أقليات الوطن العربي
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الأوسط بتاريخ 7/10/22011
برزت مشكلة الأقليات بصورة حادة في المنطقة العربية والبلقان أثر انهيار الحكم العثماني حيث كانت السلطنة العثمانية تميز بين الطبقة الحاكمة والرعايا، وتقسم الرعايا على أساس نظام الملل العثماني الذي أعطى لكل طائفة حق إدارة شؤونها الدينية بنفسها، وبناء مؤسساتها التربوية والثقافية، والاجتماعية، وإدارة أوقافها عبر مجلس ملي لكل منها دون تدخل مباشر من جانب السلطنة، لكن نظام الملل العثماني الذي شكل نموذجا متطورا للتعايش بين المذاهب والطوائف والجماعات الدينية والفرق الصوفية وغيرها في مرحلة القوة التي امتدت طوال القرنين السادس والسابع عشر، تحول إلى عبء عليها في مرحلة الضعف .
وعلي أثر تفلك وانهيار الدولة العثمانية سعي الاستعمار الأوربي إلى إثارة نعرات الأقليات مستخدما في ذلك منطق فرق تسد، كما وعجزت معظم الدول العربية، بعد الاستقلال في احتواء التميزات الثقافية والاختلافات الجماعية لمجتمعاتها عبر اتجاهها إلى ضرب الديمقراطية وازدراء حقوق الإنسان، والاستناد إلى شرعية منقوصة قوامها تثمير التميزات الثقافية بين أبناء البلد الواحد لتقليد جماعة معينة على حساب الجماعات والأقليات الأخرى والقيام بممارسات تمييزية ضدها بعدم إعطاءها وضعاً متساوياً مع الغالبية في ميدان المشاركة أو التوزيع العادل للثروات مستخدمة في ذلك وسائل العنف والإكراه والعزل .
يوجد في الوطن العربي أقليات متنوعة تصنف ضمن خانة الأقليات، منها من يعد بعشرات الملايين مثل الأكراد، حيث يقدر عددهم بحوالي 25 مليون كردي، والأقباط في مصر ويقدر عددهم بعشرة ملايين، هناك الأمازيغ في دول شمال أفريقيا، ويقدر عددهم بأكثر من عشرين مليون، كما أن خارطة الأقليات في الوطن العربي، تضم عددا كبيرا من الطوائف المسيحية، والإسلامية، واليهود، والصابئة، وجماعات العبادات المحلية في جنوب السودان، كما أن هناك أقليات عرقية كالأرمن، الشركس، والتركمان، والشيشان، وبقايا الجاليات الأوروبية، وغيرهم، وإجمالا يشكل المسلمون العرب السنة والشيعة غالبية سكان الوطن العربي البالغ عددهم قرابة ثلاثمائة مليون عربي.
لا تزال معظم الأقطار العربية تحرم مواطنيها من الأقليات من أبسط حقوقها، بل وتتهمها بضعف ولائها للدولة، أو برغبتها في الانفصال، غير أن تلك الحكومات تنسى أو تتناسى أن الأقليات هي جزء من النسيج الاجتماعي في بلادها، ولها ما للأكثرية من الحقوق والالتزامات، فاستأثر الأكثرية بالسلطة، ورفضها للآخر المتمثل بتلك الأقليات، من خلال حرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية ممارسة لغاتها أو التمتع بإبداعات ثقافاتها وملامح فولكلورها ..."، هي التي تدفع تلك الأقليات العرقية والدينية والمذهبية ،إلى التمرد على الأغلبية ،والتظلم من استبدادها أو طلب المعونات الخارجية .
وبحكم الظروف التاريخية والسياسية تعيش الأقليات حالة قلق وخوف على مصيرها و مستقبلها، لذلك فهي في حالة توتر دائم تزداد طردا مع القمع و البطش في ظل أنظمة استبدادية تضرب بعرض الحائط مبادئ وقيم حقوق الإنسان، والأشد خطرا عندما يحاول نظام الاستبداد توظيف الأقلية بمفومهما الاثني والطائفي والقومي بمواجهة الأغلبية، والتي تنجح بسبب النظرة التمييزية الضيقة من مجتمع الأكثرية، التي يغلب عليها نظرة تقوم على أساس مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة .
فالنظام الاستبدادي يؤدي إلى ضرب الوحدة الوطنية ومن ثم تفكيك الولاء للوطن، فالولاء في ظل أنظمة وطنية ديمقراطية تحترم الإنسان يكون للوطن. وفي نظام الاستبداد يوضع الإنسان جانبا، ويسود قانون الغاب، وتقسم ولاءات الناس عنوة إلى ولاءات ما قبل وطنية، إلى ولاء للعشيرة أو الطائفة أو المذهب، حتى يفقد الوطن مضمونه، والمجتمع تلاحمه، مرتدا به في ظل غياب كلي للقانون إلى مجاهل القرون الوسطى .
يشار إلى أن خصوصيات كل قطر عربي أفرزت مشاكل ومعطيات متفاوتة تشير إلي انفجار مشكلة الأقليات، في بعض الدول العربية والي ظهور بوادر أزمة الأقليات في مجتمعات أخرى.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الأوسط بتاريخ 7/10/22011
برزت مشكلة الأقليات بصورة حادة في المنطقة العربية والبلقان أثر انهيار الحكم العثماني حيث كانت السلطنة العثمانية تميز بين الطبقة الحاكمة والرعايا، وتقسم الرعايا على أساس نظام الملل العثماني الذي أعطى لكل طائفة حق إدارة شؤونها الدينية بنفسها، وبناء مؤسساتها التربوية والثقافية، والاجتماعية، وإدارة أوقافها عبر مجلس ملي لكل منها دون تدخل مباشر من جانب السلطنة، لكن نظام الملل العثماني الذي شكل نموذجا متطورا للتعايش بين المذاهب والطوائف والجماعات الدينية والفرق الصوفية وغيرها في مرحلة القوة التي امتدت طوال القرنين السادس والسابع عشر، تحول إلى عبء عليها في مرحلة الضعف .
وعلي أثر تفلك وانهيار الدولة العثمانية سعي الاستعمار الأوربي إلى إثارة نعرات الأقليات مستخدما في ذلك منطق فرق تسد، كما وعجزت معظم الدول العربية، بعد الاستقلال في احتواء التميزات الثقافية والاختلافات الجماعية لمجتمعاتها عبر اتجاهها إلى ضرب الديمقراطية وازدراء حقوق الإنسان، والاستناد إلى شرعية منقوصة قوامها تثمير التميزات الثقافية بين أبناء البلد الواحد لتقليد جماعة معينة على حساب الجماعات والأقليات الأخرى والقيام بممارسات تمييزية ضدها بعدم إعطاءها وضعاً متساوياً مع الغالبية في ميدان المشاركة أو التوزيع العادل للثروات مستخدمة في ذلك وسائل العنف والإكراه والعزل .
يوجد في الوطن العربي أقليات متنوعة تصنف ضمن خانة الأقليات، منها من يعد بعشرات الملايين مثل الأكراد، حيث يقدر عددهم بحوالي 25 مليون كردي، والأقباط في مصر ويقدر عددهم بعشرة ملايين، هناك الأمازيغ في دول شمال أفريقيا، ويقدر عددهم بأكثر من عشرين مليون، كما أن خارطة الأقليات في الوطن العربي، تضم عددا كبيرا من الطوائف المسيحية، والإسلامية، واليهود، والصابئة، وجماعات العبادات المحلية في جنوب السودان، كما أن هناك أقليات عرقية كالأرمن، الشركس، والتركمان، والشيشان، وبقايا الجاليات الأوروبية، وغيرهم، وإجمالا يشكل المسلمون العرب السنة والشيعة غالبية سكان الوطن العربي البالغ عددهم قرابة ثلاثمائة مليون عربي.
لا تزال معظم الأقطار العربية تحرم مواطنيها من الأقليات من أبسط حقوقها، بل وتتهمها بضعف ولائها للدولة، أو برغبتها في الانفصال، غير أن تلك الحكومات تنسى أو تتناسى أن الأقليات هي جزء من النسيج الاجتماعي في بلادها، ولها ما للأكثرية من الحقوق والالتزامات، فاستأثر الأكثرية بالسلطة، ورفضها للآخر المتمثل بتلك الأقليات، من خلال حرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية ممارسة لغاتها أو التمتع بإبداعات ثقافاتها وملامح فولكلورها ..."، هي التي تدفع تلك الأقليات العرقية والدينية والمذهبية ،إلى التمرد على الأغلبية ،والتظلم من استبدادها أو طلب المعونات الخارجية .
وبحكم الظروف التاريخية والسياسية تعيش الأقليات حالة قلق وخوف على مصيرها و مستقبلها، لذلك فهي في حالة توتر دائم تزداد طردا مع القمع و البطش في ظل أنظمة استبدادية تضرب بعرض الحائط مبادئ وقيم حقوق الإنسان، والأشد خطرا عندما يحاول نظام الاستبداد توظيف الأقلية بمفومهما الاثني والطائفي والقومي بمواجهة الأغلبية، والتي تنجح بسبب النظرة التمييزية الضيقة من مجتمع الأكثرية، التي يغلب عليها نظرة تقوم على أساس مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة .
فالنظام الاستبدادي يؤدي إلى ضرب الوحدة الوطنية ومن ثم تفكيك الولاء للوطن، فالولاء في ظل أنظمة وطنية ديمقراطية تحترم الإنسان يكون للوطن. وفي نظام الاستبداد يوضع الإنسان جانبا، ويسود قانون الغاب، وتقسم ولاءات الناس عنوة إلى ولاءات ما قبل وطنية، إلى ولاء للعشيرة أو الطائفة أو المذهب، حتى يفقد الوطن مضمونه، والمجتمع تلاحمه، مرتدا به في ظل غياب كلي للقانون إلى مجاهل القرون الوسطى .
يشار إلى أن خصوصيات كل قطر عربي أفرزت مشاكل ومعطيات متفاوتة تشير إلي انفجار مشكلة الأقليات، في بعض الدول العربية والي ظهور بوادر أزمة الأقليات في مجتمعات أخرى.