هل ثمة ديموقراطيون جدد في البيت الابيض
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ربما الكثير ممن عانوا من سياسات المحافظين الجدد على مدى الثماني سنوات الماضية يتمنون او يـأملون ذلك؛وفي مطلق الاحوال هي حال العرب وغيرهم ممن ينتظرون تعاقب السلطة في البيت الابيض لكي يبنوا على الشيء مقتضاه للتأمل بما سيكون رد فعلهم لا فعلهم.
ذهب المحافظون الجدد وابقوا ارثا ضخما في البيت الابيض من الصعب على الرئيس باراك اوباما التفلّت من تداعاياته الداخلية والخارجية،فهل الديموقراطيون جادون في تمييز ولايتهم عما سبقها؟وما هي حدود التحرك والفاعلية؟ والى اين نحن العرب ذاهبون؟.
في العودة الى تاريخ تداول السلطة بين الجمهوريين والديموقراطيينن من الصعب العثور على فروق واضحة المعالم في القضايا الاستراتيجية الدولية،سوى الاختلاف في الاسلوب لا المضمون، وعليه ان طبيعة المقاربة لما يمكن ان يطرأ من تغيير في السياسات الديموقراطية امر شبه مستحيل سيما وان القضايا المطروحة هي غير قابلة للمساومة وبخاصة المتعلقة باسرائيل.فالرئيس الامريكي تسلّم سلطاته الدستورية بعد جلاء غبار محرقة غزة وهي بطبيعة الحال ستكون مفصلا اساسيا في رؤية الديموقراطيين لمستقبل ادارة التسويات المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي.وبصرف النظر عن الجدول الزمني لهذا الملف،فان ما يمكن قراءته لن يكون بأحسن حال من الرؤى السابقة،فالادارة الديموقراطية السابقة ابان ولاية بيل كلينتون هي من ادارت المفاوضات العربية الاسرائيلية،وهي من رسمت الاحلام الورردية للعرب،في وقت كانت اسرائيل تنفذ عدوانين كبيرين على لبنان في العامين 1993 و1996،فضلا عن عدوان 2006؛اضافة الى عدوانها المستمر على الفلسطينيين في الاراضي المحتلة.
والرئيس الامريكي لم ينتظر اكثر من اربع وعشرين ساعة ليحدد ملامح سياسته الخارجية الشرق اوسطية،فاطلق من وزارة الخارجية سلسلة مواقف تعبر عن استراتيجية واضحة المعالم للتعاطي مع ملفات المنطقة، وكأنها أمر عمليات اول اصدره واستعاد فيه اسوأ مواقف ومصطلحات سلفه جورج بوش، واعلن فيه انحيازا مطلقا لاسرائيل والتزاما شديدا بسياساتها، قبل ان يحدد جدول اعمال اميركي للمرحلة المقبلة، يتضمن تفويض مصر رعاية القضية الفلسطينية، وتكليف الاردن تشكيل الاجهزة الامنية الفلسطينية، واعتبار السلطة الفلسطينية حصرا شريكا وحيدا للمؤسسات الدولية في اعادة اعمار ما هدمته اسرائيل في قطاع غزة.
واللافت في خطاب اوباما المفاجئ في اليوم الثاني من ولايته الرئاسية، تسمية السيناتور السابق جورج ميتشل مبعوثا اميركيا خاصا لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وكذلك "بين اسرائيل وجيرانها العرب" الذين لم يذكروا بالاسم، ويبني على رؤية الدولتين التي اطلقها سلفه، استراتيجية تجعل الدولة الفلسطينية حلما يستحيل تحقيقه، حسب الذريعة الاسرائيلية الدائمة القائلة انه ليس هناك شريك فلسطيني.
. وبدا ان موقف اوباما المخيب لامال كثيرة علقت على توازنه واعتداله ازاء الصراع العربي الاسرائيلي، يستكمل ما بدأته اسرائيل في حربها الاخيرة على قطاع غزة، ويؤسس لحرب اهلية فلسطينية، ويمهد الطريق لوصول اليمين الاسرائيلي الاشد تطرفا الى السلطة بزعامة بنيامين نتنياهو في انتخابات العاشر من شباط القادم .واللافت أيضا للانتباه في خطاب اوباما احجامه ذكر ايران، ولم يعلن كما كان متوقعا اسم مبعوثه الخاص للتعامل مع الملف الايراني، أي دنيس روس الذي طلب ان يتولى هذا المنصب وتعهد في مجالسه الخاصة بان يقدم من خلاله خدمة اخيرة لاسرائيل تقضي بانهاء البرنامج النووي الايراني، بالوسائل الدبلوماسية اولا، والا فان الحرب هي الخيار الاميركي التالي. اما تعيين الدبلوماسي المحنك ريتشارد هولبروك مبعوثا خاصا لافغانستان وباكستان، فلا يخفي نوايا اوباما المعلنة بنقل الحرب من الجبهة العراقية الى الجبهة الافغانية الباكستانية التي تثير اكثر من علامة استفهام حول الدمج بين بلد يخضع للاحتلال وآخر للوصاية، ويتنقل بينهما تنظيم القاعدة.
واذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه فالأجدر بالعرب استخلاص العبر ودروس الماضي للادارات الامريكية المتعاقبة جمهوريون وديموقراطيون،فمن غير الممكن قدرة اوباما على التخلص من خريطة الطريق الاسرائيلية التي وضعتها على طاولة خطاب التنصيب،فهو مكبل اليدين،معصوب العينين يتلمس سياساته بطيب خاطر.فروسيا اليوم غير قبله تستعد لتجربة القوة الناعمة في غير مكان، والوضع المالي والاقتصادي الامريكي والدولي كبل وعوده وشعاراته،وكثيرون من الاوروبيون يلعبون في الوقت الضائع،باستثناء العرب الذين ينتظرون كيل المديح لمبادرتهم السلمية التي هضمتها اسرائيل ويتهيأ العرب لاجترارها.
ربما علينا نحن العرب المراجعة لا التراجع امام الاستحقاقات القادمة ألينا، والتي ستكون اشد قسوة مما سبقتها،ديموقراطيون جدد يتهيأون لتغييرات ربما تكون جذرية في ممارستهم للسلطة.فالمحافظون الجدد الذين ودعوا البيت الابيض تركوا وزيرا للدفاع يكمل ما بدأوه من عسكرة للنظام العالمي،وفي البيت الأبيض كبير موظفين اسرائيلي يدير خبايا السياسات وخفاياها،بينما نحن ننتظر رد افعالنا لا فعلنا.
طريف المفارقات ما بدأه جورج بوش ولايته ببرجين وانهاه بحذاءين!وغريب المفارقات ما سينتظر الرئيس اوباما لعلامتين فارقتين،اسمه وسحنته، فهل سيتمكن من تحقيق ما يحلم به اطفال افريقيا وغيرهم ؟ام ان ملفات جاهزة على طريقة الفساتين الزرق او كغيرها من الالوان السياسية تنتظر من يلبسها؟ربما يتضح الامر في القليل من الايام القادمة!.
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ربما الكثير ممن عانوا من سياسات المحافظين الجدد على مدى الثماني سنوات الماضية يتمنون او يـأملون ذلك؛وفي مطلق الاحوال هي حال العرب وغيرهم ممن ينتظرون تعاقب السلطة في البيت الابيض لكي يبنوا على الشيء مقتضاه للتأمل بما سيكون رد فعلهم لا فعلهم.
ذهب المحافظون الجدد وابقوا ارثا ضخما في البيت الابيض من الصعب على الرئيس باراك اوباما التفلّت من تداعاياته الداخلية والخارجية،فهل الديموقراطيون جادون في تمييز ولايتهم عما سبقها؟وما هي حدود التحرك والفاعلية؟ والى اين نحن العرب ذاهبون؟.
في العودة الى تاريخ تداول السلطة بين الجمهوريين والديموقراطيينن من الصعب العثور على فروق واضحة المعالم في القضايا الاستراتيجية الدولية،سوى الاختلاف في الاسلوب لا المضمون، وعليه ان طبيعة المقاربة لما يمكن ان يطرأ من تغيير في السياسات الديموقراطية امر شبه مستحيل سيما وان القضايا المطروحة هي غير قابلة للمساومة وبخاصة المتعلقة باسرائيل.فالرئيس الامريكي تسلّم سلطاته الدستورية بعد جلاء غبار محرقة غزة وهي بطبيعة الحال ستكون مفصلا اساسيا في رؤية الديموقراطيين لمستقبل ادارة التسويات المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي.وبصرف النظر عن الجدول الزمني لهذا الملف،فان ما يمكن قراءته لن يكون بأحسن حال من الرؤى السابقة،فالادارة الديموقراطية السابقة ابان ولاية بيل كلينتون هي من ادارت المفاوضات العربية الاسرائيلية،وهي من رسمت الاحلام الورردية للعرب،في وقت كانت اسرائيل تنفذ عدوانين كبيرين على لبنان في العامين 1993 و1996،فضلا عن عدوان 2006؛اضافة الى عدوانها المستمر على الفلسطينيين في الاراضي المحتلة.
والرئيس الامريكي لم ينتظر اكثر من اربع وعشرين ساعة ليحدد ملامح سياسته الخارجية الشرق اوسطية،فاطلق من وزارة الخارجية سلسلة مواقف تعبر عن استراتيجية واضحة المعالم للتعاطي مع ملفات المنطقة، وكأنها أمر عمليات اول اصدره واستعاد فيه اسوأ مواقف ومصطلحات سلفه جورج بوش، واعلن فيه انحيازا مطلقا لاسرائيل والتزاما شديدا بسياساتها، قبل ان يحدد جدول اعمال اميركي للمرحلة المقبلة، يتضمن تفويض مصر رعاية القضية الفلسطينية، وتكليف الاردن تشكيل الاجهزة الامنية الفلسطينية، واعتبار السلطة الفلسطينية حصرا شريكا وحيدا للمؤسسات الدولية في اعادة اعمار ما هدمته اسرائيل في قطاع غزة.
واللافت في خطاب اوباما المفاجئ في اليوم الثاني من ولايته الرئاسية، تسمية السيناتور السابق جورج ميتشل مبعوثا اميركيا خاصا لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وكذلك "بين اسرائيل وجيرانها العرب" الذين لم يذكروا بالاسم، ويبني على رؤية الدولتين التي اطلقها سلفه، استراتيجية تجعل الدولة الفلسطينية حلما يستحيل تحقيقه، حسب الذريعة الاسرائيلية الدائمة القائلة انه ليس هناك شريك فلسطيني.
. وبدا ان موقف اوباما المخيب لامال كثيرة علقت على توازنه واعتداله ازاء الصراع العربي الاسرائيلي، يستكمل ما بدأته اسرائيل في حربها الاخيرة على قطاع غزة، ويؤسس لحرب اهلية فلسطينية، ويمهد الطريق لوصول اليمين الاسرائيلي الاشد تطرفا الى السلطة بزعامة بنيامين نتنياهو في انتخابات العاشر من شباط القادم .واللافت أيضا للانتباه في خطاب اوباما احجامه ذكر ايران، ولم يعلن كما كان متوقعا اسم مبعوثه الخاص للتعامل مع الملف الايراني، أي دنيس روس الذي طلب ان يتولى هذا المنصب وتعهد في مجالسه الخاصة بان يقدم من خلاله خدمة اخيرة لاسرائيل تقضي بانهاء البرنامج النووي الايراني، بالوسائل الدبلوماسية اولا، والا فان الحرب هي الخيار الاميركي التالي. اما تعيين الدبلوماسي المحنك ريتشارد هولبروك مبعوثا خاصا لافغانستان وباكستان، فلا يخفي نوايا اوباما المعلنة بنقل الحرب من الجبهة العراقية الى الجبهة الافغانية الباكستانية التي تثير اكثر من علامة استفهام حول الدمج بين بلد يخضع للاحتلال وآخر للوصاية، ويتنقل بينهما تنظيم القاعدة.
واذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه فالأجدر بالعرب استخلاص العبر ودروس الماضي للادارات الامريكية المتعاقبة جمهوريون وديموقراطيون،فمن غير الممكن قدرة اوباما على التخلص من خريطة الطريق الاسرائيلية التي وضعتها على طاولة خطاب التنصيب،فهو مكبل اليدين،معصوب العينين يتلمس سياساته بطيب خاطر.فروسيا اليوم غير قبله تستعد لتجربة القوة الناعمة في غير مكان، والوضع المالي والاقتصادي الامريكي والدولي كبل وعوده وشعاراته،وكثيرون من الاوروبيون يلعبون في الوقت الضائع،باستثناء العرب الذين ينتظرون كيل المديح لمبادرتهم السلمية التي هضمتها اسرائيل ويتهيأ العرب لاجترارها.
ربما علينا نحن العرب المراجعة لا التراجع امام الاستحقاقات القادمة ألينا، والتي ستكون اشد قسوة مما سبقتها،ديموقراطيون جدد يتهيأون لتغييرات ربما تكون جذرية في ممارستهم للسلطة.فالمحافظون الجدد الذين ودعوا البيت الابيض تركوا وزيرا للدفاع يكمل ما بدأوه من عسكرة للنظام العالمي،وفي البيت الأبيض كبير موظفين اسرائيلي يدير خبايا السياسات وخفاياها،بينما نحن ننتظر رد افعالنا لا فعلنا.
طريف المفارقات ما بدأه جورج بوش ولايته ببرجين وانهاه بحذاءين!وغريب المفارقات ما سينتظر الرئيس اوباما لعلامتين فارقتين،اسمه وسحنته، فهل سيتمكن من تحقيق ما يحلم به اطفال افريقيا وغيرهم ؟ام ان ملفات جاهزة على طريقة الفساتين الزرق او كغيرها من الالوان السياسية تنتظر من يلبسها؟ربما يتضح الامر في القليل من الايام القادمة!.