27‏/01‏/2016

الاندفاعة الصينية إلى الشرق الأوسط


الاندفاعة الصينية إلى الشرق الأوسط
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبناني
       تأتي زيارة الرئيس الصيني شي دينغ بنغ إلى دول مركزية في الشرق الأوسط السعودية ومصر وإيران، لتؤكد إستراتيجية الصين التي تعتبر منطقة الشرق الأوسط من المناطق الحيوية لأمنها الاقتصادي وتواصلها السياسي الذي لم ينقطع منذ عقود طويلة. وتأتي هذه الزيارة في خضم وقائع وأحداث متسارعة شهدت في الفترة الماضية تصعيدا كبيرا بين السعودية وإيران، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا حول مغزى الزيارة وإمكانات التوسّط بين البلدين ، سيما وان الرياض وطهران تمتلكان سجلا تجاريا واقتصاديا لافتا مع بكين، نظمتها اتفاقيات متعددة الأوجه في مراحل سابقة. ورغم الوجه السياسي للزيارة بصرف النظر عن تفاصيلها لجهة الموضوعات، ثمة روائح مصالح ونفط تفوح من مفاصل تلك الزيارات المنفذة. فيقال عن الصين ، تندراً إن عالم اليوم "صنع في الصين"، حيث لم تعد تخلو منطقة حول العالم من وجود البضائع الصينية. بل إن بكين تحوّلت فعلياً إلى رافعة النمو الاقتصادي العالمي، ونموذجا للنجاح المستمر للدول النامية التي تطمح للتقدم، كونها تعتبر نفسها دولةٍ نامية.
       فالصين التي تحتل الرقم الثاني عالميا لجهة الشراكة مع الدول العربية، تحتفظ بعلاقات ودية مع أطراف متباينة المصالح في الشر ق الأوسط ، الأمر الذي يفسّر حاجتها النفطية التي يأتي معظمها من دول الخليج العربي، وإيران، وهي بذلك لها مصلحة حقيقية في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتباينة المصالح، وما يؤكد ذلك السجل الدبلوماسي الذي تمتاز به بكين في علاقاتها الخارجية مع دول المنطقة، والتي تُختزل بالحفاظ على مكونات أسس الشرعية الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول.
       وما يعزز ذلك، اطمئنان طهران لأداء بكين خلال السنوات السابقة في مجلس الأمن، بخاصة استخدامها حق النقض ثلاث مرات، ورغم إذعان الصين لتطبيق عقوبات الأمم المتحدة بخصوص البرنامج النووي الإيراني، إلا أن علاقاتها بطهران ظلت طبيعية وودية. فالصين تتوقع مستقبلاً مهما للعلاقة ، فقبل العام 2012، كانت إيران ثالث أكبر مصدِّر للنفط الخام للصين، وتراجعت إلى المركز السادس بسبب العقوبات. أما اليوم، فإن هذه العلاقة تأخذ مسارها المتنامي، بفعل المصالح المشتركة، كما بفعل الانسجام بين سياسة الدولتين بخصوص أزمات الشرق الأوسط وملفاتها المتقاطعة. أما بالنسبة إلى الرياض فتتمتع بعلاقات متينة مع بكين، فمع تأسيس هذه الأخيرة "بنك آسيا للاستثمار في البنى الأساسية"، وقعت الرياض على الانضمام إلى البنك كعضو مؤسس. وكانت السعودية تقليدياً أكبر مصدر لواردات النفط الصينية، قبل أن توقّع بكين اتفاق الطاقة التاريخي مع موسكو ؛ ومع أن ملف الطاقة يشكل ركيزة العلاقات بين الدولتين، إلا أن الصين ترغب في توسيع التعاون ليشمل مجالات جديدة، بسبب حاجة بكين إلى أسواق جديدة ، تسهم في تفعيل التجارة الخارجية التي تعتبر رافعة اقتصادها.
     كما تعتبر بكين كل من إيران والسعودية دولتان مركزيتان ومؤثرتان في الشرق الأوسط ، وهي مثل غيرها من الدول التي وقّعت على خريطة طريق مجلس الأمن لمحادثات السلام السورية في جنيف 3 عبر القرار الدولي 2254، وهي قلقة ومعنية بتصاعد التوتر الإيراني السعودي على الحلول في سوريا ؛ وإذا ما تمكنت بكين من إنجاح وساطتها ، فربما تتمكن أيضاً من سحب الحوار بينهما إلى ملفات أخرى في المنطقة، وأهمها سوريا واليمن ولبنان، وان يكن من الصعوبة بمكان الوصول إلى ذلك في المدى المنظور.
      لكن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المنطقة حملت أكثر من بُعد ، فقد وقّع مع قادة المملكة 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم ،من بينها إقامة مفاعل نووي، وشؤون مكافحة الإرهاب. كما وقّع مع الجانب المصري اتفاقيات استثمارية تعدّت العشرين مليار دولار ، ما يعكس الرغبة الصينية بالدخول الاقتصادي إلى المنطقة من البوابات العربية المركزية. كما لا تود إغفال الأسواق الإيرانية الباحثة عن استثمارات كبيرة بعد سنوات من العقوبات.
       وبعد ، كيف تصرف الصين سياساتها في المحيطين الإقليمي والدولي ، تمتد خطة الصين الإستراتيجية على المدى الطويل حتى منتصف القرن الحالي. قبل ذلك تستمر الصين في اعتبار نفسها دولة نامية تسعى إلى تحقيق التطور والحداثة. ويندرج ضمن هذه الرؤية مشروع الرئيس الحالي "الحلم الصيني"، الذي يمتد حتى العام 2020. فمن المتوقع أن تسهم الأسواق الجديدة التي تحاول الصين دخولها ، أن تسهم بدفع الاقتصاد الصيني إلى الأمام، لا سيما أسواق أفريقيا والشرق الأوسط ، والزيارة إلى مصر وإيران والسعودية لافتة في هذا المجال، وبشكلٍ يتيح لأطراف كثيرة الاستفادة من علاقة منفعة متبادلة معها، وبهدف تمتين مقومات القوة الداخلية، وتحقيق التحديث الاقتصادي والإداري، والديمقراطية السياسية.
    وإذا ما تمكنت بكين من تخطي هذه القفزة السياسية بنجاح، من خلال الانخراط سياسياً بصورةٍ مباشرة في الشرق الأوسط، من خلال مبادرتها إلى الوساطة السياسية في قضايا خلاف إقليمي بعيد عنها ، فيعني ذلك إعادة التموضع الدولي ولو بإطر إقليمية ذات تأثير سياسي دولي، تماما كما فعلت في سياسة اليد المرفوعة في مجلس الأمن لثلاث مرات.

 

إيران وعقبات رفع العقوبات

إيران وعقبات رفع العقوبات
الخليج الاماراتية 21-1-2016
د.خليل حسين
بعد مسار طويل من المفاوضات الشاقة، تمكنت إيران من إحراز هدف استراتيجي في محاولة للتخلص من أزمات متعددة الأوجه داخلياً وخارجياً. ورغم اعتبارها، لهذا الإنجاز نصراً سياسياً بأبعاد اقتصادية، إلا أن ثمة عقبات لا يستهان فيها تنتظر تنفيذ الأهداف التي سعت إليها طويلاً، والتي حدت منها مجموعة العقوبات التي فرضت عملياً منذ عام 1996 وتدرجت وتنوّعت فيما بعد خلال عقدين من الزمن.
لا شك، بأن رفع العقوبات عملياً، سيسهم في تعزيز علاقاتها الخارجية وبخاصة مع أعداء الأمس الولايات المتحدة والدول الأوروبية، كما سيعزز وضعها الإقليمي كلاعب مؤثر في مجموعة الأزمات المثارة حالياً. لكن ذلك مرهون بجوانب أخرى متصلة أولاً بكيفية الاستفادة من معطى رفع العقوبات، وقدرتها ثانياً على التحكم بمسار الآليات التي ستتبعها لاحقاً، وثالثاً كيفية مواجهة بعض المطالب الغربية المتصلة ببرنامجها الصاروخي الذي لا يزال مثار جدل كبير.
في الجانب المالي والتجاري والاقتصادي، ثمة معطيات جديدة ستفرضها عودة طهران إلى الساحة الدولية، لجهة حصولها على أموالها المجمّدة، والتي قفزت عن المئة مليار دولار في أقل تقدير، إضافة إلى قدرتها على زيادة الضخ المبدئي لنصف مليون برميل من النفط يومياً والذي يتوقع أن تصل زيادته إلى المليون برميل يومياً أواخر عام 2016. علاوة على عودة مئات الأطنان من المعادن الثمينة إلى خزائنها، معطوفة على فتح المجال واسعاً أمام الصادرات الإيرانية المتنوعة والمتعددة المجالات. ورغم ذلك، ثمة تساؤلات تطرح نفسها لجهة قدرة طهران على الاستفادة العملية والفعلية من زيادة الإنتاج النفطي، خاصة وسط تراجع سعر برميل النفط إلى 30 دولاراً، والذي يرجح استمرار هبوطه، وفي وقت زاد منسوب الخلاف على كميات الإنتاج والتسعير في منظمة أوبك وبخاصة بعد توتر علاقات إيران بمعظم دول الخليج العربية التي شهد بعضها، قطعاً للعلاقات الدبلوماسية، علاوة على ذلك ضبابية قدرة طهران على تسويق منتجها النفطي وفقاً لشروطها ورغبتها.
صحيح أن طهران تمكنت من استعمال وسائل دبلوماسية متعددة مقرونة بصور أمنية وعسكرية للوصول إلى ما هدفت إليه، إلا أنها ليست قادرة بالمطلق على التحكم بمسارات الاستفادة من صادراتها، إن لجهة الأطراف المستوردة، أو التحكّم بجدوى الأسعار، أو حتى تلافي التخمة التي أشبع السوق فيها، وبالتالي من الممكن أن تتحول هذه الفرص المتاحة إلى عوامل سلبية على العوائد المحتملة، وبالتالي الانخراط في دوامة اقتصادية صعب الخروج منها، إلا على قاعدة لحس المبرد.
وصحيح أيضاً، أن رفع العقوبات أسهم في تدفق الشركات الغربية على الاستثمار في الداخل الإيراني، إلا أن ذلك لا يعتبر بالضرورة شرطاً لنهضة الاقتصاد الإيراني، بخاصة إذا كانت أغلبية مجالات الاستثمار هي ذات صفة ريعية متصلة في جانب الطاقة، وهو على أهميته، يعتبر جانباً سلبياً، إذا لم تقترن عقود الشركات الأجنبية بمجالات استثمارية فعلية.
وعلى الرغم من تمكّن إيران خلال جولات المفاوضات السابقة حول البرنامج النووي، من إبعاد البرنامج الصاروخي الباليستي والذي لا يقل أهمية بنظر الغرب عن البرنامج النووي، فإن رفع العقوبات، لم يشمل هذا الجانب، الأمر الذي سيشكل مستقبلاً بيئة خصبة لعمليات الشد والجذب بين الطرفين الإيراني والأمريكي، والذي بالتأكيد سيفرض نفسه على رفع العقوبات، ما يعني إمكانية التراجع عنه مجدداً، إذا لم يُحسم ملف الصواريخ الباليستية.
لقد انتظر الغرب وإيران سنوات طويلة للتوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي، لكن ثمة جوانب كثيرة يمكن أن تظهر إما كحالات منفصلة عن الاتفاق، وإما كحالات متصلة به، وفي كلتا الحالتين، ثمة عقبات كثيرة تنتظر تطبيق رفع العقوبات عن طهران، وبخاصة في المدى المنظور. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/7f9d57e0-57cc-4ba6-a56e-42cb148d68a0#sthash.aKk5d3gS.dpuf

عقد من التألق الاقتصادي والاجتماعي

عقد من التألق الاقتصادي والاجتماعي
الخليج الاماراتية 7-1-2016
د.خليل حسين
قلة هي الدول والمجتمعات التي تمكنت من القفز بخطوات نوعية وبفترات قياسية، إلى مستويات ريادية بين الدول المتقدمة، ويأتي ذلك كنتاج لسياسات اقتصادية واجتماعية رشيدة، قادها على مدى عقد من الزمن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، إذ تركت بصماته الواضحة في جعل إمارة دبي مركزاً لاستقطاب استثماري هائل، جعلها ثانية الاقتصادات العربية، وهو رقم يعبر عن معجزة في تنفيذ السياسات، وسط متغيرات وعواصف اقتصادية في غير مكان من العالم.
لقد استندت رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التنموية، إلى تراث تاريخي من التخطيط الواعد، واعتماد سياسات تنموية مستقبلية رائدة، حيث تمَّ استخدام العائدات النفطية في وقت مبكر، لتمويل مشاريع لافتة، مثل مجمع ميناء جبل علي لتعزيز ميناء راشد، إضافة إلى تنويع الموارد الاقتصادية، ما جعل إمارة دبي إحدى أفضل مدن دول الخليج العربية، والتي اعتبرت نموذجاً اقتصادياً متنوع الموارد، الذي أثبت نجاحه في تطوير أصول الإمارة من البنى التحتية بمستويات متسارعة، كما ثبت أسساً اقتصادية غير نفطية، يعتمد على التجارة والسياحة، ما أعطاها ميزة تنافسية إقليمية رئيسية، ما أتاح لها استقطاب المهارات العالية وتعزيز الأنشطة الاقتصادية غير النفطية. كما أصبحت الإمارة محوراً إقليمياً في مجالات التمويل والنقل والإمداد، تتيح الاستفادة من النمو الاقتصادي للدول المجاورة بطريقة مستدامة.
إن عشر سنوات من القيادة الحكيمة لسموه شكلت نقلةً نوعيةً في العمل الحكومي، فأصبحت الإمارة، المثال والمثل، حيث تمَّ إرساء مفاهيم استثنائية في الإدارة الحكومية الفعّالة والحوكمة والشفافية، وشكلت رؤية سموه طوال العقد الماضي منارةً نقلت إمارة دبي ودولة الإمارات إلى عهد جديد من النمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، فكان التحفيز والتشجيع والإبداع والابتكار والتميّز أبرز سمات العقد الماضي.
إن الموقع المتميز الذي حققته دبي في خريطة الاقتصاد الإقليمي والدولي، هو نتاج لعوامل مركبة، تأتي في مقدمتها الرؤية الإستراتيجية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وإصراره على إيصال دبي إلى مركز متقدم للمال والأعمال ونموذجاً رائدا للمدن الطموحة، وقد تُرجمت تلك الرؤية إلى توجيهات سديدة من سموه لمختلف الفعاليات الاقتصادية في الإمارة، للعمل على تحويل تلك الأهداف إلى برامج عمل واضحة المعالم، ممثلة بخطة دبي 2021، التي هدفت إلى حشد الطاقات والموارد والإمكانات لتلبية متطلبات التنمية المستدامة.
وما يعكس توجهات سموه في التنمية المستدامة، أرقام الموازنة للعام 2016 التي خلت من العجز للعام الثاني على التوالي، حيث تم التركيز على تطبيق سياسة مالية حكيمة، تهدف إلى رفد عملية النمو الاقتصادي بما يؤدي إلى رفع الكفاءة للأجهزة الحكومية، وبهدف تقديم أفضل الخدمات في مجالات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والاستمرار في تعزيز البنية التحتية لتكون الأفضل على مستوى العالم، ما ساهم في حصول دولة الإمارات على المركز الأول في مؤشر السعادة على الصعيد الإقليمي، وهو نتاج لدعم النمو من خلال زيادة النفقات بنسبة 12% عن العام السابق، الأمر الذي يدفع بالاقتصاد الكلي للإمارة إلى مستويات نمو قد تتجاوز ما هو مخطط له، وقد زادت إيرادات رسوم الخدمات الحكومية، التي تمثل 74% من الإيرادات الإجمالية الحكومية، بنسبة 12% مقارنة بالعام المالي 2015. كما وصلت الإيرادات الضريبية إلى 19% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهي تشمل الجمارك وضرائب البنوك الأجنبية. فيما تمثل الإيرادات النفطية 6% من الإيرادات الحكومية للإمارة، رغم أن الإيرادات النفطية الصافية انخفضت بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي يعكس مدى تجاوز اقتصاد الإمارة لمرحلة النفط.
كما أظهرت أرقام توزيع النفقات الحكومية أن بند الرواتب والأجور وصل إلى 36% من إجمالي الإنفاق الحكومي، ما يعكس حرص الحكومة على دعم التوظيف، ودعم الموارد البشرية، إضافة إلى إتاحة أكثر من ثلاثة آلاف فرصة عمل جديدة في العام المالي 2016.
أما المصاريف العامة والإدارية والمنح والدعم فوصلت إلى 45% من إجمالي الإنفاق الحكومي في موازنة 2016، ما يؤكد حرص سموه على الحفاظ على تطوير المؤسسات الحكومية ورقيها، ودعمها لتقديم أفضل الخدمات الحكومية للمواطنين، كما تعكس دعم الحكومة للهيئات والمؤسسات الإسكانية والأنشطة الرياضية والجمعيات ذات المنفعة العامة والجمعيات الخيرية والإعلام. كما خصصت حكومة دبي 14% من الإنفاق الحكومي لتطوير مشاريع البنية التحتية، والعمل لبناء بنية تحتية متميّزة تُسهم في جعل الإمارة جاذبة للاستثمار، وتظهر أرقام موازنة العام المالي 2016، اهتمام الحكومة بمواصلة التعامل الجادّ مع القروض، عبر توجيه 5% من إجمالي الإنفاق لخدمة الدين، دعماً للاستدامة المالية للحكومة.
كما يُبيّن استعراض توزيع النفقات الحكومية على مستوى القطاعات الرئيسية، مدى اهتمام الحكومة بالإنسان، استرشاداً برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، التي تعتبر «الإنسان الثروة الحقيقية للوطن». ويمثل الإنفاق على قطاع التنمية الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان وتنمية المجتمع والابتكار 37% من الإنفاق الحكومي، وقد اهتمت حكومة دبي بدعم الخدمات الاجتماعية من خلال مواصلة دعمها لصندوق المنافع العامة لدعم الأسر المعيلة، ورعاية الأمومة والطفولة والمعاقين ورعاية الشباب والأندية الرياضية. كما أفردت حكومة دبي اهتماما خاصا لدعم المعرفة الابتكار، وتخصيص موارد محدّدة لدعم الابتكار وجعله ثقافة مجتمعية.
لقد شكَّل العقد الماضي معجزة محققة، تمثلت بنقل إمارة دبي إلى مراكز اقتصادية واجتماعية وسياسية مرموقة، وذلك بفضل السياسة الرشيدة والحكيمة التي قادها ورعاها ودعمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وسط عواصف تعجز عن مواجهتها دول كبيرة. فعلاً إنها مقدرة كما أنها معجزة.
* أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/659abee2-32d0-4dca-951f-5037103fac96#sthash.e0joR0U6.dpuf

الخلفيات القانونية والسياسية للقرار 2254

الخلفيات القانونية والسياسية للقرار 2254
الحايج الاماراتية 30-12-2015
د.خليل جسين
رغم الضجة الإعلامية التي رافقت صدور القرار 2254، على أنه يشكل مدخلاً لحل الأزمة السورية، ويفتح ثُغراً كثيرة في جدار التقاطعات الإقليمية والدولية في ملفات متفرعة، إلا أنه يبدو غير ذلك في المضمون، رغم أن الشكل الذي صيغ فيه، يفتح مجالات كثيرة للتأويل فيه على غرار قرارات عدة ذات صلة بالموضوع السوري.
في الجانب السياسي، أتى القرار ترجمة للقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منتصف الشهر الماضي، بمعنى اتفاق مبدئي على قاعدة تفاهمات تبدأ بالأزمة الأوكرانية، مروراً بالحل السياسي للأزمة السورية، وانتهاءً بطبيعة العلاقات الروسية الأمريكية. ما شكّل مخرجاً لصدور القرار بالإجماع في مجلس الأمن ضمن الفصل السابع، الملزم التطبيق شكلاً، ذلك لعدم وضوح آليات التنفيذ عملياً، ما يطرح العديد من التساؤلات التي يمكن أن تشكل عقبات حقيقية يصعب تجاوزها.
يرتبط التساؤل الأول، بإطلاق المرحلة الانتقالية من العملية السياسية، خلال شهر من دون الاتفاق على المنظمات الإرهابية وكيفية التعاطي معها، رغم أن الأردن أسهم في تقديم لائحة ضمت 160 منظمة منخرطة في الحرب الدائرة، إلا أن الاختلاف على توصيف الإرهاب ومن يتبع لها من تلك المنظمات ما زال قائماً، ما يعني أن أصل المشكلة ما زال قائماً، فمع من سيتم التفاوض؟ علاوة على آليات تطبيق وقف إطلاق النار، ما يعني حتمية تأجيل اجتماع جنيف 3 لاحقاً.
التساؤل القانوني الآخر، يرتبط بتكليف الأمين العام للأمم المتحدة وفقا للمادة 33 من الميثاق الأممي، بالنص على: «يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سوريا، بدعوة ممثلي الحكومة السورية، والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي»، ما يعني من الوجهة القانونية خروجاً على القرار 2042 المتخذ ضمن إطار الفصل السادس، والمتعلق «بجنيف 1»، وكذلك على القرار 2118 المتخذ في إطار الفصل السابع، ما يعكس إرباكاً واضحاً في تحديد الأطر والآليات القانونية للتنفيذ، علاوة على الصيغة «انتقال سياسي» غير المعرفة ولو ب «ال» التعريف.
في النص، استبعد القرار 2254، أي جماعة من المفاوضات المفترضة، لا تؤمن بسوريا موحّدة ذات سيادة وغير طائفية، وهو أمر يصعب على أي طرف القفز فوقه، ودعا القرار إلى تنظيم مفاوضات، تبدأ في كانون الثاني 2016، ذلك ضمن بيئة التفاهم الأمريكي الروسي، ووفقاً للقراءة الروسية لبيان جنيف الذي يكرس القرار بوضوح، رغم أن الوضوح لا تعتبر ميزة القرارات الدولية، وبخاصة لجهة هيئة انتقالية ذات صلاحيات كاملة تحت القيادة السورية، ما وضع الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، رغم رهن بقائه بإرادة السوريين أنفسهم، وبانتخابات تشريعية تحت رقابة دولية في غضون 18 شهراً. كما طلب القرار من الأمم المتحدة تنظيم آليات تطبيق ومراقبة وقف إطلاق النار خلال شهر. كما استبعد القرار الدولي من وقف العمليات العسكرية، الدفاعية أو الهجومية، كلاً من تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» وجماعات أخرى مماثلة عند البحث في القائمة السوداء، علماً بأن لا وجود لاتفاق أمريكي -روسي ودولي على تنسيق العمليات العسكرية في سوريا، وتفادياً لذلك أشار نص القرار، إلى حلّ «قد يُتفق عليه» بين الأطراف، وبالتالي هو أمر غير مؤكد، ومعلق على إمكانية اتفاق غير واضح المعالم، ما يخفي صراعاً جيوبوليتيكياً وجيواستراتيجياً بين الجانبين الروسي والأمريكي في سوريا والمنطقة، لا يزال موجوداً على قضايا أمنية وعسكرية، ذات صلة بالجوانب الهجومية والدفاعية للطرفين والتوازن بينهما. إضافة إلى ذلك، ثمة جوانب إجرائية متعلقة أصلا بطبيعة الانتخابات الواردة في القرار،ومن ستشمل بخاصة «أولئك الذين يعيشون في المهجر»، أي اللاجئين طوعاً أو قسراً، وبالتالي من يحق لهم المشاركة في الانتخابات وفقاً للقوانين الداخلية السورية.
ثمة الكثير من الملاحظات التي يمكن أن تُساق للقرار، ورغم ذلك، يشكل منطلقاً واقعياً، باعتباره يمثل حالة من التقاء توازنات محلية وإقليمية ودولية في مكان ما، على السوريين تلقفها وحسن استخدامها، فثمة عشرات، بل مئات القرارات الدولية، ذات الصلة بأزمات عمرها عقود من الزمن ولم تنفذ، وهنا تكمن العبرة في كيفية قراءة القرارات واستخلاص العبر لتنفيذها
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/7afedaf5-3658-4bef-b19c-59fd21343625#sthash.ASEd6Lx5.dpuf

خمس سنوات من التحطيم العربي

خمس سنوات من التحطيم العربي
الخليج الاماراتية 24-12-2015
د.خليل حسين
يقفل العام الحالي على الذكرى الخامسة لانطلاق الثورات العربية، بخسائر وأوضاع كارثية على المجتمعات العربية ونظمها. وهي تكاد تكون سابقة في تاريخ الثورات العالمية الكبرى، لجهة التداعيات السلبية، المادية منها والمعنوية.
ورغم أن خسائر الثورات هي من الثوابت في علم الاجتماع السياسي، إلا أن ما تسبّبت به هذه الثورات في مجمل البلدان العربية، أكبر بكثير مما هو متوقّع، أو ما ينبغي أن تكون عليه، أقله في الجانب المعنوي وعوائد التغيير المفترضة، ولو كان في الحد الأدنى، ثورات «عفوية» كما تُصوّر أو يروّج لها.
فحتى الثورات الكبرى التي سال فيها دمٌ كثير، واختلالات اقتصادية لافتة، كالثورة الفرنسية والثورة الصناعية الكبرى في بريطانيا، وحتى الثورة البلشفية في روسيا، عدا ثورات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، لم تصل تداعياتها الاقتصادية والبشرية إلى ما وصلت إليه الثورات العربية، عدا عن ذلك فمعظم هذه الثورات أدّت إلى تغييرات بنيوية أساسية في مجتمعاتها ونظمها السياسية، في المقابل ماذا حصل في البلدان العربية ونظمها ومجتمعاتها، أقل ما يقال فيه، أنه وضع كارثي مرعب.
ففي لغة الأرقام، وبحسب تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي، أن الدول العربية تكبّدت خسائر فادحة نتيجة «ثورات الربيع العربي»، التي تقدر بأكثر من 833،7 مليار دولار أمريكي، إضافة إلى 1.34 مليون قتيل وجريح، نتيجة للحروب والعمليات الإرهابية. وهو رقم مرعب في الجانب الاقتصادي والبشري في خلال خمس سنوات، وهي مدة تُقدِّر غالبية التقارير المتفائلة، أن تداعيات هذه الثورات، ربما ستستمر لعقود، فكيف ستصل الأمور مستقبلاً؟. علماً أن تغطية هذه الخسائر، شملت تسعة محاور أبرزها: الناتج المحلي الإجمالي، والقطاع السياحي، والعمالة، وأسواق الأوراق المالية، والاستثمار الأجنبي المباشر، واللاجئون، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة. وهي قطاعات تشكل عمود البنية البشرية والاقتصادية لأي نظام سياسي.
فقد بلغ حجم الضرر في البنية التحتية ما يعادل 461 مليار دولار، ذلك دون احتساب التدمير والأضرار التي لحقت بالمواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن، وبخاصة في سوريا والعراق، نتيجة الأعمال الإرهابية التي قام بها تنظيم «داعش». علاوة على ذلك، فقد بلغ تراكم الخسائر المتأتية عن الناتج المحلي الإجمالي، الذي كان من المفترض تحقيقه، 289 مليار دولار، عند احتساب تقديرات نمو الناتج الإجمالي المحلي، مقارنة بسعر صرف العملات المحلية. فيما وصلت خسائر الأسواق المالية العربية إلى 18.3 مليار دولار، كما تقلصت عمليات الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 16.7 مليار دولار في أقل التقديرات خلال السنوات الخمس الماضية. والملفت أيضا في الجانب الاقتصادي، أن التغيّر الحاصل في المنطقتين الجغرافيتين المجاورتين للدول العربية، أي في غرب آسيا وشمال إفريقيا، هو مختلف وبشكل عكسي، أي أن الدول العربية ستستلزم من الوقت عقوداً إضافية طويلة، لكي تصل إلى سابق عهدها، ولتعاود منافسة هذه الأسواق والنظم الاقتصادية في تلك الدول.
وبحسب التقرير المستند أصلاً إلى بيانات صادرة عن مؤسسات دولية موثوقة، تسبّب «الربيع العربي»، بتشريد أكثر من 14.389 مليون لاجئ في دولهم، عدا حالات اللجوء إلى الخارج في الدول الأقل اهتزازاً من الناحية الأمنية، كاللجوء السوري والعراقي إلى لبنان والأردن، أما كلفة اللاجئين فبلغت 48.7 مليار دولار في حدِّها الأدنى، وسط تذمر وتململ واضحين من الجهات المانحة، ووسط حالات فساد موصوفة باتجاه صرف هذه الأموال.
وفي وقت تعتمد معظم الدول التي شهدت حراكاً اجتماعياً وسياسياً على القطاع الثالث في الاقتصاد الوطني، أي التجارة وعمليات جذب السياحة، فقد تسبَّب التفلّت الأمني والعمليات الإرهابية بتراجع تدفق السياح إلى حدود 103.4 مليون سائح مقارنة بما كان متوقّعاً في تلك الفترة، ما يعني أن إعادة بناء البنية التحتية السياحية في هذه الدول، ستكلّف أضعاف ما كانت عليه، لإعادة عمليات الجذب المتوقّعة لاحقاً.
الأخطر من كل ذلك، يبقى التمزّق الاجتماعي الحاصل، وما نتج وسينتج عنه، من سلوكيات نفسية واجتماعية مريعة، لجهة تأثرها بعمليات العنف والإرهاب، التي تتطلب مجهوداً خيالياً للتخلص منها. علاوة على إعادة تركيب البنية الاجتماعية وهي مسائل تتطلب أيضاً عقوداً من الزمن وأجيالاً متتالية.
إنها فعلاً مأساة، أن تعلِّق الشعوب والمجتمعات آمالها على ثورات سُميت يوماً ربيعاً عربياً، لكنها في الواقع، لم تكن سوى إرهاصات وأضغاث أحلام للتغيير، والأفظع من ذلك كله، أن نصل إلى وقت نترحّم على ما كنّا نعيش في كنفهِ ولو كان سيئاً.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/3973ad39-7c18-4bca-9fcc-9a8817ccd846#sthash.kdx98N5a.dpuf

محاربة الجهل والفقر قبل الإرهاب

محاربة الجهل والفقر قبل الإرهاب
الخليج الاماراتية 17-12-2015
د.خليل حسين
ثمة مصادر متنوعة ولافتة في أرقامها لجهة تمويل تنظيم «داعش»، ما جعله الأغنى في العالم مادياً، وكذلك بشرياً. ما يفرض مبدئياً ترتيب الأولويات في وسائل المكافحة، باعتبار أن محاربته عسكرياً، باتت أمراً غير مجدٍ، مقارنة بوسائل أخرى، ومن بينها، سد عوامل الجذب الذي يستغلها بحرفية لصالحه.
فرغم مليارات الدولارات التي يجنيها عملياً من عمليات بيع النفط وبيع الآثار وعمليات تهريب المخدرات والخطف مقابل فديات، وفرض الضرائب وتبييض الأموال، وتجارة بيع الأعضاء البشرية، وغيرها من المصادر الكثيرة التي يجيد التحكم بها في مساحات واسعة من أرض العراق وسوريا، ثمة عامل أساسي يتكئ عليه لاستثمار هذه الموارد في جذب وتعبئة آلاف المقاتلين في عديده، وهو الجانب الأهم في عملية الاستمرار التي يتميّز بها عملياً، فعلى الرغم من وجود نسب عالية في صفوفه من غير العرب، ثمة أرقام لا يُستهان بها من العرب، وجلها تُستدرج عنوة ولأسباب مختلفة إلى صفوفه، ومرد ذلك عملياً إلى حالات التهميش الاجتماعي والفقر والجهل والبطالة والأمية المتفشية في مجتمعاتنا العربية.
ليس صحيحاً بالمطلق، أن جاذبية التنظيم تكمن في الخلفية العقائدية والدينية التي يتبناها ويبثها ببراعة وحنكة ودهاء، بل تؤكد غالبية الدراسات والبحوث التي أجريت على سلوكيات تعامل التنظيم الإرهابي في محيطه القريب والبعيد في عمليات الجذب والاستقطاب، أنها تعتمد في غالبيتها الارتكاز على الجوانب السلبية لتلك البيئات من تهميش وجهل وفقر وبطالة وأمية ويأس...، فجميعها تشكل عوامل أساسية في اللعب على الجانب السيكولوجي للجماعات المستهدفة، وقد تبيّن من خلال بعض الأرقام ذات الصلة في أسباب نجاح عمليات الجذب، صحة هذه الفرضيات بنسب عالية جداً، وبالتالي فإن الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية ومشاكلها وتداعياتها، تشكل أرضاً خصبة لنجاح التنظيم الإرهابي في عمليات الجذب البشري إليه.
ففي عام 2014، وصلت معدّلات البطالة في الوطن العربي إلى 18%، وهي نسبة عالية جدا، تمثل ثلاثة أضعاف المعدلات المقبولة عالميا، والأسوأ في ذلك، أن نسبة الشباب في هذه الشريحة الاجتماعية، تتخطى الثلاثين في المئة، وهي الفئة المستهدفة في عمليات الجذب التي يعمل عليها تنظيم «داعش». والأخطر من ذلك كله، أن عمليات النمو في معظم الدول العربية خلال السنوات الخمس الماضية، لم تتجاوز 3 في المئة، وهي نسب لا يمكن من خلالها احتواء البطالة من خلال خلق فرص عمل، والتي تتطلب في الحد الأدنى نسب نمو تصل إلى السبعة في المئة، ما أدّى إلى لجوء أغلبية الدول العربية إلى تحرير اقتصاداتها، وبالتالي الحد من نظم الرعاية الاجتماعية، والمترافق مع الفشل في تأمين البدائل الممكنة وعدم القدرة على تنشيط القطاع الخاص. إضافة إلى عدم تأمين البيئة الخاصة في صناعات المعرفة والتكنولوجيا التي باتت من مرتكزات قيام المجتمعات والنظم من كبوتها، الأمر الذي أدّى أيضاً إلى زيادة منسوب اليأس والضياع لدى شرائح اجتماعية كثيرة، وبخاصة حملة الشهادات الجامعية، الذين يستغل تنظيم «داعش» إمكاناتهم العلمية عبر دفع رواتب مغرية لجذبهم والعمل في نطاق سيطرته.
وفي جانب سلبي متصل يستغله «داعش» بحرفية عالية، نسب تفشي الجهل المعرفي المرتفع في الوطن العربي، الذي بلغ في عام 2013 نحو 98 مليون أمي من أصل 340 مليون نسمة، أي ما نسبته 28 في المئة وهو رقم مهول، ففيما يصل عدد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الابتدائي إلى ستة ملايين، تصل حالات التسرّب المدرسي إلى 20 في المئة من بين الأطفال في مرحلة التعليم الأساسي، وتصل في بعض المجتمعات العربية إلى 30 في المئة، وهو يُعتبر رقماً مرعباً في التحليلات الاجتماعية - الاقتصادية وتداعياتها. وبحسب المنظمة العربية للتربية والعلوم أيضاً، فلا يتجاوز سوق المعرفة لجهة تداول الكتب بيعاً وشراءً في الدول العربية الأربعة ملايين دولار سنويا، فيما يصل في دول الاتحاد الأوروبي إلى 12 ملياراً، أي ثلاثة آلاف ضعف، كما لا يشكل مجموع ما تُصدره الدول العربية مجتمعة من الكتب، ربع ما تُصدره اليونان منفردة. وفي حين يقرأ كل 20 طفلاً عربياً كتاباً واحداً، يقرأ الطفل البريطاني سبعة كتب مثلا، أما معدّل ما يقرأه الفرد في العالم العربي سنوياً، فلا يتعدّى ربع صفحة، فيما معدل ما يقرأه البريطاني 8 كتب والأمريكي 11 كتاباً. وما يزيد من مأساوية هذا الواقع وتعزيز بيئته السلبية في المناطق التي يسيطر عليها داعش، ما يفرضه من رسوم على الطلاب، فبحسب مركز أبحاث الكونغرس الأميركي، يفرض التنظيم رسماً شهرياً قدره 75 دولاراً على طلاب الجامعات، و45 دولاراً للمراحل الثانوية، و22 دولاراً على طلاب المدارس الابتدائية.
إن مجمل العمليات العسكرية التي توجّه لتنظيم «داعش» من الممكن أن ترهقه وفي أحسن الأحوال تضعفه، لكن لن تكون أسلوباً ناجحاً للقضاء عليه، فقد تغلغل عقائدياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً، في بعض البيئات الاجتماعية العربية قسّراً أو عن طيب خاطر، الأمر الذي يتطلب معالجات من نوع آخر، فالضربات العسكرية التي توجّه للتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق هي ضرورية، لكنها غير كافية، فالحرب على التهميش والجهل والتخلف والبطالة والانهيار الاجتماعي والاقتصادي أمر ضروري وملح في وطننا العربي، علاوة على إعادة قراءة متجدّدة وصياغة متنوّرة للخطاب الديني، الذي يعتبر الأسلوب الأنجع والأمثل للتخلص من أكثر التنظيمات وحشية في تاريخ البشرية جمعاء.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/49bf6b87-ead5-4111-98bb-e43c1095e608#sthash.Hgfzb6Hf.dpuf

لبنان يكرر تجاربه

لبنان يكرر تجاربه
الخليج الاماراتية 9-12-2015
د.خليل حسين
لم تكن انتخابات رئاسة لبنان يوماً، بمعزل عن التدخلات الخارجية، بل يمكن القول، إنها المرجحة في تغليب فريق على آخر، وفي أحسن الأحوال ترك مساحة ضيقة للبنانيين للخيار بين تسويات جلها خارجية.
والتدقيق في جميع مفاصل الانتخابات الرئاسية، تثبت أن لبنان واللبنانيين كانوا في معظم هذه المحطات يذعنون لقرار ما، ولو بعد جولات عنف كبيرة.
ربما يكون اليوم ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة ضربة معلم، إن لجهة الشخص أو الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، والمفارقة هنا تكمن أن الكتل الوازنة في فريقه السياسي، لا تدعم ترشيحه وتربط السير به في كلمة الحليف الآخر ميشال عون، المرشح الأبرز للفريق الذي ينتميان إليه، وهو أمر يبدو حتى اليوم متعذراً بل يكاد يكون مستحيلاً بالنظر لطبيعة الترشيح الذي أتى من الفريق الآخر، علاوة على الالتزام الأدبي المعطى إلى ميشال عون في هذا المجال.
والمفارقة الأغرب، تكمن هنا في تكرار تجربة الحفيد مع تجربة الجد الرئيس سليمان فرنجية في 23 أيلول العام 1970. ففي تلك الحقبة انقسم اللبنانيون بين فريقين متوازنين في الثقل الانتخابي الداخلي، والثقل السياسي الخارجي. الحلف الثلاثي الذي ضم الكتائب والأحرار والكتلة الوطنية وهي كتلة وازنة مهيمنة، مقابل مرشح الشهابية إلياس سركيس، فيما الأحزاب اليسارية والقومية، لم يكن لها دور مقرر آنذاك، سوى كتلة الراحل كمال جنبلاط، الذي أدار اللعبة الانتخابية بذكاء وحنكة ما أوصل سليمان فرنجية الجد للرئاسة بفارق صوت واحد فقط.
آنذاك قسّم جنبلاط أصوات كتلته بين الفريقين المنافسين، وفي اللحظة الأخيرة رجّح صوته، بإبعاد الفريق الشهابي عن الرئاسة التي شغلها لفترتين متواليتين، ورغم ما يقال إنها الانتخابات الرئاسية الوحيدة التي جرت في لبنان دون تدخل خارجي، ثمة العديد من القرائن والأدلة التي تثبت، أن قطبة مخفية نسجها الخارج الإقليمي، لرسم تلك الصورة التي أخذت لبنان إلى مكان آخر من الحرب الأهلية، التي ما زالت تداعياتها تمزّق لبنان حتى الآن.
يلعب اليوم وليد جنبلاط دور المقرر الوازن بين فريقين سياسيين كبيرين في لبنان، الدور الذي لعبه والده في انتخابات العام 1970، فهل ستكرر انتخابات الحفيد مع الجد. في المبدأ، وإن تختلف التكهنات حول تقاطعات إقليمية ودولية كبيرة على اسم سليمان فرنجية كمرشح تسوية، إلا أن دون ذلك عقبات كثيرة، من بينها، أولاً معارضة فريقه السياسي، وثانياً تشتت قوى 8 و14 آذار بين مؤيد ومعارض، ما خلط الأوراق بشكل غير طبيعي، بحيث انقلبت المواقف رأساً على عقب، وثالثاً عدم قدرة الفرقاء اللبنانيين على تلقف الفرصة المتاحة إقليمياً ودولياً لفتح ثغرة في آليات انتخابات الرئاسة.
ثمة من يقول في لبنان، إنه إذا لم يتم استغلال هذه التسوية المتاحة، ستتجه الأمور في لبنان إلى أوضاع سيئة جداً، وسيتم الانتخاب بالدم، وهو مصطلح شائع حول انفجار الأوضاع الأمنية، وهي حالات مماثلة للعديد من المحطات في تاريخ لبنان السياسي المعاصر. ففي العام 1988 مثلاً لم تجر انتخابات رئاسية في 23 أيلول بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، وطرحت تسوية مخايل الضاهر بمواجهة ميشال عون أو الفراغ، عُين ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية، ما لبث أن دخل لبنان نتيجة ذلك في صراعات مريرة، انتهت بتسوية الطائف بعد دماء كثيرة سالت في لبنان. فهل ما يطلق اليوم من مواقف ستكرر التجارب السابقة ؟
يعج لبنان اليوم، بكثير من أسباب الانفجار، وما يجري اليوم سوى مقدمات محفِّزة لصور سوداء، فهل يعي اللبنانيون ذلك، أم أنهم كعادتهم سينخرطون برضاهم نحو السيناريوهات الأسوأ، ثمة في لبنان من يقول، إن اللبنانيين لا خيارات ولا هوامش واسعة لهم للمناورة، وهم كعادتهم يجرون أنفسهم إلى الأماكن التي يدّعون كرهها والهرب منها، وهم في هذا المجال خبيرون ومحترفون!
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/65685596-96ca-4331-ad74-d177b8f37823#sthash.Du4vXGV6.dpuf

أردوغان .. واللعب على حافة الهاوية

 
أردوغان .. واللعب على حافة الهاوية
الخليج 5-12-2015
د. خليل حسين
لم يكن ينقص العلاقات الروسية - التركية التي تسبح في بحر من العداء المزمن، أن تقدم أنقرة على إسقاط طائرة السوخوي الروسية الذي يعتبر أمراً سياسياً مهماً حاولت تركيا تبرير فعلتها. وبصرف النظر عن التبريرات التقنية للحادثة، يبقى توقيت التنفيذ له من الدلالات والخلفيات الكثيرة التي ستعيد قراءة الطرفين الروسي والتركي للعديد من قضايا المنطقة إلى المربع الأول، على أن هذه العودة ليست بالضرورة جر الطرفين إلى تصعيد يصعب الرجوع عنه، سيما وأن العديد من الحوادث المماثلة، تم احتواؤها بعدما وصلت الأمور إلى حافة الهاوية بين الجانبين.
لقد أتى القرار التركي بالتصعيد العسكري بعد السياسي، ليكشف مدى ارتباك السياسة الخارجية التركية تجاه التحولات الروسية في المنطقة، وما يعزز هذا الإرباك فعلياً، الانزلاق التركي المدروس، باتجاه تحولها من دولة حاجزة للاتحاد السوفييتي السابق، إلى دولة مانعة ومواجِهة لروسيا حالياً، وهو أمر تدركه موسكو وتعرف دوافعه بدقة، سيما وأن تحليل موازين قوى الجانبين، يظهر الفوارق الشاسعة، الأمر الذي يؤكد المؤكد، من أن أنقرة ليست قادرة وحدها على اتخاذ أي خطوة نوعية تجاه موسكو ومنها إسقاط الطائرة دون موافقة أو علم الطرف الأمريكي، وفي أسوأ الحالات، تأكدها من غض الطرف الأمريكي - الأطلسي عن الفعل بهدف استثماره بمجالات شتى.
لكن هذا الفصل والوصل التقليدي للحادثة، هو أمر يحاكي إظهار النتائج الأولية للحادثة، لكن الانطلاق إلى اتجاهات استراتيجية أبعد، يظهر صوراً أشد تعقيداً ومن بينها، انتقال موسكو من مرحلة استيعاب صدمة الطائرة المٌسقطة سياسياً، إلى استثمارها للرد استراتيجياً عبر نشر قوى عسكرية نوعية، كصواريخ «أس أس 400» والطائرات الاستراتيجية الهجومية، إضافة إلى الطرادات البحرية، وهي سابقة لجهة نشرها خارج الأراضي الروسية وفي منطقة هي الأشد التهاباً في العالم، فماذا يعني ذلك؟
في المبدأ، لا يعتبر هذا الرد رداً ساحقاً، بقدر ما هو رد ردعي، لكنه ينطوي أيضاً على الدخول في لعبة «كسر التوازن نوعياً»، في منطقة لا تحتمل في الأساس عوامل تفجيرية إضافية، وهي لعبة خطرة تحتمل خيارات وسيناريوهات كثيرة، مجملها يصعب التحكّم بمساراتها بدقة، كما تنطوي على احتمالات الدخول في حسابات خاطئة، إن لم تكن غير مدروسة، وبالتالي إلى نتائج معروفة.
ثمة تطلعات روسية لم تعد خافية على أحد، ومن بينها، إدراكها التام، ألاّ عودة إلى منافسة واشنطن في ريادة النظام الدولي، إلا من بوابة الشرق الأوسط، وهو كالضرب على اليد التي توجع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، ما يستدعي مواجهة أمريكية أطلسية بأدوات مختلفة، ومن بينها التركية، لكن التدقيق في المواقف الفعلية لا تشي بهذه المواجهة والذهاب بها إلى النهاية.
فالمبارزة العسكرية ومن ثم الدبلوماسية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مباشرة بعد الحادثة، أظهرت بشكل واضح خوفه من عدم الاستجابة الأطلسية والأمريكية لنجدته، وخوفه أتى في محله عملياً، لذا تدحرجت مواقفه التراجعية بشكل متسارع، في وقت كان الرد الروسي مغايراً، لجهة التشدد في قراءة الحادثة والتعاطي مع ذيولها وتداعياتها، انطلاقاً من معرفة موسكو الدقيقة بحجم التبادل التجاري مع أنقرة، وهي أيضاً ضربة سُددت تحت الحزام التركي، ومن الصعب على السياسات التركية الخارجية تجاهلها كثيراً، بخاصة أن التبادل التجاري يفوق الأربعين مليار دولار سنوياً، علاوة على النشاطات السياحية التي يقوم بها الروس إلى تركيا، وهي تدخل مليارات أخرى إلى الاقتصاد التركي الذي يعاني حالياً مشاكل بنيوية كبيرة.
فعلى الرغم من التصعيد المباشر، تدرك كل من موسكو وأنقرة، أن لعبة حافة الهاوية، لا ينبغي أن تصل إلى نهايات غير طبيعية، وأن الحادثة بمفاعيلها المختلفة والمتعدّدة الاتجاهات ستصيب روسيا وتركيا قبل أي طرف آخر. وعلى الرغم من إمكانية تكرار الحادثة مستقبلاً، إلا أن الطرفين يعرفان أيضاً مدى جسامة الحرب العسكرية في حال قيامها، لذا لجأت موسكو إلى حزمة من العقوبات الاقتصادية التي ليس على أنقرة إلا التسليم والقبول بها.
يدرك قيصر روسيا، وسلطان تركيا، أن موسكو القادرة على مواجهة أنقرة عسكرياً لا تريد ذلك، كما أن أنقرة في قرارة ذاتها، متيقّنة من عدم قدرتها على مواجهة روسيا أولاً، وأن حلفاءها الأطلسيين والأمريكيين تخلوا عنها عند أول منعطف خطر ثانياً، فهل سيقرأ القيصر والسلطان في كتاب واحد، أم أن بعض الحسابات الخاطئة ستزيد الفجوات والثُغر بين البلدين.
يبدو أن الطرفين سيقرآن في كتاب واحد، لكن كل على طريقته وبرغماتيته الخاصة به.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/943716f1-dd5d-45cd-890a-a5435bf7b247#sthash.NuI42fkD.dpuf

قراءة قانونية سياسية للقرار 2249

قراءة قانونية سياسية للقرار 2249
الخليج  ااماراتية 28-11-2015
د. خليل حسين
رغم فظاعة الأفعال الإرهابية التي نفذها تنظيم «داعش» في باريس ولبنان ومصر مؤخراً، أتى الرد الدولي عبر قرار مجلس الأمن 2249 تاريخ 20-11-2015 ، لا يلامس المطلوب، لا من الناحية القانونية، ولا السياسية.
فقياساً على أبعاد الجرائم المرتكبة وتداعياتها وآثارها في الجنس البشري، من الصعب تصنيف القرار، إلا من باب التذكير بمنهجية التراخي التي تعاطى فيها مجلس الأمن مع الكارثة، وهي بالمناسبة ليست سابقة، فكانت نسخة طبق الأصل، لما صدر عنه في القرارين 2170 و2199، في معرض مواجهة ومكافحة إجرام «داعش».
في القرار 2170 استند إلى الفصل السابع، وبالتحديد إلى المادة 42، أي استعمال القوة العسكرية، لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب "الداعشي" تحديداً، فيما أتى نص القرار 2199 ليستند عملياً وضمنياً إلى المادة 41 من الفصل السابع، أي اللجوء إلى الحصار وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تسهّل عمليات التمويل، وبدلاً من التشديد، أتى القرار اللاحق 2199 يبدي الكثير من المرونة مقارنة مع سلفه.
اليوم أتى القرار 2249 ليخفي بين جنباته تراخياً موصوفاً، فأولاً لم يشر نص القرار لا صراحة ولا تلميحاً إلى استناده للفصل السابع، أي استعمال القوة للتنفيذ، رغم أن القرار جاء في سياق الرد على جريمة موصوفة، كان قد اتخذ فيها قرارات سابقة أشد تعاملاً من بينها 2170 و2199، وبالتالي أقله، ينبغي أن تكون الصياغات متناسبة مع حجم الجرائم والعقوبات، أو الإجراءات التي أشير إليها سابقاً. وثانياً، ورغم ذلك، أتت الصياغات المخففة لتأخذ القرار إلى صيغ الفصل السادس، وهي في المبدأ غير ملزمة وتستوجب قبول الدول لتطبيقها، ولا يجوز استعمال القوة هنا للتنفيذ، وهنا خطورة المسألة، إذ إن استمرار التراخي والتراجع في وسائل وأساليب المواجهة، يترك تساؤلات كثيرة عن الخلفيات، التي تصل إلى حد التشكيك في جدية المعالجة.
والمفارقة في ذلك، أن صدور القرار جاء بعد تنافس روسي فرنسي واضح على مشروعين قدمتهما كل من باريس وموسكو، ورغم وحدة الهدف، اختلف المشروعان بطرق ووسائل التنفيذ، وفي النهاية وافقت موسكو عملياً على وجهة النظر الفرنسية التي كانت أقل تشدداً، رغم أن تفجيرات باريس هي التي حركت مجلس الأمن، وأعطته دفعاً لإصدار القرار بشكل معجّل.
صحيح أن القرار اعتبر الأفعال الإجرامية «تهديداً عالمياً وغير مسبوق للأمن والسلم الدوليين»، والمفارقة أن القرار لم يستبعد إمكانية فرض الأمم المتحدة عقوبات جديدة على قادة وأعضاء هذا التنظيم وداعميه!، مشدداً على ضرورة إسراع الدول الأعضاء في المجلس، «باستكمال قائمة جزاءات لجنة 1267، حتى تعكس على نحو أفضل التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة»، وهي صيغ يُستشف منها حصول الأفظع لاستكمال الإجراءات.
والمفارقة الأخرى، أن السفير الفرنسي في الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر، اعتبر أن القرار يوفر إطاراً قانونياً وسياسياً للتحرك الدولي الرامي لاجتثاث تنظيم الدولة من ملاذاته في سوريا والعراق. فثمة عشرات القرارات التي ترعى مثل هذه الحالات العامة، فيما الأمر هنا يستلزم ليس الأطر القانونية بقدر الحاجة إلى الآليات العملية والتنفيذية لذلك، وهو أمر يبدو، أن المقررين في مجلس الأمن، غضوا النظر عن ذلك، ربما لغاية في نفس يعقوب.
ثمة ثوابت محققة في تاريخ التعامل مع الجماعات الإرهابية، وهي وجوب مواجهتها بقوة وعنف، وبمستوى يتناسب وحجم الإجرام الذي تتسبب به، وبالتالي عدم التساهل والمواربة في طرق مواجهتها ومكافحتها، فالسلوك الإجرامي لهذه «القوارض» الإرهابية يزداد عنفاً وقسوة، كلما رأت ضحاياها أقل قوة ومنعة في مواجهة إجرامها، وعليه فإن استعمال التدرّج رجوعاً في المواجهة، أمر لن يصيب الجماعات الإرهابية أو من يسهل أعمالها، بقدر ما يشكل فرصا قوية لإيجاد ضحايا آخرين، وهو أمر ظاهر إلى حد كبير في القرار 2249، وكما قبله 2199، وربما ما يمكن أن يصدر من قرارات لاحقة
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/bc13dc57-fc8d-405d-a2c9-6058431451c3#sthash.mP3GvVmP.dpuf
ماذا بعد تفجيرات اوروبا
الخليج الامار اتية 23-11-2016
د. خليل حسين
بصرف النظر عن توصيف موجة الإرهاب التي ضربت باريس بغيرها، وبخاصة 11 سبتمبر/ أيلول 2001، ثمة جملة تداعيات ربما ستتطابق مع ما تلا من أحداث خلال العقد الماضي، ولن تكون مؤثراته بعيدة لعقود قادمة. وما يعزز تلك الفرضيات ما يعيشه العالم اليوم، من رعب الأعمال الإرهابية التي لم يعد بالإمكان السيطرة عليها، إن لم يكن القضاء عليها، إلا عبر جهود مغايرة للتي سبقتها، وهو أمر غير متوفر حتى الآن.
لقد خلط الإرهاب في باريس العديد من الأوراق المتصلة بكيفية مواجهة الإرهاب، فعلى الرغم من الإجماع الدولي، ثمة تباين يمكن أن يصل إلى حد الافتراق، وضياع الفرصة المتاحة للقضاء على الجماعات الإرهابية التي لم يعد وجودها أو عملها مقتصر على منطقة أو دولة أو نطاق محدّد. ثمة حلفان يعملان على خطين غير متطابقين، الأول روسي والثاني دولي، بلبوس أمريكي - أطلسي، وما يعزز التباين مثلاً، المشروعان الروسي والفرنسي في مجلس الأمن، فرغم تطابق الأهداف، ثمة تباين في الوسائل والأدوات، وفي كلتي الحالتين، يدرك الطرفان، أن لا حل أمنياً أو عسكرياً للأزمات المولِّدة للأعمال الإرهابية، ومنها السورية، ورغم ذلك ثمة تباعد من الصعب ردمه أو تحقيق خروق سريعة في وسائل الحل.
ففي وقت ظهر بعض التقدم في مؤتمر فيينا الأخير، تكوّنت جملة معطيات جديدة، ستسهم في إعادة الأمور إلى المربع الأول. فماذا يعني ذلك؟
مع اختلاف بعض الظروف والوقائع، ثمة تشابه بين الحالة الليبية، والحالة السورية، لجهة ما يمكن أن تصل بها الأمور لاحقاً. تدخل قوات الأطلسي في الأزمة الليبية عبر القرار 1973، وحدث ما حدث، من تمزق ليبيا، وتحوّلها إلى مشاعات إرهابية لا سابق لها، بل باتت بؤرة ومركزاً للإرهاب في إفريقيا ومنطلقاً حتى إلى قارات أخرى. اليوم سوريا وبواسطة ما يجري فيها وحولها، بؤرة يتم تصدير الإرهابيين إليها، ويعاد تدوير أفعال هذه الجماعات بإعادة تصديرها إلى غير دولة، ومنها الدول الأوروبية، وبخاصة عبر موجات اللاجئين غير البريئة التي تم تسهيل عبورها مؤخراً.
الأزمة السورية اليوم، بوقائعها ومعطياتها الجارية حالياً، باتت أكثر قبولاً وتهيؤاً لنزوع الدول الأوروبية إلى استعمال المادة الخامسة من ميثاق حلف الأطلسي، التي تدعو إلى استعمال القوة العسكرية لمساعدة أي عضو يتعرّض لخطر أو اعتداء. وهي إمكانية قائمة، طالما لم يتم التوصّل إلى حل ليس دولي فقط، وإنما عالمي لاجتثاث الإرهاب بوصفه، فعلاً يهدّد الإنسانية، بصرف النظر عن تنوّع وتعدّد الثقافات والحضارات.
وما يعزّز فرضية التدخلات العسكرية الميدانية المباشرة، أنها تنطلق من مبدأ استراتيجي في علم الحروب، هو وجوب توفّر القدرة على امتلاك ميدان الأرض، قبل الجو والبحر، وأي مكان آخر، وهو أمرٌ متعذّرٌ أيضاً، في الحالة السورية حتى الآن، فالضربات الجوية التي زاد عمرها على السنة أطلسياً، والشهرين روسياً، لم تبدّل كثيراً في واقع الأزمة، الأمر الذي يعزّز فرضية التدخّل الميداني، وهو أمر بالطبع ليس مرغوباً فيه، لا روسياً ولا أطلسياً من حيث المبدأ.
وربما هنا يكمن الخوف من تشّعب متطلبات حل الأزمة السورية وملفاتها الإقليمية - الفرعية، ما تصبح عبئاً كبيراً على الأطراف المتدخّلة، وبالتالي يسهل الاتفاق على حل يكون عليها وليس لها. فالتدقيق في التاريخ الحديث والمعاصر، يظهر الكثير من الحالات التي جرى الاتفاق على حلول لم تكن يوماً إلا لمصلحة المتدخّلين فيها، وبخاصة تلك الأزمات التي تقع جغرافيتها السياسية في مناطق حساسة كالشرق الأوسط.
في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، اسُتغل العمل الإرهابي لاحتلال أفغانستان ومن ثم العراق، الاحتلال لم يقضِ على إرهاب القاعدة، بل أسهم في خلق جينات إرهابية جديدة من نوع «القوارض» التي تعيث قتلاً وتدميراً للبشرية والإنسانية، فماذا ستكون عليها ارتدادات الزلزال الأوروبي؟ بالتأكيد أقلها ما يشبه الزلزال الأمريكي، إذا ظلت المعالجات كما هي.
المجتمع الدولي مطالب اليوم، ليس بمواجهة الإرهاب واجتثاثه، بل العمل على حماية الجنس البشري، من «القوارض» التي أسهمت بعض السياسات الدولية في إطلاقها ورعايتها واستثمارها في غير مكان من العالم، فهل تعي هذه القوى أن هذه «القوارض» باتت تسرح وتمرح في عِبها؟
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/bad686c5-ce58-42d3-aed7-bf553ea2d861#sthash.WUgfkuUy.dpuf

اوروبا تر عب اسرائيل

اوروبا تر عب اسرائيل
الخليج الاماراتية 17-11-2015
د.خليل حسين
ثمة سر يقف وراء رعب «إسرائيل» من القرار الأوروبي بوسم منتجاتها المصدرة إلى دول الاتحاد، وخاصة المنتجة في مستوطنات الضفة. ورغم أن هذا القرار، هو جزء من مسار قانوني سبق أن مشت فيه المفوضية الأوروبية، إلا أن تل أبيب أقامت الدنيا ولم تقعدها، فاستنفرت أجهزتها الدبلوماسية ووسائل ضغوطها في غير مكان، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض القرار ومنع تنفيذه.
وعلى الرغم من أن القرار، هو ذات طابع تقني وليس سياسياً، كما أوضحت المفوضية، وهو جزء من مسارات سابقة وليس ملزماً لدول الاتحاد، إلا أن «إسرائيل» قرأت في هذا الإجراء، مساراً يمكن أن يتدحّرج ليصل إلى أماكن أخرى، في ظل تصاعد منسوب المقاطعة الأوروبية للبضائع «الإسرائيلية»، وأن يكن خجولاً مقارنة، بأرقام التبادل التجاري بين الجانبين.
فدول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، تشكل مستورداً وازناً للمنتجات «الإسرائيلية» التي تقدر بحوالي 30 في المئة، فيما لا تصل النسبة إلى الدول الآسيوية إلى 10 في المئة، بينما تسجل نسبة 20 في المئة إلى الولايات المتحدة ؛ وبمعنى آخر، إن ثلث المبادلات التجارية «الإسرائيلية» مع العالم هي مع أوروبا، والتي تساوي أيضاً صادراتها إلى الولايات المتحدة وآسيا معاً، ما يشير إلى حساسية الموضوع من الوجهة التجارية، فضلاً عن الخشية مستقبلاً من تحوّل هذا الأمر إلى سلوك اجتماعي سياسي، يشكل خطراً على مجمل العلاقات الأوروبية «الإسرائيلية».
وعلى الرغم من أن البضائع التي ستوسم، لا تشكل رقماً مؤثراً، وهو بالمناسبة رقم صفري مقارنة بحجم التبادل التجاري البيني، وليس له أي طابع سياسي، إلا أن الأمر من الزاوية «الإسرائيلية»، مرتبط بحجم النظرة السلبية غير الرسمية الأوروبية للسلوك السياسي «الإسرائيلي» تجاه الفلسطينيين وما يتعلق بمفاوضات السلام مثلاً.
ف«إسرائيل» رفضت المشاركة الأوروبية الفعالة في بعض مسارات السلام السابقة بين الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، ورهنت الأمر بمجموعة سياسات وإجراءات تراها «إسرائيل» ضرورية، الأمر الذي لم يحققه الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً مواقفه المؤيدة مثلاً لانتقادات السلوك «الإسرائيلي» في الحروب ضد غزة 2008 و2012 و2014، والسياسة الأوروبية في مجلس حقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر. إضافة إلى تنامي المقاطعة الأوروبية للأكاديميين «الإسرائيليين».
وفي واقع الأمر، ربما تستعمل أوروبا هذا الإجراء التقني التجاري، كوسيلة ضغط على «إسرائيل» لعدم استبعادها من أي مسار تفاوضي بين الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، خاصة وأن الوقت بدأ يداهم إدارة باراك أوباما، ولم يعد بمقدوره تنفيذ أي وعد قطعه للفلسطينيين كحل الدولتين، وهو أمر ليس بمستغرب، بل نتيجة طبيعية مع كافة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأمر الذي كانت أوروبا تستغله بين الحين والآخر، لتعزيز مواقعها في المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية».
في أي حال من الأحوال، ربما تبدو إثارة موضوع المقاطعة «الإسرائيلية»، أمرٌ من مخلفات الماضي بنظر بعض العرب، وأمر مستهجن كذلك أن يصدر من الأوروبيين ولا يسانده أحد وخاصة من العرب، فعلى سبيل المثال، وفقط للتذكير والتأمل، ثمة مكتب للمقاطعة العربية ل«إسرائيل»، وهو ينظم الكثير من دقائق الأمور التجارية والاقتصادية، لكن أين أصبح تنفيذ آليات عمله.
في الماضي، كنا نستهجن التعامل مع منتجات غربية لها علاقات تجارية من الفئة الثالثة والرابعة مع «إسرائيل»، وكنا نعتبرها ضرباً من الكفر السياسي والأيديولوجي، الذي يؤنب الضمائر، أما اليوم فنجد البضائع والمنتجات «الإسرائيلية» لا تغزو مجتمعاتنا وأسواقنا فقط، بل إن همومنا وضغوطنا تلهينا عن الانسياب «الإسرائيلي» الاقتصادي والتجاري في مجتمعاتنا.. فعلاً إنه عصر الدْرِك الأسوأ الذي نمر به نحن العرب، أوروبا تقاطع ونحن العرب نبحث عن التطبيع.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/29220e27-6f7f-457e-8c29-c091e3e69e47#sthash.VcoCRLoc.dpuf

وعد بلفور والذاكرة العربية

وعد بلفور والذاكرة العربية
الخليج 10-11-2015
د. خليل حسين
في خمسينات وستينات القرن الماضي، وما بعدها، كنا ننتظر الثاني من نوفمبر( تشرين الثاني)، ليكون مناسبة مقدّسة للتعبير عن الغضب العربي إزاء الوعد البريطاني لليهود بإنشاء دولة لهم في فلسطين. كانت هذه المناسبة في بيروت تحديداً، لها نكهتها الخاصة، مسيرات ونشاطات وفعاليات تغطي الحدث، الذي كان يوماً بالنسبة إلى كثيرين، مفصلاً مركزياً في تاريخ العرب الحديث، حيث كانت البداية في تفتيتهم وتجزئتهم ولو بعد حين.
المفارقة اليوم، أن هذه الذكرى مرّت من دون أثر يذكر في الإعلام اللبناني والعربي، وإذا كان ثمة أثر، فهو خجول ولا يكاد يسمع أو يرى. والمفارقة الأسوأ في ذلك، أن نسبة كبيرة جداً بين طلاب الجامعات، وبخاصة المتخصصة في العلوم السياسية مثلاً، لم تعرف تاريخ الوعد، ولا حتى مضمونه، والمضحك المبكي أيضاً، أن الإيماءات التي ظهرت على بعض وجوه المستصرحين في أحد التقارير التلفزيونية، أظهرت كأنهم قادمون من عالم آخر، فإحدى الطالبات مثلاً، جنحت بخيالها إلى صور نمطية أخرى، كأنها تود القول عن هذا الوعد، إنه «وعد بالزواج وقد أُخل به»، وهي مواءمة نمطية مع عيد العشاق مثلاً، إنها فعلاً غرابة العرب والدرك المخيف الذي وصلوا إليه.
طبعاً، تشكل هذه الظاهرة، صورة نمطية لدى الكثيرين من العرب، أكاديميين وغير أكاديميين، وهي صورة من صور كثيرة، تعبر عن واقع مأساوي، في السلوك الذي أجبر العرب عليه، وهو إغراقهم في تفاصيل حياتية كثيرة، بهدف إجبارهم على نسيان القضايا المركزية، التي ينبغي أن تكون جزءاً من يومهم المعيش. فمن يتحمل مسؤولية ذلك في مجتمعاتنا العربية؟ طبعاً السلطة، وهو جواب معروف، لكن الأمر يتعدى ذلك بكثير، فالأنظمة هي التي أوصلتنا إلى هذا المستوى من «الزهايمر السياسي»، ذلك لا يعفينا نحن «المثقفين إذا كنا كذلك»، من دور ما، يمكن أن يُلعب في إعادة إحياء ما تبقى من قضايا في الذاكرة الجمعية لمجتمعاتنا وقضايانا، بخاصة في محيطنا الأكاديمي على الأقل.
ففي قراءة سريعة لبعض المناهج الأكاديمية في جامعتنا العربية، ومنها جامعتنا اللبنانية مثلاً، لا أثر موزون للقضية الفلسطينية، وهي قضية يمكن أن تدرس كأمر عابر ضمن مادة أو مقرر في فصل معين، وبحسب ما يراه الأستاذ مناسباً، بينما كانت القضية الفلسطينية تُدرس مثلاً، كمادة مستقلة في برامج العلوم السياسية، إضافة إلى مقررات متصلة بها في محاور دراسية أخرى، أما اليوم فهي غير موجودة مثلاً، وقد ألغيت بداية تسعينات القرن الماضي، بعد انسياب فكر السلام العربي «الإسرائيلي» ومفاوضاته إلى عقول وأذهان العرب، ما أثر في سلوك وفهم شبابنا الذين عاشوا حالة تلقينية ملتبسة للكثير من القضايا المركزية العربية، ومنها القضية الفلسطينية.
والمفارقة الأغرب التي تظهر هنا أيضاً، ليست في بعض القضايا فقط، بل في المصطلحات التي ترافق تغطية الحدث الفلسطيني مثلاً، فيستعمل مصطلح «الهبّة الفلسطينية» مثلاً، بدلاً من مصطلح «الانتفاضة الفلسطينية»، رغم أن أدوات المواجهة الفلسطينية ووسائلها ضد قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، وآثارها هي واحدة في كلتا الحالتين، أي بمعنى آخر، بتنا كذلك نبحث عن المصطلحات المخففة لطبيعة المواجهة وآثارها ونتائجها، والمضحك المبكي أيضاً في الموضوع، أن بعض مقدمي الأخبار والبرامج السياسية، يلفظون مصطلح: «الهِبْة الفلسطينية». ألا يستحق هذا الأمر، إعادة نظر من قبل القيّمين على وسائل إعلامنا؟ اللهم إلا إذا كان المقصود هو كذلك.
باختصار، وبوجل وخجل شديدين، بتنا اليوم في أشد صور ضمور الفكر العربي، وفي أسوأ صوره الثقافية والسلوكية، ما يؤشر إلى مراحل قادمة ستكون أشد قسوة علينا، في طريقة فهمنا للكثير من قضايانا وطرق ووسائل حلها، وتخطي تداعياتها، ما يستدعي التنبه لما هو أعظم وأفظع، لنكون مهيئين علمياً وعملياً، لا أن نكون متنبهين بالسجية أو بالفطرة، أو كما هو شائع فينا بالصدمة
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/9ae5db3e-888a-4136-90aa-291813ebd16b#sthash.zvNPAgG7.dpuf