خلفيات الفيتو الروسي الصيني وتداعياته
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشر قي صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 11/10/2011
وفقا لميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمجلس الأمن يكفي اعتراض دولة دائمة واحدة لإجهاض صدور مشروع قرار في أمر معين، إلا ان اللافت هو اعتراض دولتين روسيا والصين على مشروع قرار ضد سوريا على خلفية الأحداث الجارية.فما هي خلفيات الاعتراض المزدوج؟ وهل هي تعبير عن حالة خاصة بكلا البلدين أم لها ارتباطات أخرى متصلة بظروف النظام العالمي وبخاصة البيئة المستعملة في إطار الأمم المتحدة بشكل خاص؟ أم لها حسابات إقليمية متصلة أيضا بإعادة رسم جغرافيا سياسية إقليمية ذات أبعاد إستراتيجية دولية؟
أولا ان الاعتراض المزدوج على قرار ما جرى التصويت عليه في مجلس الأمن ليس بسابقة،بل ثمة سوابق مماثلة وان كانت قليلة نسبيا،ذلك يعود إلى الحرج السياسي الذي يرافق أي عملية اعتراض من أي دولة دائمة أمام الرأي العام العالمي أو الرأي العام ذات الصلة بهذا الموضوع أو ذاك. وبالتالي تحاول الدولة صاحبة التوجه باستعمال الفيتو استنفاد كافة الوسائل قبل اللجوء لهذا الخيار، فما الذي دفع دولتين لاتخاذ هذا الإجراء سوية.
وبصرف النظر عن مضمون مشروع القرار والى من يوجه ولأي أسباب تم التعاطي به، وعما اذا كان مشروعا أم لا، ثمة أسباب عامة وخاصة يمكن الالتفات إليها،أولها طبيعة العلاقة الإستراتيجية التي تتسم فيها العلاقات السورية الروسية من جهة وأيضا ولو بنسب أقل السورية الصينية،علاوة على موقع أطراف آخرين في الجغرافيا السياسية للمنطقة وأدوارها الواقعية أو المحتملة،ومن بينها إيران وتركيا،إضافة إلى بيئة مشاريع اتخذت سابقا لجهة مواقع بعض هذه الدول في تكتلات قارية ذات أبعاد أمنية وسياسية.
في المقلب الأول، لا شك ان علاقة موسكو بدمشق لا زالت تصنف ضمن اطر العلاقات الإستراتيجية التي تحرص عليها القيادة الروسية لما لموقع سوريا في الحسابات الإستراتيجية ذات الطبيعة العسكرية والأمنية ومن بينها قاعدة طرطوس وهي الوحيدة المتبقية لروسيا عمليا في المياه الدافئة وهو الحلم القديم الذي لا يمكن لموسكو التخلي عنه ولو في أحلام اليقظة،وبخاصة في ظل إعادة تشكيل سياسي وربما جغرافي لكيانات منطقة الشرق الأوسط،علاوة على العلاقات التجارية التي القائمة بين البلدين.إضافة إلى تلك الميزات الناظمة للعلاقة. ثمة بُعد روسي آخر يتمثل في إعادة التركيبة السياسية الروسية اللاحقة العام المقبل في إطار عودة فلاديمير بوتين المحتملة بقوة إلى الرئاسة ،الشخص الذي أعاد تموضع روسيا في النظام العالمي القائم بعد ضمور وضعها إبان الفترة الانتقالية التي حكمها بوريس يلتسن، الأمر الذي سيعزز موقف القيادة الروسية في مجابهة خصومها التقليديين على المستويين الدولي والإقليمي عبر إدارة أزمات إقليمية ذات طبيعة استثمارية عالية ومن بينها الوضع الداخلي السوري.
وفي السياق نفسه يتطابق الاعتراض الصيني في مجلس الأمن مع الأسباب الروسية ولو بوجهات أخرى من بينها ضمان حصة بكين من الاستثمارات الشرق أوسطية المتنامي بشكل متسارع،علاوة على ضمان البيئة نفسها في القارة الأفريقية بعد الدخول الغربي اللافت عبر البوابة الليبية. وهنا من الصعب تجاهل أو استبعاد العلاقات الإيرانية الروسية وكذلك الصينية في هذا المجال وما يشكله من إطار داعم للوضع السوري في مواجهة الضغوط الدولية. فإيران التي تشكل ساحة استثمار لافتة لبكين وموسكو ترتبط أيضا بعلاقات إستراتيجية دقيقة مع دمشق ومن مصلحتها بالضرورة ممارسة هذه الورقة لتعزيز دور دمشق في المواجهات الإقليمية والدولية الحاصلة حاليا.
إضافة إلى تلك الخلفيات ثمة مؤثر واضح في عملية الاعتراض المزدوج، على قاعدة السماح التركي لنشر رادارات الناتو على أراضيها،الأمر الذي يشكل تحديا استراتيجيا مزمنا لموسكو، كادت سابقة له ان تشكل بيئة ملائمة لنشوب حرب نووية إبان أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا العام 1961، حيث حُلت الأزمة آنذاك بسحب الصواريخ الأمريكية الموجهة إلى أراضي الاتحاد السوفيتي السابق من الأراضي التركية مقابل سحب الصواريخ الروسية في كوبا والموجهة إلى أراضي الولايات المتحدة. ويأتي الاعتراض الروسي اليوم كرسالة اعتراض أولية من الممكن ان تليها رسائل أشد عنفا على الإجراء الأطلسي في تركيا عبر الكثير من الأزمات كالتي تحصل حاليا في سوريا.
ان الاعتراض الروسي في مجلس الأمن يشكل حالة من الإجراءات التنفيذية المعتادة التي تسير بها موسكو عادة في المسائل المتعلقة بالأمن أو المجال الحيوي الأمني والسياسي الذي يخصها،ومن بينها المنطقة الجنوبية المتصلة بتركيا وما تشكله من تحكم بمضيقي الدردنيل والبوسفور، شريان المياه الدافئة الذي تتمسك به روسيا في سياساتها الخارجية الإستراتيجية. كما ان خلفيات الموقف الروسي هو مؤشر واضح لرؤية موسكو تجاه النظام السوري القائم على قاعدة انه لا زال يستحق من الناحية المصلحية دعمه وعدم التخلي عنه كما حدث مع ليبيا،علاوة على تقديرها انه لا زال قادرا على الصمود والمتابعة من دون قطع العلاقة مع بعض أطراف المعارضة السورية.
جانب آخر يفسر الاعتراض المزدوج في مجلس الأمن،على قاعدة الامتعاض والتذمر الصيني والروسي على إدارة الأزمات الدولية بهذا الشكل والأسلوب،وكذلك الآلية أي عبر الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن الذي بات اليد الطولى لواشنطن في تنفيذ سياساتها الغليظة والناعمة على المستويات الإقليمية والدولية في الوقت ذاته.
وبصرف النظر عن هذه الخلفيات ،ثمة تداعيات لهذا الاعتراض أوله ظهور رغبة روسية صينية متجددة لإعادة التموضع الدولي من الممكن ان يؤدي إلى زيادة حِدّة فواعل الحروب الباردة وبالواسطة،علاوة على فوضى إدارة الأزمات الدولية وتسببها بمزيد من التوترات الداخلية هنا وهناك، سيما وان عصر التحركات الشعبية باتت خاضعة لمزاجات خارجية تعرف من أين تؤكل كتفها،في وقت تلهث فيه أنظمة وشعوب على كسب ود هذه القوة أو تلك عبر سباقات بدل تريح فاعليها لكن تتعب شعوبها بالتأكيد.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشر قي صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 11/10/2011
وفقا لميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمجلس الأمن يكفي اعتراض دولة دائمة واحدة لإجهاض صدور مشروع قرار في أمر معين، إلا ان اللافت هو اعتراض دولتين روسيا والصين على مشروع قرار ضد سوريا على خلفية الأحداث الجارية.فما هي خلفيات الاعتراض المزدوج؟ وهل هي تعبير عن حالة خاصة بكلا البلدين أم لها ارتباطات أخرى متصلة بظروف النظام العالمي وبخاصة البيئة المستعملة في إطار الأمم المتحدة بشكل خاص؟ أم لها حسابات إقليمية متصلة أيضا بإعادة رسم جغرافيا سياسية إقليمية ذات أبعاد إستراتيجية دولية؟
أولا ان الاعتراض المزدوج على قرار ما جرى التصويت عليه في مجلس الأمن ليس بسابقة،بل ثمة سوابق مماثلة وان كانت قليلة نسبيا،ذلك يعود إلى الحرج السياسي الذي يرافق أي عملية اعتراض من أي دولة دائمة أمام الرأي العام العالمي أو الرأي العام ذات الصلة بهذا الموضوع أو ذاك. وبالتالي تحاول الدولة صاحبة التوجه باستعمال الفيتو استنفاد كافة الوسائل قبل اللجوء لهذا الخيار، فما الذي دفع دولتين لاتخاذ هذا الإجراء سوية.
وبصرف النظر عن مضمون مشروع القرار والى من يوجه ولأي أسباب تم التعاطي به، وعما اذا كان مشروعا أم لا، ثمة أسباب عامة وخاصة يمكن الالتفات إليها،أولها طبيعة العلاقة الإستراتيجية التي تتسم فيها العلاقات السورية الروسية من جهة وأيضا ولو بنسب أقل السورية الصينية،علاوة على موقع أطراف آخرين في الجغرافيا السياسية للمنطقة وأدوارها الواقعية أو المحتملة،ومن بينها إيران وتركيا،إضافة إلى بيئة مشاريع اتخذت سابقا لجهة مواقع بعض هذه الدول في تكتلات قارية ذات أبعاد أمنية وسياسية.
في المقلب الأول، لا شك ان علاقة موسكو بدمشق لا زالت تصنف ضمن اطر العلاقات الإستراتيجية التي تحرص عليها القيادة الروسية لما لموقع سوريا في الحسابات الإستراتيجية ذات الطبيعة العسكرية والأمنية ومن بينها قاعدة طرطوس وهي الوحيدة المتبقية لروسيا عمليا في المياه الدافئة وهو الحلم القديم الذي لا يمكن لموسكو التخلي عنه ولو في أحلام اليقظة،وبخاصة في ظل إعادة تشكيل سياسي وربما جغرافي لكيانات منطقة الشرق الأوسط،علاوة على العلاقات التجارية التي القائمة بين البلدين.إضافة إلى تلك الميزات الناظمة للعلاقة. ثمة بُعد روسي آخر يتمثل في إعادة التركيبة السياسية الروسية اللاحقة العام المقبل في إطار عودة فلاديمير بوتين المحتملة بقوة إلى الرئاسة ،الشخص الذي أعاد تموضع روسيا في النظام العالمي القائم بعد ضمور وضعها إبان الفترة الانتقالية التي حكمها بوريس يلتسن، الأمر الذي سيعزز موقف القيادة الروسية في مجابهة خصومها التقليديين على المستويين الدولي والإقليمي عبر إدارة أزمات إقليمية ذات طبيعة استثمارية عالية ومن بينها الوضع الداخلي السوري.
وفي السياق نفسه يتطابق الاعتراض الصيني في مجلس الأمن مع الأسباب الروسية ولو بوجهات أخرى من بينها ضمان حصة بكين من الاستثمارات الشرق أوسطية المتنامي بشكل متسارع،علاوة على ضمان البيئة نفسها في القارة الأفريقية بعد الدخول الغربي اللافت عبر البوابة الليبية. وهنا من الصعب تجاهل أو استبعاد العلاقات الإيرانية الروسية وكذلك الصينية في هذا المجال وما يشكله من إطار داعم للوضع السوري في مواجهة الضغوط الدولية. فإيران التي تشكل ساحة استثمار لافتة لبكين وموسكو ترتبط أيضا بعلاقات إستراتيجية دقيقة مع دمشق ومن مصلحتها بالضرورة ممارسة هذه الورقة لتعزيز دور دمشق في المواجهات الإقليمية والدولية الحاصلة حاليا.
إضافة إلى تلك الخلفيات ثمة مؤثر واضح في عملية الاعتراض المزدوج، على قاعدة السماح التركي لنشر رادارات الناتو على أراضيها،الأمر الذي يشكل تحديا استراتيجيا مزمنا لموسكو، كادت سابقة له ان تشكل بيئة ملائمة لنشوب حرب نووية إبان أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا العام 1961، حيث حُلت الأزمة آنذاك بسحب الصواريخ الأمريكية الموجهة إلى أراضي الاتحاد السوفيتي السابق من الأراضي التركية مقابل سحب الصواريخ الروسية في كوبا والموجهة إلى أراضي الولايات المتحدة. ويأتي الاعتراض الروسي اليوم كرسالة اعتراض أولية من الممكن ان تليها رسائل أشد عنفا على الإجراء الأطلسي في تركيا عبر الكثير من الأزمات كالتي تحصل حاليا في سوريا.
ان الاعتراض الروسي في مجلس الأمن يشكل حالة من الإجراءات التنفيذية المعتادة التي تسير بها موسكو عادة في المسائل المتعلقة بالأمن أو المجال الحيوي الأمني والسياسي الذي يخصها،ومن بينها المنطقة الجنوبية المتصلة بتركيا وما تشكله من تحكم بمضيقي الدردنيل والبوسفور، شريان المياه الدافئة الذي تتمسك به روسيا في سياساتها الخارجية الإستراتيجية. كما ان خلفيات الموقف الروسي هو مؤشر واضح لرؤية موسكو تجاه النظام السوري القائم على قاعدة انه لا زال يستحق من الناحية المصلحية دعمه وعدم التخلي عنه كما حدث مع ليبيا،علاوة على تقديرها انه لا زال قادرا على الصمود والمتابعة من دون قطع العلاقة مع بعض أطراف المعارضة السورية.
جانب آخر يفسر الاعتراض المزدوج في مجلس الأمن،على قاعدة الامتعاض والتذمر الصيني والروسي على إدارة الأزمات الدولية بهذا الشكل والأسلوب،وكذلك الآلية أي عبر الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن الذي بات اليد الطولى لواشنطن في تنفيذ سياساتها الغليظة والناعمة على المستويات الإقليمية والدولية في الوقت ذاته.
وبصرف النظر عن هذه الخلفيات ،ثمة تداعيات لهذا الاعتراض أوله ظهور رغبة روسية صينية متجددة لإعادة التموضع الدولي من الممكن ان يؤدي إلى زيادة حِدّة فواعل الحروب الباردة وبالواسطة،علاوة على فوضى إدارة الأزمات الدولية وتسببها بمزيد من التوترات الداخلية هنا وهناك، سيما وان عصر التحركات الشعبية باتت خاضعة لمزاجات خارجية تعرف من أين تؤكل كتفها،في وقت تلهث فيه أنظمة وشعوب على كسب ود هذه القوة أو تلك عبر سباقات بدل تريح فاعليها لكن تتعب شعوبها بالتأكيد.