اوروبا تر عب اسرائيل
الخليج الاماراتية 17-11-2015
د.خليل حسين
ثمة سر يقف وراء رعب «إسرائيل» من القرار الأوروبي بوسم منتجاتها المصدرة إلى دول الاتحاد، وخاصة المنتجة في مستوطنات الضفة. ورغم أن هذا القرار، هو جزء من مسار قانوني سبق أن مشت فيه المفوضية الأوروبية، إلا أن تل أبيب أقامت الدنيا ولم تقعدها، فاستنفرت أجهزتها الدبلوماسية ووسائل ضغوطها في غير مكان، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض القرار ومنع تنفيذه.وعلى الرغم من أن القرار، هو ذات طابع تقني وليس سياسياً، كما أوضحت المفوضية، وهو جزء من مسارات سابقة وليس ملزماً لدول الاتحاد، إلا أن «إسرائيل» قرأت في هذا الإجراء، مساراً يمكن أن يتدحّرج ليصل إلى أماكن أخرى، في ظل تصاعد منسوب المقاطعة الأوروبية للبضائع «الإسرائيلية»، وأن يكن خجولاً مقارنة، بأرقام التبادل التجاري بين الجانبين.
فدول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، تشكل مستورداً وازناً للمنتجات «الإسرائيلية» التي تقدر بحوالي 30 في المئة، فيما لا تصل النسبة إلى الدول الآسيوية إلى 10 في المئة، بينما تسجل نسبة 20 في المئة إلى الولايات المتحدة ؛ وبمعنى آخر، إن ثلث المبادلات التجارية «الإسرائيلية» مع العالم هي مع أوروبا، والتي تساوي أيضاً صادراتها إلى الولايات المتحدة وآسيا معاً، ما يشير إلى حساسية الموضوع من الوجهة التجارية، فضلاً عن الخشية مستقبلاً من تحوّل هذا الأمر إلى سلوك اجتماعي سياسي، يشكل خطراً على مجمل العلاقات الأوروبية «الإسرائيلية».
وعلى الرغم من أن البضائع التي ستوسم، لا تشكل رقماً مؤثراً، وهو بالمناسبة رقم صفري مقارنة بحجم التبادل التجاري البيني، وليس له أي طابع سياسي، إلا أن الأمر من الزاوية «الإسرائيلية»، مرتبط بحجم النظرة السلبية غير الرسمية الأوروبية للسلوك السياسي «الإسرائيلي» تجاه الفلسطينيين وما يتعلق بمفاوضات السلام مثلاً.
ف«إسرائيل» رفضت المشاركة الأوروبية الفعالة في بعض مسارات السلام السابقة بين الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، ورهنت الأمر بمجموعة سياسات وإجراءات تراها «إسرائيل» ضرورية، الأمر الذي لم يحققه الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً مواقفه المؤيدة مثلاً لانتقادات السلوك «الإسرائيلي» في الحروب ضد غزة 2008 و2012 و2014، والسياسة الأوروبية في مجلس حقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر. إضافة إلى تنامي المقاطعة الأوروبية للأكاديميين «الإسرائيليين».
وفي واقع الأمر، ربما تستعمل أوروبا هذا الإجراء التقني التجاري، كوسيلة ضغط على «إسرائيل» لعدم استبعادها من أي مسار تفاوضي بين الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، خاصة وأن الوقت بدأ يداهم إدارة باراك أوباما، ولم يعد بمقدوره تنفيذ أي وعد قطعه للفلسطينيين كحل الدولتين، وهو أمر ليس بمستغرب، بل نتيجة طبيعية مع كافة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأمر الذي كانت أوروبا تستغله بين الحين والآخر، لتعزيز مواقعها في المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية».
في أي حال من الأحوال، ربما تبدو إثارة موضوع المقاطعة «الإسرائيلية»، أمرٌ من مخلفات الماضي بنظر بعض العرب، وأمر مستهجن كذلك أن يصدر من الأوروبيين ولا يسانده أحد وخاصة من العرب، فعلى سبيل المثال، وفقط للتذكير والتأمل، ثمة مكتب للمقاطعة العربية ل«إسرائيل»، وهو ينظم الكثير من دقائق الأمور التجارية والاقتصادية، لكن أين أصبح تنفيذ آليات عمله.
في الماضي، كنا نستهجن التعامل مع منتجات غربية لها علاقات تجارية من الفئة الثالثة والرابعة مع «إسرائيل»، وكنا نعتبرها ضرباً من الكفر السياسي والأيديولوجي، الذي يؤنب الضمائر، أما اليوم فنجد البضائع والمنتجات «الإسرائيلية» لا تغزو مجتمعاتنا وأسواقنا فقط، بل إن همومنا وضغوطنا تلهينا عن الانسياب «الإسرائيلي» الاقتصادي والتجاري في مجتمعاتنا.. فعلاً إنه عصر الدْرِك الأسوأ الذي نمر به نحن العرب، أوروبا تقاطع ونحن العرب نبحث عن التطبيع.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/29220e27-6f7f-457e-8c29-c091e3e69e47#sthash.VcoCRLoc.dpuf