قراءة في القرار 1595 وعمل لجنة التحقيق الدولية
د.خليل حسين
استاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ربما يظهر القرار 1595 ومندرجاته للوهلة الاولى عادية ولا يختلف عن غيره من قرارات مجلس الامن المتعلق بلبنان ،الا ان القراءة المتأنية له وربطه بما سبق فيما يتعلق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري،تظهر العديد من النقاط التي يجب التوقف عندها والقاء الضوء عليها،لما يمكن ان تشكل من نقاط ستعتبر سوابق قانونية وسياسية على الصعيد الدولي.فالقرار وان اتى ملتبسا بهدف تلبية بعض مطالب الدولة اللبنانية،لامس في بعض فقراته وفي اسلوب صياغة بعض نصوصه قضايا تطرح العديد من التساؤلات حول خلفياته وأبعاده.وفي هذا الاطار يمكن تسجيل العديد من النقاط ابرزها:
- ففي الشكل اراد مجلس الامن تصوير القرار وكأنه متخذ وفقا لصلاحياته المنصوص عليها في الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة،أي في الجانب المتعلق بحل القضايا بالطرق السلمية وبارادة وتعاون الدولة اللبنانية،بينما التدقيق في حيثياته ومستنداته تظهر تصميم وعزم مجلس الامن تطبيق وتنفيذ ما اتى في القرار وفقا للفصل السابع من ميثاق المنظمة،أي استعمال القوة لكل من سيعرقل اعمال اللجنة التي انشأها.
- ولتسهيل هذا السياق من العمل التنفيذي المحدد في فقرات القرار اعطى مجلس الامن صلاحية متابعة الامور الانشائية والتنفيذية للجنة التحقيق الدولية الى الامين العام للامم المتحدة وذلك بهدف ايجاد الرابط القانوني الملائم لنقل تنفيذ مندرجات القرار من الفصل السادس الى الفصل السابع في أي مرحلة من مراحل التحقيق التي تقوم بها اللجنة وبصرف النظر عن النقطة التي وصلت اليها،وهذا ما ظهر في المادة (8)" وتأذن للأمين العام بأن يمدد عمل اللجنة لفترة أخرى لا تتعدى 3 أشهر، إذا ارتأى ضرورة ذلك لتمكين اللجنة من انجاز تحقيقها"،فانشاء اللجنة ومدة عملها هو من صلاحية مجلس الامن وليس الامين العام كما ان تمديد عمل اللجنة ينبغي ان تسند الى السلطة التي انشأت اللجنة وليس الى أي مرجع غيرها.كما ان ايلاء الامين العام صلاحية تقديم التقارير الشفوية كل شهرين او "ابشكل أكثر تواترا إذا لزم الأمر"كما ورد في المادة (9) يظهر نية مجلس الامن عدم ترك هوامش كبيرة للوقت الضائع في تنفيذ عمل لجنة التحقيق،وعلى الرغم من ان اعطاء بعض الصلاحيات للامين العام يعتبر امرا شائعا في طريقة عمل المجلس الا ان التشديد على هذه الآلية تؤكد ايضا نية المجلس عملية النقل في أي وقت صلاحية التنفيذ الى الفصل السابع.
- لقد لبى القرار بعض مطالب الدولة اللبنانية كالسيادة كما ورد في الديباجة" دعوته الى الاحترام الكامل لسيادة لبنان"،كما حدد مدة عمل اللجنة بثلاثة اشهر قابلة للتمديد لمرة واحدة كما طالب لبنان وبدعم وجهد روسي،الا ان المجلس لم يوافق على الغاء كلمة "الارهاب" التي اوردها ست مرات في القرار،الامر الذي ينطوي على تأكيد المجلس استناده بشكل اساسي على التوصيف الذي اتى به البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن بتاريخ 15-2-2005 في الفقرة الثالثة لجهة ادراج عملية الاغتيال كعمل ارهابي وينطبق عليه مندرجات القرار 1566 لعام 2004.
- لقد حدد مجلس الامن خارطة الطريق التي ينبغي للجنة التحقيق المضي بهاعبر تبنيه لما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق،"وإذ يلاحظ مع القلق ما خلصت اليه بعثة تقصي الحقائق" و"قد درس تقرير بعثة تقصي الحقائق"و"وإذ يلاحظ ايضا في هذا السياق ما رأته البعثة"الفقرات 3و4و5 من ديباجة القرار،اذ ان عملية تبني موقف التقرير جاء بصيغة جازمة بالدرس والملاحظة والرأي الذي خلصت اليه لجنة التقصي وهو بطبيعة الامر موقف مسبق لعمل لجنة التحقيق.
اما لجهة مضمون القرار وابعاده ففيه الكثير من النقاط الملتبسة التي تتناقض وتتعارض مع مظاهر السيادة اللبنانية التي احترمها القرار شكلا وكذلك لجهة حدود صلاحية عمل لجنة التحقيق ان كان في لبنان او خارجه ويمكن تسجيل النقاط التالية:
- فالفقرة الاولى من المادة (3) ينبغي للجنة "ان تتمتع بتعاون السلطات اللبنانية تعاونا تاما بما في ذلك اتاحة فرص الوصول بشكل كامل الى جميع المعلومات والأدلة الوثائقية والمادية والواردة في شهادة الشهود، التي في حوزتها والتي ترى اللجنة أنها ذات أهمية في التحقيق"وكذلك الفقرة الثالثة من نفس المادة " ان تتمتع بحرية التنقل في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية، بما في ذلك الوصول الى جميع المواقع والمرافق التي ترى اللجنة انها ذات أهمية في التحقيق"؛ فأي الاماكن التي ستطلب اللجنة الوصول اليها،وماذا لو طلبت الوصول الى اماكن سيادية مثل القصر الجمهوري او وزارة الدفاع او الداخلية،ولو ذهبنا الى ابعد من ذلك وطالبت بالوصول الى اماكن متعلقة بعمل المقاومة فكيف سيتم التعامل مع هذه المطالب؟وكيف يمكن التوفيق بين السيادة وهذه المطالب؟.وما هي طبيعة شهادة الشهود التي في حوزتها وما هي ومن اين اتت بها؟واذا كان المقصود شهادات وردت في تقرير لجنة تقصي الحقائق البالغ 300 صفحة فلماذا لم تنشر مع الملخص التنفيذي الذي لم يتضمن سوى 20 صفحة أي 7% من اصل التقرير رغم ان فيه من استنتاجات تصل الى حد ليس توجيه الاتهام بل تأكيده لبعض الجهات الامنية اللبنانية والسورية.
- ان الفقرة الثانية في المادة (3) تعتبر الاكثر التباسا في نص القرار"اجراء مقابلات مع جميع المسؤولين وغيرهم من الأشخاص في لبنان، ممن ترى اللجنة ان لهم أهمية في التحقيق". فمن هم الاشخاص المسؤولين - والمقصود بهم الرسميون هنا - الذين سيتم الاستماع لهم؟هل هم موظفون اداريون امنيون؟ام ذات صفات سياسية او سيادية؟وكيف سيتم التعامل مع هذه الفئات جميعها؟ وفي المقلب الآخر من الفقرة من المقصود بـ "غيرهم من الاشخاص" وهنا المقصود غير المسؤولين الرسميين،فهل سيكونون رؤساء احزاب وحركات ومنظمات لبنانية؟وكيف سيتم التعامل مع هذه الفقرة اذا ربطت لسبب ما بالفقرة الثالثة من مقدمة القرار"وإذ يدين ما أعقبها من هجمات في لبنان" بعد جريمة الاغتيال،فهل المقصود التفجيرات الامنية التي حدثت في بعض المناطق اللبنانية ام ان استنتاجات التحقيق اللاحق يمكن ان يُربط بأعمال وأفعال جرت قبل جريمة الاغتيال؟وهل يمكن ان تمتد الى مفعول رجعي الى قبل اتفاق الطائف وبعده؟.
- ان ما ورد في المادة (7) "يطلب الى جميع الدول وجميع الأطراف ان تتعاون تعاونا تاما مع اللجنة ..." فمن المقصود هنا بالدول سيما وان الدولة اللبنانية قد ورد ذكرها صراحة في القرار؟ فهل سوريا هي المعنية بهذه الفقرة او غيرها؟ في الواقع هو كذلك،وهذا ما اكدته تصريحات بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية،وما يؤكد ذلك ايضا ما ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول طلب اللجنة لموعد مع الرئيس السوري لاستيضاحه عن امور واجهت عملها حيث رفض الطلب.فهل سيكون من بين مهام لجنة التحقيق الدولية توسيع عملها الى خارج الاراضي اللبنانية؟
ان ما ورد في بعض مواد القرار سيشكل سوابق قانونية وسياسية كثيرة تضاف الى منهج عمل مجلس الامن الدولي في تعاطيه مع قضايا حساسة تتطلب دراية كبيرة بأوضاع بعض المناطق في العالم، فالقرار 1595 شكل سابقة قانونية لجهة اعتبار جريمة اغتيال الرئيس الحريري عملا ارهابيا يتطلب الولوج في عملية كشف المخططين والمنفذين له اللجوء الى الفصل السابع من ميثاق المنظمة،وهي صلاحية مناطة بمجلس الامن في حال تعرض الامن والسلم الدوليين للخطر.كما يعتبر القرار سابقة لجهة معالجة جريمة اغتيال سياسية بقرار من مجلس الامن مستندا الى قرار سابق هو الـ 1566 وبذلك يكون القرار الاخير قد وضع موضع التطبيق والتنفيذ للمرة الاولى منذ صدوره العام الماضي.
كما ان تحديد عمل لجنة التحقيق الدولية لجهة التوقيت والمدد الزمنية سيكون مترافقا مع القانون الامريكي لـ "تحرير لبنان وسوريا"الذي سيوضع موضع التطبيق والتنفيذ في أيار القادم والذي اجاز للرئيس الامريكي العمل عبر مجلس الامن الدولي سياسيا وماليا واقتصاديا وحتى عسكريا لتنفيذه.فهل يمكن ان تكتمل القراءة القانونية للقرار من دون المقاربة السياسية للموضوع برمته؟
ان خلفيات القرار 1595 وأبعاده السياسية في المنطقة لم تأت من الفراغ بل تهيأت له البيئة القانونية سلفا بدء من القرار 1373 و 1559 مرورا بالـ 1566 وصولا الى البيان الرئاسي وتقرير لجنة تقصي الحقائق،فهل سيقتصر الامر على جلاء حقيقة جريمة الاغتيال؟ان القراءة المتأنية لما يرسم في للمنطقة تشير الى ان لجنة التحقيق الدولية ستكون كسيف دموقليس الموجه على رقاب دول المنطقة، فبقدر ما تكون الاستجابات والتنازلات كثيرة سيكون ضغط اللجنة مخففا.
ان لجريمة اغتيال الرئيس الحريري ابعادا تتعدى حجم لبنان وقدرته على تحمل نتائجها بل ان تداعياتها ستشمل نهجا سيطال دولا كثيرة في المنطقة، فهل نحن امام لجنة تحقيق دولية كلجنة انموفيك في العراق وهل سيضطر رئيسها يوما التصريح عن الضغوط التي ستمارس عليه كما فعل بليكس يوما بعد سقوط بغداد؟ومن هي العاصمة العربية المستهدفة لاحقا؟ ربما سيكون صيفا حارا لن تنفع معه محاولات التبريد الداخلية في لبنان لا عبر الحكومة ولا قانونها الانتخابي القادم،ولا الاستجابات السورية للقرار 1559 ، فهل سبق السيف العزل؟
د.خليل حسين
استاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ربما يظهر القرار 1595 ومندرجاته للوهلة الاولى عادية ولا يختلف عن غيره من قرارات مجلس الامن المتعلق بلبنان ،الا ان القراءة المتأنية له وربطه بما سبق فيما يتعلق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري،تظهر العديد من النقاط التي يجب التوقف عندها والقاء الضوء عليها،لما يمكن ان تشكل من نقاط ستعتبر سوابق قانونية وسياسية على الصعيد الدولي.فالقرار وان اتى ملتبسا بهدف تلبية بعض مطالب الدولة اللبنانية،لامس في بعض فقراته وفي اسلوب صياغة بعض نصوصه قضايا تطرح العديد من التساؤلات حول خلفياته وأبعاده.وفي هذا الاطار يمكن تسجيل العديد من النقاط ابرزها:
- ففي الشكل اراد مجلس الامن تصوير القرار وكأنه متخذ وفقا لصلاحياته المنصوص عليها في الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة،أي في الجانب المتعلق بحل القضايا بالطرق السلمية وبارادة وتعاون الدولة اللبنانية،بينما التدقيق في حيثياته ومستنداته تظهر تصميم وعزم مجلس الامن تطبيق وتنفيذ ما اتى في القرار وفقا للفصل السابع من ميثاق المنظمة،أي استعمال القوة لكل من سيعرقل اعمال اللجنة التي انشأها.
- ولتسهيل هذا السياق من العمل التنفيذي المحدد في فقرات القرار اعطى مجلس الامن صلاحية متابعة الامور الانشائية والتنفيذية للجنة التحقيق الدولية الى الامين العام للامم المتحدة وذلك بهدف ايجاد الرابط القانوني الملائم لنقل تنفيذ مندرجات القرار من الفصل السادس الى الفصل السابع في أي مرحلة من مراحل التحقيق التي تقوم بها اللجنة وبصرف النظر عن النقطة التي وصلت اليها،وهذا ما ظهر في المادة (8)" وتأذن للأمين العام بأن يمدد عمل اللجنة لفترة أخرى لا تتعدى 3 أشهر، إذا ارتأى ضرورة ذلك لتمكين اللجنة من انجاز تحقيقها"،فانشاء اللجنة ومدة عملها هو من صلاحية مجلس الامن وليس الامين العام كما ان تمديد عمل اللجنة ينبغي ان تسند الى السلطة التي انشأت اللجنة وليس الى أي مرجع غيرها.كما ان ايلاء الامين العام صلاحية تقديم التقارير الشفوية كل شهرين او "ابشكل أكثر تواترا إذا لزم الأمر"كما ورد في المادة (9) يظهر نية مجلس الامن عدم ترك هوامش كبيرة للوقت الضائع في تنفيذ عمل لجنة التحقيق،وعلى الرغم من ان اعطاء بعض الصلاحيات للامين العام يعتبر امرا شائعا في طريقة عمل المجلس الا ان التشديد على هذه الآلية تؤكد ايضا نية المجلس عملية النقل في أي وقت صلاحية التنفيذ الى الفصل السابع.
- لقد لبى القرار بعض مطالب الدولة اللبنانية كالسيادة كما ورد في الديباجة" دعوته الى الاحترام الكامل لسيادة لبنان"،كما حدد مدة عمل اللجنة بثلاثة اشهر قابلة للتمديد لمرة واحدة كما طالب لبنان وبدعم وجهد روسي،الا ان المجلس لم يوافق على الغاء كلمة "الارهاب" التي اوردها ست مرات في القرار،الامر الذي ينطوي على تأكيد المجلس استناده بشكل اساسي على التوصيف الذي اتى به البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن بتاريخ 15-2-2005 في الفقرة الثالثة لجهة ادراج عملية الاغتيال كعمل ارهابي وينطبق عليه مندرجات القرار 1566 لعام 2004.
- لقد حدد مجلس الامن خارطة الطريق التي ينبغي للجنة التحقيق المضي بهاعبر تبنيه لما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق،"وإذ يلاحظ مع القلق ما خلصت اليه بعثة تقصي الحقائق" و"قد درس تقرير بعثة تقصي الحقائق"و"وإذ يلاحظ ايضا في هذا السياق ما رأته البعثة"الفقرات 3و4و5 من ديباجة القرار،اذ ان عملية تبني موقف التقرير جاء بصيغة جازمة بالدرس والملاحظة والرأي الذي خلصت اليه لجنة التقصي وهو بطبيعة الامر موقف مسبق لعمل لجنة التحقيق.
اما لجهة مضمون القرار وابعاده ففيه الكثير من النقاط الملتبسة التي تتناقض وتتعارض مع مظاهر السيادة اللبنانية التي احترمها القرار شكلا وكذلك لجهة حدود صلاحية عمل لجنة التحقيق ان كان في لبنان او خارجه ويمكن تسجيل النقاط التالية:
- فالفقرة الاولى من المادة (3) ينبغي للجنة "ان تتمتع بتعاون السلطات اللبنانية تعاونا تاما بما في ذلك اتاحة فرص الوصول بشكل كامل الى جميع المعلومات والأدلة الوثائقية والمادية والواردة في شهادة الشهود، التي في حوزتها والتي ترى اللجنة أنها ذات أهمية في التحقيق"وكذلك الفقرة الثالثة من نفس المادة " ان تتمتع بحرية التنقل في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية، بما في ذلك الوصول الى جميع المواقع والمرافق التي ترى اللجنة انها ذات أهمية في التحقيق"؛ فأي الاماكن التي ستطلب اللجنة الوصول اليها،وماذا لو طلبت الوصول الى اماكن سيادية مثل القصر الجمهوري او وزارة الدفاع او الداخلية،ولو ذهبنا الى ابعد من ذلك وطالبت بالوصول الى اماكن متعلقة بعمل المقاومة فكيف سيتم التعامل مع هذه المطالب؟وكيف يمكن التوفيق بين السيادة وهذه المطالب؟.وما هي طبيعة شهادة الشهود التي في حوزتها وما هي ومن اين اتت بها؟واذا كان المقصود شهادات وردت في تقرير لجنة تقصي الحقائق البالغ 300 صفحة فلماذا لم تنشر مع الملخص التنفيذي الذي لم يتضمن سوى 20 صفحة أي 7% من اصل التقرير رغم ان فيه من استنتاجات تصل الى حد ليس توجيه الاتهام بل تأكيده لبعض الجهات الامنية اللبنانية والسورية.
- ان الفقرة الثانية في المادة (3) تعتبر الاكثر التباسا في نص القرار"اجراء مقابلات مع جميع المسؤولين وغيرهم من الأشخاص في لبنان، ممن ترى اللجنة ان لهم أهمية في التحقيق". فمن هم الاشخاص المسؤولين - والمقصود بهم الرسميون هنا - الذين سيتم الاستماع لهم؟هل هم موظفون اداريون امنيون؟ام ذات صفات سياسية او سيادية؟وكيف سيتم التعامل مع هذه الفئات جميعها؟ وفي المقلب الآخر من الفقرة من المقصود بـ "غيرهم من الاشخاص" وهنا المقصود غير المسؤولين الرسميين،فهل سيكونون رؤساء احزاب وحركات ومنظمات لبنانية؟وكيف سيتم التعامل مع هذه الفقرة اذا ربطت لسبب ما بالفقرة الثالثة من مقدمة القرار"وإذ يدين ما أعقبها من هجمات في لبنان" بعد جريمة الاغتيال،فهل المقصود التفجيرات الامنية التي حدثت في بعض المناطق اللبنانية ام ان استنتاجات التحقيق اللاحق يمكن ان يُربط بأعمال وأفعال جرت قبل جريمة الاغتيال؟وهل يمكن ان تمتد الى مفعول رجعي الى قبل اتفاق الطائف وبعده؟.
- ان ما ورد في المادة (7) "يطلب الى جميع الدول وجميع الأطراف ان تتعاون تعاونا تاما مع اللجنة ..." فمن المقصود هنا بالدول سيما وان الدولة اللبنانية قد ورد ذكرها صراحة في القرار؟ فهل سوريا هي المعنية بهذه الفقرة او غيرها؟ في الواقع هو كذلك،وهذا ما اكدته تصريحات بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية،وما يؤكد ذلك ايضا ما ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول طلب اللجنة لموعد مع الرئيس السوري لاستيضاحه عن امور واجهت عملها حيث رفض الطلب.فهل سيكون من بين مهام لجنة التحقيق الدولية توسيع عملها الى خارج الاراضي اللبنانية؟
ان ما ورد في بعض مواد القرار سيشكل سوابق قانونية وسياسية كثيرة تضاف الى منهج عمل مجلس الامن الدولي في تعاطيه مع قضايا حساسة تتطلب دراية كبيرة بأوضاع بعض المناطق في العالم، فالقرار 1595 شكل سابقة قانونية لجهة اعتبار جريمة اغتيال الرئيس الحريري عملا ارهابيا يتطلب الولوج في عملية كشف المخططين والمنفذين له اللجوء الى الفصل السابع من ميثاق المنظمة،وهي صلاحية مناطة بمجلس الامن في حال تعرض الامن والسلم الدوليين للخطر.كما يعتبر القرار سابقة لجهة معالجة جريمة اغتيال سياسية بقرار من مجلس الامن مستندا الى قرار سابق هو الـ 1566 وبذلك يكون القرار الاخير قد وضع موضع التطبيق والتنفيذ للمرة الاولى منذ صدوره العام الماضي.
كما ان تحديد عمل لجنة التحقيق الدولية لجهة التوقيت والمدد الزمنية سيكون مترافقا مع القانون الامريكي لـ "تحرير لبنان وسوريا"الذي سيوضع موضع التطبيق والتنفيذ في أيار القادم والذي اجاز للرئيس الامريكي العمل عبر مجلس الامن الدولي سياسيا وماليا واقتصاديا وحتى عسكريا لتنفيذه.فهل يمكن ان تكتمل القراءة القانونية للقرار من دون المقاربة السياسية للموضوع برمته؟
ان خلفيات القرار 1595 وأبعاده السياسية في المنطقة لم تأت من الفراغ بل تهيأت له البيئة القانونية سلفا بدء من القرار 1373 و 1559 مرورا بالـ 1566 وصولا الى البيان الرئاسي وتقرير لجنة تقصي الحقائق،فهل سيقتصر الامر على جلاء حقيقة جريمة الاغتيال؟ان القراءة المتأنية لما يرسم في للمنطقة تشير الى ان لجنة التحقيق الدولية ستكون كسيف دموقليس الموجه على رقاب دول المنطقة، فبقدر ما تكون الاستجابات والتنازلات كثيرة سيكون ضغط اللجنة مخففا.
ان لجريمة اغتيال الرئيس الحريري ابعادا تتعدى حجم لبنان وقدرته على تحمل نتائجها بل ان تداعياتها ستشمل نهجا سيطال دولا كثيرة في المنطقة، فهل نحن امام لجنة تحقيق دولية كلجنة انموفيك في العراق وهل سيضطر رئيسها يوما التصريح عن الضغوط التي ستمارس عليه كما فعل بليكس يوما بعد سقوط بغداد؟ومن هي العاصمة العربية المستهدفة لاحقا؟ ربما سيكون صيفا حارا لن تنفع معه محاولات التبريد الداخلية في لبنان لا عبر الحكومة ولا قانونها الانتخابي القادم،ولا الاستجابات السورية للقرار 1559 ، فهل سبق السيف العزل؟