اتفاق نووي بقراءات متعددة
د.خليل حسين
صحيفة الخليح الاماراتية 7-4-2015
فاق بأوجه متعددة، تتيح قراءته فهم كل طرف فيه ما يريده من دون استفزاز الآخر، ومن دون إتاحة الفرص لأي طرف، القول إنه ربح كامل أو خسارة كاملة، فيما اعتبره كثيرون، بأنه "اتفاق تاريخي" يمكن أن ينهي أزمة دولية لا سابق لها، لجهة النوع أو كم الوقت المستهلك في المفاوضات أو النتائج السياسية المحتملة . فبعد 12 سنة من العقوبات الدولية المباشرة، عدا الخاصة، وبعد 18 شهراً من المفاوضات و16 جولة أخيرة، ظهر اتفاق الإطارفي صفحتين مخصبتين بثلاثة محاور رئيسية، الجانب التقني، والرقابي، والعقوبات، عدا عن الجانب السياسي غير المعلن والذي يمكن استنتاجه ببداهة ومن دون كثرة عناء، كالاعتراف بإيران قوة نووية إقليمية ولو مقيدة بقيود تقنية وزمنية، علاوة على شرعنة البرنامج وإنهاء سياسة الاحتواء ضد طهران .
في المبدأ توصلت طهران إلى قناعة بأن الاتفاق سيحفظ البرنامج من دون تدميره، في الوقت الذي اقتنعت واشنطن بأن التوصل إلى اتفاق الضرورة هو أقل الخسائر مع إبقاء البرنامج تحت السيطرة والرقابة المشددة، ذلك ما دفع الطرفان إلى تنازلات مؤلمة تبدأ بالتقني ولن تنتهي بالسياسي . وفي كلا الحالين ثمة مساحات واسعة لتناول التفاصيل التي يقبع فيها الشيطان خلال الأشهر الثلاثة القادمة للوصول إلى الاتفاق النهائي في نهاية يونيو/ حزيران القادم .
فلجهة المنشآت، ستعتمد إيران في برنامجها النووي على منشأة "نتانز" دون المنشآت الأخرى، وهو تنازل علمي وأمني . فإصرار الفرنسيين خصوصاً، على تهميش موقع "فوردو" في البرنامج الإيراني، مرده تحصينات الموقع الواقعة تحت ثمانين متراً في أنفاق جبلية لا يمكن الوصول إليها بأي صواريخ معروفة، ووجود أجيال متقدمة عملت على إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% . ووفق الاتفاق فكل النشاط النووي سيتم في "نتانز" الذي يمكن مراقبته، وبذلك سيتحول "فوردو" ولمدة 15 عاماً إلى مركز للأبحاث والتطوير الفيزيائي، ويتوقف عن الإنتاج . أما بخصوص مفاعل "آراك" العامل بتكنولوجيا متطورة جداً "المياه الثقيلة"، فنجح الإيرانيون بمنع تفكيك المنشأة، ووقف تطويرها، إلا أن الاتفاق قضى بتفكيك قلب المفاعل، وإعادة تصميم مفاعل جديد بالتعاون مع مجموعة "5+1" وهو أمر سعت إليه باريس تحديداً لخبراتها في هذا المجال، على ألا ينتج البلوتونيوم للاستخدامات العسكرية . وهي مرحلة متقدمة جداً كانت في البرنامج النووي الإيراني . كما تعهدت طهران بعدم بناء أي مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة خلال 15 عاماً .
أما لجهة التخصيب، فقدم الإيرانيون تعهدات واضحة بتخفيض عدد آلات الطرد المركزي من 19 ألفاً إلى ستة آلاف . علماً أن إيران بدأت برنامجها ب300 وحدة طرد مركزي عام ،2003 فيما عدد الطاردات المركزية العاملة فعلياً لا تتجاوز تسعة آلاف حالياً، بينما كانت الطاردات الأخرى من دون إنتاج . فيما تسمح عمليات التخصيب، وفق الآلية الحالية الإبقاء على كميات تبلغ شهرياً 15 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب .
كما حسم اتفاق الإطار تجميد تطوير أي آلات تخصيب جديدة لنحو 15 عاماً، مع التعهد بعدم استخدام أي جيل جديد من الآلات من الجيل الثاني حتى الجيل الثامن، مع عدم تطوير أي جيل جديد، ووضع الفائض منها تحت رقابة وكالة الطاقة الدولية . أما نسبة التخصيب والكميات، فقد حصلت إيران على اعتراف واضح بحق التخصيب، بنسبة 5 .3 في المئة، وهي نسبة كافية للإبقاء على البرنامج . في المقابل على طهران تخفيض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 .3 في المئة والبالغ حالياً قرابة عشرة أطنان، ليصل إلى 300 كيلوغرام . في موازاة ذلك وبناءً على الإصرار الأمريكي أرفق هذا البند ببند آخر، يتعلق بإلزام إيران بمهلة عام قبل خروجها من المعاهدة، إذا ما قررت ذلك، بهدف تقييد أي احتمال أن تلجأ إلى بناء القنبلة النووية، التي تحتاج إلى عام أو أقل والى 260 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 .3 في المئة .
أما لجهة الرقابة على المنشآت، فستقوم طهران، بإبرام ملحق معاهدة حظر الانتشار النووي، الذي كان مجلس الشورى الإيراني قد وافق عليه، وينتظر أن تصدره الحكومة الإيرانية في قانون مبرم . كما ستوافق طهران على تنفيذ المادة 3 من المعاهدة، التي تبيح لمفتشي الوكالة الدولية الحق بزيارة المنشآت دون إعلام مسبق، كما تفرض المادة الإضافية إعلام الوكالة عن أي منشآت جديدة تنوي الحكومة الإيرانية بناءها، قبل البدء بها . كما ستراقب الوكالة البرنامج النووي لمدة 20 عاماً، وآلات التخصيب ومراكز التخزين، 20 عاماً، و25 عاماً للمناجم ومطاحن اليورانيوم الخام .
في المقابل سيقوم الأوروبيون والأمريكيون برفع كل العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي، خصوصاً أن العقوبات الأوروبية، المتعلقة بإقصاء إيران عن التحويلات المالية والتأمين على الناقلات النفطية والتجارة البحرية عامة، تسببت في أضرار ضخمة بالاقتصاد الإيراني . فوصلت بحسب بعض التقارير إلى حوالي 200 مليار دولار في 3 سنوات . ويعتبر رفع العقوبات عبر إلغاء ستة قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن وأهمها 1696 و2129 إنجازاً كبيراً، لكنه مرتبط بعمليات تفتيش الوكالة الدولية وبالتزامن معها . وكان الأمريكيون قد قدموا تصوراً يفضي عملياً إلى رفع العقوبات عبر قرارين، الأول يأخذ علماً بالاتفاق الإطار، والثاني يرفعها بعد صدور التقرير الأول عن الوكالة الدولية بخصوص التعاون الإيراني، ويلغي كل القرارات .
وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بأنه اتفاق لا يقوم على الثقة بل على القيود والرقابة، وحدها "إسرائيل" كانت المعترضة، والتي اعتبرته تهديداً وجودياً، الأمر الذي يمكن استثماره في المفاوضات التفصيلية القادمة، والذي ستكون بمثابة فرصة للشد والجذب لكل القوى المؤثرة في المنطقة بهدف تحقيق مكاسب ميدانية تعزز أوراق التفاوض النهائية . في المحصلة اتفاق يمكن وصفة بالحياكة الإيرانية المعهودة للسجاد الموسوم بطول الصبر والبال، والحبكة الأمريكية التي تحترف قطف واستثمار النتائج بتوليفة برغماتية موصوفة . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/03d51385-83e5-4a46-a4fd-071d59402e82#sthash.a9a1VugC.dpuf