددة الأوجه والأبعاد؛فهي عربية من جهة وغير عربية من جهة أخرى.باختصار باتت دول الجوار الجغرافي للعراق اللاعب الأقوى في تحديد سياساته الداخلية والخارجية، كما الأفعل في ترتيب أولوياته وتحالفاته.
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية بتاريخ 15/1/2013
يشهد العراق حراكا غير مسبوق على قاعدة
خلافات متنوعة ومتراكمة، واتخذت أشكالا تنذر بصدامات اكثر عنفا يمكن ان تشعل
الشارع العراقي بأزمات لا تختلف عن الازمات المشتعلة في غير بلد عربي. فما هو
الواقع العراقي؟ وكيف تستغل أزماته؟ وما هي مؤثرات الخارج فيها؟ وهل سيلتحق العراق
بمن سبقه إلى لعبة الدم؟
ترك العراق لقدره بعد انسحاب القوات الأمريكية ، فتلقف
سياسيوه الانسحاب ليكون منصة لتصفية الحسابات والانطلاق كل بمشروعه على ليلاه.
فكانت البداية بإشعال فتيل الخلاف بين رئيس الحكومة نوري المالكي ونائب الرئيس
طارق الهاشمي،لأسباب ظاهرها المشاركة بأعمال عنف، أدت إلى قتل عراقيين،وباطنها
سياسي – مذهبي على قاعدة الخلاف والاختلاف على تقاسم السلطة والاستئثار بالحكم
والمقدرات.ثمة واقع جديد ترسّخت مرتكزاته إبان السنوات الماضية، قوامه فرز حاد في التركيبة الاجتماعية التي تفرّع عنها مكوِّنات ظاهرها سياسي وباطنها مذهبي – قومي، يصل مداها وتداعياتها إلى العرقي.ومما عزز هذا الفرز مجموعة من العوامل والأسباب الداخلية والخارجية المحيطة بالمجتمع العراقي ومكوناته ومعتقداته؛ ويأتي في طليعتها عدم قدرة السياسيين الذين حكموا العراق بما يسمى الإدارة بالأزمات القدرة على التحكم بمجمل المشاكل التي واجهتهم إبان الاحتلال ويبدو أنهم مستمرون به حاليا. هذا الواقع الحاد بملامحه الانقسامية، جاء كنتاج لتموضع مذهبي في اطر ائتلافية ،جمعت متناقضات في السياسة وتقاطع في المصالح، وصل إلى حد التطابق في استغلال السلطة وتوزيع الغنائم كما الاسترسال في المفاسد.
ثمة أزمة ثقة قائمة بين أطراف المكِّون السياسي العراقي،فالكل لا يثق بالكل، والجميع يدير أزمت النظام بافتعال أزمات موازية للمفاوضة والمقايضة،ما يوسّع فجوة الخلاف ويبعد المسافات ويؤجج النزاعات والصراعات، فمنذ العام 2003 حتى وقتنا الراهن،لا يخرج النظام من أزمة حكم إلا ويكون قد تهيأ للدخول في الثانية. نظام برلماني اتحادي فدرالي قائم على مثلث قومي عربي كردي ومذهبي سني شيعي، اعتبره البعض حلا على الأقل في مرحلة انتقالية خلال فترة الاحتلال،سرعان ما حولته الكتل نفسها إلى وسيلة إما للقهر والاستئثار،وإما وسيلة للانفصال،فيما عامة المجتمع العراقي من كل الطوائف والمذاهب والقوميات عانت وتعاني من أشكل التهميش الاجتماعي والاقتصادي.
لا تقتصر الأزمة الحالية على هذا الجانب،بل يتعداه الأمر إلى أسباب وخلفيات أخرى لا تقل شأنا أو خطرا على مستقبل العراق ومكوناته الاجتماعية والسياسية. فثمة أزمة في تركيبة السلطة وتوزيعها،التي استأثر بها تحالف دولة القانون، ما أدى إلى ظهور شعارات اللامركزية التي لامست الجانب السياسي عبر المطالبة بتحويل بعض المحافظات إلى أقاليم،وبالتالي تحوّل بعض مظاهر الأزمة السياسية إلى مظاهر أزمات ذات بُعد كياني مآلاته التفتيت والتقسيم والتجزئة كما ينظر إليها بعض العراقيين.
وما يراكم الخوف والقلق من تلك الأزمات الكيانية، الأبعاد الخارجية للأزمة الحالية، وهي متعددة الأوجه والأبعاد؛فهي عربية من جهة وغير عربية من جهة أخرى.باختصار باتت دول الجوار الجغرافي للعراق اللاعب الأقوى في تحديد سياساته الداخلية والخارجية، كما الأفعل في ترتيب أولوياته وتحالفاته.
فالعراق المتروك إقليميا ودوليا لقدره،
محاط بدول طامحة للعب ادوار إقليمية عظمى، كما ان موقعه الجيو سياسي بات موقعا
للشد والجذب المذهبي.شيعيا في شرقه وغربه،وسنيا في شماله وجنوبه؛وفي كلتا الحالتين
ثمة تراخٍ وعدم قدرة واضحتين، على ان يكون للعراقيين دور في تحديد موقعهم السياسي،وباتوا
مجرد توابع ارتدادية لهزات مذهبية وقومية تشهدها المنطقة حاليا.فإيران الفارسية
الشيعية تبحث عن مواقع تشد أزر أذرع سياساتها الخارجية ومن بينها الساحة العراقية
المهيأة لذلك؛ كما تركيا العثمانية السنية التي تخلت عن سياسة "تصفير
المشاكل" وانطلقت أيضا للعب الدور نفسه من خلال الساحة العراقية والسورية وغيرهما.
ان هذين التجاذبين يجعل من العراق بيئة مناسبة للضم والفرز السياسي والمذهبي
والقومي ما يعزز سيناريوهات الدخول بالأزمات المتلاحقة التي يصعب السيطرة عليها
وإدارتها بأكلاف تقليدية معتادة.
إنَّ
التدقيق في مجمل مواقف وطروح الفئات السياسية العراقية تشير إلى ان العراق مرشح
للدخول في أزمة أخرى ظاهرها سياسي وباطنها كياني، الأمر الذي يعني ان مجمل الظروف
قد تهيأت لإطلاق الحراك القائم مواليا كان ام معارضا، كما ان التدقيق في السلوك
المجتمعي القائم حاليا يشير الى ارتفع منسوب اسهم الصدام بين مختلف الفئات
العراقية الواقفة على مفترق صعب، فهل ان الحراك القائم حاليا سيولد عراكا في عراق
لم يشهد الاستقرار منذ عقود خلت؟ يبدو ان العراقيين ماضون إلى لعبة الدم وسط عدم قدرة على
الاتعاظ من تجارب من سبقهم ، الاقربين
منهم كما الابعدين.