حكومات لبنان بين التكليف والتأليف تاريخ النشر: 06/11/2016
د. خليل حسين
لا يشكل تكليف أو تشكيل الحكومات في معظم الأنظمة الدستورية في العالم، مشكلة أو هماً سياسياً أو وطنياً ذات شأن، إذ إن الأغلبية في المجالس النيابية، هي من تفرض رئيس الحكومة وتشكيلته. إلا أن الأمر في لبنان يبدو مختلفاً بعض الشيء، بالنظر لارتباط الموضوع، بمسائل عدة يصعب تجاوزها بسهولة ومرونة، إذ إن مشكلات التكليف والتأليف في عهد اتفاق الطائف هي غيرها عما كانت الحال عليه قبل عام 1990.ففي عهد وثيقة 1943، ودستور 1926، كانت تشكل الحكومات وفقاً لمشيئة ورغبة رئيس الجمهورية، الذي منحه الدستور سلطات واسعة في هذا الشأن، فهو الذي يعين رئيس الحكومة بعد مشاورات شكلية غير ملزمة، كما يعيّن تشكيلة الحكومة، فيما دستور 1990، حدد آليات التكليف والتشكيل، وفقاً لأنساق ملزمة، إن لجهة الاستشارات التي تلزم رئيس الجمهورية بتكليف من ينال أكثر الأصوات، أو لجهة إلزامية إطلاع رئيس المجلس النيابي عليها، أو لجهة المدد الدستورية ذات الصلة بعمل الحكومات وبياناتها الوزارية.
ففي لبنان شُكلت 68 حكومة، بينها 16 حكومة إبان الانتداب، و12 حكومة منذ عام 1990 أي بعد التعديلات الدستورية، وحالياً يأتي تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، بعد شغور رئاسي دام لسنتين ونصف السنة، حيث أخذت حكومة الرئيس تمام سلام زمام الحكم مكان الرئيس، وهي أطول حكومات لبنان عمراً.
وإذا كان انتخاب الرئيس ميشال عون، شكَّل بارقة أمل لإنهاء مأزق دستوري وسياسي، فإن تشكيل الحكومة الحالية، يشكل منعطفاً في الحياة السياسية، بالنظر لاعتبارات عدة، إن لجهة التوقيت أو المدد الزمنية الممنوحة لها دستورياً وواقعياً، أو لجهة «المطبات السياسية»، التي يمكن أن تواجهها.
في أي حال من الأحوال، ثمة مؤشرات إيجابية تشي بإمكانية تذليل عقبات كثيرة عادة ما كانت تعترض تشكيل الحكومات، ومنها حصص الكتل النيابية والحزبية في الحكومة، ونوعية الحقائب الموزّعة على الكتل والطوائف والمذاهب، وبخاصة الوزارات السيادية، علاوة على بعض القضايا والمسائل التي تشكل حساسية ما في البيان الوزاري، وهي أمور أخذت وقتاً طويلاً في بعض الحكومات حتى نالت الثقة في المجلس النيابي.
إلا أن أغلبية الأطراف السياسية اللبنانية راغبة في إعطاء الرئيسين عون والحريري فرصاً قوية بداية العهد، وهذا ما عكسته نتائج الاستشارات النيابية الملزمة التي أفضت إلى إعطاء الرئيس الحريري 112 صوتاً من أصل 126، وهو من الأرقام العالية، التي تأتي في المرتبة الثالثة بعد الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة، وهو بطبيعة الحال أعلى من الرقم الذي ناله إثر الاستشارات التي أفضت إلى تسلمه رئاسة الحكومة عام 2009.
إن الظروف الداخلية والخارجية التي تحيط في عملية تكليف وتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، هي دقيقة جداً، بحيث تعكس توازنات إقليمية ودولية، متصلة بأزمات كثيرة، ويبدو أن ثمة توافقاً على تمرير هذا الاستحقاق بأقل الخسائر الممكنة لجميع الأطراف المعنية بالوضع اللبناني. وما يعزز ذلك الأمر الشق الداخلي من الموضوع وبخاصة الجانب الدستوري والقانوني، فمهما يكن من أمر، فالحكومة مرهونة بموعد محدد وهو 20 يونيو/حزيران 2017، وهو موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي المدد له، وبالتالي ستعد الحكومة مستقيلة حكماً.
وفي المقابل، إن أبرز عقبات التشكيل، مرهونة أولاً وأخيراً، بالبيان الوزاري الذي سيرسم الإطار العام لقانون الانتخاب العتيد الذي لطالما اختلف عليه اللبنانيون منذ عقود، ولم يتم الاتفاق على قانون يرضي أغلبية الشرائح السياسية اللبنانية، علاوة على توزيع بعض الحقائب الوزارية السيادية والخدماتية، التي تسببت سابقاً في إطالة عمر التشكيل، حيث وصل في إحداها إلى التسعة شهور، التي يشاع بأن وزارة الطاقة إحدى هذه الحقائب، لما تشكل من مرتكز اقتصادي ومالي على قاعدة تلزيم التنقيب واستخراج النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان.
ثمة الكثير من العقبات والشروط، والشروط المضادة التي واجهت انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة، لكن العبرة تكمن في قدرة اللبنانيين على تجاوز المطالب الفئوية والطائفية والمذهبية الضيقة، والخروج برؤى موحدة حول قضايا عدة مصيرية، خاصة وأن الظروف الإقليمية والدولية التي أفضت إلى إعادة تكوين بعض مراكز السلطة في لبنان، من الصعب أن تتكرر في المدى المنظور.