زيارة احمدي نجاد لدمشق : علاقات الضرورة ام تقاطع المصالح؟
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
19-1-2006 بصرف النظر عن بعض الاعتبارات تظل العلاقات بين الدول انعكاسا لطبيعة الانظمة ومدى تقارب او تطابق مصالحها، وينطبق الامر نفسه على العلاقات الايرانية السورية، فهي وان شهدت مستويات متدنية جدا وصلت الى حد الصدام السياسي في فترة ما قبل الثورة الاسلامية فان بعدها ولعوامل عديدة ايضا أفضت الى علاقات هي في الواقع اكثر من تقاطع في المصالح وصلت في بعض الفترات والملفات الى علاقات من مستوى استراتيجي يعكس مدى الاستهدافات التي تلاحق كلا البلدين في منطقة تعج بالصراعات والتدخلات والمصالح الاجنبية التي لا ترحم.
فمع خروج مصر من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي وسقوط حكم الشاه في ايران تشكلت النواة الاولى لتقريب المسافة بين دمشق وطهران على قاعدة العديد من المصالح المشتركة التي تخدم السياسات الخارجية لكلا البلدين وكذلك في مجال تدعيم اسس النظامين في الداخل، وعلى الرغم من بعض تباين المواقف ازاء بعض الملفات التي واجهت المنطقة فان امورا كثيرة جمعت الطرفين الى حدود التحالف في الحالات التي وصلت حدود التهديدات الى مستويات خطرة ومنها الاحتلال الامريكي للعراق، ما دفع العلاقات بين البلدين الى مستويات غير مسبوقة، ومن الواضح ان زيارة الرئيس الايراني احمدي نجاد الى سوريا تأتي ترجمة لهذا الواقع المفروض في المنطقة.فما هي التحديات التي تواجه البلدين وما هو المتوقع كرد لدفع ما يمكن ان يستهدف الدولتين؟.
بالنسبة لسوريا، هناك العديد من الملفات ذات الطابع الاستراتيجي التي لن تتمكن دمشق منفردة من تجاوزها من دون نسج تحالفات تؤدي الى تفاعلات سياسية اقليمية مختلفة عن التفاعلات التي سادت المنطقة سابقا، فالعلاقات الامريكية السورية مقطوعة وان وجدت كوة في قناة اتصال ما فهي لايصال رزم المطالب التي لم يعد لها حدود وهي من النوع غير القابل للمساومة او المقايضة كما كانت سائدة في العقود الثلاث الماضية، فدمشق وان انسحبت من لبنان تحت ضغط القرار الدولي 1559 فهي مطالبة ولو بطرق غير مباشرة بتطبيق باقي بنوده وابرزه سلاح المقاومة في لبنان والذي يعتبر حاجة سورية وايرانية مشتركة لمواجهة الضغوط الامريكية – الاسرائيلية المشتركة.اضافة الى السيف المسلط على دمشق في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتداعياته، ناهيك عن عقدة الممر او المستقر للدول الاجنبية من لبنان باتجاه سوريا والتي تمثل ربط النزاع الدائم في السياسة الخارجية السورية.
وفي المقلب الآخر من سوريا، فالولايات المتحدة الامريكية وقواتها لن تعد مجرد قوة عظمى تقود النظام العالمي بل باتت على حدود سوريا وهي في موقع مشاريع الاشتباك الدائم مع سوريا بحسب متطلبات الوضع العراقي وتداعياته، وعلى الرغم من تقديم دمشق الكثير في هذا الملف بالذات لم تتمكن من التملص من الضغوط المتزايدة والقابلة للاستثمار في الوضع الداخلي السوري، على قاعدة قانون محاسبة سوريا، مرورا بمشروع القانون الامريكي لتحرير لبنان وسوريا وكل ذلك في وقت غابت أي مشاريع تسوية او مفاوضات سورية اسرائيلية.
اما بالنسبة الى ايران فالامر لا يقل تعقيدا عن الوضع السوري، فطهران المحاصرة سياسيا ودبلوماسيا حتى الآن بالملف النووي لم تتمكن من التخلص لا من التهديدات الاسرائيلية المباشرة ولا من الضغوط الامريكية، كما لم تستطع اختراق الترويكا الاوربية في ملف المفاوضات للنفاذ الى مواقع مريحة لاعادة خلط الاوراق والانتقال الى مراحل اخرى اكثر امنا على مستوى الواقع الداخلي والخارجي لايران. وكما دمشق كذلك طهران لم تتمكن من الاستثمار الفاعل لسقوط نظام صدام حسين، فهي وان تخلصت من مشروع الاستنزاف الدائم لقواها فقد حل مكانه عمليا قوة عظمى لن توفرها وهي عقدة كأداء في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير.
واذا كانت الملفات الخارجية التي تواجهها ايران هي من النوع غير القابل للتفاوض مع واشنطن او غيرها من الدول الفاعلة على المستويين العالمي والاقليمي، فان الوضع الداخلي لا يقل تأثرا من الوجهة الامريكية، فوصول احمدي نجاد الى سدة الرئاسة وبصرف النظر عن التوصيفات التي اعطيت له، يبقى من وجهة النظر الامريكية رئيسا متشددا شارك في احتلال السفارة الامريكية في طهران، وهو من نفس الوجهة امتدادا للسياسات الخارجية للجمهورية الاولى الايرانية، وبذلك لم تتح واشنطن حتى الآن أي فرصة لايران لتحسين مواقعها الاقليمية.
ان سوريا وايران تمكنتا ولاسباب واعتبارات متنوعة ومتعددة من لعب ادوار اقليمية بارزة ليس على قاعدة الظروف العرضية بقدر ما هي سياسات مقررة وتندرج في اطار مصالح النظام على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن هذا المنطلق يبدو ان طبيعة الظروف المحيطة بالبلدين كما اوضاعهما الداخلية تحكمان عليهما بممارسة هذه الادوار والطموحات الاقليمية، بالقدر الذي يزعج ان لم نقل يقلق قوى اقليمية اخرى، ما يحتم على الجانبين البحث الدائم عن صيغ للعلاقات تتعدى تقاطع المصالح بهدف الوصول ال قواعد قابلة للاستثمار في القضايا الاسترتيجية للبلدين.
ان التدقيق في اوضاع المنطقة والظروف الدقيقة التي تمر بها كل من دمشق وطهران في الحسابات الامريكية تقودنا الى استنتاجات مفادها ان زيارة الرئيس الايراني الى دمشق لن تكون زيارة تأتي في ظروف استثنائية فقط ، وعلى الرغم من وجود اللجان المشتركة بمختلف الانواع والصعد، وعلى الرغم من تكرر زيارات مسؤولي البلدين وبشكل دوري، الا ان المرحلة الانتقالية التي تمر بها بعض الدول في المنطقة لا سيما لبنان والعراق وما يشكله هذان البلدان على مستقبل كل من سوريا وايران سيحتم على الجانبين اتخاذ قرارات ربما تضع المنطقة على مفترق طرق من الصعب الرجوع فيه الى الوراء، وما يبرر ذلك العديد من الامور ابرزها:
- ان واشنطن قد حزمت امرها كما يبدو بخصوص الموقف من طهران ودمشق ونظام الحكم فيهما، فتحت مسميات الحريات والديموقراطية والانظمة الشمولية وغيرها من المصطلحات المستحدثة كـ "الحكم الجيد" و"الشفافية"... وصولا الى "دول محور الشر" لم تعد واشنطن مقتنعة بفائدة التحاور وهي ترى ان التخلص من المتاعب هو اوفر حظا من أي خيار آخر.
- ان اسرائيل التي تمكنت من استثمار كل تداعيات احتلال العراق بفعاالية كبيرة لن تجد انسب وافضل من هذه الظروف لفرض شروطها حتى ولو بالقوة، ليس باتجاه الصراع العربي الاسرائيلي فقط بل كذلك بالعديد من ملفات المنطقة ومنها الملف النووي الايراني.
- ان غياب أي دور فاعل وحقيقي على المستوى الدولي باتجاه قضايا المنظقة ومنها الدور الاوروبي والروسي والصيني سيحمل كل القوى المتضررة من السياسات الامريكية تذهب باتجاهات اكثر تشددا، وبالتالي تغليب الحلول الامنية غير القابلة للحياة على الحلول السياسية المفقودة اساسا.
واستنادا على ما سبق هل سيكون بمقدور كل من سوريا وايران المضي في المواجهة بمعزل عن عوامل وقوى اضافية مساعدة؟ وهل لا زال بالامكان المراهنة على متغيرات دولية ما؟ وهل لا زالت عدة العمل التقليدية قادرة على تقطيع الوقت لفترات اضافية ريثما يتمكن الطرفان من انجاز الملفات الاستراتيجية ذات النوع او الطابع الردعي؟ اسئلة محيرة تنتظر ما يمكن ان تتمخض عنها زيارة احمدي نجاد لدمشق.