عالم أكثر امنا في الامم المتحدة
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
كعادتها انطلقت في ثالث ثلاثاء من ايلول اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي مثقلة بعناوين وملفات شغلت العالم ماضيا وحاضرا وبالتأكيد مستقبلا. جلها مشاكل ونزاعات ذات طابع روتيني اذا جاز التعبير وبعضها الآخر استراتيجي. وعلى الرغم من خصوصية الجمعية العامة بكونها تشكل منتدى سياسي يحفز سلطة القرار في مجلس الأمن ثمة ملفات مثيرة للجدل طرحت ومن بينها ملف الاسلحة التقليدية إلى جانب الاسلحة غير التقليدية.وفي الواقع ورغم الضجيج الاعلامي الكبير الذي يأخذه السلاح غير التقليدي يبقى السلاح التقليدي من بين الملفات التي ينبغي التعاطي والتعامل معها بجدية وبعناية أكبر نظرا للخسائر التي تحدثها والتي تفوق بطبيعة استعمالها أضعاف الخسائر التي احدثتها الاسلحة غير التقليدية في الفترات السابقة.
فمثلا يموت شخص واحد كل دقيقة نتيجة هذه الأسلحة وثمة احصائية تقول ان بندقية الكلاشينكوف الذائعة الصيت فتكت وحدها من البشر أضعاف أضعاف ما فتك سلاح غير تقليدي. كما ان نسبة مبيعات الأسلحة غير التقليدية تصل إلى ارقام فلكية. فصادرات الأسلحة الى البلاد النامية بلغت في العام الماضي 60% من الإجمالي العالمي لصادرات ألأسلحة حيث سجلت قيمتها 28 مليار دولار لتصل إلى أعلى معدل لها منذ عام 2004 الذي بلغت فيه أكثر من 32 مليار دولار. ويتوقع ارتفاع صادرات الأسلحة إلى الدول النامية إلى أكثر من 70% من الصادرات العالمية هذا العام، بسبب التوترات السياسية في العديد من بلاد العالم، لاسيما منطقة الشرق الأوسط لتصل إلى أكثر من 30 مليار دولار.
وعلى الرغم من خطورة هذا الملف لم يتم حتى الآن قوننة هذه التجارة التي تعتبر من التجارات المربحة والرائجة في وقت يعج العالم بالصراعات والنزاعات.فمنذ ست سنوات والمفاوضات الخجولة جارية بهذا المجال دون التوصل الى نقطة ارتكاز تطلق منها مشروع اتفاقية حيث كانت آخر محاولة عقدت بين ست دول اوروبية ، ومن ثم نقل الملف الى الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر غير خطاب وموقف.
والمفارقة ان أكثر من نصف أعضاء الأمم المتحدة يؤيدون اتفاقية تنظم تجارة الأسلحة غير التقليدية، الا ان ثقلا سياسيا ضاغطا ووازنا لم يتم التوصل اليه بفعل رفض بعض الدول المنتجة لمثل تلك الأسلحة ومن بينها الولايات المتحدة الامريكية التي تتصدر قائمة المنتجين والمصدرين. بذريعة أن منع استخدام الأسلحة ينتهك الدستور الأميركي، وكذلك رفض بعض الدول النامية مثل إيران ومصر وسوريا وكوريا الشمالية والجزائر، بسبب الصراعات المحتملة في هذه الدول.
ثمة ضرورة ملحة ان تقوم الأمم المتحدة بدور فاعل في هذا المجال من خلال تمديد التفويض بمتابعة التفاوض خلال العام القادم للوصول الى اتفاقية تضع حدا لانفلات هذه التجارة التي تعد الأكثر فتكا في العالم والتي يذهب ضحيتها ملايين الأشخاص سنويا.
باتت الأمم المتحدة وبمختلف أجهزنها الرئيسة ومن بينها الجمعية العامة ومجلس الامن معنية مباشرة بهذا الملف باعتبارها المعني الرئيسي بإدارة دفة التنظيم الدولي، سيما وأن من بين مبادئها وغاياتها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين الذي يشكل السلاح غير التقليدي أحد ادوات تفجيره وإشعال نزاعاته.
لقد صرفت الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة الوقت والجهد الكبيرين على العديد من الملفات ذات الطابع العسكري والامني،وبخاصة ملف الاسلحة غير التقليدية، وتم التوصل فيها الى العديد من الاتفاقيات التي تنظم مثل تلك الأسلحة التي تخيف البشرية رغم انها لم تستعمل سوى مرة واحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية. اليوم تشكل الاسلحة التقليدية حالة شد وجذب واسعتين بين من ينتج ويصدر وبين من يشتري ويستعمل، وفي كلا الحالتين الخاسر الأكبر هو الانسان ليس بكونه ضحية هذا السلاح فقط، بقدر ما ان ثمن ما يدفع لهذا السلاح وطريقة استعماله، تشكل عقبة كأداء في وجه التنمية التي تعاني منها معظم دول العالم وبخاصة الفقيرة منها. فهل ستتمكن الأمم المتحدة من انجاز ملف عمره من عمر النزاعات بين الدول والمجتمعات،ثمة شكوك كبيرة طالما ان ثمة دولا تعيش على حساب دول وشعوب آخرى أقل كفاية وأكثر استفزازا بحساسياتها الداخلية والخارجية.