الاهداف الاسرائيلية غير المعلنة من محرقة غزة
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
سلسلة متواضعة من الاهداف اعلنتها القيادتين السياسية والعسكرية "الاسرائيلية" لعملية "الرصاص المسكوب" مقارنة مع حجم ونوع الاسلحة التي استخدمت في المحرقة،الا ان التدقيق في خلفيات العدوان ومساراته يظهرخلغيات اضافية ذات ابعاد استراتيجية يرتبط غالبيتها بالنتائج السياسية المفترضة للعدوان.فاذا كان المعلن القضاء على البيئة السياسية لحركة حماس في غزة وما سيستتبعه من تداعيات ونتائج،فإن المبيّت سيمتد بالضرورة الى عناصر وفواعل اقليمية ودولية لها ثقلها في القضايا الشرق اوسطية؛وبالتالي فالعدوان منذ بداياته حمل رسائل في اكثر من اتجاه.
ففي توقيت العدوان، الذي جاء في الوقت الضائع من عمر الادارة الامريكية الراحلة بعد اقل من اسبوعين،بدا وكأنه فرض خريطة طريق اسرائيلية على ادارة باراك اوباما،اولها التملص من كافة ما سُميَّ التزامات امريكية سابقة لمسار التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني ومشاريع الدولة الفلسطينية الموعودة.انتهاءً باعادة تموضع تفاوضي جديد مع سوريا ومع كل من يرغب بذلك من العرب على قواعد جديدة لا علاقة لها بما سبق من اطر ومكونات قانونية - سياسية تفاوضية.مرورا بتقويض كل المبادرات والوساطات الجارية في المنطقة ذات الصلة ومن بينها التركية على سبيل المثال لا الحصر،اضافة الى الاعدام السياسي للمبادرة العربية للتسوية المقرّة في فمة بيروت.
وعطفا على ذلك،انتهاج استراتيجية عزل قوى الممانعة العربية لجهة الجغرافيا السياسية لأدوات الصراع في اقصى حدوده،عبر ايجاد بيئة أمنية دولية ملائمة تقوّض وسائل الصراع وتربطه بقرارات وأطر صعبة الاختراق الا بأثمان اقليمية من الصعب تحمّلها لاي طرف يود الاخلال بها.بمعنى آخر استنساخ قرار دولي بمواصفات القرار 1701 المتعلق بلبنان والذي أثبت قدرته على تحقيق اوجه كثيرة من اهدافه لكافة اطرافه والمستفيدين منه؛سيما وأن هذا السيناريو ظهر للعلن مباشرة بعد انتهاء العدوان على لبنان في محافل اقليمية ودولية وصُرِفَ النظر عنه لاسباب واعتبارات متنوعة تتعلق بغالبيتها في الجانب الاسرائيلي تحديدا في تلك الفترة.
واذا كان توقيت العدوان جاء في الوقت الضائع خارجيا، فهو في الوقت القاتل اسرائيليا،فالجبهة الداخلية الاسرائيلية عانت من كوما سياسية وحزبية بعد حرب تموز 2006 وتداعياتها عل المؤسستين العسكرية والسياسية،فكافة الاطراف السياسية والامنية الفاعلة في الحياة السياسية الاسرائيلية تبحث عن نصر موهوم لاستثماره في الانتخابات النيابية الشهر القادم،على قاعدة تجديد شباب الحياة السياسية استنادا الى انتصار مفترض بعد هزيمة 2006 التي اودت بأركان وطواقم سياسية حزبية تعتبر من ثوابت الحياة السياسية في اسرئيل.اضاقة الى محاولة محو صورة الجيش المكسور، واعادة تشكيل هيبته في الذاكرة الجماعية للمجتمع الاسرائيلي.
اما لجهة النظام الاقليمي،فالعدوان كان بمثابة الرسالة الواضحة ،لكل فواعله من العرب وغيرهم بأن لأسرائيل كلمتها ايضا بمعزل عن أي حسابات او ضغوط دولية.ففي الوقت الذي كانت جهودا فارقة تبذل للتهدئة في قطاع غزة نفّذت محرقتها ببرودة اعصاب دون اي رادع او وازع قانوني او اخلاقي،محاولة تكريس صورة بدأت ملامحها تترسخ في المنطثة مفادها ان لا حول ولا قوة للعرب حتى التحرك في قضاياهم الأساسية وإيلاء أمورهم الى الفواعل الاقليمية والدولية في المنطقة وهذا ما ظهر تحديدا عبر دفع تركيا مثلا الى واجهة الوساطات والمبادرات في غياب تام لأي تحرك عربي فاعل وقابل للبناء عليه.وكذلك عبر اعطاء دور لفرنسا بصرف النظر عن حدوده وامكاناته وسقفه.
واذا كانت ظروف الشد والجذب في اعلى صورها في المنطقة وبخاصة بين المحاور العربية،فقد وجدت تل ابيب الفرصة المناسبة لتكريسه وابعاد ذات البين العربية،وهي محاولة مكشوفة لإظهار ان عدوانها على غزة هو نصرة لفريق على آخر، وكأن الشعب الفلسطيني بات ملل ونحل موزع ومقسم بين اطياف ومشارب عربية متباينة.
في كل الحروب والاعتداءات التي نفذتها اسرائيل على العرب مجتمعين او منفردين،كان لها اهدافها المعلنة،كما لها غاياتها غير المعلنة وهذا امر شائع ومتداول في الاستراتيجيات الامنية والعسكرية،الا ان خلفيات محرقة غزة وتداعياتها السياسية التي تأملها اسرائيل هي مركزية بكل المقاييس الداخلية والخارجية لاسرائيل؛وبصرف النظر عما يمكن ان يتحقق منها،تبقى الكلمة الفصل للشعب الفلسطيني الذي اختبر ثورته على مدى 44 عاما بكافة فصائله وتلاوينه السياسية في اتجاه تحديد البوصلة السياسية التي يريد شرط المحافظة على وحدته الوطنية الداخلية الكفيلة بحمايته من اي اهداف غير معلنة.
لقد دفع العرب بشكل عام والفلسطينيون بشكل خاص اثمان باهظة لا نتيجة ضعفهم،بل بقدرة اسرائيل على تفريقهم، واظهارها خلاف ما تبطن،في الوقت الذي لا زلنا نحن العرب نبحث عن اولويات باتت في نظر اسرائيل من الماضي السحيق.
في العام 1967 اجتمع العرب على لاءات ثلاث،لا تفاوض لا صلح لا اعتراف،وتمكنوا من اعادة الهيبة العربية في العام 1973، فهل نحن بحاجة الى ثلاث لاءات جديدة تعيد تجميع ما فرقته اسرائيل،ربما تبدو ضرورة ملحة رغم اختلاف الادبيات السياسية العربية المعلنة وغير المعلنة، تماما كأهداف اسرائيل المعلنة وغير المعلنة من محرقة القرن الواحد والعشرين في عِزّة العرب وغَزَتِهم الثكلى!
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
سلسلة متواضعة من الاهداف اعلنتها القيادتين السياسية والعسكرية "الاسرائيلية" لعملية "الرصاص المسكوب" مقارنة مع حجم ونوع الاسلحة التي استخدمت في المحرقة،الا ان التدقيق في خلفيات العدوان ومساراته يظهرخلغيات اضافية ذات ابعاد استراتيجية يرتبط غالبيتها بالنتائج السياسية المفترضة للعدوان.فاذا كان المعلن القضاء على البيئة السياسية لحركة حماس في غزة وما سيستتبعه من تداعيات ونتائج،فإن المبيّت سيمتد بالضرورة الى عناصر وفواعل اقليمية ودولية لها ثقلها في القضايا الشرق اوسطية؛وبالتالي فالعدوان منذ بداياته حمل رسائل في اكثر من اتجاه.
ففي توقيت العدوان، الذي جاء في الوقت الضائع من عمر الادارة الامريكية الراحلة بعد اقل من اسبوعين،بدا وكأنه فرض خريطة طريق اسرائيلية على ادارة باراك اوباما،اولها التملص من كافة ما سُميَّ التزامات امريكية سابقة لمسار التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني ومشاريع الدولة الفلسطينية الموعودة.انتهاءً باعادة تموضع تفاوضي جديد مع سوريا ومع كل من يرغب بذلك من العرب على قواعد جديدة لا علاقة لها بما سبق من اطر ومكونات قانونية - سياسية تفاوضية.مرورا بتقويض كل المبادرات والوساطات الجارية في المنطقة ذات الصلة ومن بينها التركية على سبيل المثال لا الحصر،اضافة الى الاعدام السياسي للمبادرة العربية للتسوية المقرّة في فمة بيروت.
وعطفا على ذلك،انتهاج استراتيجية عزل قوى الممانعة العربية لجهة الجغرافيا السياسية لأدوات الصراع في اقصى حدوده،عبر ايجاد بيئة أمنية دولية ملائمة تقوّض وسائل الصراع وتربطه بقرارات وأطر صعبة الاختراق الا بأثمان اقليمية من الصعب تحمّلها لاي طرف يود الاخلال بها.بمعنى آخر استنساخ قرار دولي بمواصفات القرار 1701 المتعلق بلبنان والذي أثبت قدرته على تحقيق اوجه كثيرة من اهدافه لكافة اطرافه والمستفيدين منه؛سيما وأن هذا السيناريو ظهر للعلن مباشرة بعد انتهاء العدوان على لبنان في محافل اقليمية ودولية وصُرِفَ النظر عنه لاسباب واعتبارات متنوعة تتعلق بغالبيتها في الجانب الاسرائيلي تحديدا في تلك الفترة.
واذا كان توقيت العدوان جاء في الوقت الضائع خارجيا، فهو في الوقت القاتل اسرائيليا،فالجبهة الداخلية الاسرائيلية عانت من كوما سياسية وحزبية بعد حرب تموز 2006 وتداعياتها عل المؤسستين العسكرية والسياسية،فكافة الاطراف السياسية والامنية الفاعلة في الحياة السياسية الاسرائيلية تبحث عن نصر موهوم لاستثماره في الانتخابات النيابية الشهر القادم،على قاعدة تجديد شباب الحياة السياسية استنادا الى انتصار مفترض بعد هزيمة 2006 التي اودت بأركان وطواقم سياسية حزبية تعتبر من ثوابت الحياة السياسية في اسرئيل.اضاقة الى محاولة محو صورة الجيش المكسور، واعادة تشكيل هيبته في الذاكرة الجماعية للمجتمع الاسرائيلي.
اما لجهة النظام الاقليمي،فالعدوان كان بمثابة الرسالة الواضحة ،لكل فواعله من العرب وغيرهم بأن لأسرائيل كلمتها ايضا بمعزل عن أي حسابات او ضغوط دولية.ففي الوقت الذي كانت جهودا فارقة تبذل للتهدئة في قطاع غزة نفّذت محرقتها ببرودة اعصاب دون اي رادع او وازع قانوني او اخلاقي،محاولة تكريس صورة بدأت ملامحها تترسخ في المنطثة مفادها ان لا حول ولا قوة للعرب حتى التحرك في قضاياهم الأساسية وإيلاء أمورهم الى الفواعل الاقليمية والدولية في المنطقة وهذا ما ظهر تحديدا عبر دفع تركيا مثلا الى واجهة الوساطات والمبادرات في غياب تام لأي تحرك عربي فاعل وقابل للبناء عليه.وكذلك عبر اعطاء دور لفرنسا بصرف النظر عن حدوده وامكاناته وسقفه.
واذا كانت ظروف الشد والجذب في اعلى صورها في المنطقة وبخاصة بين المحاور العربية،فقد وجدت تل ابيب الفرصة المناسبة لتكريسه وابعاد ذات البين العربية،وهي محاولة مكشوفة لإظهار ان عدوانها على غزة هو نصرة لفريق على آخر، وكأن الشعب الفلسطيني بات ملل ونحل موزع ومقسم بين اطياف ومشارب عربية متباينة.
في كل الحروب والاعتداءات التي نفذتها اسرائيل على العرب مجتمعين او منفردين،كان لها اهدافها المعلنة،كما لها غاياتها غير المعلنة وهذا امر شائع ومتداول في الاستراتيجيات الامنية والعسكرية،الا ان خلفيات محرقة غزة وتداعياتها السياسية التي تأملها اسرائيل هي مركزية بكل المقاييس الداخلية والخارجية لاسرائيل؛وبصرف النظر عما يمكن ان يتحقق منها،تبقى الكلمة الفصل للشعب الفلسطيني الذي اختبر ثورته على مدى 44 عاما بكافة فصائله وتلاوينه السياسية في اتجاه تحديد البوصلة السياسية التي يريد شرط المحافظة على وحدته الوطنية الداخلية الكفيلة بحمايته من اي اهداف غير معلنة.
لقد دفع العرب بشكل عام والفلسطينيون بشكل خاص اثمان باهظة لا نتيجة ضعفهم،بل بقدرة اسرائيل على تفريقهم، واظهارها خلاف ما تبطن،في الوقت الذي لا زلنا نحن العرب نبحث عن اولويات باتت في نظر اسرائيل من الماضي السحيق.
في العام 1967 اجتمع العرب على لاءات ثلاث،لا تفاوض لا صلح لا اعتراف،وتمكنوا من اعادة الهيبة العربية في العام 1973، فهل نحن بحاجة الى ثلاث لاءات جديدة تعيد تجميع ما فرقته اسرائيل،ربما تبدو ضرورة ملحة رغم اختلاف الادبيات السياسية العربية المعلنة وغير المعلنة، تماما كأهداف اسرائيل المعلنة وغير المعلنة من محرقة القرن الواحد والعشرين في عِزّة العرب وغَزَتِهم الثكلى!