حدود قواعد الاشتباك التركي – السوري
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 30/6/2012
بصرف النظر عن سياسة تركيا تصفير المشاكل مع دول الجوار وبخاصة مع سوريا والعراق ، ،فان العلاقات السورية التركية لم تشهد يوما تطورا يرقي إلى مستوى العلاقات الطبيعية بين دولتين جارتين رغم كل الاتفاقيات التي عُقدت خلال العقد الماضي ، والتي وصل بعضها إلى مستوى الاتفاقيات الإستراتيجية في بعض المجالات.
وقد أتت حادثة إسقاط الطائرة التركية لتعطي بُعدا آخرا أشد تعقيدا على علاقة أنقرة بدمشق، خاصة بعدما لجأت تركيا إلى حلف الأطلسي،لكن هذا الخيار لم يكن بالمستوى المرغوب تركيا، فقد نوقش الموضوع وفقا للمادة الرابعة من ميثاق الأطلسي، وهو نقاش ذات طابع تشاوري لا يرقى إلى اتخاذ قرارات تنفيذية ،كما تنص عليها المادة الخامسة من الميثاق.فماذا يعني ذلك في السياسة والأمن؟
في السياسة ثمة تمهّل أطلسي في معالجة التصعيد السياسي- العسكري، السوري - التركي إلى أجل محدد،نطاقه على ما يبدو إلى حدود التجديد للمهمة الدولية كحد أقصى ،وأقله إلى حدود المؤتمر الدولي لمعالجة الأزمة السورية، وبين الموعدين ثمة كلام كثير في السياسة التركية ،حدوده الضغط على دمشق أكثر فأكثر،من دون نوايا عدوانية كما عبَّر عنها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، مع الإشارة الاستطرادية التي أطلقها بحفظ حق الرد على إسقاط الطائرة التركية.
في الأمن ثمة اتجاه آخر لا يختلف عن السياسة في المدى المنظور، أي أن قواعد الاشتباك السياسي - العسكري، هو ضمن حدود السيطرة والمتابعة والتركيز،على ان ذلك لا يعني بالضرورة عدم رفع النبرة والانتقال إلى مستويات أرفع في المعالجات وإدارة الأزمة.
وفي الواقع،ان ميزان القوى العسكري بين أنقرة ودمشق لا يعكس عمليا وواقعيا مستوى التعامل التركي مع أزمة الطائرة، فعمليا كانت ردة الفعل التركية بداية عالية النبرة ،ما لبثت ان خفتت نسبيا لدواعي إقليمية ودولية، وعلى الرغم أيضا من لغة الاحتواء الدبلوماسي للأزمة، فثمة عناصر أخرى كثيرة تحفز الموقف التركي على التصعيد في المستقبل القريب،لكن في الوقت نفسه لا تملك القدرة على اتخاذ الموقف منفردة،وبمعزل عن أطراف آخرين من بينهم الولايات المتحدة والأوروبيين.
في المقابل،تبدو دمشق في موقع الغريق الذي لا يخشى من البلل،فهي من جهة لا تملك منفردة خيارات التصعيد السياسي والعسكري لاعتبارات الأزمة المستفحلة يوما بعد يوم، علاوة على ان المقرر في هذا الشأن ليست دمشق تحديدا،وإنما عواصم أخرى من بينها موسكو وطهران،بالنظر لما تشكلان من خلفية داعمة ذات وزن مقرر في المسائل الإستراتيجية وبطبيعة الأمر الأزمة القائمة بين أنقرة ودمشق.
ان تداخل الأزمة السورية وتشابكها بين الوضعين الداخلي والخارجي،يجعل قواعد الاشتباك التركي - السوري مرهون بعوامل خارجة عمليا عن إطار سيطرتهما وقدرتهما على التحكم فيها في المدى المنظور، ورغم ذلك ثمة العديد من العناصر المؤثرة والتي يصعب ضبطها قادرة على تغيير السلوك السياسي للعديد من أطراف الأزمة السورية وبالتالي تأثيرها في آليات ووسائل إدارة الأزمة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ان إصرار أطراف الأزمة السورية على عدم الولوج في الحل السياسي ينذر بعواقب وخيمة على مسار الأزمة إقليميا ودوليا، وبالتالي دخول المنطقة برمتها في نفق مظلم يصعب الخروج منه دون أثمان كبيرة جدا، ويمكن ان تؤثر في طبيعة التوازنات القائمة، وبالتالي على مستوى النظامين الإقليمي والدولي،وصولا إلى الـتأثير في الجغرافيا السياسية للعديد من كيانات المنطقة.
ان انتقال الأزمة السورية من الأرض إلى الجو،عمل من شأنه تغيير السلوك السياسي للأطراف الفاعلين والمباشرين في الأزمة، ويمهد لتغيير قواعد الاشتباك السياسي والعسكري لأطرافها عاجلا أم آجلا.لقد رفعت أنقرة البطاقة الحمراء في وجه دمشق، فيما سحب حلف الأطلسي بطاقته الصفراء وفقا للمادة الرابعة من ميثاقه، فهل ستُرتكب أخطاء أخرى ما يستدعي اللجوء للمادة الخامسة وبالتالي التقاء البطاقتين التركية والأطلسية؟ . الإجابة مرهونة بأحداث القليل من الأيام القادمة.