المشترك والمفترق في الثورات العربية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 18-11-2011
شهدت المنطقة العربية في شهور ما لم تشهده في عقود. فبعد أن ظل العالم العربي خارج موجات التغيير والتحوّل الديمقراطي المتتابعة - مما دفع البعض إلى الحديث عن وجود استثناء عربي في هذا المجال أو عن وجود تناقض بين الثقافة العربية وقيم الديمقراطية،شهد العالم العربي بدايات تفكك بنية النظم السلطوية بفعل انتفاضات شعبية بداية في تونس ومصر، ثم في ليبيا، والأردن، واليمن، والعراق، وسوريا. وأيا كانت أسماء ساحات الاحتجاجات ورمزيتها، فالهدف ظلَّ واحدا وهو سقوط الأنظمة ، سواءً كان كليا عن طريق تغيير شامل للنظام، أو جزئيا عن طريق إدخال بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وبالرغم من الاختلافات المهمة بين النظم العربية، فإن هذه النظم كانت تتفق في الكثير من السياسات والخصائص، ولذلك كانت مطالب القوى الثائرة متشابهة إلى حد بعيد. وقد تركزت هذه المطالب على إطلاق الحريات السياسية، وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كما تشابهت أيضا استجابة النظم العربية لهذه الثورات بشكل كبير، حيث اتهم الثوار بالخيانة والعمالة، وتمَّ استخدام العنف والترهيب. كما تشابهت تصريحات المسؤولين العرب التي أكدت أن كل دولة عربية لها خصوصيتها، ولكن واقعا ، ما حدث في تونس تكرر إلى حد كبير في مصر، وبدأت تحركات على الطريق نفسه في ليبيا واليمن وسوريا، مما يشكل بداية نحو التحوّل الديمقراطي والحرية والعدالة الاجتماعية.
وقد أسهمت عدة عوامل في ظهور الانتفاضات والثورات الشعبية في العالم العربي، على رأسها أن الشباب (الفئة العمرية بين 15 و29 سنة) يشكل أكثر من ثلث سكان العالم العربي بما يعرف بالطفرة الشبابية. وتعاني تلك الفئة أشكالا متعددة من الإقصاء والتمييز جعلتها ساخطة على الأوضاع الراهنة. وبالرغم من الثروات البشرية والطبيعية الهائلة التي تتمتع بها المنطقة العربية، فقدا شهدت في العقود الأخيرة خللا كبيرا في منظومة توزيع الثروة، حيث استأثرت نخب ضيقة ذات ارتباط وثيق بالسلطة بمقومات الثروة، بينما همشت قطاعات واسعة من المجتمعات العربية. وقد تزايدت تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، مع التوجه لتبني آليات السوق والتجارة الحرة، وتراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة. كما عانت المنطقة العربية القمع، والاستبداد، وغياب الحقوق والحريات، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، مع تركيز السلطة في يد نخب ضيقة مرتبطة بالحزب أو الأسرة الحاكمة.
كما أدت حالة الاختناق السياسي الذي تشهده المنطقة العربية إلى ظهور عدد كبير من الحركات الاحتجاجية، بعضها ذات صبغة سياسية أو اجتماعية، وبعضها ذات صبغة دينية أو عرقية. من ناحية أخرى، فشلت معظم الدول العربية في تحقيق الاندماج الوطني بين الجماعات الدينية والعرقية والإثنية المختلفة، وتعرضت معظم الأقليات أو الأغلبيات المهمشة في الوطن العربي لمظاهر الإقصاء والتمييز الديني والثقافي والاجتماعي. وفي السنوات الأخيرة ومع تزايد مظاهر القهر السياسي والاجتماعي في العديد من الدول العربية، وتصاعد دور قوى إقليمية وخارجية، بدأت هذه الجماعات تتحرك للمطالبة بحقوقها الثقافية والسياسية، أو للمطالبة بالانفصال بشكل جزئي أو كامل عن الدولة الأم. وأخيرا، أسهم التدخل الخارجي المتصاعد لقوى إقليمية وخارجية في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية في تعميق حالة الضعف والانقسام التي تشهدها دول المنطقة.
وإذا كان ثمة عوامل عديدة مشتركة أدت إلى تغييرات دراماتيكية سريعة في بعض الأنظمة،فثمة عوامل أخرى تفترق فيما بينها، لجهة الفواعل المحركة،كما الآليات أو النتائج.ففي حين كانت النقابات العمالية الفاعل الرئيس في التغيير التونسي مثلا، تحركت باقي الثورات بفعل حراك شبابي شبه منظم كالمثال المصري.وفيما تمكنت الثورات من إسقاط الأنظمة بأكلاف بشرية وسياسية متواضعة نسبيا كحالتي تونس ومصر، شهدت الأخرى ثورات ذات طابع دموي بأكلاف باهظة كالحالة الليبية واليمنية والسورية. وفيما سقط النظامان التونسي والمصري دون تدخلات خارجية تذكر، ظهرت في حالات أخرى كدعم الناتو للثوار في ليبيا،والمبادرة الخليجية في اليمن والعربية في سوريا.
وبصرف النظر عن هذه المقارنة والمقاربة في ظروف المجتمعات العربية وأنظمتها،ثمة أمر ثابت في حياة الشعوب ومجتمعاتها السياسية، ان الفقر والتهميش يعتبران من أبرز محركات الثورات،كما ان غياب حقوق الإنسان تعتبر من المحفزات الأساسية للتحريك الجماهيري، فمتى يدرك حكامنا وسياسيونا ذلك؟ أنها مفارقة ان نعيش ونحيا في القرن الواحد والعشرين ونحن لا زلنا بحاجة للتنظير عن الحقوق التي باتت من مخلفات القرون الماضية لدى غيرنا من شعوب وأمم هذه الأرض!