ماذا بعد مؤتمر شرم الشيخ
صحيفة الحليج الاماراتية ، 18-3-2015
ثمة ثابتة لا يختلف عليها اثنان، هي الترابط العضوي بين الاقتصاد والأمن، فأول شروط نهضة الاقتصاد في عالمنا المعاصر، هو جذب الاستثمارات الخارجية، وهذا الجذب بالتحديد يتفحص الأمن أولاً، باعتبار أن عصب حماية رأس المال هو الأمن قبل أي أمر آخر . ومصر التي تكافح كغيرها من الدول تتطلع إلى حجم استثماري بأرقام مهولة، ورغم عدم استحالة أو صعوبة تأمينها، إلا أنها تتطلب الكثير من العوامل الموازية التي تتطلب أيضاً استثماراً في السياسة إلى جانب الاقتصاد والأمن .
فمصر التي عوّلت على مؤتمر شرم الشيخ بحضور عربي ودولي وازن، تواجه أزمة اقتصادية تتطلب حلولاً عبر إصلاحات هيكلية لا وصفات سحرية، فنجاح المؤتمر سيسهم في تحسين الصورة لجهة الموقع والدور، ولجذب استثمارات خارجية تعيد الاقتصاد المصري إلى النمو الذي تراجع خلال السنوات الأربع الماضية بفعل الاضطرابات السياسية والأمنية . كما استهدفت من خلال طرحها خريطة جديدة للاستثمار اجتذاب مليارات الدولارات لإنعاش الاقتصاد الذي سجل عجزاً في الموازنة وصل إلى 14% العام الماضي مقارنة ب9% في خلال العام 2013 . وفي لغة الأرقام تآكل احتياط العملات الأجنبية من 19 إلى 15 مليار دولار خلال العام الماضي، فيما وصل معدل التضخم إلى 11%، وفي وقت وصل معدل الفقر إلى 23% في بلد يبلغ تعداد سكانه 87 مليون نسمة . في مقابل ذلك مهدت مصر للمؤتمر بخطوات إصلاحية بغية تهيئة الأرضية الاستثمارية الجاذبة للمستثمرين . وأبرز تلك الإصلاحات خفض دعم الطاقة وصدور قانون الاستثمار الموحد لتخفيف الإجراءات والحد من البيروقراطية، بالإضافة إلى الإعلان عن حزمة مشاريع في مجال البنية التحتية أبرزها مشروع توسيع قناة السويس .
وأمام هذه التحديات الكبيرة، ثمة معطيات مغايرة يمكن لمصر الاستفادة منها، في طليعتها حجم ونوعية المشاركين في المؤتمر، الذي غلب عليه الطابع الخليجي بالدرجة الأولى، فمن بين نحو 1300 مسؤول حكومي وتنفيذي أجنبي حضروا المؤتمر، ثمة ما يزيد على 07O مسؤولاً من دول الخليج الست .وبذلك تصبح منطقة الخليج أكبر المشاركين في المؤتمر، متجاوزة الدول الأوروبية التي كانت تهيمن على الاستثمار الأجنبي في مصر قبل انتفاضة 2011 . كما يفوق عدد المشاركين من الإمارات العربية المتحدة وحدها البالغ 160 تقريباً، عدد المشاركين من الولايات المتحدة البالغ ،55 رغم أن بعضهم شارك كممثل لشركات غربية في الإمارات العربية المتحدة . هذا الحضور يعكس اهتماماً نوعياً بالعلاقات المصرية الخليجية ليس من البوابة الاقتصادية فحسب، وإنما من السياسية أيضاً، حيث يبدو لمصر دور وموقع في السياسات الإقليمية القادمة وفي إعادة ترميم النظام الإقليمي العربي .
وإلى جانب هذه الوقائع والمعطيات، ثمة مقاربة أخرى على مصر الانخراط والمضي فيها، هي إعادة البيئة الأمنية الداخلية والإقليمية إلى نصابها الطبيعي المفترض، بعد الاضطرابات التي شهدتها الساحة المصرية من أعمال إرهابية، وهو عمل وفعل ضروريان للاستثمار المالي والاقتصادي، وشرط لازم للنجاح والنهوض الذي يأمله كل من المستثمر الأجنبي وصانع السياسات الداخلي .وفي هذا الإطار ثمة مصلحة مشتركة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية والسياسية خاصة بين دول الإقليم الساعية إلى إعادة تركيب وهيكلة نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد سلسلة من الانهيارات كلفت أثماناً باهظة .
لقد عانت مصر في غير حقبة سياسية من تاريخها المعاصر، أزمات اقتصادية متعددة الوجوه والأسباب، إلا أن هذه الأزمة تبدو أكثر تأثيراً، بالنظر للتحولات الحاصلة في المجتمع المصري وما يحيط به من فواعل إقليمية، ما يستدعي حسن البصر والتبصر في كيفية وآليات الاستفادة من الظروف الاستثمارية المتاحة في المرحلة الراهنة، لا سيما أن المنطقة تمر بظروف دقيقة جداً من الصعب تكرار الفرص فيها، وإن تكررت من الصعب استغلالها بنفس الشروط والكيفية والنوعية . فهل ستكون نتائج مؤتمر شرم الشيخ كافية لحل الأزمة الاقتصادية المصرية، أم ستكون مجرد آلية لإدارة أزمة لها ذيولها وتداعياتها؟
ثمة ثابتة أخرى يمكن التأكيد عليها في هذا المقام، هي أن الاقتصاد عصب السياسات وهيكلها العظمي، فهل ستحسن مصر التوفيق بين الاقتصاد والاستثمار من جهة، والسياسات الإقليمية والدولية التي يرسم ويخطط لها حالياً؟ إن قراءة الوقائع بروية، تثبت أن القاهرة كان لها كلمة فيما يقال وينفذ في الإطارين العربي والإقليمي .
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/f713e9b8-7f5c-453d-8319-c81fb25fb824#sthash.jY7Y3rbc.dpuf