الاندفاعة
الصينية إلى الشرق الأوسط
د.خليل حسين
أستاذ القانون
الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبناني
تأتي زيارة الرئيس الصيني شي دينغ بنغ إلى
دول مركزية في الشرق الأوسط السعودية ومصر وإيران، لتؤكد إستراتيجية الصين التي
تعتبر منطقة الشرق الأوسط من المناطق الحيوية لأمنها الاقتصادي وتواصلها السياسي
الذي لم ينقطع منذ عقود طويلة. وتأتي هذه الزيارة في خضم وقائع وأحداث متسارعة
شهدت في الفترة الماضية تصعيدا كبيرا بين السعودية وإيران، الأمر الذي أثار جدلا
كبيرا حول مغزى الزيارة وإمكانات التوسّط بين البلدين ، سيما وان الرياض وطهران
تمتلكان سجلا تجاريا واقتصاديا لافتا مع بكين، نظمتها اتفاقيات متعددة الأوجه في
مراحل سابقة. ورغم الوجه السياسي للزيارة بصرف النظر عن تفاصيلها لجهة الموضوعات،
ثمة روائح مصالح ونفط تفوح من مفاصل تلك الزيارات المنفذة. فيقال عن الصين ، تندراً
إن عالم اليوم "صنع في الصين"، حيث لم تعد تخلو منطقة حول العالم من وجود
البضائع الصينية. بل إن بكين تحوّلت فعلياً إلى رافعة النمو الاقتصادي العالمي، ونموذجا
للنجاح المستمر للدول النامية التي تطمح للتقدم، كونها تعتبر نفسها دولةٍ نامية.
فالصين التي تحتل الرقم الثاني عالميا لجهة
الشراكة مع الدول العربية، تحتفظ بعلاقات ودية مع أطراف متباينة المصالح في الشر ق
الأوسط ، الأمر الذي يفسّر حاجتها النفطية التي يأتي معظمها من دول الخليج العربي،
وإيران، وهي بذلك لها مصلحة حقيقية في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتباينة
المصالح، وما يؤكد ذلك السجل الدبلوماسي الذي تمتاز به بكين في علاقاتها الخارجية
مع دول المنطقة، والتي تُختزل بالحفاظ على مكونات أسس الشرعية الدولية، وعدم
التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول.
وما يعزز ذلك، اطمئنان طهران لأداء بكين خلال السنوات
السابقة في مجلس الأمن، بخاصة استخدامها حق النقض ثلاث مرات، ورغم إذعان الصين
لتطبيق عقوبات الأمم المتحدة بخصوص البرنامج النووي الإيراني، إلا أن علاقاتها
بطهران ظلت طبيعية وودية. فالصين تتوقع مستقبلاً مهما للعلاقة ، فقبل العام 2012، كانت
إيران ثالث أكبر مصدِّر للنفط الخام للصين، وتراجعت إلى المركز السادس بسبب العقوبات.
أما اليوم، فإن هذه العلاقة تأخذ مسارها المتنامي، بفعل المصالح المشتركة، كما بفعل
الانسجام بين سياسة الدولتين بخصوص أزمات الشرق الأوسط وملفاتها المتقاطعة. أما بالنسبة
إلى الرياض فتتمتع بعلاقات متينة مع بكين، فمع تأسيس هذه الأخيرة "بنك آسيا للاستثمار
في البنى الأساسية"، وقعت الرياض على الانضمام إلى البنك كعضو مؤسس. وكانت السعودية
تقليدياً أكبر مصدر لواردات النفط الصينية، قبل أن توقّع بكين اتفاق الطاقة التاريخي
مع موسكو ؛ ومع أن ملف الطاقة يشكل ركيزة العلاقات بين الدولتين، إلا أن الصين
ترغب في توسيع التعاون ليشمل مجالات جديدة، بسبب حاجة بكين إلى أسواق جديدة ، تسهم
في تفعيل التجارة الخارجية التي تعتبر رافعة اقتصادها.
كما تعتبر بكين كل من
إيران والسعودية دولتان مركزيتان ومؤثرتان في الشرق الأوسط ، وهي مثل غيرها من الدول
التي وقّعت على خريطة طريق مجلس الأمن لمحادثات السلام السورية في جنيف 3 عبر
القرار الدولي 2254، وهي قلقة ومعنية بتصاعد التوتر الإيراني السعودي على الحلول في
سوريا ؛ وإذا ما تمكنت بكين من إنجاح وساطتها ، فربما تتمكن أيضاً من سحب الحوار بينهما
إلى ملفات أخرى في المنطقة، وأهمها سوريا واليمن ولبنان، وان يكن من الصعوبة بمكان
الوصول إلى ذلك في المدى المنظور.
لكن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المنطقة
حملت أكثر من بُعد ، فقد وقّع مع قادة المملكة 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم ،من بينها إقامة
مفاعل نووي، وشؤون مكافحة الإرهاب. كما
وقّع مع الجانب المصري اتفاقيات استثمارية تعدّت العشرين مليار دولار ، ما يعكس
الرغبة الصينية بالدخول الاقتصادي إلى المنطقة من البوابات العربية المركزية. كما
لا تود إغفال الأسواق الإيرانية الباحثة عن استثمارات كبيرة بعد سنوات من
العقوبات.
وبعد ، كيف تصرف الصين
سياساتها في المحيطين الإقليمي والدولي ، تمتد خطة الصين
الإستراتيجية على المدى الطويل حتى منتصف القرن الحالي. قبل ذلك تستمر الصين في اعتبار
نفسها دولة نامية تسعى إلى تحقيق التطور والحداثة. ويندرج ضمن هذه الرؤية مشروع الرئيس
الحالي "الحلم الصيني"، الذي يمتد حتى العام 2020. فمن المتوقع أن تسهم الأسواق الجديدة التي تحاول الصين
دخولها ، أن تسهم بدفع الاقتصاد الصيني إلى الأمام، لا سيما أسواق أفريقيا والشرق الأوسط
، والزيارة إلى مصر وإيران والسعودية لافتة في هذا المجال، وبشكلٍ يتيح لأطراف
كثيرة الاستفادة من علاقة منفعة متبادلة معها، وبهدف تمتين مقومات القوة الداخلية،
وتحقيق التحديث الاقتصادي والإداري، والديمقراطية السياسية.
وإذا ما تمكنت بكين من تخطي هذه القفزة السياسية
بنجاح، من خلال الانخراط سياسياً بصورةٍ مباشرة في الشرق الأوسط، من خلال مبادرتها
إلى الوساطة السياسية في قضايا خلاف إقليمي بعيد عنها ، فيعني ذلك إعادة التموضع
الدولي ولو بإطر إقليمية ذات تأثير سياسي دولي، تماما كما فعلت في سياسة اليد
المرفوعة في مجلس الأمن لثلاث مرات.