الوساطة العربية في الأزمة السورية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
من الواضح ان إحدى تداعيات الفيتو المزدوج الروسي الصيني في مجلس الأمن بما اختص إبعاد كأس العقوبات الدولية عن سوريا، ترك مساحة للتحرك السياسي العربي باتجاه دمشق من بوابة جامعة الدول العربية.وبصرف النظر عن المآلات السلبية المتوقعة من هذا التحرك،ثمة أسباب واعتبارات كثيرة لها علاقة بحدود الوساطة وحجمها ونوعيتها،وبالتالي الإمكانات المعقودة عليها.
في المبدأ، لجامعة الدول العربية صلاحيات محددة في ميثاقها،تتراوح بين التدخل لتقريب ذات البين بين الدول العربية في حال نشوب أزمات أو نزاعات، وصولا إلى التعاون. لكن التدقيق في الميثاق يوضح بعض المحرمات اذا جاز التعبير ،ومن بينها التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة. وغريب المفارقات ان جميع الدول العربية المؤسسة للجامعة أو المنضمة أليها لاحقا أصرّت على هذه البيئة القانونية الواضحة،حفاظا على ما يسمى من سيادة لهذه الدول أولا،والابتعاد بشكل دبلوماسي مهذب عن الوصول إلى مرحلة الوحدة.
إذا ان طبيعة ونوعية الصلاحيات الممنوحة للجامعة في الظروف العادية والاستثنائية لا تسمح لها التوغل كثيرا في أزمات من السهل على بعض دولها ان تسميها قضايا داخلية،وبالتالي وأد أي مهمة قبل انطلاقها.وما جرى من مسعى عربي باتجاه دمشق لا يعدو كونه من المحاولات المعروفة النتائج سلفا.
ان اجتماعي دمشق والدوحة، وما أطلق بينهما من تصريحات ومواقف متباينة في جوهرها وافقها،وما تمخض بعدها من نتائج معلنة على الأقل،تشير إلى ان ثمة مناح أخرى تتجه إليها الأزمة في سوريا كما سبل التدخل لحلها.فهل ستستمر الجهود العربية عبر اللجنة نفسها؟أم سيكون ثمة آليات أخرى للتدخل؟
من الناحية المبدئية ثمة ثقة مفقودة بين الجانبين السوري واللجنة العربية أو بشكل أدق مع رئاستها،ما يعزز صعوبة الاستمرار بنفس الآليات التي اتبعت سابقا،سيما وأن نوعية التصريحات المتبادلة هي من نوع الرسائل الواضحة التي ترقى إلى مستوى المواقف المسبقة قبل أي اجتماع منوي عقده،علاوة على النقاط التي تم بحثها وهي تلامس جوهر وجود النظام السوري وآليات الحكم فيه،ما يعني ان هامش المناورة وتقديم البدائل بين الأطراف تكاد تكون معدومة،الأمر الذي يمكن ان يوسّع الهوة وبالتالي الانتقال إلى آليات أخرى اذا وجدت بين الطرفين،أو انتهائها عند حد يصعب الرجوع معها للتلاقي مجددا.ماذا يعني هذا السيناريو؟
من الواضح أيضا، ان التحرّك العربي هو تحرك في الوقت المستقطع من أزمات المنطقة العربية، وبالتالي ان إغلاق الملف الليبي من الناحية المبدئية،يعني التفرّغ إلى أزمات أخرى ومنها الأزمة السورية التي تبدو أكثر حساسية وأولوية من أزمات أخرى كالأزمة اليمنية مثلا،علاوة على ارتباط الوضع السوري بالوضع العراقي على سبيل المثال كالانسحاب الأميركي آخر كانون الأول/ ديسمبر المقبل. كل ذلك يعزز فرضية الانتقال إلى بيئة التدخل الدولي المباشر بصرف النظر عن حدة الموقفين الروسي والصيني المانع حتى الآن.
ما يؤكد هذه الفرضية أيضا،تحذير الرئيس السوري،بشار الأسد، من أن أي تدخل دولي في سوريا يعتبر كالمسِّ في صفائح زلزالية ستطال تردداتها السياسية والأمنية الارتدادية مناطق أخرى بعيدة، ما يعني أن تصوّر دمشق ان الانتقال إلى مستويات أخرى بات قاب قوسين أو أدنى،إذ يأتي التحذير السوري بمثابة الموقف الواضح الذي لا لبس فيه بأن دول المنطقة لن تكون بمنأى عن تداعيات الحروب المذهبية والأهلية التي ستقسمها وتجزئها.
ثمة سوابق كثيرة قامت بها جامعة الدول العربية لحل بعض أزمات دولها البينية والداخلية،إلا ان قلة قليلة جدا منها،تمكّنت من الوصول بها إلى نهايات سعيدة ولفترات غالبا لم تكن طويلة، وان التدقيق في حيثيات هذا التحرك وظروفه العربية والإقليمية والدولية لا يبشر بنتائج مغايرة لما هو متوقع منها.وأن التدقيق في معظم الأزمات قديمها وحديثها يقود إلى استنتاجات واحدة،هو مزيد من التعقيد، وتسليم عربي بالفشل،تعنت في المواقف، وتشريع الأبواب للخارج،فهل ستشذ الأزمة السورية عن هذا المسار؟وهل سيغير العرب من أسلوب التعاطي مع أزماتهم؟
من المعروف بشكل واضح،ان الدبلوماسية السورية، تمكنت في فترات سابقة من تقطيع أكبر الأزمات وأصعبها وأكثرها تعقيدا،لكن كانت بمجملها أزمات ذات طابع وضغط خارجي،لم يكن للقوى الداخلية أي دور فيها،فيما اليوم تعاني ضغوطا خارجية هائلة أيضا،لكن بأدوات وأطراف داخلية،فهل ستستطيع دمشق قراءة المتغيرات الخارجية والداخلية التي تحيط بها وفيها؟ أمر مرهون بالإجابة على بعض التحديات الخارجية أكثر منها داخلية...
إن اجتماع القاهرة بعد ثلاثة أيام من اجتماع الدوحة،يعني ان ثمة إصرار عربي على إجابات محددة لمشروعها، وبصرف النظر عن الإجابات ومدى الاستجابات للمتطلبات والظروف الذاتية والموضوعية لسوريا،سيكون الاجتماع بمثابة الخط الفاصل بين مسارين، عربي ودولي، وفي كلا الحالين، ستكون المواقف من كلا الطرفين، على قاعدة أني بلغت،لكن البلاغ لن يكون الرقم واحد، فقد سبقه رقمان،العراق وليبيا!
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
من الواضح ان إحدى تداعيات الفيتو المزدوج الروسي الصيني في مجلس الأمن بما اختص إبعاد كأس العقوبات الدولية عن سوريا، ترك مساحة للتحرك السياسي العربي باتجاه دمشق من بوابة جامعة الدول العربية.وبصرف النظر عن المآلات السلبية المتوقعة من هذا التحرك،ثمة أسباب واعتبارات كثيرة لها علاقة بحدود الوساطة وحجمها ونوعيتها،وبالتالي الإمكانات المعقودة عليها.
في المبدأ، لجامعة الدول العربية صلاحيات محددة في ميثاقها،تتراوح بين التدخل لتقريب ذات البين بين الدول العربية في حال نشوب أزمات أو نزاعات، وصولا إلى التعاون. لكن التدقيق في الميثاق يوضح بعض المحرمات اذا جاز التعبير ،ومن بينها التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة. وغريب المفارقات ان جميع الدول العربية المؤسسة للجامعة أو المنضمة أليها لاحقا أصرّت على هذه البيئة القانونية الواضحة،حفاظا على ما يسمى من سيادة لهذه الدول أولا،والابتعاد بشكل دبلوماسي مهذب عن الوصول إلى مرحلة الوحدة.
إذا ان طبيعة ونوعية الصلاحيات الممنوحة للجامعة في الظروف العادية والاستثنائية لا تسمح لها التوغل كثيرا في أزمات من السهل على بعض دولها ان تسميها قضايا داخلية،وبالتالي وأد أي مهمة قبل انطلاقها.وما جرى من مسعى عربي باتجاه دمشق لا يعدو كونه من المحاولات المعروفة النتائج سلفا.
ان اجتماعي دمشق والدوحة، وما أطلق بينهما من تصريحات ومواقف متباينة في جوهرها وافقها،وما تمخض بعدها من نتائج معلنة على الأقل،تشير إلى ان ثمة مناح أخرى تتجه إليها الأزمة في سوريا كما سبل التدخل لحلها.فهل ستستمر الجهود العربية عبر اللجنة نفسها؟أم سيكون ثمة آليات أخرى للتدخل؟
من الناحية المبدئية ثمة ثقة مفقودة بين الجانبين السوري واللجنة العربية أو بشكل أدق مع رئاستها،ما يعزز صعوبة الاستمرار بنفس الآليات التي اتبعت سابقا،سيما وأن نوعية التصريحات المتبادلة هي من نوع الرسائل الواضحة التي ترقى إلى مستوى المواقف المسبقة قبل أي اجتماع منوي عقده،علاوة على النقاط التي تم بحثها وهي تلامس جوهر وجود النظام السوري وآليات الحكم فيه،ما يعني ان هامش المناورة وتقديم البدائل بين الأطراف تكاد تكون معدومة،الأمر الذي يمكن ان يوسّع الهوة وبالتالي الانتقال إلى آليات أخرى اذا وجدت بين الطرفين،أو انتهائها عند حد يصعب الرجوع معها للتلاقي مجددا.ماذا يعني هذا السيناريو؟
من الواضح أيضا، ان التحرّك العربي هو تحرك في الوقت المستقطع من أزمات المنطقة العربية، وبالتالي ان إغلاق الملف الليبي من الناحية المبدئية،يعني التفرّغ إلى أزمات أخرى ومنها الأزمة السورية التي تبدو أكثر حساسية وأولوية من أزمات أخرى كالأزمة اليمنية مثلا،علاوة على ارتباط الوضع السوري بالوضع العراقي على سبيل المثال كالانسحاب الأميركي آخر كانون الأول/ ديسمبر المقبل. كل ذلك يعزز فرضية الانتقال إلى بيئة التدخل الدولي المباشر بصرف النظر عن حدة الموقفين الروسي والصيني المانع حتى الآن.
ما يؤكد هذه الفرضية أيضا،تحذير الرئيس السوري،بشار الأسد، من أن أي تدخل دولي في سوريا يعتبر كالمسِّ في صفائح زلزالية ستطال تردداتها السياسية والأمنية الارتدادية مناطق أخرى بعيدة، ما يعني أن تصوّر دمشق ان الانتقال إلى مستويات أخرى بات قاب قوسين أو أدنى،إذ يأتي التحذير السوري بمثابة الموقف الواضح الذي لا لبس فيه بأن دول المنطقة لن تكون بمنأى عن تداعيات الحروب المذهبية والأهلية التي ستقسمها وتجزئها.
ثمة سوابق كثيرة قامت بها جامعة الدول العربية لحل بعض أزمات دولها البينية والداخلية،إلا ان قلة قليلة جدا منها،تمكّنت من الوصول بها إلى نهايات سعيدة ولفترات غالبا لم تكن طويلة، وان التدقيق في حيثيات هذا التحرك وظروفه العربية والإقليمية والدولية لا يبشر بنتائج مغايرة لما هو متوقع منها.وأن التدقيق في معظم الأزمات قديمها وحديثها يقود إلى استنتاجات واحدة،هو مزيد من التعقيد، وتسليم عربي بالفشل،تعنت في المواقف، وتشريع الأبواب للخارج،فهل ستشذ الأزمة السورية عن هذا المسار؟وهل سيغير العرب من أسلوب التعاطي مع أزماتهم؟
من المعروف بشكل واضح،ان الدبلوماسية السورية، تمكنت في فترات سابقة من تقطيع أكبر الأزمات وأصعبها وأكثرها تعقيدا،لكن كانت بمجملها أزمات ذات طابع وضغط خارجي،لم يكن للقوى الداخلية أي دور فيها،فيما اليوم تعاني ضغوطا خارجية هائلة أيضا،لكن بأدوات وأطراف داخلية،فهل ستستطيع دمشق قراءة المتغيرات الخارجية والداخلية التي تحيط بها وفيها؟ أمر مرهون بالإجابة على بعض التحديات الخارجية أكثر منها داخلية...
إن اجتماع القاهرة بعد ثلاثة أيام من اجتماع الدوحة،يعني ان ثمة إصرار عربي على إجابات محددة لمشروعها، وبصرف النظر عن الإجابات ومدى الاستجابات للمتطلبات والظروف الذاتية والموضوعية لسوريا،سيكون الاجتماع بمثابة الخط الفاصل بين مسارين، عربي ودولي، وفي كلا الحالين، ستكون المواقف من كلا الطرفين، على قاعدة أني بلغت،لكن البلاغ لن يكون الرقم واحد، فقد سبقه رقمان،العراق وليبيا!