مؤتمر مدريد 2 للسلام : الخلفيات والأبعاد
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
خمسة عشر عاما مرّت على إطلاق مؤتمر مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل،ولمزيد من التحفيز والترغيب والترهيب تحاول بعض المواقع الدولية استذكار الحدث بمؤتمر خاص تدعمه بشكل غير مباشر أسبانيا،فما هي خلفياته وأبعاده؟وهل بالمستطاع إنتاج بيئات موازية قابلة للحياة بعد تجارب المفاوضات المريرة بين بعض أطرافها؟ وما هي شروط نجاحها؟.
في المبدأ لم تعد الدعوة للتفاوض أو بكلام أدق الهرولة إليها أمرا مستهجنا أو مستغربا،بل بات في زمن العروبيين الجدد مفخرة ينبغي البحث عنها وتقديم أوراق اعتماد حسن النية والسيرة والسلوك شرطا لازما لرضا وقبول إسرائيل المسبق،وكأننا نعيش عصر انحطاط سياسي يجب أن ندفع ثمنه المسبق،قبل الدخول في امتحانات القدرة على تحمل ضغوط التنازلات المتوقعة، وهذا ما عبّر عنه الرئيس المصري في حديثه لصحيفة يديعوت احرانوت قبل يومين عبر دعوة ايهود اولمرت لتجربة السوريين حول المفاوضات والسلام.أو ربما الدعوة لإجراء فحوص الدم اللازمة لذلك.
طبعا في العام 1991 ثمة تغيّرات كثيرة أدت إلى إنتاج صيغة مدريد للسلام آنذاك، ومشى العرب فيها نتيجة الإيحاء الدولي بأن سقوط الاتحاد السوفيتي قد اسقط من يد العرب قوة دولية مساندة لهم،كما تمّ إقناعهم أو اقتناعهم بأن هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية هزيمة لكل مشاريعهم ومنها قضايا الحرب والسلم في المنطقة،لذلك ذهبوا مجتمعين إلى المؤتمر وتفرقوا داخله،فأُنتجت صيغة المفاوضات الثنائية والمتعددة؛ففصل الأردن عمليا وعلنيا عن الصراع،واستُخدم الفلسطينيون كورقة رائجة بيد إسرائيل لشراء الوقت المستقطع في وعود الدولة الفلسطينية في حفلات اوسلو المعلنة والسرية وما أعقبها من مباحثات ومفاوضات وصولا إلى اللجنة الرباعية.فيما نفذت إسرائيل عدواني 1993 و1996 لإفراغ المسار اللبناني – السوري من أي مضمون. كل ذلك حدث كغطاء لمشروع إسرائيلي - أمريكي عنوانه الشرق الأوسط الجديد بمظهر سياسي ومضمون اقتصادي.
وفي العام 2001 توسّعت مروحة الاستهدافات الأمريكية الإسرائيلية لتشمل محاربة العرب والمسلمين بذريعة مكافحة الإرهاب الدولي وأنتجت مشروع الشرق الأوسط الكبير، وما لبثت أن حوّلته كل من تل أبيب وواشنطن إلى مشروع شرق أوسط كبير – جديد وكان أبرز مفاصله الأساسية عدوان 12 تموز 2006 على لبنان، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت الإشارات والدعوات إلى المفاوضات تطل من جديد تحت عناوين ومحفزات مختلفة ومنها مؤتمر مدريد 2.فما المستجد في الظروف وهل هي متطابقة أم مختلفة عما فات؟في هذا الإطار يمكن إدراج العديد من الملاحظات أبرزها: - حتى العام 1991 لم يكن ثمة أي نصر عربي ذات دلالات فعلية على إسرائيل، فحرب 1973 لم تترجم نتائجها عمليا مع إسرائيل بل حُيدت مصر وأُضعف العرب؛ فيما سجّلت المقاومة في لبنان عام 2000 نصرا فارقا على إسرائيل،تُرجم بشكل أو بآخر في مقررات مؤتمر قمة بيروت 2002 حول مواضيع السلم ومندرجات مؤتمر مدريد 1991.
- في العام 2006 عاودت واشنطن وتل أبيب لعبتها السابقة مع العرب في العراق، وهذه المرة عبر البوابة اللبنانية وتحديدا المقاومة الإسلامية،فشنّت عدوان 12 تموز، لكن المفاجأة غير السارة كانت هزيمة إسرائيل الثانية،وغريب المفارقات أن العرب وبعض اللبنانيين لا يريدون أن يقتنعوا أو يقنعوا أنفسهم بهذا النصر،بل لا زالوا مصرين على أنهم مستعدون لتقديم التنازلات لإسرائيل.
- في العامين 2001 و2006 احتلت الولايات المتحدة كل من أفغانستان والعراق،ترجم ضغوطا هائلة على مختلف الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل،فيما العام 2006 بدأ العد التنازلي لهزيمة المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير،باعتراف الأمريكيين أنفسهم عبر نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية وتقرير لجنة بيكر – هاملتون،فهل يعني مؤتمر مدريد 2 هروبا للأمام من هذا الانكسار؟.
- في العام 1991 تمَّ كسر الحاجز النفسي بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل وتُرجم لاحقا باتفاقات مع بعضها،فيما كرَّس نصر المقاومة في العام 2006 قوة وإرادة الشعوب العربية والإسلامية لمواجهة المشاريع الأمريكية الإسرائيلية،فهل سيأتي هذا المؤتمر في إطار محاولة لجم هذا المدّ الواعد؟.
طبعا ثمة من يقول أن الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة هي مغايرة عن ظروف ما سبقها لجهة الموازين الإقليمية والدولية وطبيعة النظام الدولي القائم وفواعله الرئيسة،وأن ثمة موجبات وأسباب متعددة ومتنوعة تستوجب التعاطي بواقعية وعدم الانجرار إلى المغامرات غير محسوبة النتائج،ما يستدعي المرونة في التعاطي مع السياسات الدولية،وبالتالي التعامل مع المشاريع السلمية بطريقة واقعية على قاعدة عدم التكافئ في موازين القوى،وأن العودة إلى "اللغة الخشبية" لن يجدي نفعا،وأن سبل التفاوض والانفتاح هو الطريق الأنجع والأسلم لاسترجاع الحقوق.
وفي هذا الإطار لا ندّعي أن الدول العربية والإسلامية في أحسن أحوالها وأنها قادرة على مواجهة الضغوط الهائلة التي تواجهها،لكننا بالتأكيد نقول ونجزم بأن إرادة الشعوب هي القادرة على صنع المواجهة والتحدي والوصول إلى ما تريد بأقل الأثمان الممكنة بصرف النظر عن موضوع المفاوضات وطرق السلام الموعودة.
إن كل الدول العربية قد أجمعت في مختلف قممها وبياناتها الرسمية المعلنة وغير المعلنة عن نيتها بالسلام على قواعد معروفة كمبدأ الأرض مقابل السلام وفقا لشروط مؤتمر مدريد وقرارات الشرعية الدولية،بل بعضها تجاوز حتى بعض هذه الشروط وأقام حالات تطبيع تجارية وحتى سياسية غير معلنة مع إسرائيل،لكن السؤال الذي يطرح ماذا قدمت إسرائيل في المقابل؟.إن التوكيد في بعض التواريخ القريبة والبعيدة تثبت إن إسرائيل ليست مستعدة حتى لشروط السلام من دون مقابل وليس مقابل الأرض، وأن كل ما تستطيع أن تنتجه إسرائيل المزيد من التعنّت والهروب إلى الأمام وشراء الوقت للإجهاز المسبق على أي مبادرة أو مشروع سلام حتى ولو بشروط غير متكافئة لمصلحتها،فتجارب المبادرات والمفاوضات وحتى الاتفاقات لا تعد ولا تحصى مع الفلسطينيين وغيرهم.
إن مؤتمر مدريد 2 سيكون بمثابة فحص الدم السياسي لسلة التنازلات العربية المطلوبة في هذه المرحلة،وهو وان كان لا يمثل صفة رسمية،إلا انه يعكس توجهات مقررة سلفا نظرا لطبيعة الدعوة والمنظم والداعم لها والأهداف على الأقل المعلنة منها.فأغلب الأطراف التي شاركت قبل خمسة عشر سنة ستعيد مشاركتها بشكل أو بآخر ولو كانت على مستويات مختلفة،إلا أن الأكيد من مشاركاتها ستكون بمثابة إعادة التذكير مجددا أن طرفا عربيا عليه أن يفكر بدفع أثمان مسبقة كعربون إثبات لحسن السيرة والسلوك.
إن آخر توصيات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لرئيس وزرائها ايهود اولمرت السماح بالشروع بمفاوضات سرية مع السوريين بهدف إبعاده عن إيران وبالتالي وقف الدعم لحزب الله وحماس كما تشير إليه التوصية،وهنا تتكشف كنه السياسة الإسرائيلية وأسلوب الوصول إلى أهدافها،وهو مبدأ أساسي في التعاطي مع الدول العربية على قاعدة المسارات المنفصلة وأسلوب العمل الدبلوماسي السري،الذي لا ينتج سوى المزيد من الوعود غير القابلة للحياة.
ثمة مفارقة أخرى ذات صلة بمشاريع المفاوضات المحتملة وهو ما آل إليه تقرير بيكر – هاملتون الذي حث الإدارة الأمريكية على إحياء عملية السلام في المسار الإسرائيلي مع سوريا ولبنان، إذ توصل التقرير إلى ضرورة وحدة المسار السوري – اللبناني الكلام الذي لم بعرف كيف يقرأه بعض اللبنانيين من فريق 14 شباط.
وبصرف النظر عما ستؤول إليه نتائج هذا المؤتمر التي لن تكون بطبيعة الأمر سوى مجالات لاختبارات النوايا،تظل المشكلة قائمة وهي عدم إدراك العرب أن السلام لا يمكن أن تصنعه إلا القوة،فالتاريخ القريب كما البعيد يثبت أن المنتصر هو الذي يكتب التاريخ كما يريد بوقائعه وشروطه،كما أن الجغرافيا أيضا لا تحفظ إلا بالقوة،فإن كانت هذه الدول ليست قادرة أو مقتنعة بذلك،فلتترك مكانا للآخرين الذين وعدوا وصدقوا بالنصر المبين.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
خمسة عشر عاما مرّت على إطلاق مؤتمر مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل،ولمزيد من التحفيز والترغيب والترهيب تحاول بعض المواقع الدولية استذكار الحدث بمؤتمر خاص تدعمه بشكل غير مباشر أسبانيا،فما هي خلفياته وأبعاده؟وهل بالمستطاع إنتاج بيئات موازية قابلة للحياة بعد تجارب المفاوضات المريرة بين بعض أطرافها؟ وما هي شروط نجاحها؟.
في المبدأ لم تعد الدعوة للتفاوض أو بكلام أدق الهرولة إليها أمرا مستهجنا أو مستغربا،بل بات في زمن العروبيين الجدد مفخرة ينبغي البحث عنها وتقديم أوراق اعتماد حسن النية والسيرة والسلوك شرطا لازما لرضا وقبول إسرائيل المسبق،وكأننا نعيش عصر انحطاط سياسي يجب أن ندفع ثمنه المسبق،قبل الدخول في امتحانات القدرة على تحمل ضغوط التنازلات المتوقعة، وهذا ما عبّر عنه الرئيس المصري في حديثه لصحيفة يديعوت احرانوت قبل يومين عبر دعوة ايهود اولمرت لتجربة السوريين حول المفاوضات والسلام.أو ربما الدعوة لإجراء فحوص الدم اللازمة لذلك.
طبعا في العام 1991 ثمة تغيّرات كثيرة أدت إلى إنتاج صيغة مدريد للسلام آنذاك، ومشى العرب فيها نتيجة الإيحاء الدولي بأن سقوط الاتحاد السوفيتي قد اسقط من يد العرب قوة دولية مساندة لهم،كما تمّ إقناعهم أو اقتناعهم بأن هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية هزيمة لكل مشاريعهم ومنها قضايا الحرب والسلم في المنطقة،لذلك ذهبوا مجتمعين إلى المؤتمر وتفرقوا داخله،فأُنتجت صيغة المفاوضات الثنائية والمتعددة؛ففصل الأردن عمليا وعلنيا عن الصراع،واستُخدم الفلسطينيون كورقة رائجة بيد إسرائيل لشراء الوقت المستقطع في وعود الدولة الفلسطينية في حفلات اوسلو المعلنة والسرية وما أعقبها من مباحثات ومفاوضات وصولا إلى اللجنة الرباعية.فيما نفذت إسرائيل عدواني 1993 و1996 لإفراغ المسار اللبناني – السوري من أي مضمون. كل ذلك حدث كغطاء لمشروع إسرائيلي - أمريكي عنوانه الشرق الأوسط الجديد بمظهر سياسي ومضمون اقتصادي.
وفي العام 2001 توسّعت مروحة الاستهدافات الأمريكية الإسرائيلية لتشمل محاربة العرب والمسلمين بذريعة مكافحة الإرهاب الدولي وأنتجت مشروع الشرق الأوسط الكبير، وما لبثت أن حوّلته كل من تل أبيب وواشنطن إلى مشروع شرق أوسط كبير – جديد وكان أبرز مفاصله الأساسية عدوان 12 تموز 2006 على لبنان، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت الإشارات والدعوات إلى المفاوضات تطل من جديد تحت عناوين ومحفزات مختلفة ومنها مؤتمر مدريد 2.فما المستجد في الظروف وهل هي متطابقة أم مختلفة عما فات؟في هذا الإطار يمكن إدراج العديد من الملاحظات أبرزها: - حتى العام 1991 لم يكن ثمة أي نصر عربي ذات دلالات فعلية على إسرائيل، فحرب 1973 لم تترجم نتائجها عمليا مع إسرائيل بل حُيدت مصر وأُضعف العرب؛ فيما سجّلت المقاومة في لبنان عام 2000 نصرا فارقا على إسرائيل،تُرجم بشكل أو بآخر في مقررات مؤتمر قمة بيروت 2002 حول مواضيع السلم ومندرجات مؤتمر مدريد 1991.
- في العام 2006 عاودت واشنطن وتل أبيب لعبتها السابقة مع العرب في العراق، وهذه المرة عبر البوابة اللبنانية وتحديدا المقاومة الإسلامية،فشنّت عدوان 12 تموز، لكن المفاجأة غير السارة كانت هزيمة إسرائيل الثانية،وغريب المفارقات أن العرب وبعض اللبنانيين لا يريدون أن يقتنعوا أو يقنعوا أنفسهم بهذا النصر،بل لا زالوا مصرين على أنهم مستعدون لتقديم التنازلات لإسرائيل.
- في العامين 2001 و2006 احتلت الولايات المتحدة كل من أفغانستان والعراق،ترجم ضغوطا هائلة على مختلف الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل،فيما العام 2006 بدأ العد التنازلي لهزيمة المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير،باعتراف الأمريكيين أنفسهم عبر نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية وتقرير لجنة بيكر – هاملتون،فهل يعني مؤتمر مدريد 2 هروبا للأمام من هذا الانكسار؟.
- في العام 1991 تمَّ كسر الحاجز النفسي بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل وتُرجم لاحقا باتفاقات مع بعضها،فيما كرَّس نصر المقاومة في العام 2006 قوة وإرادة الشعوب العربية والإسلامية لمواجهة المشاريع الأمريكية الإسرائيلية،فهل سيأتي هذا المؤتمر في إطار محاولة لجم هذا المدّ الواعد؟.
طبعا ثمة من يقول أن الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة هي مغايرة عن ظروف ما سبقها لجهة الموازين الإقليمية والدولية وطبيعة النظام الدولي القائم وفواعله الرئيسة،وأن ثمة موجبات وأسباب متعددة ومتنوعة تستوجب التعاطي بواقعية وعدم الانجرار إلى المغامرات غير محسوبة النتائج،ما يستدعي المرونة في التعاطي مع السياسات الدولية،وبالتالي التعامل مع المشاريع السلمية بطريقة واقعية على قاعدة عدم التكافئ في موازين القوى،وأن العودة إلى "اللغة الخشبية" لن يجدي نفعا،وأن سبل التفاوض والانفتاح هو الطريق الأنجع والأسلم لاسترجاع الحقوق.
وفي هذا الإطار لا ندّعي أن الدول العربية والإسلامية في أحسن أحوالها وأنها قادرة على مواجهة الضغوط الهائلة التي تواجهها،لكننا بالتأكيد نقول ونجزم بأن إرادة الشعوب هي القادرة على صنع المواجهة والتحدي والوصول إلى ما تريد بأقل الأثمان الممكنة بصرف النظر عن موضوع المفاوضات وطرق السلام الموعودة.
إن كل الدول العربية قد أجمعت في مختلف قممها وبياناتها الرسمية المعلنة وغير المعلنة عن نيتها بالسلام على قواعد معروفة كمبدأ الأرض مقابل السلام وفقا لشروط مؤتمر مدريد وقرارات الشرعية الدولية،بل بعضها تجاوز حتى بعض هذه الشروط وأقام حالات تطبيع تجارية وحتى سياسية غير معلنة مع إسرائيل،لكن السؤال الذي يطرح ماذا قدمت إسرائيل في المقابل؟.إن التوكيد في بعض التواريخ القريبة والبعيدة تثبت إن إسرائيل ليست مستعدة حتى لشروط السلام من دون مقابل وليس مقابل الأرض، وأن كل ما تستطيع أن تنتجه إسرائيل المزيد من التعنّت والهروب إلى الأمام وشراء الوقت للإجهاز المسبق على أي مبادرة أو مشروع سلام حتى ولو بشروط غير متكافئة لمصلحتها،فتجارب المبادرات والمفاوضات وحتى الاتفاقات لا تعد ولا تحصى مع الفلسطينيين وغيرهم.
إن مؤتمر مدريد 2 سيكون بمثابة فحص الدم السياسي لسلة التنازلات العربية المطلوبة في هذه المرحلة،وهو وان كان لا يمثل صفة رسمية،إلا انه يعكس توجهات مقررة سلفا نظرا لطبيعة الدعوة والمنظم والداعم لها والأهداف على الأقل المعلنة منها.فأغلب الأطراف التي شاركت قبل خمسة عشر سنة ستعيد مشاركتها بشكل أو بآخر ولو كانت على مستويات مختلفة،إلا أن الأكيد من مشاركاتها ستكون بمثابة إعادة التذكير مجددا أن طرفا عربيا عليه أن يفكر بدفع أثمان مسبقة كعربون إثبات لحسن السيرة والسلوك.
إن آخر توصيات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لرئيس وزرائها ايهود اولمرت السماح بالشروع بمفاوضات سرية مع السوريين بهدف إبعاده عن إيران وبالتالي وقف الدعم لحزب الله وحماس كما تشير إليه التوصية،وهنا تتكشف كنه السياسة الإسرائيلية وأسلوب الوصول إلى أهدافها،وهو مبدأ أساسي في التعاطي مع الدول العربية على قاعدة المسارات المنفصلة وأسلوب العمل الدبلوماسي السري،الذي لا ينتج سوى المزيد من الوعود غير القابلة للحياة.
ثمة مفارقة أخرى ذات صلة بمشاريع المفاوضات المحتملة وهو ما آل إليه تقرير بيكر – هاملتون الذي حث الإدارة الأمريكية على إحياء عملية السلام في المسار الإسرائيلي مع سوريا ولبنان، إذ توصل التقرير إلى ضرورة وحدة المسار السوري – اللبناني الكلام الذي لم بعرف كيف يقرأه بعض اللبنانيين من فريق 14 شباط.
وبصرف النظر عما ستؤول إليه نتائج هذا المؤتمر التي لن تكون بطبيعة الأمر سوى مجالات لاختبارات النوايا،تظل المشكلة قائمة وهي عدم إدراك العرب أن السلام لا يمكن أن تصنعه إلا القوة،فالتاريخ القريب كما البعيد يثبت أن المنتصر هو الذي يكتب التاريخ كما يريد بوقائعه وشروطه،كما أن الجغرافيا أيضا لا تحفظ إلا بالقوة،فإن كانت هذه الدول ليست قادرة أو مقتنعة بذلك،فلتترك مكانا للآخرين الذين وعدوا وصدقوا بالنصر المبين.