الأمن والطاقة في الخليج
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
أولا:الأمن والطاقة تاريخ متواصل
يشتمل مصطلح أمن الطاقة عدداً كبيراً من القضايا وكثيرا من موارد الطاقة المتنوعة. كتأمين مصادر كهربائية للتدفئة والإضاءة والنقل والصناعة ، وبدون تأمين منتجات بترولية للنقل ، ويظل أمن الطاقة بالنسبة لغالبية الدول الصناعية، مرادفاً لتأمين الوصول إلى إمدادات البترول الخارجية بأسعار معقولة. ويعني أمن الطاقة للدول المنتجة للبترول الحماية الطبيعية، ونقل البترول إلى السوق بأسعار مقبولة. ولذلك يهتم كل من المستهلكين والموردين بالأحداث التي يمكن أن تعرِّض أمن البترول الطبيعي للخطر ، وإمكانية توصيله للأسواق.
لقد أصبح الاهتمام بأمن إمدادات النفط عنصراً رئيساً في التخطيط الاستراتيجي منذ الحرب العالمية الأولى. وكانت المملكة المتحدة من أولى القوى العظمى التي عانت من حساسية الوصول إلى البترول في أوقات الحرب، وخاصة بعد أن دفع قرار اللورد ونستون تشرشل - قبل الحرب العالمية الأولى مباشرة - بالانتقال من الفحم إلى البترول لتموين السفن الحربية الملكية البريطانية، لامتلاك قواعد ومصادر للبترول قادرة على تزويد الأسطول البريطاني . حيث لم تكن المملكة المتحدة تمتلك مصادر محلية للنفط على عكس الولايات المتحدة . ومع اندلاع الحرب، حاولت بريطانيا أن تسيطر على مصادر جديدة للنفط . ولم يؤثر الإخفاق البريطاني في الوصول إلى احتياجات بترول محلية فيه على استمرار عملياتها العسكرية حتى فبراير 1917، إلى أن استأنفت ألمانيا حملتها في حرب الغواصات ما أدى إلى شلل الأسطول الملكي لنقص البترول ، الأمر الذي ترك أثراً عميقاً على المخططين العسكريين جعلهم يركزون على كيفية تجنب ذلك في المستقبل.
لقد مثل الوصول إلى البترول جزءاً هاماً في استراتيجية المحور والحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. حيث كانت دول المحور(ألمانيا وإيطاليا واليابان ) تعاني نقصا واضحا في إمدادات الوقود. وكذلك الأمر بالنسبة لألمانيا واليابان. وقد تضمَّن الميثاق النازي - السوفيتي في 1939 العديد من البنود السرية الخاصة بالنفط والشرق الأوسط ، الأمر الذي أثرَّ في الاستراتيجية العسكرية في الأيام الأولى من الحرب. فعلى سبيل المثال وُعِدَ الاتحاد السوفيتي بأن تترك له الحرية في الخليج الفارسي إذا هزمت ألمانيا الحلفاء، بينما كان قرار ستالين بإمداد ألمانيا بنفط القوقاز ضربة قوية للحلفاء ما دفع بريطانيا وفرنسا إلى ضرب مرافق البترول السوفيتية في القوقاز من القواعد الفرنسية في سوريا. وكان الغزو الألماني للاتحاد السوفيتي في يونيو1941 - في جزء منه - محاولة للوصول إلى مصادر أوكرانيا الغنية، ولحماية الإمدادات الحيوية من رومانيا. وكانت الاستراتيجية الألمانية في 1941 - 1942 موضوعة على أساس الوصول إلى ستالينغراد، وفي نفس الوقت، التحرك منها إلى القوقاز التي تحتوي على ثلاثة حقول كبرى في مايكوب وجروزني وباكو ، بالإضافة إلى خطوط نقل البترول في القوقاز. وكان من ضمن دوافع القرار الياباني بمهاجمة الولايات المتحدة في بيرل هاربر في 17 ديسمبر 1941 فعالية الحظر الأمريكي للبترول في صيف 1941، وحاجة اليابان إلى تأمين موارد البترول من أندونيسيا.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت قادرة على تموين عمليات الحلفاء الضخمة في الحرب العالمية الثانية، إلا أنَّ عبء ذلك جعل محترفي العسكرية الأمريكية متشائمين بشأن القدرة الأمريكية على تموين أي صراع آخر طويل الأجل، حيث تمَّ افتراض أن حرباً مع الاتحاد السوفيتي يمكن أن تستمر ثلاث أو أربع سنوات ، ولن تحسمها الأسلحة النووية القليلة في الترسانة الأمريكية، وأن الولايات المتحدة ليس لديها احتياطيات بترولية كافية لتدخل حرباً يمكن أن تستمر أكثر من سنة أو سنتين. وبناء على ذلك، تمَّ وضع تركيز شديد في الخطط العسكرية على حاجة الغرب إلى تأمين حقول البترول في الشرق الأوسط مبكراً في أي صراع مستقبلي.[1]
وعلى عكس الولايات المتحدة ، لا تستطيع أوروبا أن تعتمد على الإمدادات المحلية لمواجهة الطلب المتنامي في وقت السلم . وقد زادت أزمة الطاقة بعد الحرب العالمية الثانية بصورة جذرية من الاتكال الأوروبي على بترول الشرق الأوسط. ولدرجة ملحوظة، قادت فصول الشتاء الباردة وأزمة الطاقة الولايات المتحدة في النهاية، لكي تعيد تقييم دورها القيادي العالمي في أعقاب النصر وانتهاء الأعمال العسكرية في فبراير 1947 . وقد ظهر هذا الدور في قرار الولايات المتحدة الخاص بالحلول محل المملكة المتحدة كحامٍ لليونان وتركيا، وفى برنامج إعادة بناء أوروبا (مشروع مارشال الذي أعلن عنه في يونيه 1947). وكان من آثار مشروع مارشال زيادة انتقال أوروبا من الفحم إلى البترول كوقود رئيسي للصناعة وتوليد الطاقة. وكان معنى ذلك زيادة الاعتماد على بترول الخليج ، خاصة بعد ظهور وفرة الإمدادات هناك. وعندئذ ، بدأ الازدهار الراهن في بترول الشرق الأوسط، بعد أن شهدت المنطقة توسعاً سريعاً في الحقول وأنظمة التوزيع ، بما في ذلك خطوط أنابيب جديدة إلى البحر المتوسط.
وفي خلال الخمسينيات ، سارعت محاولات السيطرة على البترول وتوزيعه من وقوع أزمتين في الشرق الأوسط ، الأزمة الأولى كانت في 1951 عندما أمَّمت الحكومة الإيرانية شركة البترول الأنغلو - إيرانية المشتركة. بينما وقعت الأزمة الثانية في 1956 عندما قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس كرد فعل على قرار الولايات المتحدة وبريطانيا بإلغاء قرض البنك الدولي لمساعدة مصر في بناء السد العالي في أسوان. وشنَّت المملكة المتحدة وفرنسا حرباً على مصر - في جزء منها -، لتؤمن السيطرة على إمدادات البترول من الخليج إلى أوروبا عبر القناة.
وقد أصبحت قضية أمن الطاقة ذات أبعاد استراتيجية بعد حظر البترول العربي في أعقاب الحرب العربية - الإسرائيلية في 1973 ، وذلك لأسباب عدة اهمها:
- الأول ظهور منظمة الدول المصدرة للبترول OPEC كموازن قوي في مواجهة الديمقراطيات الصناعية ، الأمر الذي أثار جدلاً حول إعادة توزيع القوة الدولية بعد أن أصبحت الدول المصدرة للبترول - في الواقع - أصحاب البنوك في العالم .
- الثاني تنامي القدرات العسكرية للاتحاد السوفيتي، وتزايد المخاوف بشأن إمكانية أن تصبح موسكو وحلفاؤها - في أزمة مستقبلية - في وضع يمكنهم من قطع إمدادات المواد الخام الحيوية من الشرق الأوسط وأفريقيا. الأمر الذي دفع إلى وضع إستراتيجيات عسكرية غربية موازنة لحماية إمدادات البترول ، وخاصة من الخليج الفارسي، وللدفاع عن الممرات البحرية.
- الثالث فهو بروز الحركة البيئية وظهور أدبيات مؤثرة تتوقع حدود النمو ، وتدافع عن القيم الخاصة بمنع التوسّع الاقتصادي الذي قاد إلى نجاح دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. OECD
إلا أن السيناريوهات المتشائمة التي سادت في السبعينيات لم تتحقق لعدة أسباب هامة. حيث تراجعت قوة الأوبك ، ومصداقية مقولة حدود النمو نتيجة لقرار الغرب بالحفاظ على الطاقة عن طريق الحوافز الاقتصادية، والبحث عن مصادر بترولية جديدة خارج الشرق الأوسط، والاحتفاظ بمخزونات استراتيجية من الطاقة، واتفاقات المشاركة والاستثمار في تكنولوجيات جديدة تزيد من الكفاءة في استخدام الطاقة، كما انهار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، ما جعل مقولات ضرورة سيطرة القوى العظمى على ممرات الاتصال أمراً غير مقبول.
وتمَّ اختبار المرونة الغربية في مواجهة انقطاع الطاقة مرة أخرى في منتصف الثمانينيات، أثناء الحرب الإيرانية العراقية . حيث شنَّت بغداد حرب السفن لتقليص صادرات البترول الإيرانية. وردت طهران بالهجوم على السفن العربية. ومع ذلك، كانت سوق البترول مشبعة نتيجة انخفاض الطلب العربي والركود الاقتصادي، وظهور مصادر جديدة للبترول.
وفى منتصف التسعينيات ، ظهرت بعض التنبؤات بأزمة طاقة أخرى مع نهاية القرن نتيجة - إلى حد ما- نمو الاقتصاديات الآسيوية ، وتنامي احتياجاتها من الطاقة وخاصة في الصين والهند . وبينما كانت المشكلة الجوهرية في مواجهة احتياجات الطاقة الآسيوية تمثل تحدياً مستقبلياً، ظهرت في أواخر 1997 مشكلة أمن طاقة أخرى، ولكن في هذه المرة بسبب الأزمة المالية الآسيوية[2].
ثانيا: المعضلات الأمنية المعاصرة
تتركز المخاوف بشأن أمن الطاقة حاليا بصورة أكبر على استقرار أسعار البترول، وبصورة اقل على إمكانية المواجهة العالمية بين القوى الكبرى.. فإذا انخفضت الإمدادات من منطقة معينة مثل الخليج سترتفع الأسعار في المدى القصير حتى يتوازن السوق. ومن وجهة النظر الاقتصادية، فإنه لا يهم أن أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية تستوردان 20% و29% على التوالي من احتياجاتهما البترولية الخارجية من الخليج ، بينما تستورد آسيا 74%، نظراً لأن الأقاليم الثلاثة ستتأثر بصورة متساوية إذا انخفضت الإمدادات من الخليج أو من أي مكان آخر، أو إذا تهددت وسائل إيصال هذه الإمدادات.
ويمكن أن يكون للانخفاض أو الارتفاع المفاجئ في أسعار البترول نتائج خطيرة بالنسبة للمستهلكين أو المنتجين. فبالنسبة للقوى الصناعية، سيعنى ارتفاع السعر في المدى القصير نتيجة أن الطلب على منتجات البترول في الدول الصناعية غير مرن، انخفاضاً نسبياً في الطلب لأنه من الصعب إيجاد بدائل لمنتجات البترول، وسترتفع أسعار السلع اليومية التي ترتبط بالبترول. وبالنسبة للدول الديمقراطية، سيكون لارتفاع أسعار البترول تداعيات سياسية هامة. فالهيئة الناخبة في الولايات المتحدة شديدة الحساسية لمسألة سعر البترول . ففي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة فى 1996 ، دفعت زيادة بسيطة في أسعار الغازولين الأمريكي المرشح الجمهوري بوب دول إلى القول بأن أزمة الطاقة خطيرة. وبالرغم من المبالغة الواضحة في ذلك ، إلا أن تعليق دول يشير إلى أن الذاكرة الأمريكية ما زالت تتذكر آثار ارتفاع أسعار البترول فى السبعينيات أربعة أضعاف.
أما في المدى الطويل، فمن المتوقع أن يقود ارتفاع أسعار البترول إلى خفض الطلب، وبالتالي انهيار السعر، حيث تمتلك القوى الصناعية آليات فعالة للتكيف- مع الوقت - مع أسعار البترول المرتفعة عبر التوفير والاختراع والضرائب. وبالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن تساعد اتفاقيات الشراكة البترولية التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية IEA في 1974، واحتفاظ الولايات المتحدة باحتياطي استراتيجي من البترول يمكن اللجوء إليه، على تخفيض سعر البترول العالمي في السوق . إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن العديد من الدول التي لم تشترك في اتفاقات وكالة الطاقة الدولية ، أو التي لم تتبع تخطيط واع مثل الغرب ، يمكن أن تتعرض لآثار مدمرة في حالة الارتفاع السريع في سعر البترول. فقد دفع ارتفاع أسعار البترول في 1990-1991 الهند إلى حافة الإفلاس ، ما أجبرها على إجراء إصلاحات جذرية في الدولة. وتواجه العديد من الاقتصاديات الصاعدة اليوم موقفاً مشابهاً لموقف الهند في بداية التسعينيات. وتعد قضية أثر الارتفاع المفاجئ في أسعار البترول على استقرار العديد من الاقتصاديات الصاعدة قضية خطيرة ذات عواقب سياسية وأمنية عديدة.
ومن ناحية أخرى، يولد الانخفاض الحاد في أسعار البترول مشاكل هامة للمنتجين. فقد كان لأسعار البترول المنخفضة مؤخراً تداعيات هامة على دول الخليج. وتتمثل الآثار الجيدة للمصدرين من انخفاض السعر في أنه يشجع الاستهلاك وبالتالي زيادة الاعتماد الأمني على بترول الخليج الرخيص. وفى المدى الطويل، ربما يؤدي انخفاض السعر إلى تراجع الجهود المبذولة من القوى الصناعية للاحتفاظ بالبترول ، وتطوير بدائل لاقتصاد البترول. أما الآثار السلبية، فتتمثل في أن الأسعار المنخفضة تؤثر مباشرة على العوائد، وبالتالي على ميزانيات الدول الخليجية المنتجة للبترول مسببة بذلك مشاكل سياسية خطيرة .
كما تحدُّ العوائد المنخفضة أيضاً من حجم رأس المال المحلي الذي يمكن أن يستثمره منتجو البترول الرئيسيين في بنية تحتية بترولية جديدة. ونتيجة لذلك، تتعاظم الضغوط على دول مجلس التعاون الخليجي GCC وإيران لتعديل سياساتها الوطنية التي لا تشجع الاستثمار الأجنبي في قطاع البترول .
وقد ظهر ذلك عندما دعا ولى العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله في سبتمبر 1998- والذي ينظر إليه كقومي عربي - الغرب للاستثمار في البنية التحتية البترولية في السعودية.
ثالثا : الطلب المتزايد على بترول الخليج
سيتضاعف الطلب العالمى على الطاقة فى عام2020 ثلاث مرات عما كان عليه فى السبعينيات، وهذا الطلب المتنامى سيتم إشباعه بصورة أساسية عن طريق البترول والغاز الطبيعي والفحم. كما ستزيد احتياجات الطاقة من جانب الدول الصناعية الحديثة إلى الضعف بحلول عام 2010. ومن المتوقع أن يزداد الطلب العالمى على البترول من 71.6 مليون برميل يومياً فى 1997 إلى أكثر من 115 مليون برميل يومياً بحلول 2020. وفى 1995، استهلكت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD حوالي ثلثي إمدادات البترول العالمية. وفي العقدين القادمين يتوقع أن تستهلك هذه الدول حوالي ثلث الزيادة في الطلب فقط.
ويمكن أن تغير عدّة تطورات غير منظورة من توقعات الطلب على الطاقة ، من أبرزها: الركود الاقتصادي العالمي، تغيير الضرائب وسياسات الإعانة في الدول الرئيسية المستهلكة للطاقة نتيجة الاهتمامات البيئية وغيرها، التطور الجذري في تكنولوجيات الطاقة بما يجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة. وبوضع هذه التطورات فى الحسبان من الممكن توقع المسارات العامة فى الخمسة عشر أو العشرين عاماً القادمة.
فمن ناحية، يوجد بترول كاف فى العالم لمواجهة الطلب العالمي في المستقبل البعيد. وتكمن المشكلة فى استخراج البترول من الأرض، وضمان توزيعه فى الأسواق بسعر مقبول . ويقف فى وجه الوصول إلى البترول عقبات سياسية واقتصادية وتنظيمية أكثر منها عقبات جيولوجية. وبالإضافة إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أنه فى الوقت الذى تتعاظم فيه احتياطيات البترول والغاز الطبيعى والفحم فى منطقتى الخليج الفارسى وحوض قزوين، إلا أن هاتين المنطقتين تعدان من أكثر المناطق توتراً فى العالم. حيث يحتوى الخليج بمفرده على أكثر من 64% من احتياطيات البترول العالمية المؤكدة ، ويتم النظر إليه باعتباره قادراً على مواجهة تصاعد الطلب على الطاقة من جانب الدول الصناعية. لذلك سيظل الخليج مصدراً جوهرياً للبترول ، ويمكن أن يصبح حوض قزوين مصدراً هاماً آخر لكل من الغاز والبترول.
رابعا : الارتباط بالخليج الفارسي
كان الخليج الفارسي وسيستمر منطقة اهتمام أساسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة لانه يقع فوق اكبر خزان غير مستخرج من النفط. وتقول "ب ب أموكو"، ان المنتجين الرئيسيين في الخليج يملكون نحو 675 مليار برميل من النفط أو نحو ثلثي الاحتياط العالمي المعروف. كما ان دول الخليج هي الأولى في الانتاج العالمي على المستوى اليومي وقد امنت مجتمعة نحو 21 مليون برميل يومياً عام ،1999 اي ما نسبته نحو 30 في المئة من الانتاج العالمي. ولان الخليج يؤمن هذه الحصة الكبيرة من الانتاج، فان دوله تقرر عادة سعر بيعه.
ومع ان الولايات المتحدة تحصل على 18 في المئة فقط من نفطها المستورد من الخليج الفارسي، فان لها مصلحة استراتيجية كبيرة في استقرار انتاج الطاقة الخليجية لان حلفاءها الرئيسيين - وخصوصاً اليابان ودول افريقيا الغربية - يعتمدون على واردات المنطقة ولأن الحجم الكبير للصادرات النفطية الخليجية سيساهم في ابقاء اسعار النفط العالمية منخفضة نسبياً، وهذا ينعكس فوائد على الاقتصاد الاميركي المعتمد على النفط. ثم لان الانتاج المحلي الى انخفاض، فان الولايات المتحدة ستصبح اكثر اعتماداً على صادرات الخليج. ونتيجة لذلك تعلن خطة الطاقة ان "هذه المنطقة ستظلّ حيوية لمصالح الولايات المتحدة".
لا شك في ان الولايات المتحدة اضطلعت بدور بارز في شؤون الخليج الفارسي منذ الحرب العالمية الثانية. ومع انتهاء تلك الحرب، وضع الرئيس فرانكلين روزفلت اتفاقاً مع عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن سعود، وافقت الولايات المتحدة بموجبه على حماية العائلة المالكة من اعدائها الداخليين والخارجيين في مقابل حصولها على امتيازات للوصول الى النفط السعودي. وفي وقت لاحق وافقت الولايات المتحدة على تأمين مساعدة أمنية لشاه ايران ولزعماء الكويت والبحرين والامارات العربية المتحدة. وأدت هذه الاتفاقات الى نقل كميات هائلة من الاسلحة والذخائر الاميركية الى دول الخليج، وفي بعض الاحيان الى نشر قوات اميركية فيها.
والسياسة الاميركية في حماية انتاج الطاقة من الخليج لا لبس فيها: عندما ينشأ تهديد تستخدم الولايات المتحدة كل الوسائل اللازمة بما فيها القوات العسكرية لضمان استمرار تدفق النفط. وكان الرئيس جيمي كارتر أول من أوضح هذا المبدأ في كانون الثاني 1980 بعد الغزو السوفياتي لافغانستان وسقوط الشاه واستمر مذذاك سياسة للولايات المتحدة فاستخدمت القوة في الكثير من المناسبات انسجاماً مع "مبدأ كارتر": أولاً في 1987-1988 لحماية ناقلات النفط الكويتية من الصواريخ وهجمات الزوارق الايرانية خلال الحرب الايرانية - العراقية. ثم في 1990-1991 لاخراج القوات العراقية من الكويت.
واليوم لا يزال "مبدأ كارتر" حيوياً كما في السابق. فبين 1991 و،2001 أجرت وزارة الدفاع توسيعاً أساسياً للقدرات العسكرية الاميركية في الخليج فنشرت قوات جوية وبحرية اضافية في المنطقة وأعادت تخزين أسلحة وذخائر لقوات برية هائلة. وكل هذه القدرات وضعت في العمل خريف 2001 خلال الهجوم الاميركي على مقاتلي "القاعدة" وطالبان في افغانستان وفي عمليات ذات صلة بمنطقة الخليج الكبرى (مع ان السعودية فرضت بعض القيود على استخدام القواعد الجوية الاميركية في اراضيها). كذلك واصلت الولايات المتحدة بيع اسلحة حديثة بمليارات الدولارات من انظمة صديقة في المنطقة بينها الكويت والسعودية والامارات. وكي تضمن مزيدا من الحماية لتدفق النفط من خطر اي اضطراب، أقدمت الولايات المتحدة الامريكية على احتلال العراق[3].
ان صانعي السياسة الاميركيين يواجهون في المستقبل تحديين خطيرين: ضمان زيادة السعودية والمنتجين الخليجيين الاخرين انتاج النفط الى الحد الذي يتلاءم وتنامي الطلب الاميركي (والعالمي) عليه، وحماية السعودية نفسها من اضطراب داخلي.
والحاجة ماسة خصوصا الى زيادة الانتاج السعودي. ذلك ان السعودية تملك ربع الاحتياط النفطي المعروف في العالم (والتقدير 265 مليار برميل) وهي الدولة الوحيد القادرة على تلبية الطلب الاميركي والعالمي. وترى وزارة الطاقة الاميركية ان الانتاج الصافي للنفط السعودي يجب ان يتضاعف في السنوات العشرين المقبلة من 11.4 مليونا الى 23.1 مليون برميل يوميا، ليلبي الحاجات العالمية المتوقعة. لكن زيادة الانتاج 11.7 مليون برميل يوميا - اي ما يعادل الانتاج الكلي الحالي للولايات المتحدة وكندا - ستكلف مئات المليارات من الدولارات وستوجد تحديات تقنية ولوجيستية هائلة. ويعتقد المحللون ان الطريقة الفضلى لتحقيق الزيادة الضرورية هي اقناع السعودية بفتح قطاعها النفطي امام استثمارات كبيرة لشركات النفط الاميركية. وبموجب خطة الطاقة للادارة الاميركية، هذا هو المطلوب تماما من الرئيس. لكن اي جهد اميركي لممارسة ضغوط على الرياض من اجل السماح باستثمارات نفطية اميركية اكبر في المملكة، يتوقع ان يلقى مقاومة كبيرة من العائلة المالكة التي اممت الشركات النفطية الاميركية في السبعينيات.
وتواجه الادارة مشكلة اخرى في السعودية، هي ان العلاقة الاميركية الامنية البعيدة المدى مع النظام صارت مصدر توتر رئيسي في المملكة مع تزايد اعداد الشباب السعوديين الذين ينقلبون على الولايات المتحدة بسبب ارتباطاتها الوثيقة باسرائيل وانحيازها ضد الاسلام. فمن هذا الجو المعادي لاميركا استطاع اسامة بن لادن تنظيم عدد كبير من اتباعه اواخر التسعينات وحصل على الدعم المالي. وبعد 11 ايلول اتخذت الحكومة السعودية اجراءات صارمة في حق بعض هذه القوى، لكن المعارضة الشعبية للتعاون العسكري والاقتصادي للنظام (السعودي) مع واشنطن لا تزال قوية. لذا فان احد اصعب التحديات التي تواجه صانعي السياسة الاميركيين في السنوات المقبلة هو ايجاد طريقة لتبديد هذه المعارضة فيما يقنعون الرياض بزيادة شحنات نفطها الى الولايات المتحدة.[4]
خامسا : الاستنتاج
سيبقى أمن الخليج الفارسي هو التحدي الاستراتيجي للاقتصاد العالمي. وسيتزايد الاعتماد على بترول المنطقة في العقود المقبلة. ويتزامن تنامي الاحتياجات الاسيوية من بترول الخليج ، ومع تراجع التأييد الدولي للسياسة الأمريكية في المنطقة، ومع ظهور حوض قزوين كمنطقة للتنافس الجيوسياسي على ممرات عبور الطاقة. ويمكن أن تؤثر أي مواجهة عسكرية كبيرة في الخليج بشدة على الأمن الطبيعى لإمدادات البترول، وبالتالي ارتفاع الأسعار العالمية للبترول، حيث يعد انخفاض أسعار البترول أحد أكثر مصادر عدم الاستقرار خطورة في عالم اليوم. وتعد السعودية وإيران أكثر الدول تضرراً من ذلك.
وبناءً على هذه المعطيات ، يؤدي استمرار الأزمة العراقية والموقف الأمريكى من إيران إلى تأجيج عدم الاستقرار فى المنطقة. كذلك فإن الاحتلال العسكري الأمريكي سيكون سبباً في الفوضى السياسية في العالم الإسلامي . وبمرور الوقت ، سيحد ظهور الدول الآسيوية كمستهلكين رئيسيين لبترول الخليج من نطاق العمل الأمريكي المنفرد، خاصة إذا كان هناك عدم اتفاق جوهري بين الولايات المتحدة وآسيا ودول الخليج الرئيسية حول الاستخدام المحتمل للقوة.
لذلك،ثمة ربط واضح بين الامن في الخليج الفارسي والنفط وتصديره ،لذا من مصلحة جميع دول المنطقة البحث عن حلول واقعية وعملية تحفظ الركنين معا،الأمن والنفط وتأمين تصديره بمعزل عن التدخلات الخارجية،وفي الواقع لا يتأمن ذلك الا عبر دوله تحديدا،وهذا ما تحاول القيام به الجمهورية الاسلامية الايرانية عبر سياسة واقعية تنطق من ايجاد العلاقات الطيبة في الخليج من خلال مد الجسور السياسية والاقتصادية،وهذا ما قامت به عمليا عبر الانفتاح الواضح من خلال زيارة الرئيس احمدي نجاد الى كل من السعودية والامارات في محاولة للبحث عن الاطر المشتركة لتفادي المخططات الامريكية التي تستهدف جميع دول المنطقة وخيراتها دون استثناء.
وفي الواقع ان امن النفط في المنطقة يتطلب شروطا ذاتية تتعلق بدول الخليج اولا وأخيرا،وتنطلق من ضرورة وعي الدول العربية لمخاطر الاحتلال الامريكي للعراق وتواجده في بعض دول المنطقة،والعمل على ازالة هذه القضايا التي تنذر بتداعيات سلبية كبيرة جدا ليس على النفط فقط وانما على مجمل الاقتصاد والسلام والأمن الاقليمي والدولي.
[1] - حول مزيد من التفاصيل راجع ، عبد الحي زلوم ،حروب البترول الصليبية والقرن الأميركي الجديد،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت،2005.
[2] - لمزيد من اتفاصيل راجع،كرستين عبد الكريم جيلان،حرب الخليج الحرب القذرة النظيفة، لي شارش ميدي إيدتير- باريس،2001
[3] - حول خلفيات هذا الاحتلال راجع خليل حسين،المتغيرات الدولية والنظام العالمي الجديد،الجامعة اللبنانية،كلية الحقوق والعلوم السياسية،بيروت،2005.
[4] - وللتأكيد على نية الولايات المتحدة وخلفيات احتلالها للعراق نقاتبس هذا المقطع من الاستراتيجية الامريكية للطاقة للعام 2006: سيكون على صانعي السياسة الامريكيين ايلاء كل من ايران والعراق، وهما المنتجان الثاني والثالث للنفط في الخليج، مزيدا من الاهتمام. فان تغييرا مستقبليا في وضعهما السياسي قد يسمح بدور اميركي في تطوير احتياطاتهما النفطية الكبيرة. ولا شك في ان شركات النفط الاميركية سترحب بهذا الامر. وستواصل واشنطن على الارجح السعي الى قيام حكومتين صديقتين متعاونتين في بغداد وطهران. واذا ما فشلت في ذلك، فانها على اتم استعداد لمواجهة اي تحركات عدائية قد تتخذها هاتان الدولتان بكل ما لديها من قوة عسكرية.
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
أولا:الأمن والطاقة تاريخ متواصل
يشتمل مصطلح أمن الطاقة عدداً كبيراً من القضايا وكثيرا من موارد الطاقة المتنوعة. كتأمين مصادر كهربائية للتدفئة والإضاءة والنقل والصناعة ، وبدون تأمين منتجات بترولية للنقل ، ويظل أمن الطاقة بالنسبة لغالبية الدول الصناعية، مرادفاً لتأمين الوصول إلى إمدادات البترول الخارجية بأسعار معقولة. ويعني أمن الطاقة للدول المنتجة للبترول الحماية الطبيعية، ونقل البترول إلى السوق بأسعار مقبولة. ولذلك يهتم كل من المستهلكين والموردين بالأحداث التي يمكن أن تعرِّض أمن البترول الطبيعي للخطر ، وإمكانية توصيله للأسواق.
لقد أصبح الاهتمام بأمن إمدادات النفط عنصراً رئيساً في التخطيط الاستراتيجي منذ الحرب العالمية الأولى. وكانت المملكة المتحدة من أولى القوى العظمى التي عانت من حساسية الوصول إلى البترول في أوقات الحرب، وخاصة بعد أن دفع قرار اللورد ونستون تشرشل - قبل الحرب العالمية الأولى مباشرة - بالانتقال من الفحم إلى البترول لتموين السفن الحربية الملكية البريطانية، لامتلاك قواعد ومصادر للبترول قادرة على تزويد الأسطول البريطاني . حيث لم تكن المملكة المتحدة تمتلك مصادر محلية للنفط على عكس الولايات المتحدة . ومع اندلاع الحرب، حاولت بريطانيا أن تسيطر على مصادر جديدة للنفط . ولم يؤثر الإخفاق البريطاني في الوصول إلى احتياجات بترول محلية فيه على استمرار عملياتها العسكرية حتى فبراير 1917، إلى أن استأنفت ألمانيا حملتها في حرب الغواصات ما أدى إلى شلل الأسطول الملكي لنقص البترول ، الأمر الذي ترك أثراً عميقاً على المخططين العسكريين جعلهم يركزون على كيفية تجنب ذلك في المستقبل.
لقد مثل الوصول إلى البترول جزءاً هاماً في استراتيجية المحور والحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. حيث كانت دول المحور(ألمانيا وإيطاليا واليابان ) تعاني نقصا واضحا في إمدادات الوقود. وكذلك الأمر بالنسبة لألمانيا واليابان. وقد تضمَّن الميثاق النازي - السوفيتي في 1939 العديد من البنود السرية الخاصة بالنفط والشرق الأوسط ، الأمر الذي أثرَّ في الاستراتيجية العسكرية في الأيام الأولى من الحرب. فعلى سبيل المثال وُعِدَ الاتحاد السوفيتي بأن تترك له الحرية في الخليج الفارسي إذا هزمت ألمانيا الحلفاء، بينما كان قرار ستالين بإمداد ألمانيا بنفط القوقاز ضربة قوية للحلفاء ما دفع بريطانيا وفرنسا إلى ضرب مرافق البترول السوفيتية في القوقاز من القواعد الفرنسية في سوريا. وكان الغزو الألماني للاتحاد السوفيتي في يونيو1941 - في جزء منه - محاولة للوصول إلى مصادر أوكرانيا الغنية، ولحماية الإمدادات الحيوية من رومانيا. وكانت الاستراتيجية الألمانية في 1941 - 1942 موضوعة على أساس الوصول إلى ستالينغراد، وفي نفس الوقت، التحرك منها إلى القوقاز التي تحتوي على ثلاثة حقول كبرى في مايكوب وجروزني وباكو ، بالإضافة إلى خطوط نقل البترول في القوقاز. وكان من ضمن دوافع القرار الياباني بمهاجمة الولايات المتحدة في بيرل هاربر في 17 ديسمبر 1941 فعالية الحظر الأمريكي للبترول في صيف 1941، وحاجة اليابان إلى تأمين موارد البترول من أندونيسيا.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت قادرة على تموين عمليات الحلفاء الضخمة في الحرب العالمية الثانية، إلا أنَّ عبء ذلك جعل محترفي العسكرية الأمريكية متشائمين بشأن القدرة الأمريكية على تموين أي صراع آخر طويل الأجل، حيث تمَّ افتراض أن حرباً مع الاتحاد السوفيتي يمكن أن تستمر ثلاث أو أربع سنوات ، ولن تحسمها الأسلحة النووية القليلة في الترسانة الأمريكية، وأن الولايات المتحدة ليس لديها احتياطيات بترولية كافية لتدخل حرباً يمكن أن تستمر أكثر من سنة أو سنتين. وبناء على ذلك، تمَّ وضع تركيز شديد في الخطط العسكرية على حاجة الغرب إلى تأمين حقول البترول في الشرق الأوسط مبكراً في أي صراع مستقبلي.[1]
وعلى عكس الولايات المتحدة ، لا تستطيع أوروبا أن تعتمد على الإمدادات المحلية لمواجهة الطلب المتنامي في وقت السلم . وقد زادت أزمة الطاقة بعد الحرب العالمية الثانية بصورة جذرية من الاتكال الأوروبي على بترول الشرق الأوسط. ولدرجة ملحوظة، قادت فصول الشتاء الباردة وأزمة الطاقة الولايات المتحدة في النهاية، لكي تعيد تقييم دورها القيادي العالمي في أعقاب النصر وانتهاء الأعمال العسكرية في فبراير 1947 . وقد ظهر هذا الدور في قرار الولايات المتحدة الخاص بالحلول محل المملكة المتحدة كحامٍ لليونان وتركيا، وفى برنامج إعادة بناء أوروبا (مشروع مارشال الذي أعلن عنه في يونيه 1947). وكان من آثار مشروع مارشال زيادة انتقال أوروبا من الفحم إلى البترول كوقود رئيسي للصناعة وتوليد الطاقة. وكان معنى ذلك زيادة الاعتماد على بترول الخليج ، خاصة بعد ظهور وفرة الإمدادات هناك. وعندئذ ، بدأ الازدهار الراهن في بترول الشرق الأوسط، بعد أن شهدت المنطقة توسعاً سريعاً في الحقول وأنظمة التوزيع ، بما في ذلك خطوط أنابيب جديدة إلى البحر المتوسط.
وفي خلال الخمسينيات ، سارعت محاولات السيطرة على البترول وتوزيعه من وقوع أزمتين في الشرق الأوسط ، الأزمة الأولى كانت في 1951 عندما أمَّمت الحكومة الإيرانية شركة البترول الأنغلو - إيرانية المشتركة. بينما وقعت الأزمة الثانية في 1956 عندما قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس كرد فعل على قرار الولايات المتحدة وبريطانيا بإلغاء قرض البنك الدولي لمساعدة مصر في بناء السد العالي في أسوان. وشنَّت المملكة المتحدة وفرنسا حرباً على مصر - في جزء منها -، لتؤمن السيطرة على إمدادات البترول من الخليج إلى أوروبا عبر القناة.
وقد أصبحت قضية أمن الطاقة ذات أبعاد استراتيجية بعد حظر البترول العربي في أعقاب الحرب العربية - الإسرائيلية في 1973 ، وذلك لأسباب عدة اهمها:
- الأول ظهور منظمة الدول المصدرة للبترول OPEC كموازن قوي في مواجهة الديمقراطيات الصناعية ، الأمر الذي أثار جدلاً حول إعادة توزيع القوة الدولية بعد أن أصبحت الدول المصدرة للبترول - في الواقع - أصحاب البنوك في العالم .
- الثاني تنامي القدرات العسكرية للاتحاد السوفيتي، وتزايد المخاوف بشأن إمكانية أن تصبح موسكو وحلفاؤها - في أزمة مستقبلية - في وضع يمكنهم من قطع إمدادات المواد الخام الحيوية من الشرق الأوسط وأفريقيا. الأمر الذي دفع إلى وضع إستراتيجيات عسكرية غربية موازنة لحماية إمدادات البترول ، وخاصة من الخليج الفارسي، وللدفاع عن الممرات البحرية.
- الثالث فهو بروز الحركة البيئية وظهور أدبيات مؤثرة تتوقع حدود النمو ، وتدافع عن القيم الخاصة بمنع التوسّع الاقتصادي الذي قاد إلى نجاح دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. OECD
إلا أن السيناريوهات المتشائمة التي سادت في السبعينيات لم تتحقق لعدة أسباب هامة. حيث تراجعت قوة الأوبك ، ومصداقية مقولة حدود النمو نتيجة لقرار الغرب بالحفاظ على الطاقة عن طريق الحوافز الاقتصادية، والبحث عن مصادر بترولية جديدة خارج الشرق الأوسط، والاحتفاظ بمخزونات استراتيجية من الطاقة، واتفاقات المشاركة والاستثمار في تكنولوجيات جديدة تزيد من الكفاءة في استخدام الطاقة، كما انهار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، ما جعل مقولات ضرورة سيطرة القوى العظمى على ممرات الاتصال أمراً غير مقبول.
وتمَّ اختبار المرونة الغربية في مواجهة انقطاع الطاقة مرة أخرى في منتصف الثمانينيات، أثناء الحرب الإيرانية العراقية . حيث شنَّت بغداد حرب السفن لتقليص صادرات البترول الإيرانية. وردت طهران بالهجوم على السفن العربية. ومع ذلك، كانت سوق البترول مشبعة نتيجة انخفاض الطلب العربي والركود الاقتصادي، وظهور مصادر جديدة للبترول.
وفى منتصف التسعينيات ، ظهرت بعض التنبؤات بأزمة طاقة أخرى مع نهاية القرن نتيجة - إلى حد ما- نمو الاقتصاديات الآسيوية ، وتنامي احتياجاتها من الطاقة وخاصة في الصين والهند . وبينما كانت المشكلة الجوهرية في مواجهة احتياجات الطاقة الآسيوية تمثل تحدياً مستقبلياً، ظهرت في أواخر 1997 مشكلة أمن طاقة أخرى، ولكن في هذه المرة بسبب الأزمة المالية الآسيوية[2].
ثانيا: المعضلات الأمنية المعاصرة
تتركز المخاوف بشأن أمن الطاقة حاليا بصورة أكبر على استقرار أسعار البترول، وبصورة اقل على إمكانية المواجهة العالمية بين القوى الكبرى.. فإذا انخفضت الإمدادات من منطقة معينة مثل الخليج سترتفع الأسعار في المدى القصير حتى يتوازن السوق. ومن وجهة النظر الاقتصادية، فإنه لا يهم أن أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية تستوردان 20% و29% على التوالي من احتياجاتهما البترولية الخارجية من الخليج ، بينما تستورد آسيا 74%، نظراً لأن الأقاليم الثلاثة ستتأثر بصورة متساوية إذا انخفضت الإمدادات من الخليج أو من أي مكان آخر، أو إذا تهددت وسائل إيصال هذه الإمدادات.
ويمكن أن يكون للانخفاض أو الارتفاع المفاجئ في أسعار البترول نتائج خطيرة بالنسبة للمستهلكين أو المنتجين. فبالنسبة للقوى الصناعية، سيعنى ارتفاع السعر في المدى القصير نتيجة أن الطلب على منتجات البترول في الدول الصناعية غير مرن، انخفاضاً نسبياً في الطلب لأنه من الصعب إيجاد بدائل لمنتجات البترول، وسترتفع أسعار السلع اليومية التي ترتبط بالبترول. وبالنسبة للدول الديمقراطية، سيكون لارتفاع أسعار البترول تداعيات سياسية هامة. فالهيئة الناخبة في الولايات المتحدة شديدة الحساسية لمسألة سعر البترول . ففي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة فى 1996 ، دفعت زيادة بسيطة في أسعار الغازولين الأمريكي المرشح الجمهوري بوب دول إلى القول بأن أزمة الطاقة خطيرة. وبالرغم من المبالغة الواضحة في ذلك ، إلا أن تعليق دول يشير إلى أن الذاكرة الأمريكية ما زالت تتذكر آثار ارتفاع أسعار البترول فى السبعينيات أربعة أضعاف.
أما في المدى الطويل، فمن المتوقع أن يقود ارتفاع أسعار البترول إلى خفض الطلب، وبالتالي انهيار السعر، حيث تمتلك القوى الصناعية آليات فعالة للتكيف- مع الوقت - مع أسعار البترول المرتفعة عبر التوفير والاختراع والضرائب. وبالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن تساعد اتفاقيات الشراكة البترولية التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية IEA في 1974، واحتفاظ الولايات المتحدة باحتياطي استراتيجي من البترول يمكن اللجوء إليه، على تخفيض سعر البترول العالمي في السوق . إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن العديد من الدول التي لم تشترك في اتفاقات وكالة الطاقة الدولية ، أو التي لم تتبع تخطيط واع مثل الغرب ، يمكن أن تتعرض لآثار مدمرة في حالة الارتفاع السريع في سعر البترول. فقد دفع ارتفاع أسعار البترول في 1990-1991 الهند إلى حافة الإفلاس ، ما أجبرها على إجراء إصلاحات جذرية في الدولة. وتواجه العديد من الاقتصاديات الصاعدة اليوم موقفاً مشابهاً لموقف الهند في بداية التسعينيات. وتعد قضية أثر الارتفاع المفاجئ في أسعار البترول على استقرار العديد من الاقتصاديات الصاعدة قضية خطيرة ذات عواقب سياسية وأمنية عديدة.
ومن ناحية أخرى، يولد الانخفاض الحاد في أسعار البترول مشاكل هامة للمنتجين. فقد كان لأسعار البترول المنخفضة مؤخراً تداعيات هامة على دول الخليج. وتتمثل الآثار الجيدة للمصدرين من انخفاض السعر في أنه يشجع الاستهلاك وبالتالي زيادة الاعتماد الأمني على بترول الخليج الرخيص. وفى المدى الطويل، ربما يؤدي انخفاض السعر إلى تراجع الجهود المبذولة من القوى الصناعية للاحتفاظ بالبترول ، وتطوير بدائل لاقتصاد البترول. أما الآثار السلبية، فتتمثل في أن الأسعار المنخفضة تؤثر مباشرة على العوائد، وبالتالي على ميزانيات الدول الخليجية المنتجة للبترول مسببة بذلك مشاكل سياسية خطيرة .
كما تحدُّ العوائد المنخفضة أيضاً من حجم رأس المال المحلي الذي يمكن أن يستثمره منتجو البترول الرئيسيين في بنية تحتية بترولية جديدة. ونتيجة لذلك، تتعاظم الضغوط على دول مجلس التعاون الخليجي GCC وإيران لتعديل سياساتها الوطنية التي لا تشجع الاستثمار الأجنبي في قطاع البترول .
وقد ظهر ذلك عندما دعا ولى العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله في سبتمبر 1998- والذي ينظر إليه كقومي عربي - الغرب للاستثمار في البنية التحتية البترولية في السعودية.
ثالثا : الطلب المتزايد على بترول الخليج
سيتضاعف الطلب العالمى على الطاقة فى عام2020 ثلاث مرات عما كان عليه فى السبعينيات، وهذا الطلب المتنامى سيتم إشباعه بصورة أساسية عن طريق البترول والغاز الطبيعي والفحم. كما ستزيد احتياجات الطاقة من جانب الدول الصناعية الحديثة إلى الضعف بحلول عام 2010. ومن المتوقع أن يزداد الطلب العالمى على البترول من 71.6 مليون برميل يومياً فى 1997 إلى أكثر من 115 مليون برميل يومياً بحلول 2020. وفى 1995، استهلكت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD حوالي ثلثي إمدادات البترول العالمية. وفي العقدين القادمين يتوقع أن تستهلك هذه الدول حوالي ثلث الزيادة في الطلب فقط.
ويمكن أن تغير عدّة تطورات غير منظورة من توقعات الطلب على الطاقة ، من أبرزها: الركود الاقتصادي العالمي، تغيير الضرائب وسياسات الإعانة في الدول الرئيسية المستهلكة للطاقة نتيجة الاهتمامات البيئية وغيرها، التطور الجذري في تكنولوجيات الطاقة بما يجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة. وبوضع هذه التطورات فى الحسبان من الممكن توقع المسارات العامة فى الخمسة عشر أو العشرين عاماً القادمة.
فمن ناحية، يوجد بترول كاف فى العالم لمواجهة الطلب العالمي في المستقبل البعيد. وتكمن المشكلة فى استخراج البترول من الأرض، وضمان توزيعه فى الأسواق بسعر مقبول . ويقف فى وجه الوصول إلى البترول عقبات سياسية واقتصادية وتنظيمية أكثر منها عقبات جيولوجية. وبالإضافة إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أنه فى الوقت الذى تتعاظم فيه احتياطيات البترول والغاز الطبيعى والفحم فى منطقتى الخليج الفارسى وحوض قزوين، إلا أن هاتين المنطقتين تعدان من أكثر المناطق توتراً فى العالم. حيث يحتوى الخليج بمفرده على أكثر من 64% من احتياطيات البترول العالمية المؤكدة ، ويتم النظر إليه باعتباره قادراً على مواجهة تصاعد الطلب على الطاقة من جانب الدول الصناعية. لذلك سيظل الخليج مصدراً جوهرياً للبترول ، ويمكن أن يصبح حوض قزوين مصدراً هاماً آخر لكل من الغاز والبترول.
رابعا : الارتباط بالخليج الفارسي
كان الخليج الفارسي وسيستمر منطقة اهتمام أساسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة لانه يقع فوق اكبر خزان غير مستخرج من النفط. وتقول "ب ب أموكو"، ان المنتجين الرئيسيين في الخليج يملكون نحو 675 مليار برميل من النفط أو نحو ثلثي الاحتياط العالمي المعروف. كما ان دول الخليج هي الأولى في الانتاج العالمي على المستوى اليومي وقد امنت مجتمعة نحو 21 مليون برميل يومياً عام ،1999 اي ما نسبته نحو 30 في المئة من الانتاج العالمي. ولان الخليج يؤمن هذه الحصة الكبيرة من الانتاج، فان دوله تقرر عادة سعر بيعه.
ومع ان الولايات المتحدة تحصل على 18 في المئة فقط من نفطها المستورد من الخليج الفارسي، فان لها مصلحة استراتيجية كبيرة في استقرار انتاج الطاقة الخليجية لان حلفاءها الرئيسيين - وخصوصاً اليابان ودول افريقيا الغربية - يعتمدون على واردات المنطقة ولأن الحجم الكبير للصادرات النفطية الخليجية سيساهم في ابقاء اسعار النفط العالمية منخفضة نسبياً، وهذا ينعكس فوائد على الاقتصاد الاميركي المعتمد على النفط. ثم لان الانتاج المحلي الى انخفاض، فان الولايات المتحدة ستصبح اكثر اعتماداً على صادرات الخليج. ونتيجة لذلك تعلن خطة الطاقة ان "هذه المنطقة ستظلّ حيوية لمصالح الولايات المتحدة".
لا شك في ان الولايات المتحدة اضطلعت بدور بارز في شؤون الخليج الفارسي منذ الحرب العالمية الثانية. ومع انتهاء تلك الحرب، وضع الرئيس فرانكلين روزفلت اتفاقاً مع عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن سعود، وافقت الولايات المتحدة بموجبه على حماية العائلة المالكة من اعدائها الداخليين والخارجيين في مقابل حصولها على امتيازات للوصول الى النفط السعودي. وفي وقت لاحق وافقت الولايات المتحدة على تأمين مساعدة أمنية لشاه ايران ولزعماء الكويت والبحرين والامارات العربية المتحدة. وأدت هذه الاتفاقات الى نقل كميات هائلة من الاسلحة والذخائر الاميركية الى دول الخليج، وفي بعض الاحيان الى نشر قوات اميركية فيها.
والسياسة الاميركية في حماية انتاج الطاقة من الخليج لا لبس فيها: عندما ينشأ تهديد تستخدم الولايات المتحدة كل الوسائل اللازمة بما فيها القوات العسكرية لضمان استمرار تدفق النفط. وكان الرئيس جيمي كارتر أول من أوضح هذا المبدأ في كانون الثاني 1980 بعد الغزو السوفياتي لافغانستان وسقوط الشاه واستمر مذذاك سياسة للولايات المتحدة فاستخدمت القوة في الكثير من المناسبات انسجاماً مع "مبدأ كارتر": أولاً في 1987-1988 لحماية ناقلات النفط الكويتية من الصواريخ وهجمات الزوارق الايرانية خلال الحرب الايرانية - العراقية. ثم في 1990-1991 لاخراج القوات العراقية من الكويت.
واليوم لا يزال "مبدأ كارتر" حيوياً كما في السابق. فبين 1991 و،2001 أجرت وزارة الدفاع توسيعاً أساسياً للقدرات العسكرية الاميركية في الخليج فنشرت قوات جوية وبحرية اضافية في المنطقة وأعادت تخزين أسلحة وذخائر لقوات برية هائلة. وكل هذه القدرات وضعت في العمل خريف 2001 خلال الهجوم الاميركي على مقاتلي "القاعدة" وطالبان في افغانستان وفي عمليات ذات صلة بمنطقة الخليج الكبرى (مع ان السعودية فرضت بعض القيود على استخدام القواعد الجوية الاميركية في اراضيها). كذلك واصلت الولايات المتحدة بيع اسلحة حديثة بمليارات الدولارات من انظمة صديقة في المنطقة بينها الكويت والسعودية والامارات. وكي تضمن مزيدا من الحماية لتدفق النفط من خطر اي اضطراب، أقدمت الولايات المتحدة الامريكية على احتلال العراق[3].
ان صانعي السياسة الاميركيين يواجهون في المستقبل تحديين خطيرين: ضمان زيادة السعودية والمنتجين الخليجيين الاخرين انتاج النفط الى الحد الذي يتلاءم وتنامي الطلب الاميركي (والعالمي) عليه، وحماية السعودية نفسها من اضطراب داخلي.
والحاجة ماسة خصوصا الى زيادة الانتاج السعودي. ذلك ان السعودية تملك ربع الاحتياط النفطي المعروف في العالم (والتقدير 265 مليار برميل) وهي الدولة الوحيد القادرة على تلبية الطلب الاميركي والعالمي. وترى وزارة الطاقة الاميركية ان الانتاج الصافي للنفط السعودي يجب ان يتضاعف في السنوات العشرين المقبلة من 11.4 مليونا الى 23.1 مليون برميل يوميا، ليلبي الحاجات العالمية المتوقعة. لكن زيادة الانتاج 11.7 مليون برميل يوميا - اي ما يعادل الانتاج الكلي الحالي للولايات المتحدة وكندا - ستكلف مئات المليارات من الدولارات وستوجد تحديات تقنية ولوجيستية هائلة. ويعتقد المحللون ان الطريقة الفضلى لتحقيق الزيادة الضرورية هي اقناع السعودية بفتح قطاعها النفطي امام استثمارات كبيرة لشركات النفط الاميركية. وبموجب خطة الطاقة للادارة الاميركية، هذا هو المطلوب تماما من الرئيس. لكن اي جهد اميركي لممارسة ضغوط على الرياض من اجل السماح باستثمارات نفطية اميركية اكبر في المملكة، يتوقع ان يلقى مقاومة كبيرة من العائلة المالكة التي اممت الشركات النفطية الاميركية في السبعينيات.
وتواجه الادارة مشكلة اخرى في السعودية، هي ان العلاقة الاميركية الامنية البعيدة المدى مع النظام صارت مصدر توتر رئيسي في المملكة مع تزايد اعداد الشباب السعوديين الذين ينقلبون على الولايات المتحدة بسبب ارتباطاتها الوثيقة باسرائيل وانحيازها ضد الاسلام. فمن هذا الجو المعادي لاميركا استطاع اسامة بن لادن تنظيم عدد كبير من اتباعه اواخر التسعينات وحصل على الدعم المالي. وبعد 11 ايلول اتخذت الحكومة السعودية اجراءات صارمة في حق بعض هذه القوى، لكن المعارضة الشعبية للتعاون العسكري والاقتصادي للنظام (السعودي) مع واشنطن لا تزال قوية. لذا فان احد اصعب التحديات التي تواجه صانعي السياسة الاميركيين في السنوات المقبلة هو ايجاد طريقة لتبديد هذه المعارضة فيما يقنعون الرياض بزيادة شحنات نفطها الى الولايات المتحدة.[4]
خامسا : الاستنتاج
سيبقى أمن الخليج الفارسي هو التحدي الاستراتيجي للاقتصاد العالمي. وسيتزايد الاعتماد على بترول المنطقة في العقود المقبلة. ويتزامن تنامي الاحتياجات الاسيوية من بترول الخليج ، ومع تراجع التأييد الدولي للسياسة الأمريكية في المنطقة، ومع ظهور حوض قزوين كمنطقة للتنافس الجيوسياسي على ممرات عبور الطاقة. ويمكن أن تؤثر أي مواجهة عسكرية كبيرة في الخليج بشدة على الأمن الطبيعى لإمدادات البترول، وبالتالي ارتفاع الأسعار العالمية للبترول، حيث يعد انخفاض أسعار البترول أحد أكثر مصادر عدم الاستقرار خطورة في عالم اليوم. وتعد السعودية وإيران أكثر الدول تضرراً من ذلك.
وبناءً على هذه المعطيات ، يؤدي استمرار الأزمة العراقية والموقف الأمريكى من إيران إلى تأجيج عدم الاستقرار فى المنطقة. كذلك فإن الاحتلال العسكري الأمريكي سيكون سبباً في الفوضى السياسية في العالم الإسلامي . وبمرور الوقت ، سيحد ظهور الدول الآسيوية كمستهلكين رئيسيين لبترول الخليج من نطاق العمل الأمريكي المنفرد، خاصة إذا كان هناك عدم اتفاق جوهري بين الولايات المتحدة وآسيا ودول الخليج الرئيسية حول الاستخدام المحتمل للقوة.
لذلك،ثمة ربط واضح بين الامن في الخليج الفارسي والنفط وتصديره ،لذا من مصلحة جميع دول المنطقة البحث عن حلول واقعية وعملية تحفظ الركنين معا،الأمن والنفط وتأمين تصديره بمعزل عن التدخلات الخارجية،وفي الواقع لا يتأمن ذلك الا عبر دوله تحديدا،وهذا ما تحاول القيام به الجمهورية الاسلامية الايرانية عبر سياسة واقعية تنطق من ايجاد العلاقات الطيبة في الخليج من خلال مد الجسور السياسية والاقتصادية،وهذا ما قامت به عمليا عبر الانفتاح الواضح من خلال زيارة الرئيس احمدي نجاد الى كل من السعودية والامارات في محاولة للبحث عن الاطر المشتركة لتفادي المخططات الامريكية التي تستهدف جميع دول المنطقة وخيراتها دون استثناء.
وفي الواقع ان امن النفط في المنطقة يتطلب شروطا ذاتية تتعلق بدول الخليج اولا وأخيرا،وتنطلق من ضرورة وعي الدول العربية لمخاطر الاحتلال الامريكي للعراق وتواجده في بعض دول المنطقة،والعمل على ازالة هذه القضايا التي تنذر بتداعيات سلبية كبيرة جدا ليس على النفط فقط وانما على مجمل الاقتصاد والسلام والأمن الاقليمي والدولي.
[1] - حول مزيد من التفاصيل راجع ، عبد الحي زلوم ،حروب البترول الصليبية والقرن الأميركي الجديد،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت،2005.
[2] - لمزيد من اتفاصيل راجع،كرستين عبد الكريم جيلان،حرب الخليج الحرب القذرة النظيفة، لي شارش ميدي إيدتير- باريس،2001
[3] - حول خلفيات هذا الاحتلال راجع خليل حسين،المتغيرات الدولية والنظام العالمي الجديد،الجامعة اللبنانية،كلية الحقوق والعلوم السياسية،بيروت،2005.
[4] - وللتأكيد على نية الولايات المتحدة وخلفيات احتلالها للعراق نقاتبس هذا المقطع من الاستراتيجية الامريكية للطاقة للعام 2006: سيكون على صانعي السياسة الامريكيين ايلاء كل من ايران والعراق، وهما المنتجان الثاني والثالث للنفط في الخليج، مزيدا من الاهتمام. فان تغييرا مستقبليا في وضعهما السياسي قد يسمح بدور اميركي في تطوير احتياطاتهما النفطية الكبيرة. ولا شك في ان شركات النفط الاميركية سترحب بهذا الامر. وستواصل واشنطن على الارجح السعي الى قيام حكومتين صديقتين متعاونتين في بغداد وطهران. واذا ما فشلت في ذلك، فانها على اتم استعداد لمواجهة اي تحركات عدائية قد تتخذها هاتان الدولتان بكل ما لديها من قوة عسكرية.