فصل السلطات والنظام الرئاسي\
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
اتخذ مبدأ الفصل بين السلطات المعيار لتمييز صور الأنظمة السياسية الديمقراطية النيابية المعاصرة ويتضح النظام الرئاسي في شدته وتطبيقه بأقصى حد ممكن في دستور الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والفصل الشديد بين السلطات فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاء فيها (تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية) وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأية صورة من الصور.
لذلك يصبح رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي كما هو كائن في النظام البرلماني أو في النظام النصف رئاسي ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير أرادته مثل ذلك عندما دعا الرئيس الأمريكي (لنكولن) مساعديه (الوزراء) إلى اجتماع وكان عددهم سبعة أشخاص حيث اجتمعوا على رأي مخالف لرأيه فما كان منه إلا أن رد عليهم بقوله المشهور (سبعة «لا» واحد «نعم» ونعم هي التي تغلب) لذلك نرى أن رئيس الدولة الأمريكية هو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي. فعلى المستوى الوطني يناط بالرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس إلى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونغرس وتعيين كبار القضاة وتعيين المساعدين (الوزراء) وكبار الموظفين. أما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسؤول بصورة أساسية عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الأجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل وهو الذي يستقبل السفراء الأجانب ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم ولذلك قيل بان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو الدبلوماسي الأول. لذلك أصبح من المهم جداً في الأنظمة الجمهورية التقيد دستورياً في النظام الرئاسي ان يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام سواء كان مباشراً او غير مباشر ومن هنا تأتي مكانة وقوة رئيس الدولة الذي يتساوى فيها مع البرلمان شرعيته الديمقراطية والشعبية.
ولكن وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند إليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا أن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة بل وقدرته على كسب المؤيدين في الكونجرس فهو يعتمد بشكل كبير على أنصاره حزبياً في البرلمان والسعي الى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.
الأنظمة النصف رئاسية
إن النظام الذي أرساه الإصلاح الدستوري في فرنسا في عام 1961 بإقرار انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشامل دون إلغاء الإطار البرلماني وأنظمة برلمانية أخرى مارست أو تمارس هذا الشكل من الانتخاب الرئاسي مثل ألمانيا والنمسا عبر هذه التجارب يبرز نموذج متميز من العلاقات بين الحكومة والبرلمان يمكن تسميتها بالنصف رئاسي ويحدد الكاتب (موريس دوزجيه) هذا المفهوم للنظام النصف رئاسي (يبدو ان النظام النصف رئاسي اقرب إلى النظام البرلماني منه إلى النظام الرئاسي) وبالفعل فأننا نجد في هذا النظام العناصر الجوهرية للبرلمانية السلطة التنفيذية منقسمة بين رئيس دولة ووزارة يرأسها رئيس حكومة الوزارة هي مسؤولة سياسياً أمام البرلمان أي أن هذا الأخير يسوغ له أن يرغم -عبر التصويت على حجب الثقة- رئيس الحكومة على الاستقالة مع مجموع وزارته وللسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان مما يزيد من نفوذها على الأخير. الفارق الأساسي يتعلق باختيار رئيس الدولة فعوضاً عن ان يكون منتخباً من قبل البرلمانيين او عدد قليل من الوجهاء يكون هو رئيساً منتخباً بالاقتراع الشامل كما في الولايات المتحدة الامريكية انها حالة فرنسا والنمسا هذا ما كانت عليه الحالة في جمهورية ويمار وتعرف فنلندا منظومة مختلفة بعض الشيء اقرب الى البرلمانية ينتخب فيها رئيس الجمهورية باقتراع غير مباشر من ناخبين رئاسيين معينين خصوصاً لهذا الهدف من قبل المواطنين لكن هؤلاء الناخبين هم منتخبون بالتمثيل النسبي ويجتمعون في جمعية الانتخاب الرئيس مما يجعل منهم وسطاء حقيقيين.
نظرية النظام النصف رئاسي
سبعة بلدان في الغرب عاشت تجربة دستور تنص أحكامه على انتخاب رئيس بالاقتراع الشامل ومنحه صلاحيات خاصة كما في النظام الرئاسي وعلى رئيس الحكومة ان يقود حكومة يمكن للنواب عزلها كما في النظام البرلماني في هذه البلدان لم يستمر ويثبت هذا النظام طويلاً في ألمانيا وويمار أزاحها الإعصار الهتلري في البرلمان طبق فيها منذ ثمانية عشر شهراً بعد نصف قرن من الدكتاتورية في أمكنة أخرى عمل بهذا النظام دون اهتزازات منذ عشرين عاماً في فرنسا وثلاثين عاماً في فنلندا.
الصلاحيات الدستورية للرئيس في الدساتير السبعة نصف رئاسية منها في فرنسا فرئيس الدولة هو منظم أكثر منه حاكم يمكنه إعادة القوانين أمام البرلمان لدراستها من جديد ويمكنه حل الجمعية الوطنية وحتى اللجوء الى الاستفتاء ويمكنه ان يختار رئيس الوزراء الذي يبدو أنه قادر على الحصول على دعم الأغلبية البرلمانية لكنه لا يشارك بنفسه في التشريع والحكم الا في حالتين عبر تعيين كبار الموظفين وفي حالة الظروف الاستثنائية.
وفي ايرلندا سلطات الرئيس من الضعف بحيث نتردد في وصفه بالمنظم فلا يمكنه أن يقرر وحده دون موافقة رئيس الوزراء إلا عندما يطلب من المحكمة العليا التحقق من دستورية قانون صوت عليه البرلمان أو عندما يدعو أحد المجلسين أو كليهما للانعقاد في جلسة غير اعتيادية أو لتوجيه رسالة للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ ويملك صلاحية الإعاقة لرفض الحل الذي يطالبه به رئيس الوزراء واللجوء الى استفتاء تطلبه اغلبية مجلس الشيوخ وثلث مجلس النواب وهذه السلطات لا تعطي نفوذاً سياسياً لكنها تتجاوز وضعيته كرئيس دولة رمزي بحت.
غير أن النظام الفرنسي يبقى برلمانياً فرئيس الوزراء والوزراء يشكلون وزارة مسؤولة أمام البرلمان الذي يستطيع إرغامها على الاستقالة بحجب الثقة عنها ولا تستطيع الحكومة أن تحكم اذا لم تحصل على أغلبية أصوات الجمعية الوطنية إن أهمية الأغلبية الديجولية منذ عام 1962م اخفت هذه المشكلة واذا ما غابت من جديد هذه الأغلبية التي ميزت الجمهوريتين السابقتين فسوف يعمل النظام نصف الرئاسي على نحو مختلف جداً عنه اليوم. يتميز النظام السياسي الفرنسي بالميزة الثانية وهي ميزة الاغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية ومنظمة في الجمعية الوطنية منذ عام 1962م ايضاً ميزة التطابق بين التوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لرئيس الدولة الذي يقيم وحده وثيقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والميزة الأخرى أن الرئيس هو زعيم الأغلبية ورئيس الوزراء نفسه الأركان للرئيس.
إن أعجب ما في هذه الميزات يتعلق بتحول منظومة الأحزاب حتى عام 1955م عرفت أحزابا متعددة ضعيفة قليلة التنظيم تتجمع ضمن تحالفات الأحزاب ضمن تحالفين كبيرين منظمين أحدهما يميني والآخر يساري وهذا يسمى (ثنائية الأقطاب) وهذا ما يشكل جوهر الأغلبية البرلمانية.
إن اجتماع الميزات الأساسية لنظام نصف رئاسي هي الأهم من الفوارق في شخصيات رؤساء الجمهورية ومن الصعب إيجاد رجال يختلفون في طباعهم وسلوكياتهم قدر الاختلاف الذي يطبع شخصيات من أمثال (شارل ديغول وجورج بمبيدو وفاليري جيسكار ديستان) غير أن المؤسسات تطبق تقريباً بالشكل ذاته منذ عام 1962 في خطوطها الكبرى وتتغير جزئياً السياسات وسيكون محتوى السياسات مختلفاً وليس سير عمل المنظومة الدستورية الحالية المرتبطة بالميزات الرئيسية للنظام. في الأخير ومن خلال هذه القراءة المبسطة للأنظمة (البرلماني والرئاسي ونصف الرئاسي) تتحدد الكثير من الرؤى والنقاشات في يومنا هذا نظراً للتوجه السياسي لليمن والذي حدده برنامج فخامة رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام في عملية التجديد لنوعية النظام الحالي والدخول في مرحلة جديدة تسمى بالنظام الرئاسي الكامل وقضايا محورية أساسية لتعديل الدستور ونظام الحكم المحلي.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
اتخذ مبدأ الفصل بين السلطات المعيار لتمييز صور الأنظمة السياسية الديمقراطية النيابية المعاصرة ويتضح النظام الرئاسي في شدته وتطبيقه بأقصى حد ممكن في دستور الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والفصل الشديد بين السلطات فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاء فيها (تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية) وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأية صورة من الصور.
لذلك يصبح رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي كما هو كائن في النظام البرلماني أو في النظام النصف رئاسي ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير أرادته مثل ذلك عندما دعا الرئيس الأمريكي (لنكولن) مساعديه (الوزراء) إلى اجتماع وكان عددهم سبعة أشخاص حيث اجتمعوا على رأي مخالف لرأيه فما كان منه إلا أن رد عليهم بقوله المشهور (سبعة «لا» واحد «نعم» ونعم هي التي تغلب) لذلك نرى أن رئيس الدولة الأمريكية هو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي. فعلى المستوى الوطني يناط بالرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس إلى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونغرس وتعيين كبار القضاة وتعيين المساعدين (الوزراء) وكبار الموظفين. أما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسؤول بصورة أساسية عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الأجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل وهو الذي يستقبل السفراء الأجانب ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم ولذلك قيل بان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو الدبلوماسي الأول. لذلك أصبح من المهم جداً في الأنظمة الجمهورية التقيد دستورياً في النظام الرئاسي ان يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام سواء كان مباشراً او غير مباشر ومن هنا تأتي مكانة وقوة رئيس الدولة الذي يتساوى فيها مع البرلمان شرعيته الديمقراطية والشعبية.
ولكن وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند إليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا أن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة بل وقدرته على كسب المؤيدين في الكونجرس فهو يعتمد بشكل كبير على أنصاره حزبياً في البرلمان والسعي الى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.
الأنظمة النصف رئاسية
إن النظام الذي أرساه الإصلاح الدستوري في فرنسا في عام 1961 بإقرار انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشامل دون إلغاء الإطار البرلماني وأنظمة برلمانية أخرى مارست أو تمارس هذا الشكل من الانتخاب الرئاسي مثل ألمانيا والنمسا عبر هذه التجارب يبرز نموذج متميز من العلاقات بين الحكومة والبرلمان يمكن تسميتها بالنصف رئاسي ويحدد الكاتب (موريس دوزجيه) هذا المفهوم للنظام النصف رئاسي (يبدو ان النظام النصف رئاسي اقرب إلى النظام البرلماني منه إلى النظام الرئاسي) وبالفعل فأننا نجد في هذا النظام العناصر الجوهرية للبرلمانية السلطة التنفيذية منقسمة بين رئيس دولة ووزارة يرأسها رئيس حكومة الوزارة هي مسؤولة سياسياً أمام البرلمان أي أن هذا الأخير يسوغ له أن يرغم -عبر التصويت على حجب الثقة- رئيس الحكومة على الاستقالة مع مجموع وزارته وللسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان مما يزيد من نفوذها على الأخير. الفارق الأساسي يتعلق باختيار رئيس الدولة فعوضاً عن ان يكون منتخباً من قبل البرلمانيين او عدد قليل من الوجهاء يكون هو رئيساً منتخباً بالاقتراع الشامل كما في الولايات المتحدة الامريكية انها حالة فرنسا والنمسا هذا ما كانت عليه الحالة في جمهورية ويمار وتعرف فنلندا منظومة مختلفة بعض الشيء اقرب الى البرلمانية ينتخب فيها رئيس الجمهورية باقتراع غير مباشر من ناخبين رئاسيين معينين خصوصاً لهذا الهدف من قبل المواطنين لكن هؤلاء الناخبين هم منتخبون بالتمثيل النسبي ويجتمعون في جمعية الانتخاب الرئيس مما يجعل منهم وسطاء حقيقيين.
نظرية النظام النصف رئاسي
سبعة بلدان في الغرب عاشت تجربة دستور تنص أحكامه على انتخاب رئيس بالاقتراع الشامل ومنحه صلاحيات خاصة كما في النظام الرئاسي وعلى رئيس الحكومة ان يقود حكومة يمكن للنواب عزلها كما في النظام البرلماني في هذه البلدان لم يستمر ويثبت هذا النظام طويلاً في ألمانيا وويمار أزاحها الإعصار الهتلري في البرلمان طبق فيها منذ ثمانية عشر شهراً بعد نصف قرن من الدكتاتورية في أمكنة أخرى عمل بهذا النظام دون اهتزازات منذ عشرين عاماً في فرنسا وثلاثين عاماً في فنلندا.
الصلاحيات الدستورية للرئيس في الدساتير السبعة نصف رئاسية منها في فرنسا فرئيس الدولة هو منظم أكثر منه حاكم يمكنه إعادة القوانين أمام البرلمان لدراستها من جديد ويمكنه حل الجمعية الوطنية وحتى اللجوء الى الاستفتاء ويمكنه ان يختار رئيس الوزراء الذي يبدو أنه قادر على الحصول على دعم الأغلبية البرلمانية لكنه لا يشارك بنفسه في التشريع والحكم الا في حالتين عبر تعيين كبار الموظفين وفي حالة الظروف الاستثنائية.
وفي ايرلندا سلطات الرئيس من الضعف بحيث نتردد في وصفه بالمنظم فلا يمكنه أن يقرر وحده دون موافقة رئيس الوزراء إلا عندما يطلب من المحكمة العليا التحقق من دستورية قانون صوت عليه البرلمان أو عندما يدعو أحد المجلسين أو كليهما للانعقاد في جلسة غير اعتيادية أو لتوجيه رسالة للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ ويملك صلاحية الإعاقة لرفض الحل الذي يطالبه به رئيس الوزراء واللجوء الى استفتاء تطلبه اغلبية مجلس الشيوخ وثلث مجلس النواب وهذه السلطات لا تعطي نفوذاً سياسياً لكنها تتجاوز وضعيته كرئيس دولة رمزي بحت.
غير أن النظام الفرنسي يبقى برلمانياً فرئيس الوزراء والوزراء يشكلون وزارة مسؤولة أمام البرلمان الذي يستطيع إرغامها على الاستقالة بحجب الثقة عنها ولا تستطيع الحكومة أن تحكم اذا لم تحصل على أغلبية أصوات الجمعية الوطنية إن أهمية الأغلبية الديجولية منذ عام 1962م اخفت هذه المشكلة واذا ما غابت من جديد هذه الأغلبية التي ميزت الجمهوريتين السابقتين فسوف يعمل النظام نصف الرئاسي على نحو مختلف جداً عنه اليوم. يتميز النظام السياسي الفرنسي بالميزة الثانية وهي ميزة الاغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية ومنظمة في الجمعية الوطنية منذ عام 1962م ايضاً ميزة التطابق بين التوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لرئيس الدولة الذي يقيم وحده وثيقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والميزة الأخرى أن الرئيس هو زعيم الأغلبية ورئيس الوزراء نفسه الأركان للرئيس.
إن أعجب ما في هذه الميزات يتعلق بتحول منظومة الأحزاب حتى عام 1955م عرفت أحزابا متعددة ضعيفة قليلة التنظيم تتجمع ضمن تحالفات الأحزاب ضمن تحالفين كبيرين منظمين أحدهما يميني والآخر يساري وهذا يسمى (ثنائية الأقطاب) وهذا ما يشكل جوهر الأغلبية البرلمانية.
إن اجتماع الميزات الأساسية لنظام نصف رئاسي هي الأهم من الفوارق في شخصيات رؤساء الجمهورية ومن الصعب إيجاد رجال يختلفون في طباعهم وسلوكياتهم قدر الاختلاف الذي يطبع شخصيات من أمثال (شارل ديغول وجورج بمبيدو وفاليري جيسكار ديستان) غير أن المؤسسات تطبق تقريباً بالشكل ذاته منذ عام 1962 في خطوطها الكبرى وتتغير جزئياً السياسات وسيكون محتوى السياسات مختلفاً وليس سير عمل المنظومة الدستورية الحالية المرتبطة بالميزات الرئيسية للنظام. في الأخير ومن خلال هذه القراءة المبسطة للأنظمة (البرلماني والرئاسي ونصف الرئاسي) تتحدد الكثير من الرؤى والنقاشات في يومنا هذا نظراً للتوجه السياسي لليمن والذي حدده برنامج فخامة رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام في عملية التجديد لنوعية النظام الحالي والدخول في مرحلة جديدة تسمى بالنظام الرئاسي الكامل وقضايا محورية أساسية لتعديل الدستور ونظام الحكم المحلي.