الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية:الخلفيات والتداعيات
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
صحيح أن الخرق الجوي الإسرائيلي للأجواء السورية لا يشكل سابقة،إذ أنها المرة الثالثة بين الأعوام 2000 و 2007،إلا أن هذا التطور ربما يؤسس لبيئة مناسبة يمكن القول معها أن حربا باردة قد بدأت يسن سوريا وإسرائيل وان الظروف تتكون لإشعالها،ذلك يعود للعديد من الاعتبارات والأسباب،فما هي خلفيات هذا الخرق بالتحديد لجهة نوعيته وأهدافه وتداعياته؟إضافة إلى ذلك لماذا اختارت تل أبيب هذا التوقيت بالذات وما هي خلفياته؟
من الواضح ورغم الصمت الإسرائيلي الأولي على هذا الخرق قد أتى في ظروف مغايرة ومختلفة عن الخرقين اللذين قامت بهما في العام 2003 على عين الصاحب والتحليق فوق اللاذقية في حزيران 2006.في الأول كان الهدف منه إرباك سوريا في لبنان ومحاولة أقلمة أظافر الانتفاضة الفلسطينية في الداخل عبر استهداف مواقع فلسطينية في عين الصاحب.أما الخرق فوق اللاذقية فكانت رسالة موجهة للقيادة السياسية السورية في وقت كانت تحضر واشنطن وتل أبيب للعدوان على لبنان.فيما هذا الخرق الأخير أتى وسط أجواء سورية إسرائيلية مشحونة بعد سلسلة مناورات عسكرية وتصاعد لهجة الحرب بين الجانبين علنا وسط تقارير أمنية واستخبارية تشير إلى استعدادات إسرائيلية واسعة لرد الاعتبار المعنوي بعد سلسلة الإخفاقات المحققة ضدها في لبنان.ورغم ذلك ينبغي قراءة الخرق بدقة متناهية لمعرفة الخلفيات الكامنة وراءه ومن بينها:
- أن اكتشاف الخرق والتصدي له، ألزم الطائرات بالتخلص في أكثر من موضع من جزء من ذخائرها وخزانات وقودها الإضافية. وعادة ما تتخذ هذه الخطوة في حال اضطرار الطائرات للتخفيف من جزء من حمولتها، بغية امتلاك قدرة أكبر من السرعة والمناورة. إلا أن هذه الحمولة تدفع إلى التدقيق في مهمة تلك الطائرات. فإذا كانت للاستطلاع على سبيل المثال، فإنها غير مضطرة لحمل هذه الكمية الكبيرة من الذخائر أو الوقود. ولكن إذا كانت للتدريب في مهمة محددة، فإنها تضطر لحمل ذخائر وكأنها في مهمة قتالية مؤكدة.
- من غير المتوقع أن يكون مثلث الحدود السورية ـ التركية ـ العراقية موضع اهتمام إسرائيلي عمليا، إلا إذا كان الأمر متعلقا باستعداد أو تدريب على خطوة ضد إيران على سبيل المثال ومن المنطق عدم استبعاد هذا الاحتمال ، ومن المنطق تصور إسرائيل عدم استخدام أي أراض لدول عربية لا تريد التورط سياسيا معها، مثل الأردن أو السعودية. كما يبدو أن الأجواء التركية ليست متاحة كمسار لاستهداف إيران، ما يحصر الاهتمام الإسرائيلي بالأجواء السورية والعراقية. وبالتالي لا يمكن استبعاد أن تكون الطلعات الإسرائيلية هذه، تدربا على مسار جوي ملائم لاستخدامه عند الاضطرار ضد إيران. كما أن المسار الذي حلقت فوقه الطائرات الإسرائيلية، جعلها في اقرب نقطة إلى إيران، يفصلها عنها كردستان العراق ليس إلا.
- وعطفا على ما سبق إن الصمت الإسرائيلي بداية ومن ثم الاعتراف بأن ما جرى هو ذات طابع "محدد" يعني تأكسدا لسيناريوهات محتملة منها الاحتمال السابق الذكر؛في ظل عودة الكلام العالي النبرة حول الملف النووي الإيراني خلال هذه الفترة.
- ان الاحتمال السالف الذكر لا يلغي بالضرورة احتمال آخر متعلق بالدرجة الأولى بعملية استطلاع وجس نبض لردود الفعل السورية السياسية والعسكرية بعد تصاعد الأنباء عن تسليح سوري حديث اذ كشفت أجهزة استخبارات غربية أن سوريا اشترت من روسيا صواريخ ارض - جو متطورة قصيرة المدى من طراز «كولومنا سترلتس»، كما ينتظر أن تتسلم صواريخ ارض - جو متطورة قصيرة المدى من طراز «بانتسير». وميزة هذه الصواريخ أنها متحركة وفعالة في حماية الألوية في ميدان المعركة من الهجمات الجوية التي عادة ما تكون من ارتفاع منخفض للدعم الأرضي القريب. وبناء على الدروس المستقاة من حرب تموز 2007 في لبنان قامت سوريا بتعزيز ترسانتها من الصواريخ الموجهة المضادة للدروع وراجمات صواريخ الغراد الثقيلة والصواريخ المضادة للسفن، خصوصاً من طراز «سي-803 نور» الذي تصنعه إيران بترخيص من الصين، وهو النوع الذي استخدمته المقاومة لضرب الفرقاطة الإسرائيلية «ساعر» العام الماضي.
- وما يقلق إسرائيل في السياق السابق ما يتداول به حاليا عن عودة الحنين الروسي الدائم إلى المياه الدافئة عبر تطوير وتحصين القاعدة السوفياتية السابقة على الساحل السوري ما يعزز الشكوك المتبادلة بين المعنيين الإقليميين والدوليين في أمن الشرق الأوسط حول خيارات الحرب والسلم.
- إضافة إلى ذلك من الصعب إغفال تنفيذ التسلل الإسرائيلي بعيدا عن المشاريع السياسية المطروحة كمؤتمر السلام الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش والذي استبعد سوريا منه،فإسرائيل استغلت موقف مقررات وزراء الخارجية العرب الداعي لمشاركة سوريا وردت على طريقتها الخاصة على قاعدة التحدي والابتزاز المعهودتين في تلك الحالات ونفذت عمليتها المحددة وفقا للتوصيف الإسرائيلي.
وإذا كانت تلك الخلفيات تقف وراء هذا الاستفزاز الواضح فما هي تداعياته العملية،صحيح أن إسرائيل سارعت إلى تبريد الأجواء ومحاولة احتواء المواقف السورية والدولية،وصحيح أن سوريا احتفظت بحق الرد من منطلق عدم إتاحة الفرصة لإسرائيل لتحديد المكان والزمان لفرض المواجهة،إلا أن ما يتراكم حاليا من مواقف وتحركات يمكن أن تنذر بحسابات مختلفة في ظل تصاعد الحديث عن سوء الفهم للتصريحات والمواقف المعتادة والتي يمكن أن تؤدي لمواجهة غير محسوبة النتائج بدقة.
إن ما يعزز خيارات المواجهة بدأت تتضح شيئا فشيئا،فأفق السلام والمفاوضات مقفلة عمليا والطرف الراعي المفترض استبعد دمشق،فيما الصراع العربي الإسرائيلي بات مرتبط بملفات أهرى كالملف النووي الإيراني ومن السهولة بمكان تقاطع الاثنين في نقطة تشعل المواجهة في المنطقة بهدف حسم ملفات متنوعة في آن معا.فإلى أين ستذهب المنطقة؟وما هي حدود ضبط النفس والقراءة المتأنية للمواقف؟أسئلة من الصعب الإجابة عليها في منطقة تعج بأسباب الانفجاريات والمواجهات.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
صحيح أن الخرق الجوي الإسرائيلي للأجواء السورية لا يشكل سابقة،إذ أنها المرة الثالثة بين الأعوام 2000 و 2007،إلا أن هذا التطور ربما يؤسس لبيئة مناسبة يمكن القول معها أن حربا باردة قد بدأت يسن سوريا وإسرائيل وان الظروف تتكون لإشعالها،ذلك يعود للعديد من الاعتبارات والأسباب،فما هي خلفيات هذا الخرق بالتحديد لجهة نوعيته وأهدافه وتداعياته؟إضافة إلى ذلك لماذا اختارت تل أبيب هذا التوقيت بالذات وما هي خلفياته؟
من الواضح ورغم الصمت الإسرائيلي الأولي على هذا الخرق قد أتى في ظروف مغايرة ومختلفة عن الخرقين اللذين قامت بهما في العام 2003 على عين الصاحب والتحليق فوق اللاذقية في حزيران 2006.في الأول كان الهدف منه إرباك سوريا في لبنان ومحاولة أقلمة أظافر الانتفاضة الفلسطينية في الداخل عبر استهداف مواقع فلسطينية في عين الصاحب.أما الخرق فوق اللاذقية فكانت رسالة موجهة للقيادة السياسية السورية في وقت كانت تحضر واشنطن وتل أبيب للعدوان على لبنان.فيما هذا الخرق الأخير أتى وسط أجواء سورية إسرائيلية مشحونة بعد سلسلة مناورات عسكرية وتصاعد لهجة الحرب بين الجانبين علنا وسط تقارير أمنية واستخبارية تشير إلى استعدادات إسرائيلية واسعة لرد الاعتبار المعنوي بعد سلسلة الإخفاقات المحققة ضدها في لبنان.ورغم ذلك ينبغي قراءة الخرق بدقة متناهية لمعرفة الخلفيات الكامنة وراءه ومن بينها:
- أن اكتشاف الخرق والتصدي له، ألزم الطائرات بالتخلص في أكثر من موضع من جزء من ذخائرها وخزانات وقودها الإضافية. وعادة ما تتخذ هذه الخطوة في حال اضطرار الطائرات للتخفيف من جزء من حمولتها، بغية امتلاك قدرة أكبر من السرعة والمناورة. إلا أن هذه الحمولة تدفع إلى التدقيق في مهمة تلك الطائرات. فإذا كانت للاستطلاع على سبيل المثال، فإنها غير مضطرة لحمل هذه الكمية الكبيرة من الذخائر أو الوقود. ولكن إذا كانت للتدريب في مهمة محددة، فإنها تضطر لحمل ذخائر وكأنها في مهمة قتالية مؤكدة.
- من غير المتوقع أن يكون مثلث الحدود السورية ـ التركية ـ العراقية موضع اهتمام إسرائيلي عمليا، إلا إذا كان الأمر متعلقا باستعداد أو تدريب على خطوة ضد إيران على سبيل المثال ومن المنطق عدم استبعاد هذا الاحتمال ، ومن المنطق تصور إسرائيل عدم استخدام أي أراض لدول عربية لا تريد التورط سياسيا معها، مثل الأردن أو السعودية. كما يبدو أن الأجواء التركية ليست متاحة كمسار لاستهداف إيران، ما يحصر الاهتمام الإسرائيلي بالأجواء السورية والعراقية. وبالتالي لا يمكن استبعاد أن تكون الطلعات الإسرائيلية هذه، تدربا على مسار جوي ملائم لاستخدامه عند الاضطرار ضد إيران. كما أن المسار الذي حلقت فوقه الطائرات الإسرائيلية، جعلها في اقرب نقطة إلى إيران، يفصلها عنها كردستان العراق ليس إلا.
- وعطفا على ما سبق إن الصمت الإسرائيلي بداية ومن ثم الاعتراف بأن ما جرى هو ذات طابع "محدد" يعني تأكسدا لسيناريوهات محتملة منها الاحتمال السابق الذكر؛في ظل عودة الكلام العالي النبرة حول الملف النووي الإيراني خلال هذه الفترة.
- ان الاحتمال السالف الذكر لا يلغي بالضرورة احتمال آخر متعلق بالدرجة الأولى بعملية استطلاع وجس نبض لردود الفعل السورية السياسية والعسكرية بعد تصاعد الأنباء عن تسليح سوري حديث اذ كشفت أجهزة استخبارات غربية أن سوريا اشترت من روسيا صواريخ ارض - جو متطورة قصيرة المدى من طراز «كولومنا سترلتس»، كما ينتظر أن تتسلم صواريخ ارض - جو متطورة قصيرة المدى من طراز «بانتسير». وميزة هذه الصواريخ أنها متحركة وفعالة في حماية الألوية في ميدان المعركة من الهجمات الجوية التي عادة ما تكون من ارتفاع منخفض للدعم الأرضي القريب. وبناء على الدروس المستقاة من حرب تموز 2007 في لبنان قامت سوريا بتعزيز ترسانتها من الصواريخ الموجهة المضادة للدروع وراجمات صواريخ الغراد الثقيلة والصواريخ المضادة للسفن، خصوصاً من طراز «سي-803 نور» الذي تصنعه إيران بترخيص من الصين، وهو النوع الذي استخدمته المقاومة لضرب الفرقاطة الإسرائيلية «ساعر» العام الماضي.
- وما يقلق إسرائيل في السياق السابق ما يتداول به حاليا عن عودة الحنين الروسي الدائم إلى المياه الدافئة عبر تطوير وتحصين القاعدة السوفياتية السابقة على الساحل السوري ما يعزز الشكوك المتبادلة بين المعنيين الإقليميين والدوليين في أمن الشرق الأوسط حول خيارات الحرب والسلم.
- إضافة إلى ذلك من الصعب إغفال تنفيذ التسلل الإسرائيلي بعيدا عن المشاريع السياسية المطروحة كمؤتمر السلام الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش والذي استبعد سوريا منه،فإسرائيل استغلت موقف مقررات وزراء الخارجية العرب الداعي لمشاركة سوريا وردت على طريقتها الخاصة على قاعدة التحدي والابتزاز المعهودتين في تلك الحالات ونفذت عمليتها المحددة وفقا للتوصيف الإسرائيلي.
وإذا كانت تلك الخلفيات تقف وراء هذا الاستفزاز الواضح فما هي تداعياته العملية،صحيح أن إسرائيل سارعت إلى تبريد الأجواء ومحاولة احتواء المواقف السورية والدولية،وصحيح أن سوريا احتفظت بحق الرد من منطلق عدم إتاحة الفرصة لإسرائيل لتحديد المكان والزمان لفرض المواجهة،إلا أن ما يتراكم حاليا من مواقف وتحركات يمكن أن تنذر بحسابات مختلفة في ظل تصاعد الحديث عن سوء الفهم للتصريحات والمواقف المعتادة والتي يمكن أن تؤدي لمواجهة غير محسوبة النتائج بدقة.
إن ما يعزز خيارات المواجهة بدأت تتضح شيئا فشيئا،فأفق السلام والمفاوضات مقفلة عمليا والطرف الراعي المفترض استبعد دمشق،فيما الصراع العربي الإسرائيلي بات مرتبط بملفات أهرى كالملف النووي الإيراني ومن السهولة بمكان تقاطع الاثنين في نقطة تشعل المواجهة في المنطقة بهدف حسم ملفات متنوعة في آن معا.فإلى أين ستذهب المنطقة؟وما هي حدود ضبط النفس والقراءة المتأنية للمواقف؟أسئلة من الصعب الإجابة عليها في منطقة تعج بأسباب الانفجاريات والمواجهات.