القرار 1803 والعقوبات المخففة على إيران
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب
يثير القرار الجديد التساؤلات حول مغزى الإصرار الأمريكي على فرض سلة جديدة من العقوبات برغم التطورات الإيجابية الأخيرة، ولماذا تجاوبت الدول الكبرى مثل روسيا والصين مع المسعى الأمريكي رغم معارضتها لفرض العقوبات، ثم هل تكون العقوبات التي يوضحها المشروع الأخير ذات جدوى وذات تأثير حقيقي على إيران، وهل تنجح في ثني طهران عن موقفها أم أنها ستساهم في تعقيد الأزمة وتراجع فرص حلها سلميا؟
وعلى الرغم من أن تقرير الوكالة الدولية وتقرير الاستخبارات الأمريكية قد أضعف موقف واشنطن تجاه البرنامج النووي الإيراني ومن ثم تراجع خيار التصعيد واحتمالات شن ضربة عسكرية، إلا أن إصرار الإدارة الأمريكية على حشد فرض عقوبات جديدة ضد طهران يستهدف تحقيق عدة أهداف منها:
- توجيه رسالة قوية أن واشنطن لن تغير موقفها بضرورة وقف طهران لكل صور تخصيب اليورانيوم وأنها لن تسمح لها بامتلاك السلاح النووي وأنه وإن تراجعت فرص الخيار العسكري إلا أن بإمكانها فرض العقوبات كنوع من التلويح بسياسة العصا.
- تهدف واشنطن إلى الحفاظ على ماء الوجه السياسي وأنها لم تُهزم أمام إيران وإثبات قدرتها على حشد الدعم الدولي المتمثل في الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومنها روسيا والصين إضافة لألمانيا في رسالة أيضا لطهران بعدم المراهنة على الانقسام الدولي لتحقيق أهدافها.
- إن سعي واشنطن لفرض العقوبات لا يرتبط فقط باتهام إيران بتخصيب اليورانيوم للأغراض غير السلمية، بقدر ما يرتبط بسياسة واشنطن تجاه إيران وهي الاحتواء ومنع تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة باعتبار ذلك يهدد مصالحها الاستراتيجية ومصالح حلفائها خاصة “إسرائيل”، التي تقوم بدور كبير في تحريض واشنطن والمجتمع الدولي ضد تهديد إيران ومخاطر امتلاكها للسلاح النووي، والعقوبات الجديدة جزء من سلسلة طويلة من العقوبات لإضعاف إيران بعد تراجع فرص الخيار العسكري.
لكن بنود القرار الجديد الذي اتفقت عليه الدول الكبرى، توضح أن واشنطن أخفقت في مساعيها باستصدار عقوبات مشددة ضد إيران، بل هو بمثابة “عقوبات مخففة” وصيغة معتدلة نتيجة لانقسام الموقف الدولي، فروسيا والصين ترفضان فرض عقوبات مشددة وتطالبان باستمرار الحوار مع إيران عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قاعدة أن العقوبات غير ضرورية طالما تستمر طهران في تعاونها وطالما لا يوجد دليل قاطع حتى الآن على قيامها بالتخصيب للأغراض العسكرية، بينما ترى واشنطن ومعها فرنسا وبريطانيا أن طهران تقوم بتخصيب اليورانيوم وتماطل من أجل كسب الوقت ومفاجأة العالم بامتلاكها السلاح النووي، ومن ثم فالعقوبات المشددة هي وسيلة لردعها عن مساعيها وورقة ضغط لوقف عملية التخصيب.
وعلى خلاف العقوبات السابقة المتمثلة في قراري مجلس الأمن 1737 في ديسمبر/كانون الأول 2006 و1747 في مارس/آذار 2007 واللذين يخضعان للفصل السابع من الميثاق والمادة ،41 ويشملان فرض عقوبات على تصدير الأسلحة لإيران وعقوبات اقتصادية ضد 28 هيئة ومنظمة وأفراد وبنك “صباح” واتسمت بالتشدد، فإن القرار الجديد لم يأخذ الطابع الإلزامي، بل هو أشبه بتوعية الدول في تعاملها مع إيران وأن تكون يقظة حتى لا تستخدم هذه العلاقات لنقل مواد محظورة تستخدم في المجال النووي، كما يتضمن القرار لأول مرة تقييد ضمانات الائتمان للصادرات، ويشمل تسمية بنكي “ملي” و”صادرات” دون أن يخضعهما للعقوبات مثل بنك صباح، ولذلك فهو توسيع للعقوبات وليس عقوبات جديدة، بل ويطرح القرار إمكانية محادثات مباشرة مع طهران بمشاركة الولايات المتحدة، وبذلك فإن صيغة القرار المعتدل، قد حققت لروسيا أهدافها، فهي لا تريد أن تخسر علاقتها الاقتصادية والنووية مع طهران التي زودتها بكامل الوقود النووي لمفاعل بوشهر، وفي ذات الوقت لا تريد الظهور أمام المجتمع الدولي وكأنها الحامية للنشاط النووي الإيراني وكذلك عدم الدخول في صدام مع واشنطن حيث تتسم سياستها بالشد والجذب معها في ظل القضايا الجدلية بينهما خاصة نظام الدرع الصاروخية.
لا شك أن قرار العقوبات الجديد الذي يتسم بالاعتدال، لن تكون ذات جدوى كبير في التأثير على إيران في تغيير موقفها ووقف عملية تخصيب اليورانيوم الذي تعتبره خطا أحمر. فبرغم أن العقوبات الجديدة إضافة للعقوبات السابقة، قد أضرت بالاستثمار الأجنبي في إيران مع إحجام المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في البلاد، وبرغم أنها أدت لرفع التكاليف على المستوردين الإيرانيين، إلا أن تأثيرها الاقتصادي بشكل عام محدود خاصة على المدى القصير طالما أنها لم تمس عماد الاقتصاد الإيراني وهو النفط والغاز والاستثمارات فيهما، إضافة للوفرة النفطية الهائلة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط بما يزيد من القدرة التحملية للاقتصاد الإيراني، ومن ثم يبقى تأثيرها السياسي هو الأبرز، فمن ناحية رغم الانقسام الدولي حول برنامج إيران النووي إلا أن لعبة المصالح الدولية متبدلة وأن المراهنة على روسيا والصين في دعم موقفها لن يجدي حيث المصلحة هي التي تحكم مواقف تلك الدول، ومن ناحية ثانية، فإن هذه العقوبات سوف تؤثر سلبيا في سياسة الحوار بين إيران والوكالة الدولية، حيث ستقوي من موقف التيار المحافظ المتشدد في طهران لوقف الحوار طالما أن سياسة الشفافية والتعاون مع الوكالة وتقرير الوكالة وتقرير الاستخبارات الأمريكية لم تُجد في وقف العقوبات أو التخلي عن خيار التصعيد، ومن ناحية ثالثة فإنها ستقوض فرص التقارب الأمريكي الإيراني وفرص الحوار بينهما خاصة في ما يتعلق بتحقيق الأمن والاستقرار في العراق، ومن ناحية رابعة فإن المتضرر الأكبر من هذه العقوبات هو الشعب الإيراني وليس النظام، خاصة أن سياسة العقوبات الدولية في السابق لم تحقق أهدافها وكانت بمثابة عقاب جماعي للشعوب، كما أثبتت تجربة العقوبات على العراق في عهد نظام صدام حسين.
وبالتالي فإن منهج العقوبات يمثل مدخلا خاطئا في إدارة تفاعلات الأزمة الإيرانية ويؤدي إلى تعقيدها، فإذا كان من حق إيران تطوير برنامج نووي سلمي لإنتاج الطاقة والذي تبيحه لها معاهدة حظر الانتشار النووي الموقعة عليها، فليس من حقها امتلاك السلاح النووي لأنه يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، والمنهج السليم لتسوية الأزمة سلميا هو الحوار المباشر سواء مع الوكالة الدولية أو بين الأطراف المباشرة المعنية بالأزمة، وفي إطار رؤية شاملة لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة “الإسرائيلية” أما التصعيد والتهديد لأغراض سياسية فمن شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية، حتى وإن كانت عقوبات مخففة، ومزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة الملتهبة أساسا.