مشاكل الشباب العربي ودور البرلمانيين العرب
في تحسين المسيرة الديموقراطية وتحسين عملية التنمية
ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الحادي عشر
للاتحاد البرلماني العربي
د. خليل حسين
يمثل الشباب العربي أكثر من 40 في المئة من نسبة سكان العالم العربي. وفي الواقع يمثلون أكثر من 60 في المئة من القوى الفاعلة في المجتمعات العربية. فأي مشاكل تصيب قطاع الشباب فهي من الخطورة الكبيرة، بحيث تؤثر في المجتمع بكامله. فالشباب فعلاً في أزمات متعددة ومتنوعة الوجوه والاسباب اقتصادية واحتماعية واخلاقية وثقافية، فهم يبحثون جادين عن مفاهيم ومبادئ تساعدهم على اجتياز هذه المحنة التي يعيشونها.
أن خير وسيلة للتعرف على مشكلات الشباب هي الاستماع لآرائهم وإعطائهم الفرص للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم. وضمن هذا الإطار تضمن (تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002) استطلاعاً لاهتمامات الشباب هدف إلى معرفة آراء عدد محدد من الشباب العربي حول أكثر القضايا أهمية في ستة بلدان عربية هي مصر ، لبنان ، الأردن ، ليبيا ، الأمارات و السعودية، واشارت إجابات عينة من الذين استطلعوا إلى أن أكثر القضايا أهمية بين المواضيع التي نظر فيها التقرير هي أولاً: فرص العمل بنسبة 45% من الإجابات، يليها التعليم بنسبة 23% فالبيئة بنسبة 12% ثم توزيع الدخل والثروة بنسبة 8% ، فالمشاركة السياسية بنسبة 5% فالرعاية الصحية بنسبة 4%؛ وقد أظهرت الشابات اهتماماً بالتعليم والمشاركة السياسية والرعاية الصحية أكبر من الاهتمام الذي أظهره الشباب. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في نتائج الاستطلاع أن نسبة 51% من الشباب قد عبروا عن رغبتهم في السفر إلى بلدان أخرى؟! مبينين بوضوح عدم رضاهم عن الواقع الحالي وفرص المستقبل في بلادهم.
وبينت دراسة ميدانية اخرى في الأردن أن نحو 34% يرون أن البطالة هي أهم مشكلة تواجه الشباب، في حين رأى نحو 10% أن التمييز ضد المرأة هي المشكلة الأهم، وقال 8% من الشباب إن استثمار وقت الفراغ هو مشكلتهم الأساسية؟!ورأى 8% أن تضخم مشكلة إدمان المخدرات تشكل استحقاقاً بدأ الأردن بمواجهته.
كما أن دراسة أخرى لمشكلات الشباب العربي قد صنفت مشكلاتهم إلى أربعة أنواع:
1- مشكلات نفسية كالشعور بالضياع والغربة والإحباط بسبب التفاعلات السياسية المتباينة وضغط الأسرة.
2- مشكلات اقتصادية وهي متعلقة بالعمل والسكن وضمان المستقبل، أو بالبطالة والعوز والحرمان من آمال الغد.
3- مشكلات أخلاقية اجتماعية، ناجمة عن التناقض القيمي بين جيل الشباب وجيل الآباء، كذلك ناجمة عن التطرف الديني وعن عدم استغلال أوقات الفراغ، وقلة أشكال الترويح ووصولاً إلى مشكلات الانحراف والجنوح وتعاطي الكحول والمخدرات.
4- مشكلات سياسية وتتعلق ببعض النظم القائمة والحريات المهدورة ثم بالتجزئة الإقليمية.
أن مشكلة البطالة والفقر الناجمة عن الركود الاقتصادي، تعني أيضاً نقصاً في القدرات البشرية اللازمة لتحسين نوعية الحياة حيث أشار تقرير آخر إلى نسبة البطالة بين الشباب في سورية وصلت إلى 73% عام 1998،و4/42 في فلسطين عام 1999 و75% عام 1995 و1/64 عام 1997 في البحرين و61.5% في مصر سنة 1998 وحسب آخر الاستطلاعات سيتوجب خلق فرص عمل لحوالي 50 مليون ملتحق جديد بقوة العمل خصوصاً أن حجم البطالة المرتفعة والبالغ حوالي 14 مليون عاطل عن العمل معظمهم من الشباب فمن المهم والملح بالنسبة لمجتمعاتنا مواجهة هذه المشكلة المركبة (البطالة والفقر).
ومن أكبر المخاطر التي تواجه الشباب العربي (التعصب والتطرف) فالظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وانتشار الجهل في المناطق الريفية وفي أحزمة البؤس حول المدن الكبرى، شكلت مجتمعة بيئة مناسبة لانتشار السخط والاحتجاج بين الفئات الشابة المنبوذة والمهمشة والتي تعاني من الإقصاء وقلة الاستفادة من النتائج المادية للسياسات التنموية، وإذا ما أضفنا إلى ما سبق الخطابات التبشيرية التي تقدمها بعض التيارات المتشددة ووعودها الخلاصية لهؤلاء، إذا ما التزموا افكارها .
فالشباب العربي يتجرع المرارة مرة تلو الاخرى ، جراء الفجوة الكبيرة التي تفصل بين العالم العربي والعالم الغربي، رغم ما يتمتع به الوطن العربي من مقومات طبيعية وبشرية تفوق ما هو موجود في الغرب، وإحساسه بأنه الأحق بهذا التفوق بحكم الموقع الجغرافي الفريد ووفرة ثرواته، والامور الاخرى المشتركة. ويعمق الاحساس لديهم بالألم على اختلاف مشاربهم، حالة العجز التام للوطن العربي على مستوى الكلمة والفعل، عن الاتفاق والتأثير في مجريات الاحداث على الساحة الدولية، فأصبح العالم العربي وبخاصة الشباب منه مجرد مشاهد لما يفعله الآخرون به.كماً تعتصر آلآم الشباب العربي لإحساسهم بحجم الفجوة التقنية الكبيرة التي تتسع يوماً بعد يوم، مما أحال الشعوب العربية الى مجرد سوق مستهلكة لمصانع ومزارع الغرب، من الابرة الى أكثر الاجهزة تعقيداً وذكاء. اما عن تطلعات الشباب، فهي محكومة بالواقع المعاش على أساس أنه قاعدة الانطلاق، فهو يلقي بظلاله الكئيبة على نفوسهم، مما جعل تطلعاتهم محصورة الآن في محاولات الهروب منه، اما بالانغماس في اللهو أياً كان بريئاً او غير بريء، واما بالانكفاء على الذات، حيث يعيشون حالة من الاغتراب، حتى أننا نرى بعض الشباب العربي يقلد الشباب الغربي تقليداً أعمى في كل شيء، ويكتنف هذه التطلعات الشك والريبة والتوجس خيفة مما قد يأتي به الغد.
والشباب العربي لم يأت من كوكب آخر، بل هو مثل اي شباب يعيش في اي مكان آخر من العالم، لكن نشأة الشباب العربي في ظل اطر ومعايير دينية وثقافية واجتماعية وسياسية مختلفة عن دول اخرى، ربما جعل البعض يعتقد بأن الشباب العربي مختلف كلياً عن اقرانه من البلاد الاخرى. وهذا الافتراض ربما يسقط الآن ويتهاوى، نظرا الى ان آلافاً من الشباب العربي بات يجلس امام اجهزة الكومبيوتر، ليتخاطب مع شباب مثله على بعد آلاف الاميال في امور ومسائل قد لا تخطر على بال بعض القادة الكبار او الآباء.
ويتسم الشباب العربي هذه الايام بمظاهر كثير ابرزها:
- الاستقلالية والرغبة في تحديد خياراتهم، والتحكم في حياتهم الشخصية والاجتماعية كأفراد.
- التحرر من قيود الاسرة والمجتمع في شكل اكبر.
- ضعف التمسك بالقيم والمثل والمبادئ والعمل بمقتضاها، نظرا الى الانفتاح غير المسبوق وتوافر وسائل الترفيه واوقات الفراغ.
- شيوع اللامبالاة نظرا الى ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
- ضعف المشاركة السياسية الحقيقية والفعلية في اتخاذ القرارات.
- البطالة سواء الفعلية او المقنعة مما يفقد الشباب الامل.
- ضعف الترابط الاسري لغياب الاب (وربما الام ايضا) عن المنزل ساعات طويلة، سعيا الى زيادة الدخل الاسري، اي ضعف تأثير الحياة الاسرية في المجتمع.
- الامية الثقافية لدى قطاعات عديدة من الشباب.
-غياب مفهوم القدوة (سواء القدوة العلمية التي كان يمثلها اساتذة الجامعات في اوقات سابقة، او القدوة الاجتماعية التي كان يمثلها رجال التعليم والاقارب، او القدوة الدينية التي كان يمثلها رجال الدين سلوكا وعملا... الخ).
- ضعف الثقة المتزايدة في قدرة الشباب على تحمل مسؤولياته كاملة مستقبلا، واستبعاده من دائرة المشاركة الديموقراطية.
ان شبابنا يتطلع الى من يوفر لهم الاجواء المناسبة لاظهار ابداعاتهم وامكاناتهم، كما انهم ينشدون التوجيه والرعاية الحسنة، ومع هذا وذاك فانهم يطمحون الى مزيد من الجهود الموجهة في ضوء تغير الظروف، وظهور المستجدات والتحديات مع دخولنا عصر العولمة والفضائيات وتكنولوجيا المعلومات، وهذا بالطبع يتطلب فهما جيدا لطبيعة الحياة او البيئة التي يعيشها الشباب اليوم، والعمل على توفير السبل كافة التي تتناسب مع معطيات هذا العصر. اننا في زمن تتباين فيه الافكار والآراء، والتي هي نتاج للخطاب الاعلامي الموجّه للشباب بصفة خاصة، وهو الذي اوجد هذا التباين بين الشباب، من حيث ادراكهم للامور، وأثّر سلبا على افكارهم وتطلعاتهم وحتى على عقيدتهم، لهذا فنحن في حاجة الى وضع استراتيجيا محددة، ونعمل على فتح ابواب للمناقشات والمكاشفة الصريحة، حتى نضع النقاط والاهداف لمواجهة التحديات المستقبلية التي تعوق مسيرة شبابنا، ولتتضافر كل الجهود في مواجهة هذه التحديات لتنعم مجتمعاتنا بهذه اللبنة الاساسية، التي تساهم في بناء المجتمع، ووضعه على الطريق الصحيح لمواكبة تطور المجتمعات.
وفي عصر القرية الكونية وتعدد القنوات الفضائية، تزداد هموم الشباب العربي عموما بسبب تأثيرات تيارات الفكر الغربي، التي غزت عقول الشباب، حيث يشاهد ويسمع ويرى العديد من الاحداث المتنوعة التي تحد من عزيمته وتثبط من هممه، وكذلك تؤثر في ثقافته وانتمائه ووطنيته وعروبته، وصعوبة اللحاق بركب الحضارة والتقدم والرقي. لذلك يجب ان تكون هناك منظومة للاعلام العربي، تشكل مظلة عربية مليئة بالقنوات الفضائية العربية، التي تعمل على حماية هوية الاجيال الجديدة، عبر بث المواد والبرامج التي تنبع من ثقافتنا وتراثنا وقيمنا وحضارتنا، وبالتالي تعمق انتماء الانسان العربي لوطنه ولقيمه الروحية والثقافية مع الحفاظ على شخصيته وهويته في عصر العولمة وهو يشاهد الآخرين. والهدف من هذه المنظومة الاعلامية العربية هو ربط ابنائها من المحيط الى الخليج بهويتهم وثقافتهم وبأرضهم ووطنهم العربي، حتى لا يضيعوا في عصر العولمة وعصر الفضاء المفتوح، ويفقدوا هويتهم ولا يجدوا ما يربطهم بأرضهم ووطنهم. قد لا يختلف اثنان على ان للقنوات الفضائية تأثيرا ايجابيا لا ينكر في تثبيت القيم المرغوبة من المجتمع، فضلا عن ان برامجها الجيدة تحدث تعديلات على القيم السلبية والعمل على تلافيها وغرس القيم الايجابية عبر:
- تقديم نماذج انسانية ذات قيمة باعتبارها المثل والقدوة.
- تقديم البرامج والمسلسلات التي تساهم في تنمية القدرات وتدعيم القيم الديموقراطية والمشاركة في اتخاذ القرار وغرس قيم السلام وتقوية الولاء والشعور بالانتماء للوطن والعروبة وتنمية الاحساس بالمسـؤولية، وابراز الطاقات بما يساهم في تكوين الشخصية، والتي تركز على القيم الاخلاقية والدينية والعملية، والتضحية من اجل الوطن واحترام العمل ونبذ القيم السلبية.
واذا كانت هذه ابرز المشكلات التي يعاني منها شبابنا العربي اليوم فان التحديات كثيرة لمواجهتها، وباعتبارنا برلمانيين عربيين فاننا معنيين مباشرة بمواجهة هذه التحديات كوننا ممثلون عنهم ونعمل لتتطلعاتهم، ومن هنا نقترح التركيز في برلمانتنا القطرية التركيز على التشريعات التي تؤمن :
- ضمان المشاركة الفعالة للشباب في كافة قطاعات المجتمع، وفي عمليات صنع القرارات على المستويات القومية والاقليمية والدولية كافة.
- اعادة النظر في اوضاع الشباب وحاجاتهم والاخذ بتقديرهم للاولويات عبر مشاركتهم في قنوات تبادل الحوار.
- دعم المنظمات والاندية الشبابية، بتوفير الامكانات والصلاحيات للهيئات الرسمية والمؤسسات الاهلية القائمة برعاية الشباب.
- اشراك المنظمات غير الحكومية الاخرى ايضا، وبخاصة التي تعمل في مجال رعاية الشباب من الفتيات وبخاصة الصغيرات والاطفال، والشباب من الفتيان وعائلاتهم، والحكومات والهيئات الدولية والمؤسسات التربوية والتعليمية والاعلامية، وذلك من اجل تضافر الجهود كافة للتصدي لمشكلات الشباب بأفضل ما يكون على المستويين المحلي والقومي
ان امة لا شباب فيها لا مستقبل لها، ومن هنا ضرورة التركيز بكل الوسائل المتاحة لتخليص شبابنا بما هم فيه من تشتت وضياع ، ويأس وكفر بالواقع ، وبقدر ما ننجح في ذلك نكون قد وصلنا الى نستقبل واعد ومزهر لأمتنا العربية ولشبابها النابض بالتغيير .
في تحسين المسيرة الديموقراطية وتحسين عملية التنمية
ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الحادي عشر
للاتحاد البرلماني العربي
د. خليل حسين
يمثل الشباب العربي أكثر من 40 في المئة من نسبة سكان العالم العربي. وفي الواقع يمثلون أكثر من 60 في المئة من القوى الفاعلة في المجتمعات العربية. فأي مشاكل تصيب قطاع الشباب فهي من الخطورة الكبيرة، بحيث تؤثر في المجتمع بكامله. فالشباب فعلاً في أزمات متعددة ومتنوعة الوجوه والاسباب اقتصادية واحتماعية واخلاقية وثقافية، فهم يبحثون جادين عن مفاهيم ومبادئ تساعدهم على اجتياز هذه المحنة التي يعيشونها.
أن خير وسيلة للتعرف على مشكلات الشباب هي الاستماع لآرائهم وإعطائهم الفرص للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم. وضمن هذا الإطار تضمن (تقرير التنمية الإنسانية العربية 2002) استطلاعاً لاهتمامات الشباب هدف إلى معرفة آراء عدد محدد من الشباب العربي حول أكثر القضايا أهمية في ستة بلدان عربية هي مصر ، لبنان ، الأردن ، ليبيا ، الأمارات و السعودية، واشارت إجابات عينة من الذين استطلعوا إلى أن أكثر القضايا أهمية بين المواضيع التي نظر فيها التقرير هي أولاً: فرص العمل بنسبة 45% من الإجابات، يليها التعليم بنسبة 23% فالبيئة بنسبة 12% ثم توزيع الدخل والثروة بنسبة 8% ، فالمشاركة السياسية بنسبة 5% فالرعاية الصحية بنسبة 4%؛ وقد أظهرت الشابات اهتماماً بالتعليم والمشاركة السياسية والرعاية الصحية أكبر من الاهتمام الذي أظهره الشباب. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في نتائج الاستطلاع أن نسبة 51% من الشباب قد عبروا عن رغبتهم في السفر إلى بلدان أخرى؟! مبينين بوضوح عدم رضاهم عن الواقع الحالي وفرص المستقبل في بلادهم.
وبينت دراسة ميدانية اخرى في الأردن أن نحو 34% يرون أن البطالة هي أهم مشكلة تواجه الشباب، في حين رأى نحو 10% أن التمييز ضد المرأة هي المشكلة الأهم، وقال 8% من الشباب إن استثمار وقت الفراغ هو مشكلتهم الأساسية؟!ورأى 8% أن تضخم مشكلة إدمان المخدرات تشكل استحقاقاً بدأ الأردن بمواجهته.
كما أن دراسة أخرى لمشكلات الشباب العربي قد صنفت مشكلاتهم إلى أربعة أنواع:
1- مشكلات نفسية كالشعور بالضياع والغربة والإحباط بسبب التفاعلات السياسية المتباينة وضغط الأسرة.
2- مشكلات اقتصادية وهي متعلقة بالعمل والسكن وضمان المستقبل، أو بالبطالة والعوز والحرمان من آمال الغد.
3- مشكلات أخلاقية اجتماعية، ناجمة عن التناقض القيمي بين جيل الشباب وجيل الآباء، كذلك ناجمة عن التطرف الديني وعن عدم استغلال أوقات الفراغ، وقلة أشكال الترويح ووصولاً إلى مشكلات الانحراف والجنوح وتعاطي الكحول والمخدرات.
4- مشكلات سياسية وتتعلق ببعض النظم القائمة والحريات المهدورة ثم بالتجزئة الإقليمية.
أن مشكلة البطالة والفقر الناجمة عن الركود الاقتصادي، تعني أيضاً نقصاً في القدرات البشرية اللازمة لتحسين نوعية الحياة حيث أشار تقرير آخر إلى نسبة البطالة بين الشباب في سورية وصلت إلى 73% عام 1998،و4/42 في فلسطين عام 1999 و75% عام 1995 و1/64 عام 1997 في البحرين و61.5% في مصر سنة 1998 وحسب آخر الاستطلاعات سيتوجب خلق فرص عمل لحوالي 50 مليون ملتحق جديد بقوة العمل خصوصاً أن حجم البطالة المرتفعة والبالغ حوالي 14 مليون عاطل عن العمل معظمهم من الشباب فمن المهم والملح بالنسبة لمجتمعاتنا مواجهة هذه المشكلة المركبة (البطالة والفقر).
ومن أكبر المخاطر التي تواجه الشباب العربي (التعصب والتطرف) فالظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وانتشار الجهل في المناطق الريفية وفي أحزمة البؤس حول المدن الكبرى، شكلت مجتمعة بيئة مناسبة لانتشار السخط والاحتجاج بين الفئات الشابة المنبوذة والمهمشة والتي تعاني من الإقصاء وقلة الاستفادة من النتائج المادية للسياسات التنموية، وإذا ما أضفنا إلى ما سبق الخطابات التبشيرية التي تقدمها بعض التيارات المتشددة ووعودها الخلاصية لهؤلاء، إذا ما التزموا افكارها .
فالشباب العربي يتجرع المرارة مرة تلو الاخرى ، جراء الفجوة الكبيرة التي تفصل بين العالم العربي والعالم الغربي، رغم ما يتمتع به الوطن العربي من مقومات طبيعية وبشرية تفوق ما هو موجود في الغرب، وإحساسه بأنه الأحق بهذا التفوق بحكم الموقع الجغرافي الفريد ووفرة ثرواته، والامور الاخرى المشتركة. ويعمق الاحساس لديهم بالألم على اختلاف مشاربهم، حالة العجز التام للوطن العربي على مستوى الكلمة والفعل، عن الاتفاق والتأثير في مجريات الاحداث على الساحة الدولية، فأصبح العالم العربي وبخاصة الشباب منه مجرد مشاهد لما يفعله الآخرون به.كماً تعتصر آلآم الشباب العربي لإحساسهم بحجم الفجوة التقنية الكبيرة التي تتسع يوماً بعد يوم، مما أحال الشعوب العربية الى مجرد سوق مستهلكة لمصانع ومزارع الغرب، من الابرة الى أكثر الاجهزة تعقيداً وذكاء. اما عن تطلعات الشباب، فهي محكومة بالواقع المعاش على أساس أنه قاعدة الانطلاق، فهو يلقي بظلاله الكئيبة على نفوسهم، مما جعل تطلعاتهم محصورة الآن في محاولات الهروب منه، اما بالانغماس في اللهو أياً كان بريئاً او غير بريء، واما بالانكفاء على الذات، حيث يعيشون حالة من الاغتراب، حتى أننا نرى بعض الشباب العربي يقلد الشباب الغربي تقليداً أعمى في كل شيء، ويكتنف هذه التطلعات الشك والريبة والتوجس خيفة مما قد يأتي به الغد.
والشباب العربي لم يأت من كوكب آخر، بل هو مثل اي شباب يعيش في اي مكان آخر من العالم، لكن نشأة الشباب العربي في ظل اطر ومعايير دينية وثقافية واجتماعية وسياسية مختلفة عن دول اخرى، ربما جعل البعض يعتقد بأن الشباب العربي مختلف كلياً عن اقرانه من البلاد الاخرى. وهذا الافتراض ربما يسقط الآن ويتهاوى، نظرا الى ان آلافاً من الشباب العربي بات يجلس امام اجهزة الكومبيوتر، ليتخاطب مع شباب مثله على بعد آلاف الاميال في امور ومسائل قد لا تخطر على بال بعض القادة الكبار او الآباء.
ويتسم الشباب العربي هذه الايام بمظاهر كثير ابرزها:
- الاستقلالية والرغبة في تحديد خياراتهم، والتحكم في حياتهم الشخصية والاجتماعية كأفراد.
- التحرر من قيود الاسرة والمجتمع في شكل اكبر.
- ضعف التمسك بالقيم والمثل والمبادئ والعمل بمقتضاها، نظرا الى الانفتاح غير المسبوق وتوافر وسائل الترفيه واوقات الفراغ.
- شيوع اللامبالاة نظرا الى ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
- ضعف المشاركة السياسية الحقيقية والفعلية في اتخاذ القرارات.
- البطالة سواء الفعلية او المقنعة مما يفقد الشباب الامل.
- ضعف الترابط الاسري لغياب الاب (وربما الام ايضا) عن المنزل ساعات طويلة، سعيا الى زيادة الدخل الاسري، اي ضعف تأثير الحياة الاسرية في المجتمع.
- الامية الثقافية لدى قطاعات عديدة من الشباب.
-غياب مفهوم القدوة (سواء القدوة العلمية التي كان يمثلها اساتذة الجامعات في اوقات سابقة، او القدوة الاجتماعية التي كان يمثلها رجال التعليم والاقارب، او القدوة الدينية التي كان يمثلها رجال الدين سلوكا وعملا... الخ).
- ضعف الثقة المتزايدة في قدرة الشباب على تحمل مسؤولياته كاملة مستقبلا، واستبعاده من دائرة المشاركة الديموقراطية.
ان شبابنا يتطلع الى من يوفر لهم الاجواء المناسبة لاظهار ابداعاتهم وامكاناتهم، كما انهم ينشدون التوجيه والرعاية الحسنة، ومع هذا وذاك فانهم يطمحون الى مزيد من الجهود الموجهة في ضوء تغير الظروف، وظهور المستجدات والتحديات مع دخولنا عصر العولمة والفضائيات وتكنولوجيا المعلومات، وهذا بالطبع يتطلب فهما جيدا لطبيعة الحياة او البيئة التي يعيشها الشباب اليوم، والعمل على توفير السبل كافة التي تتناسب مع معطيات هذا العصر. اننا في زمن تتباين فيه الافكار والآراء، والتي هي نتاج للخطاب الاعلامي الموجّه للشباب بصفة خاصة، وهو الذي اوجد هذا التباين بين الشباب، من حيث ادراكهم للامور، وأثّر سلبا على افكارهم وتطلعاتهم وحتى على عقيدتهم، لهذا فنحن في حاجة الى وضع استراتيجيا محددة، ونعمل على فتح ابواب للمناقشات والمكاشفة الصريحة، حتى نضع النقاط والاهداف لمواجهة التحديات المستقبلية التي تعوق مسيرة شبابنا، ولتتضافر كل الجهود في مواجهة هذه التحديات لتنعم مجتمعاتنا بهذه اللبنة الاساسية، التي تساهم في بناء المجتمع، ووضعه على الطريق الصحيح لمواكبة تطور المجتمعات.
وفي عصر القرية الكونية وتعدد القنوات الفضائية، تزداد هموم الشباب العربي عموما بسبب تأثيرات تيارات الفكر الغربي، التي غزت عقول الشباب، حيث يشاهد ويسمع ويرى العديد من الاحداث المتنوعة التي تحد من عزيمته وتثبط من هممه، وكذلك تؤثر في ثقافته وانتمائه ووطنيته وعروبته، وصعوبة اللحاق بركب الحضارة والتقدم والرقي. لذلك يجب ان تكون هناك منظومة للاعلام العربي، تشكل مظلة عربية مليئة بالقنوات الفضائية العربية، التي تعمل على حماية هوية الاجيال الجديدة، عبر بث المواد والبرامج التي تنبع من ثقافتنا وتراثنا وقيمنا وحضارتنا، وبالتالي تعمق انتماء الانسان العربي لوطنه ولقيمه الروحية والثقافية مع الحفاظ على شخصيته وهويته في عصر العولمة وهو يشاهد الآخرين. والهدف من هذه المنظومة الاعلامية العربية هو ربط ابنائها من المحيط الى الخليج بهويتهم وثقافتهم وبأرضهم ووطنهم العربي، حتى لا يضيعوا في عصر العولمة وعصر الفضاء المفتوح، ويفقدوا هويتهم ولا يجدوا ما يربطهم بأرضهم ووطنهم. قد لا يختلف اثنان على ان للقنوات الفضائية تأثيرا ايجابيا لا ينكر في تثبيت القيم المرغوبة من المجتمع، فضلا عن ان برامجها الجيدة تحدث تعديلات على القيم السلبية والعمل على تلافيها وغرس القيم الايجابية عبر:
- تقديم نماذج انسانية ذات قيمة باعتبارها المثل والقدوة.
- تقديم البرامج والمسلسلات التي تساهم في تنمية القدرات وتدعيم القيم الديموقراطية والمشاركة في اتخاذ القرار وغرس قيم السلام وتقوية الولاء والشعور بالانتماء للوطن والعروبة وتنمية الاحساس بالمسـؤولية، وابراز الطاقات بما يساهم في تكوين الشخصية، والتي تركز على القيم الاخلاقية والدينية والعملية، والتضحية من اجل الوطن واحترام العمل ونبذ القيم السلبية.
واذا كانت هذه ابرز المشكلات التي يعاني منها شبابنا العربي اليوم فان التحديات كثيرة لمواجهتها، وباعتبارنا برلمانيين عربيين فاننا معنيين مباشرة بمواجهة هذه التحديات كوننا ممثلون عنهم ونعمل لتتطلعاتهم، ومن هنا نقترح التركيز في برلمانتنا القطرية التركيز على التشريعات التي تؤمن :
- ضمان المشاركة الفعالة للشباب في كافة قطاعات المجتمع، وفي عمليات صنع القرارات على المستويات القومية والاقليمية والدولية كافة.
- اعادة النظر في اوضاع الشباب وحاجاتهم والاخذ بتقديرهم للاولويات عبر مشاركتهم في قنوات تبادل الحوار.
- دعم المنظمات والاندية الشبابية، بتوفير الامكانات والصلاحيات للهيئات الرسمية والمؤسسات الاهلية القائمة برعاية الشباب.
- اشراك المنظمات غير الحكومية الاخرى ايضا، وبخاصة التي تعمل في مجال رعاية الشباب من الفتيات وبخاصة الصغيرات والاطفال، والشباب من الفتيان وعائلاتهم، والحكومات والهيئات الدولية والمؤسسات التربوية والتعليمية والاعلامية، وذلك من اجل تضافر الجهود كافة للتصدي لمشكلات الشباب بأفضل ما يكون على المستويين المحلي والقومي
ان امة لا شباب فيها لا مستقبل لها، ومن هنا ضرورة التركيز بكل الوسائل المتاحة لتخليص شبابنا بما هم فيه من تشتت وضياع ، ويأس وكفر بالواقع ، وبقدر ما ننجح في ذلك نكون قد وصلنا الى نستقبل واعد ومزهر لأمتنا العربية ولشبابها النابض بالتغيير .