الانتخابات النيابية الإيرانية الواقع والمآل
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تشهد إيران، اليوم، انتخابات تشريعية على قدر غير مسبوق من التنافس بين التيارين الإصلاحي والمبدئي (المحافظ) في جولة ثأر اولى تؤسس لجولة التحدي الحاسمة في الانتخابات الرئاسية في العام .2009 ورغم برودة الحركة في الشارع الإيراني جراء قانون الانتخاب الذي قلص الدعاية الانتخابية الى اقصى حدود وحصرها باسبوع واحد، فإن شحذ الهمم في القاعات المغلقة بلغ اوجه وانزل كل فريق اسلحته الثقيلة من رجالات الصف الاول والخطباء المفوهين في سباق محموم احتل الاقتصاد عنوانه الأساس، وإن شملت أدبيات الفريقين انتقادات قاسية لأداء كل منهما في السياسة الخارجية وإدارة الملف النووي منها على وجه الخصوص. ومع بدء عمليات الاقتراع عند الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت طهران (السادسة والنصف بتوقيت بيروت)، لا تبدو الحماسة الداخلية مشابهة لما يترقبه الخارج من نتائج، لأن اهتمامات الإيرانيين لا تحاكي ما ينشده الخارج القريب والبعيد، فالهم الأساس هو المشكلة الاقتصادية والتضخم الذي لامس حدود 19 في المئة بسبب النهج الاقتصادي للسلطة التنفيدية برئاسة محمود احمدي نجاد، رغم الطفرة في اسعار النفط. وعليه فإن الناخب الإيراني يبحث عن مخرج لإعادة التوازن في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وضبط سياسات الحكومة الداخلية. أما ما يترصده الخارج من نتائج قد تحمل تبدلاً في السياسة الخارجية او في إدارة الملف النووي، فلا يبدو من أولويات الإيرانيين رغم مقاربة التيارات المتنافسة هذه القضايا في سياق المناظرات والخطابات المتقابلة، ورغم سعي النظام الإسلامي لتوجيه رسالة للخارج ترتبط بنسبة الاقتراع. وتجري انتخابات البرلمان الإيراني (مجلس الشورى) على اساس أكثري وبلوائح مفتوحة يمكن للناخب ان يشكلها كيفما شاء. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين حوالى 43 مليون ناخب يختارون 290 نائباً 30 منهم في العاصمة طهران. وقد أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية عن فتح 45 ألف مركز اقتراع يتوزعون على 207 دوائر انتخابية، ويتوجب على كل مرشح الحصول على 25 في المئة من الأصوات المعبر عنها في دائرته، وإلا فإنه يخوض دورة انتخابية ثانية يتحدد موعدها بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من الدورة الأولى. وإن كان التنبؤ بالنتائج، مع مزاج الناخب الإيراني المتقلب وعدم اتضاح الولاءات الحزبية، ضرباً من المخاطرة قبل الوقوف على فرز صناديق الاقتراع، فإن استطلاعات رأي غير رسمية وغير موثوقة بدرجة كبيرة رجحت تقدماً للمبدئيين بما نسبته 60 في المئة من أصوات المقترعين، لكن لم تحسم هذه الاستطلاعات على ندرتها لأي تيار من المبدئيين ستكون الغلبة. فهناك ثلاث لوائح على الأقل تمثل التيار المبدئي أبرزها لائحة «الجبهة الموحدة للمبدئيين» التي تدعم نجاد، ولائحة «الائتلاف الشامل للمبدئيين» التي تضم رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي السابق علي لاريجاني وتحظى بدعم شخصيات قوية مثل رئيس مجلس الخبراء الشيخ هاشمي رفسنجاني والمرشح الرئاسي الواسع النفوذ محمد باقر قاليباف وقائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي. وعلى الجهة المقابلة، لا تبدو حال الإصلاحيين، الذين استعادوا حيويتهم، بأحسن من حال خصومهم. فهم يتوزعون على خمس لوائح اثنتان منها رئيستان هما «ائتلاف الإصلاحيين» ولائحة «حزب الثقة الوطنية» بزعامة رئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي. ويزيد من صعوبة التوقعات توزع المرشحين على أكثر من لائحة، فلائحتا المبدئيين تضمان على رأسيهما رئيس مجلس الشورى المنتهية ولايته غلام علي حداد عادل، ولائحتا الإصلاحيين تضمان أيضاً مرشحيهم الرئيسيين. وعلى ما بات يجمع كثيرون من المتابعين والمرشحين الإصلاحيين، فإن التنافس بين الإصلاحيين والمبدئيين يدور على 170 مقعداً كحد أقصى من أصل مئتين وتسعين مقعداً هم عدد مقاعد مجلس الشورى. وبمعنى آخر، فإن المبدئيين فائزون سلفاً بـ120 مقعداً. ويرد الإصلاحيون الأمر إلى عدم قبول طلبات ترشيح بعض مرشحيهم من قبل وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور. وبينما تشير لائحة حزب الثقة بزعامة كروبي إلى أنها تنافس على 166 مقعداً في مختلف أنحاء إيران، توضح جبهة ائتلاف الإصلاحيين ان دائرة تنافسها تقتصر على 102 مقعد. وأكثر المتفائلين من الإصلاحيين يتوقعون الفوز بما نسبته 35 الى 40 في المئة من إجمالي عدد المقاعد ويتخذون من النتيجة «بروفة» يبنون على أساسها مشروعهم لجولة الانتخابات الرئاسية. كذلك، فإن توجهات الناخبين تختلف في العاصمة والمدن الكبرى عنها في محافظات الأطراف. وفيما يرجح كثيرون ان تصاب اللوائح المحسوبة على نجاد بنكسة في طهران والمدن الكبرى بسبب الركود الاقتصادي والتضخم من دون ان يعني ذلك انتقال العدوى الى لائحة لاريجاني، يتوقع آخرون ان تسجل هذه اللوائح نجاحات في محافظات كثيرة نظراً للمشاريع الإنمائية الضخمة فيها التي أولاها نجاد اهمية خاصة لم تعهدها المحافظات مع أسلافه. والى ان تُظهر عمليات الفرز اليدوي التي قد تستمر اربعة ايام، ما ينتظره الإيرانيون من تغير في إدارة اقتصاد الدولة لا تبديل في مسار السياسة الخارجية، يجنح الكثير من المحللين في طهران ومنهم مقربون من دوائر القرار الإيرانية، الى تحليل مفاده أن القيادة ترغب بحل وسط يرجح تقدم لائحة لاريجاني عن المبدئيين ولائحة كروبي عن الإصلاحيين، بحيث يمكن لهاتين الكتلتين ان تعيدا التوازن الى العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية برئاسة نجاد. وبذلك، يمضي الرئيس ما تبقى من فترته الرئاسية حتى ربيع العام المقبل في حالة تعايش قسري مع سلطة رقابية تضبط سياسة فريقه الاقتصادي، وتؤسس لانتخابات رئاسية.. يبدو الطامحون إليها كثر.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تشهد إيران، اليوم، انتخابات تشريعية على قدر غير مسبوق من التنافس بين التيارين الإصلاحي والمبدئي (المحافظ) في جولة ثأر اولى تؤسس لجولة التحدي الحاسمة في الانتخابات الرئاسية في العام .2009 ورغم برودة الحركة في الشارع الإيراني جراء قانون الانتخاب الذي قلص الدعاية الانتخابية الى اقصى حدود وحصرها باسبوع واحد، فإن شحذ الهمم في القاعات المغلقة بلغ اوجه وانزل كل فريق اسلحته الثقيلة من رجالات الصف الاول والخطباء المفوهين في سباق محموم احتل الاقتصاد عنوانه الأساس، وإن شملت أدبيات الفريقين انتقادات قاسية لأداء كل منهما في السياسة الخارجية وإدارة الملف النووي منها على وجه الخصوص. ومع بدء عمليات الاقتراع عند الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت طهران (السادسة والنصف بتوقيت بيروت)، لا تبدو الحماسة الداخلية مشابهة لما يترقبه الخارج من نتائج، لأن اهتمامات الإيرانيين لا تحاكي ما ينشده الخارج القريب والبعيد، فالهم الأساس هو المشكلة الاقتصادية والتضخم الذي لامس حدود 19 في المئة بسبب النهج الاقتصادي للسلطة التنفيدية برئاسة محمود احمدي نجاد، رغم الطفرة في اسعار النفط. وعليه فإن الناخب الإيراني يبحث عن مخرج لإعادة التوازن في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وضبط سياسات الحكومة الداخلية. أما ما يترصده الخارج من نتائج قد تحمل تبدلاً في السياسة الخارجية او في إدارة الملف النووي، فلا يبدو من أولويات الإيرانيين رغم مقاربة التيارات المتنافسة هذه القضايا في سياق المناظرات والخطابات المتقابلة، ورغم سعي النظام الإسلامي لتوجيه رسالة للخارج ترتبط بنسبة الاقتراع. وتجري انتخابات البرلمان الإيراني (مجلس الشورى) على اساس أكثري وبلوائح مفتوحة يمكن للناخب ان يشكلها كيفما شاء. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين حوالى 43 مليون ناخب يختارون 290 نائباً 30 منهم في العاصمة طهران. وقد أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية عن فتح 45 ألف مركز اقتراع يتوزعون على 207 دوائر انتخابية، ويتوجب على كل مرشح الحصول على 25 في المئة من الأصوات المعبر عنها في دائرته، وإلا فإنه يخوض دورة انتخابية ثانية يتحدد موعدها بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من الدورة الأولى. وإن كان التنبؤ بالنتائج، مع مزاج الناخب الإيراني المتقلب وعدم اتضاح الولاءات الحزبية، ضرباً من المخاطرة قبل الوقوف على فرز صناديق الاقتراع، فإن استطلاعات رأي غير رسمية وغير موثوقة بدرجة كبيرة رجحت تقدماً للمبدئيين بما نسبته 60 في المئة من أصوات المقترعين، لكن لم تحسم هذه الاستطلاعات على ندرتها لأي تيار من المبدئيين ستكون الغلبة. فهناك ثلاث لوائح على الأقل تمثل التيار المبدئي أبرزها لائحة «الجبهة الموحدة للمبدئيين» التي تدعم نجاد، ولائحة «الائتلاف الشامل للمبدئيين» التي تضم رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي السابق علي لاريجاني وتحظى بدعم شخصيات قوية مثل رئيس مجلس الخبراء الشيخ هاشمي رفسنجاني والمرشح الرئاسي الواسع النفوذ محمد باقر قاليباف وقائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي. وعلى الجهة المقابلة، لا تبدو حال الإصلاحيين، الذين استعادوا حيويتهم، بأحسن من حال خصومهم. فهم يتوزعون على خمس لوائح اثنتان منها رئيستان هما «ائتلاف الإصلاحيين» ولائحة «حزب الثقة الوطنية» بزعامة رئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي. ويزيد من صعوبة التوقعات توزع المرشحين على أكثر من لائحة، فلائحتا المبدئيين تضمان على رأسيهما رئيس مجلس الشورى المنتهية ولايته غلام علي حداد عادل، ولائحتا الإصلاحيين تضمان أيضاً مرشحيهم الرئيسيين. وعلى ما بات يجمع كثيرون من المتابعين والمرشحين الإصلاحيين، فإن التنافس بين الإصلاحيين والمبدئيين يدور على 170 مقعداً كحد أقصى من أصل مئتين وتسعين مقعداً هم عدد مقاعد مجلس الشورى. وبمعنى آخر، فإن المبدئيين فائزون سلفاً بـ120 مقعداً. ويرد الإصلاحيون الأمر إلى عدم قبول طلبات ترشيح بعض مرشحيهم من قبل وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور. وبينما تشير لائحة حزب الثقة بزعامة كروبي إلى أنها تنافس على 166 مقعداً في مختلف أنحاء إيران، توضح جبهة ائتلاف الإصلاحيين ان دائرة تنافسها تقتصر على 102 مقعد. وأكثر المتفائلين من الإصلاحيين يتوقعون الفوز بما نسبته 35 الى 40 في المئة من إجمالي عدد المقاعد ويتخذون من النتيجة «بروفة» يبنون على أساسها مشروعهم لجولة الانتخابات الرئاسية. كذلك، فإن توجهات الناخبين تختلف في العاصمة والمدن الكبرى عنها في محافظات الأطراف. وفيما يرجح كثيرون ان تصاب اللوائح المحسوبة على نجاد بنكسة في طهران والمدن الكبرى بسبب الركود الاقتصادي والتضخم من دون ان يعني ذلك انتقال العدوى الى لائحة لاريجاني، يتوقع آخرون ان تسجل هذه اللوائح نجاحات في محافظات كثيرة نظراً للمشاريع الإنمائية الضخمة فيها التي أولاها نجاد اهمية خاصة لم تعهدها المحافظات مع أسلافه. والى ان تُظهر عمليات الفرز اليدوي التي قد تستمر اربعة ايام، ما ينتظره الإيرانيون من تغير في إدارة اقتصاد الدولة لا تبديل في مسار السياسة الخارجية، يجنح الكثير من المحللين في طهران ومنهم مقربون من دوائر القرار الإيرانية، الى تحليل مفاده أن القيادة ترغب بحل وسط يرجح تقدم لائحة لاريجاني عن المبدئيين ولائحة كروبي عن الإصلاحيين، بحيث يمكن لهاتين الكتلتين ان تعيدا التوازن الى العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية برئاسة نجاد. وبذلك، يمضي الرئيس ما تبقى من فترته الرئاسية حتى ربيع العام المقبل في حالة تعايش قسري مع سلطة رقابية تضبط سياسة فريقه الاقتصادي، وتؤسس لانتخابات رئاسية.. يبدو الطامحون إليها كثر.