سنة ولبنان بلا رئيس
صحيفة الخليج الاماراتية 16-5-2015
د.خليل حسين
لم تعد سابقة أن يكون لبنان بلا رئيس، فتاريخه السياسي حافل بالمحطات والأحداث التي عرقلت انتخابات الرئاسة.
والمفارقة في هذا المجال، أن كل الاستحقاقات الرئاسية كانت مناسبة لخلاف اللبنانيين، وغالباً ما أنتجت أزمات وطنية حادة أعقبها اقتتال اتخذ أشكالاً وصوراً مختلفة، كانت نهاياتها عبر تسويات إقليمية بنكهة دولية.
فالرئيس ميشال سليمان الذي أتى بتسوية اتفاق الدوحة قبل سبع سنوات، أعقبه فراغ ما زال قائماً منذ سنة بالتحديد، وسط انقسام عمودي بين فئتين اتفقت سابقاً عليه، هاتان الفئتان ما زالتا تضعان «فيتوات» متبادلة على أسماء كثيرة، وكل طرف يعد مرشحه هو القادر على إيصال لبنان إلى بر الأمان.
وبصرف النظر عن اعتبارات كل فريق، ظلت الرئاسة شاغرة وجرّت وراءها الكثير من المؤسسات المدنية والعسكرية وحتى الدستورية في فراغات قاتلة.
ظاهرة الفراغ تكررت سابقاً مع نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل الذي عيَّن آنذاك الجنرال ميشال عون رئيساً للحكومة في 23 سبتمبر/أيلول 1988، وتنافست حكومته مع حكومة الرئيس سليم الحص، وشهد لبنان صراعات عنيفة انتهت باتفاق الطائف الذي أتى بالرئيس رينيه معوَّض الذي اغتيل بعد انتخابه بعدة أيام في 22 اكتوبر/تشرين الأول 1989، كما حصل تماماً مع اغتيال الرئيس بشير الجميل في 14 سبتمبر/أيلول 1982.
انتخب الرئيس إلياس الهراوي كنتاج سياسي اقتصادي لاتفاق الطائف والذي مددت ولايته لثلاث سنوات، كما حدث تمامً مع الرئيس بشارة الخوري 1949، الذي أعقب ولايته بانقسام اللبنانيين ،وهي الظاهرة التي تطابقت أيضا مع التمديد للرئيس إميل لحود لثلاث سنوات أيضاً، والمشترك في تلك الانقسامات والتمديدات الثلاث، احتراب اللبنانيين على قضايا طائفية ومذهبية وأخرى سميت وطنية، خاصة بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، والتي ما زالت تداعياتها وارتداداتها جارية بعنف حتى الآن، وهي أحد أضلع المشاكل والقضايا التي انسحبت على انتخابات الرئاسة لاحقاً.
نموذج آخر لا يقل غرابة، وهو انتخاب الرئيس إلياس سركيس في ظل استعار حرب السنتين في إبريل/نيسان 1976 قبل نهاية ولاية الرئيس سليمان فرنجية بستة أشهر والذي أكمل ولايته عنوة، وهي سابقة تكررت أيضاً بمظاهر وصور ،وإن اختلفت ،فهي متقاربة مع نهاية ولاية الرئيس كميل شمعون عام 1958 بحرب أهلية أوصلت بعدها الجنرال فؤاد شهاب للرئاسة ،نتيجة تسوية مصرية -أمريكية، أعقبه الرئيس شارل حلو الذي تكوّنت في خلال ولايته معظم الأسباب التي أدت إلى انفجار الحرب الأهلية في العام 1975.
في المحصلة اثنا عشر رئيساً للجمهورية تعاقبوا على حكم لبنان باستثناء الرئيس بشير الجميل الذي لم يحكم بسبب الاغتيال، وكان المشترك بينهم أنهم جميعاً انتخبوا في ظروف داخلية وخارجية استثنائية، حتى إن ثمة شكوكاً حول استثناء الرئيس سليمان فرنجية ،كما يقول البعض. كما أنهم جميعهم اشتركوا بنفس المظاهر والوقائع، إذ انتخبوا عبر تسويات عربية وإقليمية ودولية، والفارق بينهم اختلاف الفاعل في العملية الانتخابية في بعض المناسبات .
ففي بعضها لعبت مصر وفرنسا أدواراً رئيسية في ذلك حتى أواخر الستينات، ومن ثم برز الدوران السوري والأمريكي مع أطراف عربية أخرى لاحقاً.
واللافت أيضا في جميع حالات الانتخابات التي حصلت الأثر الخارجي فيها، فيما اليوم يظهر أن اللبنانيين لم يعودوا بقادرين حتى على حجز مكان مؤثر ولو بمستويات متدنية، إذ باتت لعبة الأسماء والانتخابات تقرر بمجملها في الخارج.
ها هو لبنان يتمم عامه الأول بلا رئيس، في وقت يحكم المؤسسات أربع وعشرون «وزيراً »، هم عدد وزراء الحكومة الحالية،حيث يعتبر كل واحد منهم نفسه رئيساً ويمتلك حق النقض على أي موقف أو مشروع، بل يرهن الدولة بمؤسساتها ومجتمعها وطوائفها بموقفه الخاص بصرف النظر عن صوابية المواقف أو خطئها، وفي مطلق الأحوال وأحسنها ،فهي خاضعة لمزاج سياسي يصعب حصره بمعادلة سياسية أو دستورية واضحة.
ربما قدر اللبنانيين أن يظلوا في دائرة التجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية التي وصلت إلى حد التدخل في صغائر الأمور كما كبائرها، والمضحك المبكي في ذلك، أنهم يعلمون مآسي وويلات هذا النوع من التعامل مع الأمور ويصرون على المضي بها.
والمصيبة الأعظم أن انتخابات الرئاسة هذه المرة إن حصلت فهي مرتبطة بملفات هي أكبر من لبنان والمنطقة، وبالتالي ستعكس، إن حصلت صورة التوازنات التي تتشكل حالياً بين مختلف الفواعل الإقليمية والدولية.
وبالمحصلة ربما يحتاج انتخاب رئيس جديد تخصيب 68 صوتاً ولو بنسب مخفّضة في الخارج وغير قابلة للانشطار المذهبي والطائفي، إنها فعلاً لعنة تلاحق اللبنانيين مع كل استحقاق حتى ولو كان غير رئاسي
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/1be37a12-f483-4772-8167-2fb0fb42d828#sthash.3l78exe1.dpuf