قراءة هادئة في جذور الأصولية
صحيفة الخليج الاماراتية 3-6-2015
د. خليل حسين
على عكس ما هو شائع ومتداول في الإعلام الغربي من أن الأصولية هي توصيف مرادف للإسلام والمسلمين، وأن منشأها وجذورها من طبيعة عربية وإسلامية، فالأصولية وجدت ونشأت في المجتمعات الغربية وترعرعت وتطورت عبر غلاة غير إسلاميين، ووجدت بيئتها الحاضنة في غلاة المسيحيين المتصهينين، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمثلت في العديد من التيارات الدينية والسياسية، وصولاً إلى المحافظين الجدد الذين حكموا أمريكا وحاولوا تنظيم العالم على مقاس معتقداتهم.
لقد سارع المفكرون الغربيون، إلى إطلاق مصطلح الأصولية على الحركات التي ارتبطت بالإسلام المسلح في الشرق الأوسط وآسيا منذ نشأتها الأولى.
وفي الواقع يعود المصطلح إلى حركة دينية عرفتها الولايات المتحدة مطلع القرن الماضي، بعدما تمكنت مجموعة من البروتستانت من طبع 12 مجلداً في الفترة ما بين 1910 إلى 1915 بعنوان «أصول شهادة على الحقيقة» وانتشرت في وقت قياسي بين ملايين المسيحيين الأمريكيين، ونظر إليها كرد عملي على الداروينية، واعتبرت أول التفاتة إلى الدين، بعدما اتجه المجتمع الغربي نحو العلم، وقد حدد أصوليو أمريكا أربع ركائز أساسية لأصوليتهم هي الإحياء والتمسك بالجوهر والتجديد والعمل.
لقد كان الفرق الأساسي بين الأصولية الأمريكية والأصولية الشرقية، أن الأولى كانت نقاشاً حقيقياً لقضيتي العلم والدين ومناطق التماس بينهما، بينما عاشت الحركة الأصولية الشرقية حالة من الجهل الفكري منذ صعودها أواخر سبعينات القرن الماضي وحتى ضمورها بداية الألفية الحالية، وبمعنى آخر كانت الأصولية الشرقية استدعاءً لزخم حركي لم يرتكز، ولم ينتظر حتى إمكانية إرساء أي قواعد فكرية له.
إن المرتكز الأساسي للحركة الأصولية الإسلامية المعاصرة، نشأ في الفضاء الآسيوي في ظروف فقهية وسياسية استثنائية، فقد تم تغليب المدرسة الديبوندية على المدرسة الهندية المقاومة، تلك المدرسة التي اهتمت بالفروع أكثر من الأصول، حيث أن الكثير من استنتاجاتها وصلت بالاستناد إلى كتب القرون الوسطى، وفي اتجاه مواز تم غض النظر عن دفع الحركات الإسلامية الآسيوية إلى مقدمة الصورة السياسية في مواجهة صعود كتلة عدم الانحياز وحركات التحرر الوطني، وأيضاً في مواجهة النفوذ الصيني والسوفييتي السابق.
والملاحظ في ذلك، أن الغرب جمع تحت الأصولية مجموعة حركات سياسية وصلت علاقة بعضها بالبعض الآخر، إلى مستوى الاحتراب، فقد ضمت الكلمة حركات الإسلام المسلح،وتلك الجماعات التي ظهرت في أوائل الثمانينات وصعّدت من عملها العسكري في التسعينات وكان جسمها الأساسي ارتداداً للظاهرة الأفغانية، جنباً إلى جنب مع الجبهة الإسلامية التي ولدت ثم تضادت مع حركة الإخوان المسلمين، وكذلك التجربة الإيرانية المعادية للسياسات الأمريكية والصهيونية، وخطورة هذا الطرح أنه ألغى القضايا وتمايزاتها وخلق صورة نمطية واحدة لمسلم ملتح يحمل رشاشاً لا يدافع عن قضاياه المباشرة، وإنما يدافع عن نموذج فكري في ذهنه.
وفي الوقت ذاته تمَّ التغاضي عن قصد إلى أصوليات هي أخطر بكثير ولها سوابق إرهابية تمتد عميقاً في جذور التاريخ.
واللافت أيضا أنه وفي معرض البحث عن جذور الإرهاب وأسسه وكيفيته، تمَّ اللجوء إلى الأصوليات كأساس يمكن الاستناد إليه في معرض توصيف ظواهر ومنفذي العمليات الإرهابية.
فيما تمَّ تجاهل الأسباب الحقيقية التي جعلت مثل تلك الجماعات تلجأ إلى التطرف لمواجهة ما تتعرض له.
وفي النهاية كلمة حق لا بد أن تذكر، وهي أن العودة للأصول لا ضير فيها، ولا ينبغي أن تشكل عقدة خوف أو نقص لما اعتراها من تحريف في المعنى.
كما ينبغي على دارسي تلك الحركات أن يكونوا موضوعيين في إيضاح منشأها والحكم على أعمالها، لكي لا تشوه صورة الدين، أي دين على أنه سبب في انتعاش الأعمال الإرهابية.
وفي الواقع ما أكثرها في دولنا ومجتمعاتنا اليوم، حيث التنظيمات الإرهابية تعيث في الأرض فساداً باسم الدين والعودة إلى الأصول كما تدعي.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/ec64ccb6-f751-40c1-8552-feffcebafc6d#sthash.djHKQS6t.dpuf