قمة دمشق والعلاقات اللبنانية السورية
د.خليل حسين
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
من مفارقات قمة دمشق العربية زمانها ومكانها،فهي وان أتت بظروف عربية فارقة لجهة مستوى العمل العربي المشترك وقضاياه،فمكانها أيضا يشكل علامة فارقة في تاريخ القمم العربية لجهة مضمونها وتداعياتها المستقبلية.وفي أي حال وبصرف النظر عما يمكن أن يتأتى من نتائج عملية خلال حقبة ترؤس سوريا لمؤسسة القمة،فان القضية المركزية التي سيكون لها الحضور الأكبر المسألة اللبنانية بتفاصيلها المملة رغم غيابه الشكلي وحضوره الفعلي مضمونا،وبالتالي إن السؤال الملح الذي يطرح نفسه أية علاقات يمكن تبدو ممكنة مستقبلا بين بيروت ودمشق؟ وهل أن البلدين الشقيقين مسؤولين وحدهما عن تصحيح العلاقة أم أن الأمر مرتبط بجهات أخرى؟
في الواقع إن استعراض تاريخ القمم العربية التسعة عشرة السابقة وجداول أعمالها يظهر دوام حضور الملف اللبناني وبخاصة ما يربطه بسوريا مباشرة أو بطريق الواسطة عبر تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وأثره في موقع لبنان منه,لكن حضور لبنان هذه المرة يعتبر مغايرا،فلبنان وسوريا في آن معا رغم تباين رؤيتهما في العديد من القضايا الاستراتيجية هما مستهدفان من قبل فئات مستفيدة بفصلهما وابعادهما عن بعضهما باعتبار أن دوام توتير العلاقة بين البلدين يشكل مدخلا لتدفيع سوريا أثمانا لم تدفعها حتى الآن في ملفات كثيرة وهي معروفة.وعليه إن مسار تصحيح العلاقة يعتبر مدخلا لتفادي أزمات كثيرة ليس للبلدين وحدهما وإنما لمجموع النظام الإقليمي العربي.
فمن الواضح إن علاقة البلدين ظلت مقياسا لنوعية ومستوى العلاقات العربية العربية وبمعنى أدق مستوى العلاقة بين قوى الجذب في المحاور العربية ، وسوابق تلك المعادلة ظهرت بجلاء في العديد من القمم العربية السابقة وبالتأكيد ستظل في اللاحقة أيضا.فلبنان مثلا تجاوز حدود المألوف في العام 1958 عندما تجاوز الجامعة العربية وتقدم بشكاوى إلى الأمم المتحدة ضد سوريا على خلفية المواقف من حلف بغداد وفعل الأمر نفسه بين الأعوام 1980 و1983 على خلفية المواقف من اتفاق 17 أيار وفي جميع هذه السوابق لم يتمكن لبنان من الوصول إلى مكان يرضيه فعاد أدراجه باتجاه دمشق بحثا عن حل يعيد وحدته الداخلية وكيانه المشرع على احتمالات متنوعة.
الموضوع يتكرر اليوم وبظروف اشد عنفا وأكثر قسوة،وفي ظروف عربية غير مساعدة فهل يتعظ لبنان من سوابقه أم سيسلك طرقا سبق أن سلكها؟ ثمة أحاديث كثيرة عن تدويل الانتخابات الرئاسية اللبنانية في القريب العاجل ما يعطي انطباعا أن الحكومة اللبنانية التي قررت عدم المشاركة في قمة دمشق هي ذاهبة نحو الأمم المتحدة،وهذا يعني أن جرحا أضافيا سينكأ في جسم العلاقات بين البلدين فمن يتحمل المسؤولية ومن القادر على منعه؟طبعا إن البلدين مسؤلان بالدرجة الأولى لكن ثمة أطرافا أخرى مسؤولة هي أيضا اقله تأمين البيئة المناسبة لإطلاق عجلة التقارب،ثمة من يقول أن هذا الكلام من نوع الإنشاء العربي الذي لا يصرف في السياسة وهذا صحيح،لكن الصحيح أيضا هو وجوب النظر بحذاقة العارف والمجرِّب في توصيف وتكييف نوعية الخلاف وأسبابه بين البلدين،عندها يمكن أن تصح الخيارات في سلوك الطرقات.
إن جوهر الخلاف بين البلدين أولا وأخيرا هو موقع ودور لبنان في القضايا العربية العالقة والتي تمسُّ سوريا كما العرب جميعا وهي احتلال إسرائيل للجولان كما بعض جنوب لبنان وطبعا ما تبقى من مشاريع ارض لدولة فلسطينية موعودة.عندها وعندها فقط يمكن أن تستوي العلاقة بين البلدين،فكيف يمكن أن تترجم سياسيا في القمة وما بعدها، من البديهي أن تنظر دمشق إلى المبادرة العربية المقرّة في قمة بيروت كبوصلة لإدارة ملفات الصراع في المنطقة ومن الطبيعي في السياسات الخارجية أن تبحث عن اذرع وسواعد لتقوية وتنفيذ أهدافها وتبدو قضية العلاقات اللبنانية السورية احد الوسائل الهامة لإنجاح الإدارة السورية لمقررات القمة.
مع اختلاف الظروف شكلا ورغم ما وصلت العلاقات اللبنانية السورية من مستويات إلى حدود ألازمة بين البلدين إبان حكم الرئيس أمين الجميل فقد عقد ثلاثة عشر قمة مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كانت آخرها قبل ساعات فقط من انتهاء ولاية الرئيس الجميل في العام 1988 ،ورغم فشل القمة الأخيرة أنذاك في إيصال رئيس جمهورية للبنان إلى قصر بعبدا يبقى هذا التوجه له دلالات رمزية لطبيعة العلاقات المفترضة بين البلدين،فلماذا لم تكررها الحكومة اللبنانية في هذه الظروف الفارقة التي يمر بها لبنان واختارت القطيعة مع القمة ومع سوريا تحديدا؟
ربما للحكومة اللبنانية ما يبرر موقفها ربطا بنوعية الدعوة التي وجهت إليها, لكن البحث عن مصير وطن يتطلب الترفّع عن الشكليات والبروتوكولات،ربما مفارقة الموقف اللبناني بأنها السابقة الأولى التي يتغيب لبنان حضورا في قمة عربية تترأسها سوريا للمرة الأولى،والمفارقة الأخرى هي إصرار الحكومة اللبنانية عبر رئيسها لعدم حضور القمة في وقت جهد سابقا وفي قمة الخرطوم 2006 على الحضور منفصلا عن رئيس الجمهورية لدواع متعلقة بجوهر الخلاف في العلاقات اللبنانية السورية.
انطلقت قمة دمشق وترأستها سوريا لسنة قادمة وبعدها ستؤول إلى مكان آخر في الجغرافيا العربية،لكن لبنان وسوريا سيظلان محكومان بقواعد التاريخ كما الجغرافيا،لكن العبرة تكمن في فهم هذه القاعدة وهضمها وعدم التفلّت من شروطها لئلا الأمور تفلت من عقالها.
د.خليل حسين
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
من مفارقات قمة دمشق العربية زمانها ومكانها،فهي وان أتت بظروف عربية فارقة لجهة مستوى العمل العربي المشترك وقضاياه،فمكانها أيضا يشكل علامة فارقة في تاريخ القمم العربية لجهة مضمونها وتداعياتها المستقبلية.وفي أي حال وبصرف النظر عما يمكن أن يتأتى من نتائج عملية خلال حقبة ترؤس سوريا لمؤسسة القمة،فان القضية المركزية التي سيكون لها الحضور الأكبر المسألة اللبنانية بتفاصيلها المملة رغم غيابه الشكلي وحضوره الفعلي مضمونا،وبالتالي إن السؤال الملح الذي يطرح نفسه أية علاقات يمكن تبدو ممكنة مستقبلا بين بيروت ودمشق؟ وهل أن البلدين الشقيقين مسؤولين وحدهما عن تصحيح العلاقة أم أن الأمر مرتبط بجهات أخرى؟
في الواقع إن استعراض تاريخ القمم العربية التسعة عشرة السابقة وجداول أعمالها يظهر دوام حضور الملف اللبناني وبخاصة ما يربطه بسوريا مباشرة أو بطريق الواسطة عبر تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وأثره في موقع لبنان منه,لكن حضور لبنان هذه المرة يعتبر مغايرا،فلبنان وسوريا في آن معا رغم تباين رؤيتهما في العديد من القضايا الاستراتيجية هما مستهدفان من قبل فئات مستفيدة بفصلهما وابعادهما عن بعضهما باعتبار أن دوام توتير العلاقة بين البلدين يشكل مدخلا لتدفيع سوريا أثمانا لم تدفعها حتى الآن في ملفات كثيرة وهي معروفة.وعليه إن مسار تصحيح العلاقة يعتبر مدخلا لتفادي أزمات كثيرة ليس للبلدين وحدهما وإنما لمجموع النظام الإقليمي العربي.
فمن الواضح إن علاقة البلدين ظلت مقياسا لنوعية ومستوى العلاقات العربية العربية وبمعنى أدق مستوى العلاقة بين قوى الجذب في المحاور العربية ، وسوابق تلك المعادلة ظهرت بجلاء في العديد من القمم العربية السابقة وبالتأكيد ستظل في اللاحقة أيضا.فلبنان مثلا تجاوز حدود المألوف في العام 1958 عندما تجاوز الجامعة العربية وتقدم بشكاوى إلى الأمم المتحدة ضد سوريا على خلفية المواقف من حلف بغداد وفعل الأمر نفسه بين الأعوام 1980 و1983 على خلفية المواقف من اتفاق 17 أيار وفي جميع هذه السوابق لم يتمكن لبنان من الوصول إلى مكان يرضيه فعاد أدراجه باتجاه دمشق بحثا عن حل يعيد وحدته الداخلية وكيانه المشرع على احتمالات متنوعة.
الموضوع يتكرر اليوم وبظروف اشد عنفا وأكثر قسوة،وفي ظروف عربية غير مساعدة فهل يتعظ لبنان من سوابقه أم سيسلك طرقا سبق أن سلكها؟ ثمة أحاديث كثيرة عن تدويل الانتخابات الرئاسية اللبنانية في القريب العاجل ما يعطي انطباعا أن الحكومة اللبنانية التي قررت عدم المشاركة في قمة دمشق هي ذاهبة نحو الأمم المتحدة،وهذا يعني أن جرحا أضافيا سينكأ في جسم العلاقات بين البلدين فمن يتحمل المسؤولية ومن القادر على منعه؟طبعا إن البلدين مسؤلان بالدرجة الأولى لكن ثمة أطرافا أخرى مسؤولة هي أيضا اقله تأمين البيئة المناسبة لإطلاق عجلة التقارب،ثمة من يقول أن هذا الكلام من نوع الإنشاء العربي الذي لا يصرف في السياسة وهذا صحيح،لكن الصحيح أيضا هو وجوب النظر بحذاقة العارف والمجرِّب في توصيف وتكييف نوعية الخلاف وأسبابه بين البلدين،عندها يمكن أن تصح الخيارات في سلوك الطرقات.
إن جوهر الخلاف بين البلدين أولا وأخيرا هو موقع ودور لبنان في القضايا العربية العالقة والتي تمسُّ سوريا كما العرب جميعا وهي احتلال إسرائيل للجولان كما بعض جنوب لبنان وطبعا ما تبقى من مشاريع ارض لدولة فلسطينية موعودة.عندها وعندها فقط يمكن أن تستوي العلاقة بين البلدين،فكيف يمكن أن تترجم سياسيا في القمة وما بعدها، من البديهي أن تنظر دمشق إلى المبادرة العربية المقرّة في قمة بيروت كبوصلة لإدارة ملفات الصراع في المنطقة ومن الطبيعي في السياسات الخارجية أن تبحث عن اذرع وسواعد لتقوية وتنفيذ أهدافها وتبدو قضية العلاقات اللبنانية السورية احد الوسائل الهامة لإنجاح الإدارة السورية لمقررات القمة.
مع اختلاف الظروف شكلا ورغم ما وصلت العلاقات اللبنانية السورية من مستويات إلى حدود ألازمة بين البلدين إبان حكم الرئيس أمين الجميل فقد عقد ثلاثة عشر قمة مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كانت آخرها قبل ساعات فقط من انتهاء ولاية الرئيس الجميل في العام 1988 ،ورغم فشل القمة الأخيرة أنذاك في إيصال رئيس جمهورية للبنان إلى قصر بعبدا يبقى هذا التوجه له دلالات رمزية لطبيعة العلاقات المفترضة بين البلدين،فلماذا لم تكررها الحكومة اللبنانية في هذه الظروف الفارقة التي يمر بها لبنان واختارت القطيعة مع القمة ومع سوريا تحديدا؟
ربما للحكومة اللبنانية ما يبرر موقفها ربطا بنوعية الدعوة التي وجهت إليها, لكن البحث عن مصير وطن يتطلب الترفّع عن الشكليات والبروتوكولات،ربما مفارقة الموقف اللبناني بأنها السابقة الأولى التي يتغيب لبنان حضورا في قمة عربية تترأسها سوريا للمرة الأولى،والمفارقة الأخرى هي إصرار الحكومة اللبنانية عبر رئيسها لعدم حضور القمة في وقت جهد سابقا وفي قمة الخرطوم 2006 على الحضور منفصلا عن رئيس الجمهورية لدواع متعلقة بجوهر الخلاف في العلاقات اللبنانية السورية.
انطلقت قمة دمشق وترأستها سوريا لسنة قادمة وبعدها ستؤول إلى مكان آخر في الجغرافيا العربية،لكن لبنان وسوريا سيظلان محكومان بقواعد التاريخ كما الجغرافيا،لكن العبرة تكمن في فهم هذه القاعدة وهضمها وعدم التفلّت من شروطها لئلا الأمور تفلت من عقالها.