الجغرافيا السياسية
الجغرافيا السياسية
المؤلف: الدكتور خليل حسين
الطبعة الاولى 2009
الناشر: دار المنهل اللبناني
ظلت الجغرافيا محط أنظار البشر قديما وحديثا،فأُلبست مفاهيم ونظريات مختلفة،لغايات وأبعاد وخلفيات متباينة.واستغلت في غالب الأحيان لغير ما يفترض أن تهتم به،لذا انشغل الدارسون والمتخصصون في التحليل والتمحيص والبحث في توصيفها وتفسيرها ،وتقسيمها إلى علوم مختلفة وربما تعتبر الجغرافيا السياسية من بين أكثر الأقسام شهرة وتتبعا لأصحاب الاختصاص أو لغيرهم.
وتعود الكتابات الأولى للجغرافيا السياسية إلى أرسطو (383-322 ق.م) الذي كتب في قوة الدولة المستمدة من توازن ثرواتها مع عدد سكانها. وترك أرسطو أفكاراً بالغة الأهمية عن وظائف الدولة ومشكلات الحدود السياسية.
وظلت أفكار ربط الممارسات السياسية بالخصائص الجغرافية تتطور بإسهامات فلسفية متعاقبة. واكتسبت هذه الأفكار قوة بما كتبه عبد الرحمن بن خلدون التي ظهرت في مقدمته الشهيرة. وفضل ابن خلدون يتمثل في تشبيهه الدولة بالإنسان الذي يمر بخمس مراحل حياتية هي الميلاد والصبا والنضج والشيخوخة والموت.
وهذه الدورة الحياتية للدول وارتباطها بمقدرات الدولة أرضاً وسكاناً وموارد.. كانت أبرز ما نقله المفكرون الغربيون فيما بعد حينما تمت بلورة الصياغة العلمية لقيام وسقوط الحضارات.
ومع العقود الأولى للقرن الثامن عشر، شهدت فرنسا ظهور أفكار جغرافية سياسية رصينة صاغها مونتسكيو (1689-1755) جنباً إلى جنب مع ما قدمه من أفكار اجتماعية وفلسفية وقانونية.
وظل تقييم دور العوامل المكانية (الجغرافية) في تاريخ ومستقبل الدولة السياسي بدون صياغة متكاملة حتى ظهرت في المجتمع الألماني أفكار فردريك راتزل (1844-1904) والذي يرجع إليه الفضل في كتابة "الجغرافيا السياسية" في عام 1897.
آمن راتزل بأفكار داروين في التطور البيولوجي التي كانت سائدة في نهاية القرن التاسع عشر، وصبغ راتزل صياغته لتحليل قوة الدولة بالأفكار الداروينية التي طبقها الفيلسوف الإنكليزي سبنسر في العلوم الاجتماعية تحت اسم "الداروينية الاجتماعية".
وأكد راتزل على أن الدولة لا تثبت حدودها السياسية. وكانت الدولة لديه أشبه بإنسان ينمو فتضيق عليه ملابسه عاما بعد عام فيضطر إلى توسيعها، وكذلك ستضطر الدولة إلى زحزحة حدودها السياسية كلما زاد عدد سكانها وتعاظمت مطامحها.
وعلى الجانب الآخر من القارة الأوروبية نجد في هذه الحقبة الجغرافيين اليوغسلاف يطوعون الجغرافيا السياسية لتحقيق أهداف قومية، فلم يتورعوا معها أن يعبثوا بالخرائط السياسية لتحقيق اهدافهم.
وفي الوقت الذي كان فيه راتزل وسبنسر يتحدثان عن الجغرافيا السياسية كان بعض الجغرافيين الألمان يتحدثون عن علم السياسات الأرضية أو ما اصطلح على تسميته بالجيوبوليتيك. وقد بدا أنه إذا كانت الجغرافيا السياسية تنظر إلى الدولة كوحدة إستاتيكية فإن الجيوبوليتيك تعدها كائناً عضويا في حركة متطورة.
في هذه الأثناء كانت ألمانيا تعيش بعد الهزيمة التي منيت بها في الحرب العالمية الأولى، في انتكاسة قومية بسبب ما اقتطع منها من أراض كإجراءات عقابية لها من قبل المنتصرين، وتقسيم مستعمراتها بين إنجلترا وفرنسا، كما فرض عليها حصار عسكري ومالي.
وفيما بين الحربين كرَّس الجغرافيون والسياسيون الألمان جهودهم للخروج بوطنهم من محنته، وخرجت لأول مرة دورية علمية تحمل عنوان "المجلة الجيوبوليتيكية" وضمت هجيناً من الفكر الجغرافي والتاريخي والسياسي والقومي والاستعماري. وقد صيغ هذا الفكر في قوالب علمية رفعت شعار: "لا بد أن يفكر رجل الشارع جغرافياً وأن يفكر الساسة جيوبوليتيكياً".
وتحت رعاية الجمعية الجغرافية الألمانية أنشئت في ميونخ عام 1924 المدرسة الجيوبوليتيكية التي رأسها الجغرافي السياسي كارل هوسهوفر.
وبجهود هذه المدرسة وبالأعداد المتواترة للدورية الجيوبوليتيكية جهّـز الجغرافيون والسياسيون الفكر الألماني بعضوية الدولة وضرورة زحزحة حدودها لتشمل أراضي تتناسب مع متطلباتها الجغرافية وتحقق ضم الأراضي التي يقطنها الجنس الآري. وقد جاء ذلك في ظل تنامي أفكار القومية الشيفونية الممزوجة بأغراض التوسع العسكري للحزب النازي.
وقد تلقف هتلر أفكار هوسهوفر وزملائه، كما استعان بأفكار الجغرافي الإنجليزي الشهير ماكندر (الذي كانت مقالاته تترجم إلى الدورية الجيوبوليتيكية)، خاصة الأفكار التي صاغ من خلالها نظريته عن "قلب الأرض".
وجاءت أفكار هتلر بدءاً من كتاب "حياتي"، ومرورا بخطبه الحماسية، لتكرس مفهوم المجال الحيوي لألمانيا Lebensraum، أي مساحتها الجغرافية اللائقة بها وبالجنس الآري، ولتمثل أبرز مقومات القومية الاشتراكية (النازية) التي تبناها.
وهكذا زاد التداخل في المفاهيم وصار الفصل صعباً بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك والإمبريالية. وصعِدت الجيوبوليتيك إلى مصاف العلوم الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية، حتى كتبت هزيمة ألمانيا نهاية لهذه المكانة. وصار مفهوم الجيوبوليتيك بعد الحرب العالمية الثانية قرين التوظيف السيئ للجغرافيا السياسية، وهو ما أضر بتطوير الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية معاً. ووصل الأمر في بعض الدول إلى منع تدريس الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في جامعاتها؛ باعتبارهما علمين مشبوهين يسعيان إلى بذر العداء ويكرسان الأطماع القومية.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي واحداً من تلك الدول التي منعت تدريس الجيوبوليتيك في جامعاتها؛ استناداً إلى أن الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية في ألمانيا جلبَا الكوارث على القارة الأوربية والعالم بأسره.
ولم تظهر كتب في هذين العلمين ذات قيمة إلا في منتصف التسعينيات، هذا بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان أكثر النماذج وضوحاً في التطبيق الحرفي لمبادئ الطمع الجغرافي "السمعة السيئة للجيوبوليتيك" لدرجة أن من أكثر النكات شيوعاً في أوروبا في الستينيات كانت تلك التي يسأل فيها مدرس تلميذه سؤالا جغرافياً مباشراً: "من هم جيران الاتحاد السوفيتي؟" وبدلاً من أن يعدد الطالب أسماء الدول المجاورة تأتي إجابته: "جيران الاتحاد السوفيتي هم مَن يرغب هذا الاتحاد في أن يصبحوا جيراناً له"؛ في دلالة تهكمية على أن هذه الحدود متغيرة، وتعتمد على مستوى التوسع والضم الذي تمليه الأطماع الجغرافية السوفيتية.
وبتفكك الاتحاد السوفيتي مع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وبتغير القدرات العسكرية النسبية له انكمشت الحدود، وصارت تطال الحدود الأصلية لروسيا ما قبل السوفيتية.
وعلى الجانب الآخر كان قد ظهر على المسرح الجغرافي -مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو "الحدود الشفافة"، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور -أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ"جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية". والسيطرة من دون إمبراطورية هي أفضل تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية، بعيداً عن الأطر التقليدية للنمو العضوي للدولة.
وهذا التطوير يسمح بأن يصبح العالم كله "المجال الحيوي" للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة جغرافية ممتعة اختارتها لنفسها.
لقد حاولنا في كتابنا هذا المقاربة النظرية والعملية للجغرافيا السياسية،انطلاقا من النظريات التي سادت منذ بدايات ظهور هذا العلم حتى عصرنا هذا،محاولين تلمس الأفكار والخلفيات السياسية وغير السياسية التي وقفت وراءها وحاولت التنظير لها.
لقد قسمنا كتابنا إلى ستة أبواب،عالجنا في الأول منه النظريات العامة للجغرافيا السياسية من عصر الإغريق واليونان إلى عصرنا هذا،وحاولنا في الثاني التطرق إلى معالجة الجغرافيا السياسية للأقاليم البرية والبحرية.ثم انتقلنا إلى الثالث لمعالجة الجغرافيا السياسية للوحدات السياسية أي الدول،ثم انتقلنا في الباب الخامس إلى دراسة الجغرافيا السياسية والعالم العربي، فيما تضمن الباب الرابع دراسات تطبيقية لأثر النظام العالمي في بعض المناطق والأقاليم البرية والبحرية،وكذلك إلى بعض القضايا ذات الصلة بالجغرافيا السياسية كالنفط والمياه والملاحة الدولية.كما خصصنا الباب السادس الأخير إلى الخرائط والجداول والرسومات البيانية.
الدكتور خليل حسين
المؤلف: الدكتور خليل حسين
الطبعة الاولى 2009
الناشر: دار المنهل اللبناني
ظلت الجغرافيا محط أنظار البشر قديما وحديثا،فأُلبست مفاهيم ونظريات مختلفة،لغايات وأبعاد وخلفيات متباينة.واستغلت في غالب الأحيان لغير ما يفترض أن تهتم به،لذا انشغل الدارسون والمتخصصون في التحليل والتمحيص والبحث في توصيفها وتفسيرها ،وتقسيمها إلى علوم مختلفة وربما تعتبر الجغرافيا السياسية من بين أكثر الأقسام شهرة وتتبعا لأصحاب الاختصاص أو لغيرهم.
وتعود الكتابات الأولى للجغرافيا السياسية إلى أرسطو (383-322 ق.م) الذي كتب في قوة الدولة المستمدة من توازن ثرواتها مع عدد سكانها. وترك أرسطو أفكاراً بالغة الأهمية عن وظائف الدولة ومشكلات الحدود السياسية.
وظلت أفكار ربط الممارسات السياسية بالخصائص الجغرافية تتطور بإسهامات فلسفية متعاقبة. واكتسبت هذه الأفكار قوة بما كتبه عبد الرحمن بن خلدون التي ظهرت في مقدمته الشهيرة. وفضل ابن خلدون يتمثل في تشبيهه الدولة بالإنسان الذي يمر بخمس مراحل حياتية هي الميلاد والصبا والنضج والشيخوخة والموت.
وهذه الدورة الحياتية للدول وارتباطها بمقدرات الدولة أرضاً وسكاناً وموارد.. كانت أبرز ما نقله المفكرون الغربيون فيما بعد حينما تمت بلورة الصياغة العلمية لقيام وسقوط الحضارات.
ومع العقود الأولى للقرن الثامن عشر، شهدت فرنسا ظهور أفكار جغرافية سياسية رصينة صاغها مونتسكيو (1689-1755) جنباً إلى جنب مع ما قدمه من أفكار اجتماعية وفلسفية وقانونية.
وظل تقييم دور العوامل المكانية (الجغرافية) في تاريخ ومستقبل الدولة السياسي بدون صياغة متكاملة حتى ظهرت في المجتمع الألماني أفكار فردريك راتزل (1844-1904) والذي يرجع إليه الفضل في كتابة "الجغرافيا السياسية" في عام 1897.
آمن راتزل بأفكار داروين في التطور البيولوجي التي كانت سائدة في نهاية القرن التاسع عشر، وصبغ راتزل صياغته لتحليل قوة الدولة بالأفكار الداروينية التي طبقها الفيلسوف الإنكليزي سبنسر في العلوم الاجتماعية تحت اسم "الداروينية الاجتماعية".
وأكد راتزل على أن الدولة لا تثبت حدودها السياسية. وكانت الدولة لديه أشبه بإنسان ينمو فتضيق عليه ملابسه عاما بعد عام فيضطر إلى توسيعها، وكذلك ستضطر الدولة إلى زحزحة حدودها السياسية كلما زاد عدد سكانها وتعاظمت مطامحها.
وعلى الجانب الآخر من القارة الأوروبية نجد في هذه الحقبة الجغرافيين اليوغسلاف يطوعون الجغرافيا السياسية لتحقيق أهداف قومية، فلم يتورعوا معها أن يعبثوا بالخرائط السياسية لتحقيق اهدافهم.
وفي الوقت الذي كان فيه راتزل وسبنسر يتحدثان عن الجغرافيا السياسية كان بعض الجغرافيين الألمان يتحدثون عن علم السياسات الأرضية أو ما اصطلح على تسميته بالجيوبوليتيك. وقد بدا أنه إذا كانت الجغرافيا السياسية تنظر إلى الدولة كوحدة إستاتيكية فإن الجيوبوليتيك تعدها كائناً عضويا في حركة متطورة.
في هذه الأثناء كانت ألمانيا تعيش بعد الهزيمة التي منيت بها في الحرب العالمية الأولى، في انتكاسة قومية بسبب ما اقتطع منها من أراض كإجراءات عقابية لها من قبل المنتصرين، وتقسيم مستعمراتها بين إنجلترا وفرنسا، كما فرض عليها حصار عسكري ومالي.
وفيما بين الحربين كرَّس الجغرافيون والسياسيون الألمان جهودهم للخروج بوطنهم من محنته، وخرجت لأول مرة دورية علمية تحمل عنوان "المجلة الجيوبوليتيكية" وضمت هجيناً من الفكر الجغرافي والتاريخي والسياسي والقومي والاستعماري. وقد صيغ هذا الفكر في قوالب علمية رفعت شعار: "لا بد أن يفكر رجل الشارع جغرافياً وأن يفكر الساسة جيوبوليتيكياً".
وتحت رعاية الجمعية الجغرافية الألمانية أنشئت في ميونخ عام 1924 المدرسة الجيوبوليتيكية التي رأسها الجغرافي السياسي كارل هوسهوفر.
وبجهود هذه المدرسة وبالأعداد المتواترة للدورية الجيوبوليتيكية جهّـز الجغرافيون والسياسيون الفكر الألماني بعضوية الدولة وضرورة زحزحة حدودها لتشمل أراضي تتناسب مع متطلباتها الجغرافية وتحقق ضم الأراضي التي يقطنها الجنس الآري. وقد جاء ذلك في ظل تنامي أفكار القومية الشيفونية الممزوجة بأغراض التوسع العسكري للحزب النازي.
وقد تلقف هتلر أفكار هوسهوفر وزملائه، كما استعان بأفكار الجغرافي الإنجليزي الشهير ماكندر (الذي كانت مقالاته تترجم إلى الدورية الجيوبوليتيكية)، خاصة الأفكار التي صاغ من خلالها نظريته عن "قلب الأرض".
وجاءت أفكار هتلر بدءاً من كتاب "حياتي"، ومرورا بخطبه الحماسية، لتكرس مفهوم المجال الحيوي لألمانيا Lebensraum، أي مساحتها الجغرافية اللائقة بها وبالجنس الآري، ولتمثل أبرز مقومات القومية الاشتراكية (النازية) التي تبناها.
وهكذا زاد التداخل في المفاهيم وصار الفصل صعباً بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك والإمبريالية. وصعِدت الجيوبوليتيك إلى مصاف العلوم الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية، حتى كتبت هزيمة ألمانيا نهاية لهذه المكانة. وصار مفهوم الجيوبوليتيك بعد الحرب العالمية الثانية قرين التوظيف السيئ للجغرافيا السياسية، وهو ما أضر بتطوير الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية معاً. ووصل الأمر في بعض الدول إلى منع تدريس الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في جامعاتها؛ باعتبارهما علمين مشبوهين يسعيان إلى بذر العداء ويكرسان الأطماع القومية.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان الاتحاد السوفيتي واحداً من تلك الدول التي منعت تدريس الجيوبوليتيك في جامعاتها؛ استناداً إلى أن الجيوبوليتيك والجغرافيا السياسية في ألمانيا جلبَا الكوارث على القارة الأوربية والعالم بأسره.
ولم تظهر كتب في هذين العلمين ذات قيمة إلا في منتصف التسعينيات، هذا بالرغم من أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان أكثر النماذج وضوحاً في التطبيق الحرفي لمبادئ الطمع الجغرافي "السمعة السيئة للجيوبوليتيك" لدرجة أن من أكثر النكات شيوعاً في أوروبا في الستينيات كانت تلك التي يسأل فيها مدرس تلميذه سؤالا جغرافياً مباشراً: "من هم جيران الاتحاد السوفيتي؟" وبدلاً من أن يعدد الطالب أسماء الدول المجاورة تأتي إجابته: "جيران الاتحاد السوفيتي هم مَن يرغب هذا الاتحاد في أن يصبحوا جيراناً له"؛ في دلالة تهكمية على أن هذه الحدود متغيرة، وتعتمد على مستوى التوسع والضم الذي تمليه الأطماع الجغرافية السوفيتية.
وبتفكك الاتحاد السوفيتي مع نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وبتغير القدرات العسكرية النسبية له انكمشت الحدود، وصارت تطال الحدود الأصلية لروسيا ما قبل السوفيتية.
وعلى الجانب الآخر كان قد ظهر على المسرح الجغرافي -مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد للجيوبوليتيك وهو "الحدود الشفافة"، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور -أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ"جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية". والسيطرة من دون إمبراطورية هي أفضل تجسيد لتطوير الأفكار الجيوبوليتيكية، بعيداً عن الأطر التقليدية للنمو العضوي للدولة.
وهذا التطوير يسمح بأن يصبح العالم كله "المجال الحيوي" للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة جغرافية ممتعة اختارتها لنفسها.
لقد حاولنا في كتابنا هذا المقاربة النظرية والعملية للجغرافيا السياسية،انطلاقا من النظريات التي سادت منذ بدايات ظهور هذا العلم حتى عصرنا هذا،محاولين تلمس الأفكار والخلفيات السياسية وغير السياسية التي وقفت وراءها وحاولت التنظير لها.
لقد قسمنا كتابنا إلى ستة أبواب،عالجنا في الأول منه النظريات العامة للجغرافيا السياسية من عصر الإغريق واليونان إلى عصرنا هذا،وحاولنا في الثاني التطرق إلى معالجة الجغرافيا السياسية للأقاليم البرية والبحرية.ثم انتقلنا إلى الثالث لمعالجة الجغرافيا السياسية للوحدات السياسية أي الدول،ثم انتقلنا في الباب الخامس إلى دراسة الجغرافيا السياسية والعالم العربي، فيما تضمن الباب الرابع دراسات تطبيقية لأثر النظام العالمي في بعض المناطق والأقاليم البرية والبحرية،وكذلك إلى بعض القضايا ذات الصلة بالجغرافيا السياسية كالنفط والمياه والملاحة الدولية.كما خصصنا الباب السادس الأخير إلى الخرائط والجداول والرسومات البيانية.
الدكتور خليل حسين