20‏/10‏/2012

جس النبض بالطائرات الاستطلاعية

جس النبض بالطائرات الاستطلاعية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

طائرة الاستطلاع المجهولة المصدر المعروفة الأهداف والتي اسقطتها إسرائيل لا تحتاج لكثير عناء لتحديد هويتها.فإسرائيل الصقتها بحزب الله، وعلقت طهران عليها من زاوية هشاشة النظام الدفاعي الاسرائيلي. فيما غايات وأهداف متعددة يمكن رصدها من خلال اطلاقها في هذه الظروف بالذات.
في المبدأ ان حادثة الاطلاق والإسقاط قد تمت باعتراف اسرائيلي واضح، وان جميع المؤشرات توضح هوية من أطلقها والدوافع المبتغاة منها. وفي المبدأ أيضا ان الاطلاق بحد ذاته ليس بسابقة في تاريخ الصراع بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل،فقد سبق لحزب الله ان أطلق طائرة استطلاع باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة في العام 2006 قبيل العدوان الاسرايلي على لبنان،وكانت أهدافها معروفة انذاك وتختصر بإيصال رسائل واضحة إلى تل ابيب ان ثمة نقلة نوعية في المواجهة معها،بصرف النظر عن فعالية العمل وحجمه الفعلي والعملي.
اليوم الأمر مختلف،ان لجهة التوقيت أو المسار الذي سلكته أو الظروف المحيطة بالمنطقة ، ما يرخي اسئلة اضافية حول الأبعاد والتداعيات المحتملة.الطائرة الأولى اطلقت في ظل قواعد اشتباك هشة بين الجانبين آنذاك، واعتبرت آنذاك من بين ادوات عدة الشغل ومجالا لتسجيل النقاط الاستخبارية بين الطرفين،علاوة على ان مسار الطائرة الاستطلاعية في حينها كان تقليديا في المفهوم العسكري الاستراتيجي،فقد اطلقت من جنوب لبنان وحلقت شمال الاراضي المحتلة لحوالي ربع ساعة قبل اعادتها إلى لبنان.
الطائرة الاستطلاعية الثانية اطلقت أيضا من لبنان بحسب اسرائيل وحلقت فوق البحر وبالتحديد فوق منصات استخراج الغاز الاسرائيلية قبل ان تدخل الاراضي المحتلة لتصول وتجول لأكثر من ساعة قبل اسقاطها.ما يعطي ابعادا اضافية لسلسلة ادوات الصراع بين الطرفين.في المجال الأول ثمة نقلة نوعية في اتجاه مسار الطائرات الاستطلاعية والأماكن المفترضة التي حلقت فوقها وحجم ونوعية المعلومات التي قد تكون ارسلتها. ثانيا ان مدة التحليق والمنطقة التي اسقطت فيها،تشير اولا إلى ان الطائرة تعتبر أكثر تطورا من سابقتها،وثانيا،ان وصولها إلى عمق الاراضي المحتلة يعني قدرتها على التخفي لمسافات طويلة علاوة على الانطباع الواضح لفشل الرادارات الاسرائيلية في اكتشافها إلا في مراحل متقدمة من عملها وتحليقها.
من الناحية العملية وبصرف النظر عن القدرات التي تتمتع بها الطائرة ان كانت عالية التقنيات ام لا، فهي بالنسبة لحزب الله علامة فارقة في سجله الصراعي مع اسرائيل من جهة، كما لأبعادها الاقليمية وخاصة الايرانية من جهة أخرى. فالتعليق الأول الذي اطلق من طهران على الحادثة صُنف من باب الفشل الذريع لمنظومة القبة الحديدية التي تتباهى اسرائيل بها لجهة القدرة العالية لرد اي هجوم صاروخي بعيد المدى يُشن ضدها والمقصود هنا الصواريخ الايرانية المحتملة.
ففي الأشهر القليلة الماضية وصل التصعيد الاسرائيلي ضد البرنامج النووي الاسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة ، وترافق مع تصريحات اسرائيلية واضحة بإمكانية العمل الاسرائيلي المنفرد عسكريا ضد المنشآت النووية، ومن الواضح ان اطلاق الطائرة في مثل هذه الظروف الملبدة لا يعني سوى جس النبض الاستخباري والأمني والعسكري لإسرائيل ، لكيفية التعاطي المستقبلي مع احداث مماثلة.
ثمة مؤشرات كثيرة وواضحة ان متغيرات قد طرأت على حجم وكيفية التعاطي المستقبلي في أي نزاع محتمل بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل ، كما ثمة ر سم جديد لقواعد اللعبة في الشد والجذب الجاري بين طهران وتل أبيب وتأتي هذه الطائرة كأحد الرسائل الواضحة في هذا المجال.
ان الوضع القائم في الشر ق الأوسط قد وصل إلى مراحل من الضغط السياسي والأمني بحيث ينذر بانفجار اقليمي ذات ابعاد دولية متعددة،ما يعني ان اي رسالة من اي جهة أطلقت، ينبغي ان تقرأ بعناية فائقة لئلا تفلت الأمور من عقالها. ربما حادثة الطائرة لن تكون السبب المباشر في اشعال المنطقة ، إلا ان كثيرا من الحروب الاقليمية والدولية انطلقت لأسباب بدت أكثر من سخيفة مقارنة مع نتائجها، واليوم ربما علم على الحدود الدولية أو طائرة ورقية يمكن ان تشعل حربا ربما ستكون نتائجها كارثية وغير متوقعة لجميع من سيشارك فيها.