عضوية إسرائيل وفلسطين في الأمم المتحدة
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 4/10/2011
مفارقة أخرى تسير فيها الأمم المتحدة اليوم في مقاربتها لمسألة العضوية،ففيما تعرقل قبول عضوية فلسطين الكاملة، فعلت عكس ذلك سابقا مع إسرائيل،بل وهيأت البيئة القانونية المناسبة لطمس حقوق الفلسطينيين على مر عقود ستة،ومن المفيد استرجاع الذاكرة لاستخلاص العبر،علَّ تفيد الذكرى.
فقد أعلنت المنظمات اليهودية في 14 أيار/ مايو 1948، قيام دولة إسرائيل وتشكيل أول حكومة رسمية برئاسة بن غوريون.وفي 29 تشرين الثاني / نوفمبر من نفس العام، تقدّمت إسرائيل بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة بهدف الانضمام إلى المنظمة. وعُرض الطلب على مجلس الأمن في 17 كانون الأول / ديسمبر فرفضه على أساس أنَّ الدولة الجديدة لم تستوفِ بعدُ الشروط التي ينص عليها الميثاق، بناءً على أنها ما زالت تعتدي على الأراضي التي خصّصها قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة، في العام 1947، لِـ «الدولة العربية» أو لِـ «قطاع القدس الدولي».
ثم عادت إسرائيل وقدّمت طليا آخرا، في 24 شباط / فبراير 1949، ناقشه مجلس الأمن في 4 آذار / مارس، ووافق عليه بأغلبية /9/ ضد واحد (مصر) وامتناع واحد (بريطانيا). وكان مجلس الأمن آنذاك يتكوّن من/11/عضواً: خمسة دائمين، وستة غير دائمين. وكانت قراراته في المسائل الموضوعية (ومنها قبول عضو جديد) تصدر بموافقة سبعة أعضاء على الأقل، بشرط أن يكون من بينهم الأعضاء الخمسة الدائمين متفقين. وورد في القرار «أن إسرائيل دولة محبّة للسلام وقادرة وعازمة على تنفيذ الالتزامات التي يتضمّنها الميثاق. وبناءً على ذلك يوصي الجمعية العامة بقبول إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة».
وفي 11 أيار / مايو 1949، ناقشت الجمعية العامة التوصية الصادرة عن مجلس الأمن ووافقت عليها بأغلبية /37 / ضد /12/ وامتناع 9 (وكانت الجمعية تتكوّن آنذاك من 58 عضواً). وكانت الدول العربية الست الممثلة في الأمم المتحدة من بين الدول الاثنتي عشرة التي عارضت القرار مستندة على قرائن قانونية من بينها:إنَّ إسرائيل نشأت بطريقة غير مشروعة، لأن قرار تقسيم فلسطين مشوب ببطلان مطلق.وإن حدودها غير محدّدة.وأن إسرائيل غير أهل لتحمل الالتزامات الدولية التي نص عليها الميثاق ألأممي، باعتبارها لم تُنفّذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالتقسيم وبعودة اللاجئين والتعويض عليهم.
وجاء في قرار القبول الصادر عن الجمعية العامة ما يلي: «إن الجمعية العامة،إذ تأخذ علماً... بالتصريح الذي تقبل فيه إسرائيل، دون أي تحفظ، الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهَّد بها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة،إذ تُذكّر بقراريها الصادرين في 29/11/1947 (قرار التقسيم 181) و11/12/1948 (قرار إعادة اللاجئين والتعويض عليهم 194)، وتأخذ علماً بالتصريحات والإيضاحات التي قدّمها ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة بشأن تنفيذ القرارين المذكورين..تقرّر أنَّ إسرائيل دولة محبّة للسلام تقبل بالتزامات الميثاق وتقدر على القيام بها ومستعدة لتنفيذها.وتقرّر قبول إسرائيل في منظمة الأمم المتحدة».
وبذلك ربطت الجمعية العامة عبر هذا القرار، ربطاً مباشراً ومحكماً بين قبول إسرائيل في العضوية وبين وجوب تنفيذ القرارين المذكورين. وبذلك تكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي قُبلت في عضوية الأمم المتحدة بشرط، وارتبط قبولها بتنفيذ بعض القرارات المعينة الصادرة عن الجمعية العامة.
وبعد العام 1949، أصدرت الجمعية العامة عدة قرارات لاحظت فيها أنَّ عودة اللاجئين لم تتم وأنَّ التعويض عليهم لم يبدأ. ما يعني أنَّ إسرائيل، باعتراف الهيئة التي وافقت على انضمامها إلى أرفع منظمة دولية، لم تنفذ الالتزامات التي اقترنت بعملية قبولها. وعدم التنفيذ، أو عدم الرغبة في التنفيذ، يجعل المنظمة في حلٍّ من التزاماتها تجاه إسرائيل، ويمنحها حق تطبيق العقوبات التي يتضمّنها الميثاق، ومنها عقوبة الطرد بسبب انتهاك مبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها. إنَّ إسرائيل، بإمعانها في رفض قرارات الأمم المتحدة، تنتهك مبادئ المنظمة وبموقفها تكون قد أسهمت في تحقّق الشرط المُلْغي الذي من شأنه إبطال عضويتها في المنظمة الدولية، أو تجريد هذه العضوية من أساسها القانوني.
يذكر، أنَّ الجمعية العامة أصدرت في 10/12/1969، قراراً تاريخياً اعترفت فيه بأنَّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قد نتجت عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرّف، المقرّرة في الميثاق ألأممي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان». وفي يقيننا «أن هذا القرار بما تضمّنه من إقرار لسبب مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ومن تأكيد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى قرارات الجمعية العامة المتكرّرة بحق اللاجئين في العودة، يُعتبر نقضاً ضمنياً من الجمعية العامة... لقرارها الموصوف بقبول إسرائيل في عضويتها، الذي اتخذته قبل عشرين سنة من ذلك التاريخ، وفي وقت لم تكن فيه قارتا آسيا وإفريقيا ممثّلتين في عضويتها بأكثر من 17 دولة، صوّتت 12 منها ضده، ووافقت عليه ثلاث فقط، وامتنعت عن التصويت عليه اثنتان...».
إن النص في القرار المذكور على أن حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الثابتة هو السبب في نشوء مشكلة اللاجئين يعني عدم مشروعية الكيان السياسي الذي قام في فلسطين على أنقاض هذه الحقوق، كما يعني اعتبار هذا الكيان نظاماً استعمارياً استيطانياً عنصرياً يستوجب تجنيد كل القوى والطاقات للقضاء عليه.
ورغم الخديعة التي تمكنت من خلالها إسرائيل الدخول إلى الأمم المتحدة،لا زالت ترفض تطبيق وتنفيذ القرارات الدولية لا سيما قرار التقسيم وعودة اللاجئين،بل أنَّ الزمن قد تخطى هذين القرارين إذا ما قيست بالمقترحات التي قدمتها إسرائيل وتقدمها ،حول الدولة الفلسطينية واللاجئين وغيرها من القضايا ذات الصلة بالموضوع،بل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، أطلق رصاصة الرحمة على جميع المشاريع المقدمة بل قرع طبول الحرب،وأعدم كل المشاريع المتعلقة بالدولة الفلسطينية.
اليوم تتنصل الأمم المتحدة من ابرز صلاحياتها لجهة قبول عضوية الدول، ويمارس مجلس الأمن كعادته ازدواجية مفرطة في التعاطي مع القضايا المتماثلة،فكيف قبلت عضوية إسرائيل قبلا ؟ وكيف يتم التعاطي مع عضوية فلسطين حاليا؟ انها أحجية السياسة والقوة في آن معاّ
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية 4/10/2011
مفارقة أخرى تسير فيها الأمم المتحدة اليوم في مقاربتها لمسألة العضوية،ففيما تعرقل قبول عضوية فلسطين الكاملة، فعلت عكس ذلك سابقا مع إسرائيل،بل وهيأت البيئة القانونية المناسبة لطمس حقوق الفلسطينيين على مر عقود ستة،ومن المفيد استرجاع الذاكرة لاستخلاص العبر،علَّ تفيد الذكرى.
فقد أعلنت المنظمات اليهودية في 14 أيار/ مايو 1948، قيام دولة إسرائيل وتشكيل أول حكومة رسمية برئاسة بن غوريون.وفي 29 تشرين الثاني / نوفمبر من نفس العام، تقدّمت إسرائيل بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة بهدف الانضمام إلى المنظمة. وعُرض الطلب على مجلس الأمن في 17 كانون الأول / ديسمبر فرفضه على أساس أنَّ الدولة الجديدة لم تستوفِ بعدُ الشروط التي ينص عليها الميثاق، بناءً على أنها ما زالت تعتدي على الأراضي التي خصّصها قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة، في العام 1947، لِـ «الدولة العربية» أو لِـ «قطاع القدس الدولي».
ثم عادت إسرائيل وقدّمت طليا آخرا، في 24 شباط / فبراير 1949، ناقشه مجلس الأمن في 4 آذار / مارس، ووافق عليه بأغلبية /9/ ضد واحد (مصر) وامتناع واحد (بريطانيا). وكان مجلس الأمن آنذاك يتكوّن من/11/عضواً: خمسة دائمين، وستة غير دائمين. وكانت قراراته في المسائل الموضوعية (ومنها قبول عضو جديد) تصدر بموافقة سبعة أعضاء على الأقل، بشرط أن يكون من بينهم الأعضاء الخمسة الدائمين متفقين. وورد في القرار «أن إسرائيل دولة محبّة للسلام وقادرة وعازمة على تنفيذ الالتزامات التي يتضمّنها الميثاق. وبناءً على ذلك يوصي الجمعية العامة بقبول إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة».
وفي 11 أيار / مايو 1949، ناقشت الجمعية العامة التوصية الصادرة عن مجلس الأمن ووافقت عليها بأغلبية /37 / ضد /12/ وامتناع 9 (وكانت الجمعية تتكوّن آنذاك من 58 عضواً). وكانت الدول العربية الست الممثلة في الأمم المتحدة من بين الدول الاثنتي عشرة التي عارضت القرار مستندة على قرائن قانونية من بينها:إنَّ إسرائيل نشأت بطريقة غير مشروعة، لأن قرار تقسيم فلسطين مشوب ببطلان مطلق.وإن حدودها غير محدّدة.وأن إسرائيل غير أهل لتحمل الالتزامات الدولية التي نص عليها الميثاق ألأممي، باعتبارها لم تُنفّذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالتقسيم وبعودة اللاجئين والتعويض عليهم.
وجاء في قرار القبول الصادر عن الجمعية العامة ما يلي: «إن الجمعية العامة،إذ تأخذ علماً... بالتصريح الذي تقبل فيه إسرائيل، دون أي تحفظ، الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهَّد بها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة،إذ تُذكّر بقراريها الصادرين في 29/11/1947 (قرار التقسيم 181) و11/12/1948 (قرار إعادة اللاجئين والتعويض عليهم 194)، وتأخذ علماً بالتصريحات والإيضاحات التي قدّمها ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة بشأن تنفيذ القرارين المذكورين..تقرّر أنَّ إسرائيل دولة محبّة للسلام تقبل بالتزامات الميثاق وتقدر على القيام بها ومستعدة لتنفيذها.وتقرّر قبول إسرائيل في منظمة الأمم المتحدة».
وبذلك ربطت الجمعية العامة عبر هذا القرار، ربطاً مباشراً ومحكماً بين قبول إسرائيل في العضوية وبين وجوب تنفيذ القرارين المذكورين. وبذلك تكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي قُبلت في عضوية الأمم المتحدة بشرط، وارتبط قبولها بتنفيذ بعض القرارات المعينة الصادرة عن الجمعية العامة.
وبعد العام 1949، أصدرت الجمعية العامة عدة قرارات لاحظت فيها أنَّ عودة اللاجئين لم تتم وأنَّ التعويض عليهم لم يبدأ. ما يعني أنَّ إسرائيل، باعتراف الهيئة التي وافقت على انضمامها إلى أرفع منظمة دولية، لم تنفذ الالتزامات التي اقترنت بعملية قبولها. وعدم التنفيذ، أو عدم الرغبة في التنفيذ، يجعل المنظمة في حلٍّ من التزاماتها تجاه إسرائيل، ويمنحها حق تطبيق العقوبات التي يتضمّنها الميثاق، ومنها عقوبة الطرد بسبب انتهاك مبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها. إنَّ إسرائيل، بإمعانها في رفض قرارات الأمم المتحدة، تنتهك مبادئ المنظمة وبموقفها تكون قد أسهمت في تحقّق الشرط المُلْغي الذي من شأنه إبطال عضويتها في المنظمة الدولية، أو تجريد هذه العضوية من أساسها القانوني.
يذكر، أنَّ الجمعية العامة أصدرت في 10/12/1969، قراراً تاريخياً اعترفت فيه بأنَّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قد نتجت عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرّف، المقرّرة في الميثاق ألأممي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان». وفي يقيننا «أن هذا القرار بما تضمّنه من إقرار لسبب مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ومن تأكيد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى قرارات الجمعية العامة المتكرّرة بحق اللاجئين في العودة، يُعتبر نقضاً ضمنياً من الجمعية العامة... لقرارها الموصوف بقبول إسرائيل في عضويتها، الذي اتخذته قبل عشرين سنة من ذلك التاريخ، وفي وقت لم تكن فيه قارتا آسيا وإفريقيا ممثّلتين في عضويتها بأكثر من 17 دولة، صوّتت 12 منها ضده، ووافقت عليه ثلاث فقط، وامتنعت عن التصويت عليه اثنتان...».
إن النص في القرار المذكور على أن حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الثابتة هو السبب في نشوء مشكلة اللاجئين يعني عدم مشروعية الكيان السياسي الذي قام في فلسطين على أنقاض هذه الحقوق، كما يعني اعتبار هذا الكيان نظاماً استعمارياً استيطانياً عنصرياً يستوجب تجنيد كل القوى والطاقات للقضاء عليه.
ورغم الخديعة التي تمكنت من خلالها إسرائيل الدخول إلى الأمم المتحدة،لا زالت ترفض تطبيق وتنفيذ القرارات الدولية لا سيما قرار التقسيم وعودة اللاجئين،بل أنَّ الزمن قد تخطى هذين القرارين إذا ما قيست بالمقترحات التي قدمتها إسرائيل وتقدمها ،حول الدولة الفلسطينية واللاجئين وغيرها من القضايا ذات الصلة بالموضوع،بل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، أطلق رصاصة الرحمة على جميع المشاريع المقدمة بل قرع طبول الحرب،وأعدم كل المشاريع المتعلقة بالدولة الفلسطينية.
اليوم تتنصل الأمم المتحدة من ابرز صلاحياتها لجهة قبول عضوية الدول، ويمارس مجلس الأمن كعادته ازدواجية مفرطة في التعاطي مع القضايا المتماثلة،فكيف قبلت عضوية إسرائيل قبلا ؟ وكيف يتم التعاطي مع عضوية فلسطين حاليا؟ انها أحجية السياسة والقوة في آن معاّ